ملاحقة صناع المحتوى الهابط بالعراق.. هل تشمل الخطاب السياسي المسيء؟
اتخذ القضاء العراقي إجراءات بحق 14 شخصاً في قضية المحتوى الهابط، صدرت بحقّ ستة منهم أحكام بالسجن.

السياق
تلقى منصتا "يوتيوب" و"تيك توك" رواجاً بالعراق في أوساط صانعي محتوى، ينشرون أحياناً مقاطع خفيفة ومضحكة، وأحيانًا إيحائية، لكن هؤلاء مطاردون بتهمة نشر محتوى "هابط"، الأمر الذي يعده ناشطون تكميماً للأفواه وتهديداً للحريات الشخصية.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية -منتصف يناير- تشكيل لجنة لمحاربة "المحتوى الهابط" الذي "يخالف الأخلاق والتقاليد" في مجتمع لا يزال محافظاً إلى حد كبير.
ورأت الوزارة -في شريط فيديو ترويجي للحملة- أن "هذا المحتوى لا يقلّ خطورة عن الجريمة المنظمة، لأنه من أسباب تخريب الأسرة العراقية والمجتمع".
وصدر أول الأحكام في هذا الإطار بالسجن ستة أشهر بحقّ أم فهد، صانعة محتوى، يتابعها أكثر من 145 ألف شخص على "تيك توك"، بسبب مقاطع فيديو تظهر فيها بملابس ضيقة، وهي ترقص على أنغام موسيقى عراقية.
بعد ذلك بأيام، حُكم على عسل حسام، صانعة محتوى عراقية أخرى، بالسجن عامين بسبب تعليقات عُدت ذات دلالات جنسية، وفيديوهات ترتدي فيها الزي العسكري بشكل يبرز جسدها.
في المجموع، اعتُقل أكثر من عشرة أشخاص بسبب "المحتوى الهابط"، وفقًا لمسؤول في وزارة الداخلية، فضّل عدم كشف هويته.
وأكد المسؤول أن منصة أقامتها الوزارة لتسلم الشكاوى المتعلقة بمسألة المحتوى، تلقّت حتى الآن 96 ألف إخبار.
د. مصطفى سمير @mustafalhadithi، رئيس مركز الإعلام الرقمي: #المحتوى_الهابط مصطلح متداول إعلاميًا وليس مصطلحًا قانونيًا، فالمصطلح القانوني المُعاقب عليه في القانون العراقي هو المحتوى المسيء الذي يخدش الحياء ويكون مخلًا بالآداب العامة.#السياق #العراق #سانت_ليغو pic.twitter.com/iJqsNFb3QQ
— السياق (@alsyaaq) February 16, 2023
مصطلحات فضفاضة
في مدينة العمارة جنوبي العراق، استمع قاضي تحقيق إلى أربعة أشخاص معروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة الإساءة "للآداب وللذوق العام وخدش الحياء"، وفقًا لبيان مجلس القضاء الأعلى.
ومن هؤلاء المتهمين المفرج عنهم عبود سكيبة، الذي له 161 ألف متابع على "تيك توك"، ومعروف بمقاطع الفيديو الفكاهية، التي يردّد فيها كلمات تبدو إنجليزية بلهجة أمريكية قوية، لكنها غير مفهومة.
أما الآخر فهو حسن الشمري، الذي يتابعه أكثر من ثلاثة ملايين شخص على التطبيق الصيني لمقاطع الفيديو.
يرتدي حسن في فيديوهاته جلابة ويضع حجاباً أسود على شعره، متنكراً بزي امرأة، ويسمّي نفسه "مديحة" التي تمثّل شخصية امرأة عراقية قوية تتحدّر من بيئة شعبية.
في الفيديو الأخير الذي نشره بعد إطلاق سراحه، أعلن أنه حذف بعض المنشورات التي تحتوى على "إساءة"، لكنه أكد أنه سيستمر في الإنتاج.
بالمجمل، اتخذ القضاء العراقي إجراءات بحق 14 شخصاً في قضية المحتوى "الهابط"، صدرت بحقّ ستة منهم أحكام بالسجن، بحسب القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية.
وقال القاضي في المقابلة: "بدأنا بالحالات التي يوجد إجماع على رفضها"، موضحاً أن "الحالات التي ليست بهذا الوضوح، أي التي قد تختلط بين حرية التعبير والمحتوى المخالف للآداب، ستلجأ المحكمة إلى انتخاب خبراء مختصين" للبت فيها.
ويشرح مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون لوكالة فرانس برس أنه "لا يوجد قانون للمحتوى الهابط، وليس من حق الدولة أن تتدخل في أمر كهذا".
ويضيف: "الدولة تعتمد على قانون العقوبات، والقانون يحتوي على مصطلحات فضفاضة ومطاطة مثل الآداب العامة وخدش الحياء، كلها قابلة للتأويل والتفسير، وبسببها يعتقل شخص لم يرتكب أي فعل سيئ، وربما يفلت من خلالها شخص خالف القانون".
تكميم الأفواه
بعد عقود من الصراع والعنف الطائفي، عقب الغزو الأمريكي الذي أطاح نظام صدام حسين عام 2003، عرف العراق استقراراً نسبياً رغم النزاعات السياسية والعنف الذي يهزّ البلاد من وقت إلى آخر.
لكن القيود، لا سيما الاجتماعية، كبيرة على الحقوق، خصوصًا تلك العائدة للنساء، وعلى الحريات والمعارضة السياسية والأقليات الجنسية، وتصطدم بثقافة أبوية قبلية محافظة جدًا.
وشجبت بعثة الأمم المتحدة بالعراق في يونيو "بيئة الخوف والترهيب" التي تحد من حرية التعبير.
ويقول سعدون: "ليس هناك ما يبرر إقصاء صانعي المحتوى على الإنترنت، ومحاولة تهديدهم، ومن خلالهم نبعث رسائل للآخرين بضرورة أن يخففوا انتقادهم، بحجة المحتوى الهابط، أو بحجة الإساءة إلى الدولة".
ويرى أن تلك الحملة "محاولة لجس النبض قبل الذهاب إلى مرحلة أخطر، هي محاسبة كل من ينتقد مؤسسات الدولة والسياسيين".
لكن مدير الإعلام والعلاقات في وزارة الداخلية، اللواء سعد معن قال، في لقاء مع قناة الرشيد العراقية إن "المسألة ليست لها علاقة بحريّة التعبير"، مضيفًا أن "هؤلاء... لا يمثلون العراق ولا المرأة العراقية ولا المجتمع العراقي".
وقال الكاتب والمحلّل السياسي العراقي أحمد عياش السامرائي في تغريدة: "عشرون عامًا مضت نرى فيها كل يوم محتوى هابطا يقدمه لنا ساسة الصدفة وزعماء العمل السياسي ورجال حُسبوا على الدين".
وأضاف: "نعرات طائفية، تمييز عنصري، تحريض على العنف، وغيرها، جميعها أضرّت بالمجتمع وأحدثت انقسامات داخله، وشوهت صورته".
وتابع "أنا شخصيًا مع الإجراءات التي اتخذها القضاء العراقي... مع صانعي المحتوى، لكن للإنصاف، لم يكن محتواهم أكثر هبوطًا مع من ذكرتهم أعلاه".