طلاب بدرجة جواسيس... كيف تبني الصين جيشها الرقمي؟
عملية التقديم تضمنت اختبارات ترجمة للوثائق الحساسة التي تم الحصول عليها من الوكالات الحكومية الأمريكية

ترجمات - السياق
الحروب التكنولوجية الرقمية لا تقل ضراوة عن الحروب التقليدية، ولها أساليبها وأهدافها وتكتيكاتها، وتتسابق الدول لبناء "جيشها الرقمي".
في هذا الصدد كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الصين تغري الخريجين الباحثين عن فرص عمل، ثم تجرهن للعمل في مجال التجسس الرقمي، مشيرة إلى استهداف شركة رائدة لمترجمين للعمل لصالح مجموعة القرصنة (إيه بي تي40) المدعومة من بكين.
وأوضحت الصحيفة، أنه جرى إغراء طلاب الجامعات الصينية للعمل في شركة تكنولوجيا سرية تخفي الطبيعة الحقيقية لوظائفهم، وهي (البحث عن أهداف غربية للتجسس وترجمة الوثائق السرية)، كجزء من نظام الاستخبارات الذي يجري على نطاق واسع في بكين.
وتواصلت "فايننشال تايمز" مع نحو 140 مترجمًا، معظمهم من الخريجين الجدد، الذين درسوا اللغة الإنجليزية في جامعات عامة في هاينان وسيشوان وشيان، مشيرة إلى أنهم استجابوا لإعلانات الوظائف في (هاينان شياندون) وهي شركة تقع في جزيرة هاينان الاستوائية الجنوبية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن عملية التقديم تضمنت اختبارات ترجمة للوثائق الحساسة التي تم الحصول عليها من الوكالات الحكومية الأمريكية وتعليمات للبحث عن الأفراد في جامعة جونز هوبكنز ، كـ (هدف استخباراتي).
قرصنة صينية
وبينت "فايننشال تايمز" أنه بموجب لائحة اتهام اتحادية أمريكية صدرت عام 2021 فإن هاينان شياندون كانت غطاء لمجموعة القرصنة الصينية (إيه بي تي40)، مشيرة إلى أن وكالات الاستخبارات الغربية اتهمت هذه المجموعة بالتسلل إلى الوكالات الحكومية والشركات والجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والشرق الأوسط، بأوامر من وزارة أمن الدولة الصينية.
وحسب الصحيفة، سعى مكتب التحقيقات الفدرالي لتعطيل أنشطة (هاينان شياندون) في يوليو الماضي، من خلال توجيه الاتهام إلى ثلاثة من مسؤولي أمن الدولة في مقاطعة هاينان -دينغ شياويانغ وتشنغ تشينغمين وتشو يونمين- لدورهم المزعوم في تأسيس الشركة كواجهة للتجسس المدعوم من الدولة.
كما يُعتقد أن رجلًا آخر ورد ذكره في لائحة الاتهام، وهو (وي شورونغ)، الذي يُعد أحد المتسللين الذين ساعدوا في الإشراف على الموظفين في هاينان شياندون.
إلى ذلك، أوضحت الصحيفة، أنه بينما تسعى أجهزة الاستخبارات الغربية إلى البحث عن جواسيس محتملين من الجامعات، حيث يخضع المتقدمون للتدقيق والتدريب الصارم، قبل الانضمام إلى وكالة المخابرات المركزية في الولايات المتحدة أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية في المملكة المتحدة، إلا أن الخريجين الصينيين المستهدفين من هاينان شياندون انجذبوا -عن غير قصد- إلى حياة التجسس، إذ تم نشر إعلانات الوظائف من الشركة على مواقع الجامعة للمترجمين، من دون توضيح لطبيعة العمل.
عواقب وخيمة
وترى "فايننشال تايمز" أنه قد تكون لهذا الانجذاب -أو الانضمام إلى هذه الشركات- عواقب وخيمة، حيث من المحتمل أن يواجه الذين تم تحديدهم على أنهم تعاونوا مع وزارة أمن الدولة الصينية، من خلال عملهم في هاينان شياندون، صعوبة في العيش والعمل في الدول الغربية، وهو دافع للعديد من الطلاب الذين يدرسون اللغات الأجنبية.
وبينت الصحيفة أنها نجحت في الاتصال بجميع الأفراد الـ 140 الموجودين في قائمة مسربة من المرشحين، للتأكد من صحة الطلبات، مشيرة إلى أن العديد ممن تم الاتصال بهم، أكدوا في البداية هوياتهم، لكنهم أنهوا المكالمات الهاتفية بعد سؤالهم عن صلاتهم بـهاينان شياندون.
سرقة بيانات حساسة
وكشفت أن تطبيقاتهم توفر نظرة ثاقبة على تكتيكات (إيه بي تي40)، المعروفة باستهداف مؤسسات البحوث الطبية الحيوية والروبوتات والبحرية، كجزء من جهود أوسع لاكتساب المعرفة بالاستراتيجية الصناعية الغربية وسرقة البيانات الحساسة.
وذكرت أن القرصنة على هذا النطاق تتطلب قوة عاملة ضخمة من المتحدثين باللغة الإنجليزية، يمكنهم المساعدة في تحديد أهداف القرصنة وفنيي الإنترنت، الذين يستطيعون الوصول إلى أنظمة الخصوم وضباط المخابرات لتحليل المواد المسروقة.
تفسير المصطلحات
وكشفت "فايننشال تايمز" أن هاينان شياندون تطلب من المتقدمين ترجمة وثيقة من المكتب الأمريكي لأبحاث وتطوير البنية التحتية، تحتوي على تفسيرات تقنية لمنع التآكل على شبكات النقل والبنية التحتية، مشيرة إلى أنه يبدو أن ذلك يختبر قدرات الموظفين المحتملين على تفسير المفاهيم والمصطلحات العلمية المعقدة.
ونقلت الصحيفة عن سيندي، طالبة اللغة الإنجليزية من جامعة صينية مرموقة، قولها: "لقد كانت عملية غريبة للغاية، فقد تقدمت بطلب عبر الإنترنت ثم أرسل لي موظف الموارد البشرية ترجمة اختبار تقنية للغاية، وحينها قررت عدم الاستمرار في الطلب".
"إيه بي إل"
من هؤلاء الطلاب (تشانغ)، خريج اللغة الإنجليزية، الذي تقدم بطلب إلى هاينان شياندون، والذي أخبر "فايننشال تايمز" بأن من جنده طلب منه تجاوز واجبات الترجمة التقليدية، من خلال البحث في مختبر جونز هوبكينز للفيزياء التطبيقية، مع تعليمات لمعرفة معلومات عن المؤسسة، بما في ذلك السير الذاتية لأعضاء مجلس الإدارة وهندسة المبنى وتفاصيل عقود البحث التي أبرمتها مع العملاء.
وشددت الصحيفة، على أنه من المرجح أن يكون (إيه بي إل)، وهو متلقٍّ كبير لأموال أبحاث وزارة الدفاع الأمريكية، ذا أهمية استخباراتية كبيرة لبكين والذين يعملون هناك لأهداف القرصنة.
وأوضحت أن وثيقة التعليمات تطلب من المرشحين للوظيفة تحميل برنامج (جدار الحماية العظيم) الذي يحظر مواقع الويب، مثل فيسبوك وإنستجرام وتويتر وجوجل في الصين، فضلًا عن استخدام برنامج ( في بي إن) للوصول إلى المواقع المحظورة ومعلومات أكثر أثناء البحث مع إخفاء موقع المستخدم.
أهداف القرصنة
ونقلت "فايننشال تايمز" عن داكوتا كاري، الخبيرة في التجسس الإلكتروني الصيني، المحللة الأمنية السابقة في جامعة جورج تاون، قولها، إن الطلاب المترجمين من المرجح أن يساعدوا في البحث عن المنظمات أو الأفراد، الذين قد يثبت أنهم مصادر مثمرة للمعلومات الحساسة.
وأضافت: "حقيقة أنك ستضطر إلى استخدام برنامج (في بي إن)، وأنك ستحتاج إلى إجراء أبحاثك الخاصة وتحتاج إلى مهارات لغوية جيدة، كل ذلك يقول لي إن هؤلاء الطلاب سوف يحددون أهداف القرصنة".
وأوضحت كاري، التي أدلت بشهادتها أمام لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية، بين الولايات المتحدة والصين، بشأن القدرات الإلكترونية لبكين، أن التعليمات الخاصة بالبحث حول جونز هوبكنز كانت مؤشرًا على مستوى المبادرة والقدرة على اكتساب المعرفة المتخصصة، التي من المتوقع أن يبرهن عليها المترجمون.
استغلال الطلاب
ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الأمنيين، قوله: إن ما تم الكشف عنه دليل على أن وزارة الأمن الصينية كانت تستغل طلاب الجامعات وتجنيدهم لأنشطتها التجسسية.
"جرائم إلكترونية"
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، أدان وزارة الأمن الصينية، لبناء "نظام بيئي للمتسللين الإجراميين"، وقال في بيان: "عززت وزارة الأمن العام الصينية نظامًا بيئيًا للمتسللين الإجراميين المتعاقدين، الذين ينفذون أنشطة مدعومة من الدولة وجرائم إلكترونية متعددة"، مشيرًا إلى أن هؤلاء المتسللين كلفوا الحكومات والشركات "مليارات الدولارات" في الملكية الفكرية المسروقة ودفع الفدية والدفاعات السيبرانية.
بينما قال آدم كوزي، المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي عمل في شركة الأمن السيبراني كراودسترايك، إنه لم يسمع عن تجنيد المخابرات الغربية لطلاب الجامعات، من دون منحهم تصريحًا أمنيًا لجمع المعلومات الاستخبارية.
وأضاف: "تقوم وزارة الأمن الصينية بكل شيء بشكل غير رسمي للغاية"، مشيرًا إلى أنه من المثير للاهتمام أن نرى أنهم يعتمدون على القوى العاملة الطلابية الشابة للقيام بالكثير من الأعمال القذرة، التي قد تكون لها عواقب غير مباشرة في وقت لاحق على هؤلاء الشباب، إلا أنهم على الأرجح لا يشرحون تلك المخاطر المحتملة.
عضوية الحزب الشيوعي الحاكم
وبينت الصحيفة البريطانية، أن هاينان شياندون تطلبت تقديم الطلبات على مواقع التوظيف بجامعة هاينان، حيث تم تسجيل الشركة في الطابق الأول بمكتبة الجامعة التي تضم غرفة الكمبيوتر الخاصة بالطلاب.
وذكرت أن إعلانًا عن وظيفة نُشر على موقع قسم اللغات الأجنبية بالجامعة، دعا إلى تقديم طلبات من طالبات يتحدثن الإنجليزية، إلا أنه تم حذف الإعلان منذ استفسارات "فاينانشيال تايمز" عن هذه القصة.
وبينت أن العديد من الطلاب المتقدمين إلى هاينان شياندون فازوا بجوائز مدرسية لمهاراتهم اللغوية، بينما حصل آخرون على امتياز إضافي يتمثل في الحصول على عضوية الحزب الشيوعي الحاكم.
ووفقًا للائحة الاتهام الصادرة من مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن ضباط وزارة الخارجية الصينية "نسقوا مع الموظفين والأساتذة في جامعات هاينان وأماكن أخرى في الصين" لتعزيز أهدافهم الاستخباراتية.