فورين أفيرز: بعد التقارب السعودي الإيراني.. واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط
صفقة بكين مع السعوديين هي الجائزة الأكبر التي تسعى إيران لتحقيقها، وفق مجلة فورين أفيرز.

ترجمات -السياق
لم يكن الاتفاق السعودي الإيراني، بوساطة الصين، مجرد اتفاق بين دولتين متخاصمتين، وتقريب وجهات النظر بينهما، وإنما مثّل تحولًا كبيرًا في المنطقة، وخلط أوراق الشرق الأوسط، وأعاد ترتيب أولويات السياسة الخارجية لكل دولة.
مجلة فورين أفيرز الأمريكية، سلطت الضوء على توابع هذا الاتفاق على المنطقة، وعلى كل من البلدين، من جهة، وعلى النظام العالمي من جهة أخرى، مشيرة إلى أن الاتفاق فتح "نافذة لإيران على الشرق"، بينما يُمثّل بالنسبة للسعودية تعزيزًا لطموحها بأن "تصبح اقتصادًا صناعيًا متقدمًا".
وأشارت إلى أنه في 6 مارس الجاري، التقى ممثلون من إيران والمملكة العربية السعودية في بكين، لإجراء مناقشات بوساطة صينية لإعادة العلاقات، موضحة أن هذا الاتفاق التاريخي "يمكنه تغيير الشرق الأوسط، بإعادة اصطفاف القوى الكبرى، واستبدال بالانقسام العربي الإيراني الحالي شبكة مُعقدة من العلاقات، تؤدي إلى نسج المنطقة ضمن طموحات الصين العالمية".
وأوضحت أنه بالنسبة إلى الصين، يُشكل هذا الاتفاق "قفزة كبيرة" في تنافسها مع الولايات المتحدة، لأن الأخيرة حاولت أن تكون الوسيط بين البلدين، لكن السعوديين اعتقدوا أن إشراك الصين هو "الأضمن لاستمرار الصفقة مع إيران".
فشل أمريكي
وذكرت "فورين أفيرز" أن الولايات المتحدة كانت سباقة لتشجيع السعودية وإيران عام 2021 على بدء محادثات، في محاولة للحد من التوترات بين الخصمين الإقليميين، ودفع مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، إضافة إلى إنهاء الصراع في اليمن.
وخلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2022 حثَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن، مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم إلى جانب السعودية، البحرين، والكويت، وعُمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، على الانضمام إلى جهود إسرائيل لاحتواء إيران، "لكن السعودية تحولت إلى الصين بدلاً من ذلك"، حسب المجلة التي أضافت: "الرياض رأت أن الرئيس الصيني شي جين بينغ وسيط أفضل مع طهران".
وحسب المجلة، يعتقد السعوديون أن إشراك الصين كان الضمان المؤكد بأن الصفقة مع إيران ستستمر، لأن من غير المرجح أن تُخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر، من خلال انتهاك الاتفاق.
وبالفعل، ناقش شي القضية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته للرياض في ديسمبر 2022 ثم التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ببكين في فبراير 2023.
تبعت ذلك مناقشات مُكثفة بين إيران والسعودية، اتفق خلالها الجانبان على "دفن الأحقاد" وتطبيع العلاقات.
بالنسبة للبلدين، كان تدخل "شي" حاسمًا، فكلاهما له علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد ببكين، لذلك كان الرئيس الصيني قادرًا على العمل كوسيط موثوق به بينهما.
وأوضحت المجلة الأمريكية أنه "إذا نُفذت الصفقة، ستتوافق طهران والرياض بشكل وثيق مرة أخرى"، إذ إنه وفقًا للاتفاق الجديد، سيعيد الجانبان فتح السفارات، وستنهي الحكومة السعودية دعمها للقناة التلفزيونية الإيرانية الدولية، "التي تحملها طهران مسؤولية المعارضة".
إضافة إلى ذلك، سيلتزم الجانبان، وفق المجلة، بوقف إطلاق النار في اليمن، المتفق عليه في أبريل 2022، وسيبدآن العمل على اتفاق سلام رسمي لإنهاء الحرب هناك، وستتوقف إيران عن إمداد الحوثيين بالسلاح، وتقنعهم بوقف هجماتهم الصاروخية على السعودية.
كما يدعو الاتفاق إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وإلى بدء إيران وشركائها العرب مناقشات بناء إطار أمني إقليمي جديد، مع مواصلة الصين الإشراف المستمر على هذه الخطوات.
إنهاء النزاعات
وترى "فورين أفيرز" أن الصفقة الإيرانية السعودية يمكنها إنهاء واحدة من أهم المنافسات في المنطقة، وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج، إذ لم تعد إيران بمفردها في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين.
ورأت المجلة أنه "بدلاً من ذلك، فإن الاتفاق يمكنه تقريب إيران من جيرانها العرب، وتحقيق الاستقرار التدريجي في علاقاتها بالمنطقة"، مشيرة إلى أنه "تأكيدًا لهذا الوعد، تعهد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن السعودية مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الإيراني".
بعد ذلك، قَبِل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، دعوة لزيارة الرياض، في موعد غير محدد، بإشارة أخرى إلى نية الجانبين "تعزيز العلاقات".
ووفق المجلة الأمريكية، ستكون لهذه الخطوات تداعيات مهمة، أولاً، بالنسبة إلى إيران، فقد تحوّلت سياساتها من تعزيز علاقتها بأوروبا والولايات المتحدة، إلى تعزيز علاقتها بالعرب، وقد أعادت -حتى الآن- العلاقات مع الإمارات والكويت ثم السعودية، وقد يمتد الأمر إلى البحرين ومصر".
وترى المجلة أن "علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي ستقلل التهديد، الذي شكلته اتفاقيات التطبيع الرسمي لبعض البلدان العربية، التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب".
كما قلّص الاتفاق الشروط الغربية على طهران، المتمثلة في وقف برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات، خصوصًا أنه بعدما سحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، اقتربت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر من إسرائيل، لتلافي الخطر الإيراني، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية عام 2019.
لكن إيران غيّرت بدورها تركيزها، ومنحت مزيدًا من الدفع، لتحسين علاقاتها بجيرانها وتعزيز التجارة الإقليمية، ولتحقيق هذه الغاية أعادت طهران علاقاتها الدبلوماسية مع الكويت والإمارات العربية المتحدة عام 2022.
ومن ثمّ، فإن "صفقة بكين مع السعوديين الجائزة الكبرى التي تسعى إيران لتحقيقها، إذ سيمكنها التقارب مع الرياض من الانفتاح الحقيقي على العرب".حسب المجلة.
وترحب طهران أيضًا بالدور الصيني المتصاعد في الشرق الأوسط، لأنه يُضعف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، ويقوِّض نظام العقوبات الذي تقوده واشنطن، والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل.
ورغم أن طهران قد تكون على استعداد لقبول العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، فإنها لا يمكن أن تتسامح مع تحالف عسكري عربي إسرائيلي، تدعمه الولايات المتحدة ضدها.
التوازن السعودي
ثانيًا، بالنسبة إلى السعودية، "تُظهر الرياض أنه إذا لم تخدم السياسة الأمريكية المصالح السعودية، لن يكون السعوديون مدينين بالفضل للتحالف"، وفق "فورين أفيرز".
ويُشكل الاتفاق الذي تقوده بكين تحولًا استراتيجيًا أكثر جرأة للرياض، خصوصًا أن العلاقات بين الرياض وواشنطن في أدنى مستوياتها.
فقد كانت الرياض غير راضية عن تفكيك الحكومة العراقية، ومنزعجة من الاتفاق النووي، وغاضبة من عدم استعداد الولايات المتحدة لدعم المصالح السعودية ضد إيران في سوريا واليمن، وقلقها من فشلها في الدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية للهجوم من قِبل إيران عام 2019.
وحسب المجلة، تعتقد الرياض أن الولايات المتحدة -التي كانت حليفتها القوية- تركز على أولويات أخرى، ولا تعتقد أن لدى واشنطن خطة واضحة للأمن الإقليمي، في أعقاب المحادثات النووية المتوقفة مع إيران، فضلًا عن أن القادة السعوديين غير راضين عن القيادة الحالية في واشنطن، خصوصًا بعد أن تعهد بايدن كمرشح بمعاملة السعودية كـ "دولة منبوذة".
ورغم أن الاتفاق قد لا ينهي التوترات بين الرياض وطهران، فإنه سيمنح الرياض مزيدًا من الوقت لتعزيز أمنها وتنويع خياراتها الاستراتيجية.
وتهدف استراتيجية المملكة العربية السعودية إلى ضمان أمنها على المدى الطويل، من خلال تجميع شبكة واسعة من الشركاء، بما في ذلك الصين وإسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك تحسين العلاقات مع الخصوم مثل إيران وسوريا وتركيا.
كما حددت المملكة العربية السعودية هدفها الطموح، بأن تصبح اقتصادًا صناعيًا متقدمًا، فضلاً عن كونها مركزًا ثقافيًا وسياحيًا بحلول عام 2030، ما يتطلب دعمًا عسكريًا أمريكيًا، وأمنًا وتكنولوجيا إسرائيليًا، وتجارة مع أوروبا والصين، واستقرارًا داخليًا.
وبالنسبة إلى الصين، تؤكد "فورين أفيرز" أن المنطقة "مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث يسمح تطوير هذا الممر للصين بالالتفاف على مضيق ملقا، في مواجهة الأسطول الهائل، الذي تبنيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ومن ثمّ فإنه لتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعد بكين لتحدي واشنطن، من أجل النفوذ في الشرق الأوسط".
ويشير تقارب المصالح الاستراتيجية الأوسع للصين وإيران والسعودية، إلى أن "اختراق بكين مع إيران والسعودية، من المرجح أن يكون بمنزلة أساس لواقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط"، حسب وصف المجلة الأمريكية.
ويُمثل هذا التحول "تحديًا تاريخيًا للولايات المتحدة، حيث لم يعد بإمكان واشنطن -ببساطة- أن تطالب حلفاءها العرب بالانفصال عن الصين، والوقوف وراء قيادتها لمحاربة إيران".
وترى "فورين أفيرز" أن "هذا النهج -الاتحاد ضد إيران- أصبح قديمًا، ولا يتماشى مع الاحتياجات الحالية لحلفائها".
ويقول مسؤول سعودي، " الولايات المتحدة فشلت في فهم أننا لا يمكن أن نكون حلفاء على حساب مصالحنا"، حيث لم يعد السعوديون يرون أن مصالحهم ستخدمها الحرب مع إيران أو المواجهة مع الصين.