كيف يسهم الاتفاق الإبراهيمي في تخفيف حدة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

يمكن لإسرائيل وشركائها في الخليج والولايات المتحدة تعزيز الاستقرار الإقليمي، من خلال اتخاذ خطوات لتعزيز الحكم الذاتي الفلسطيني

كيف يسهم الاتفاق الإبراهيمي في تخفيف حدة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

ترجمات - السياق

طالب الدكتور بيتر بيركويتز، كبير مستشاري السياسات والتخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية، بضرورة استغلال اتفاقيات إبراهيم -التي وقعت قبل نحو عامين بين إسرائيل وعدد من الدول العربية- في المساهمة في التخفيف من حدة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقال بيركويتز، في تحليل بموقع ريال كلير بوليتيك الأمريكي: على الحكومة الإسرائيلية تفعيل الاستمرار في جني ثمار اتفاقات إبراهيم، مع اقترابها من الانتخابات الخامسة خلال أكثر من ثلاث سنوات.

وأضاف السياسي الأمريكي: مع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من دون حل حتى الآن، على رئيس الوزراء المنتخب المقبل الاستفادة من اتفاقات إبراهيم، لتخفيف حدة هذا الصراع.

توابع النجاح

وبيّن بيركويتز أنه مع اقتراب الذكرى الثانية لاتفاقات إبراهيم -التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان- تعزّزت درجات الأمن والازدهار والتسامح في منطقة تشتهر بالتقلب.

وأشار إلى أن هذه الاتفاقات التاريخية -التي توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في صيف 2020- والتي أدت إلى اتفاقيات تطبيع جديدة في غضون بضعة أشهر بين إسرائيل والسودان والمغرب وكوسوفو، تمثل نجاحًا كبيرًا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ورأى أنه رغم هذه التطورات، فإن السلطة الفلسطينية لا تزال في طريق مسدود في مواجهة الاتفاقات، حيث يعدها البعض خيانة لحقوق الفلسطينيين ومصالحهم، مشيرًا إلى أن هذا الرفض النموذجي ينبغي ألا يردع الأطراف في اتفاقات إبراهيم عن الاستمرار في تنفيذ بنودها.

وأوضح أنه حتى مع الحد الأدنى من التعاون الفلسطيني، يمكن لإسرائيل وشركائها في الخليج والولايات المتحدة تعزيز الاستقرار الإقليمي، من خلال اتخاذ خطوات لتعزيز الحكم الذاتي الفلسطيني والازدهار بما يتفق مع الضرورات الأمنية الأساسية لإسرائيل.

ونوه السياسي الأمريكي، إلى أنه منتصف يونيو 2020، نشر سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة مقال رأي غير مسبوق، في الصفحة الأولى من صحيفة يديعوت أحرونوت الناطقة بالعبرية، حذر فيه إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة الغربية.

وألمح الكاتب إلى أن هذا العمود كان مدفوعًا بتصريحات من رئيس وزراء إسرائيل -حينها- بنيامين نتنياهو، الذي تحدث بشكل متزايد عن تطبيق السيادة الإسرائيلية على أجزاء من يهودا والسامرة، في الأشهر التي أعقبت رفض السلطة الفلسطينية خطة إدارة ترامب للسلام في يناير 2020.

وحسب بيركويتز، فقد قال العتيبة في مقاله: هذه الخطوة "ستقلب بالتأكيد وعلى الفور التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي ومع الإمارات العربية المتحدة".

وأشار العتيبة إلى أن دفء العلاقات يشير إلى تطبيع رسمي، لكن الضم سيرسل "إشارة لا لبس فيها" بأن الدول العربية لا يمكنها الاعتماد على إسرائيل.

وأضاف الكاتب: على سبيل الرد، تبنى نتنياهو فكرة التطبيع مقابل تنحية الحديث عن الضم جانبًا.

حسابات أمنية

وذكر كبير مستشاري السياسات والتخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية، أنه في أحد أيام سبتمبر الماضي، خلال حفل في الحديقة الجنوبية بالبيت الأبيض، بعد ثلاثة أشهر من نشر مقال العتيبة، بفضل الجهود الدبلوماسية لمستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر ومساعده آفي بيركوفيتش، وقَّعت البحرين والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة اتفاقيات إبراهيم.

وأشار إلى أن تقارب وجهات النظر دبلوماسيًا، ارتكزت على حسابات أمنية بشأن التهديد المشترك الذي تشكله إيران، إضافة إلى الفرص التجارية التي قد توفرها الاتفاقات، لافتًا إلى أن ذلك تغذى بتقدير متزايد بين الأطراف من جذور مشتركة في الإيمان الإبراهيمي.

وبيّن الكاتب أنه بناءً على هذه التطورات، تبادلت الدول الموقعة على اتفاقات إبراهيم السفراء، مشيرًا إلى أنه في نوفمبر 2021، وقَّعت إسرائيل اتفاقية أمنية كبيرة مع المغرب، بينما انتقلت تجارة إسرائيل مع البحرين من صفر إلى 6.5 مليون دولار، وارتفعت التجارة مع الإمارات العربية المتحدة خمسة أضعاف بأكثر من مليار دولار، وقفزت التجارة مع المغرب 84%.

إضافة إلى ذلك -يقول الكاتب- تم توقيع اتفاقيات تعاون من جامعة بار إيلان الإسرائيلية وجامعة الخليج الطبية في الإمارات العربية المتحدة، وكلية الإدارة بجامعة تل أبيب وكلية الدار البيضاء الوطنية للأعمال والإدارة، والجامعة العبرية في القدس وجامعة محمد السادس للفنون التطبيقية المغربية، واتفاقات أخرى في الصحة والرياضة والفنون.

انتقادات

وأشار بيركويتز، إلى أنه رغم النتائج الجيدة للاتفاقات، يرى العديد من النقاد أن اتفاقيات التطبيع توفر غطاءً لاستمرار الظلم، لافتًا إلى أنه في مقال بمجلة فورين أفيرز الأمريكية بعنوان "لماذا فشلت اتفاقات إبراهيم؟" ، أكدت الزميلة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي زها حسن ونائب رئيس الدراسات في كارنيغي مروان المعشر أن الاتفاقات أضرت بالمنطقة، من خلال استمرار القمع الإسرائيلي للفلسطينيين.

وحسب الكاتب، قال زها والمعشر في مقالهما: "الحقيقة أن الاتفاقات لم تدفع السلام في الشرق الأوسط، لأن هدف إسرائيل من توقيع الاتفاقيات كان إعادة توجيه انتباه العالم بعيدًا عن احتلالها العسكري ، وليس إنهاءه".

ووفقًا لتقييم فريق كارنيجي المشؤوم -حسب وصف الكاتب- فإن خطة سلام إدارة ترامب "قدمت خارطة طريق لكيفية احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على الضفة الغربية".

علاوة على ذلك -حسب حسن والمعشر- فإن "اتفاقيات إبراهيم ومشاريع التنمية الإقليمية التي يأملون تعزيزها لن تجلب الإغاثة الاقتصادية للفلسطينيين المعتمدين على المانحين، لأن الاتفاقات لا تفعل شيئًا لتخفيف القيود الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين وحصولهم على الأراضي والموارد الطبيعية".

وشدد السياسي الأمريكي على أن هذه الادعاءات المُغرضة -التي تفترض أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقف في قلب سياسات الشرق الأوسط، وأنه ما لم تتم تلبية المطالب القصوى للفلسطينيين، يجب أن تقف المنطقة مكتوفة اليدين- تعكس لعقود من الزمن المواقف التي أعاقت الفلسطينيين عن أي تقدم ملموس على الأرض.

وأشار إلى أنه على عكس ما يراه (زها حسن والمعشر) بأن إسرائيل احتضنت اتفاقات إبراهيم لإخفاء سيطرتها على يهودا والسامرة، فقد كان التهديد الإيراني والفرص التجارية هو ما دفع البحرين والإمارات إلى الانفصال عن الماضي وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.

علاوة على ذلك -يضيف الكاتب- فإن تأكيد زملاء كارنيغي أن خطة ترامب للسلام مصممة لتأمين سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية، يتعارض مع دعوة الخطة الصريحة لإقامة دولة فلسطينية في 70% من يهودا والسامرة، وكذلك في أجزاء من الضفة الغربية.

بينما يتجاهل (حسن والمعشر) -حسب الكاتب- أن العديد من القيود التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية ووصولهم، تنبع من تهديدات أمنية لم يتعامل معها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -الذي يقضي السنة الثامنة عشرة من ولايته في السلطة- بشكل فعّال.

تقليص الصراع

وقال بيركويتز: رغم التعنت الفلسطيني، فإنه يجب على الموقعين على اتفاقيات إبراهيم اتخاذ خطوات، على حد تعبير المعلق الإسرائيلي ميخا غودمان "لتقليص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

واقترح أن تكون البداية عبر بناء الطرق والجسور والأنفاق، للربط المباشر بالعديد من الأجزاء غير المتجاورة من الضفة الغربية الخاضعة إلى حد كبير لسيطرة السلطة الفلسطينية -في المناطق المصنفة "أ" و "ب" بموجب اتفاقيات أوسلو- مشيرًا إلى أن شبكة النقل المعززة هذه  -التي ستصبح جزءًا من سيطرة السلطة الفلسطينية- ستعمل على تحسين التنقل الفلسطيني، من خلال تقليل الحاجة إلى نقاط التفتيش الإسرائيلية، مع الحفاظ على الأمن الإسرائيلي.

وتشمل الإجراءات الأخرى لتقليص الصراع -حسب الكاتب- توفير المزيد من أراضي الضفة الغربية للمباني الفلسطينية لاستيعاب النمو السكاني، وتعزيز معبر جسر اللنبي الحدودي على نهر الأردن، لتسهيل وصول الفلسطينيين إلى مطار عمّان الدولي والسفر إلى الخارج، وتعزيز التنمية الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد، مع تمكين الفلسطينيين من نقل البضائع للتجارة الدولية بكفاءة أكبر إلى الموانئ الإسرائيلية في حيفا وأشدود.

وأوضح أنه أمام هذا التحول، ستكون لدى الموقعين على اتفاقيات إبراهيم مجموعة من الأدوار يلعبونها، مشيرًا إلى أن أول هذه الأدوار، أنه "يجب أن تشرف إسرائيل على فِرق البناء، والتشاور مع الخبراء الأمنيين، والتغلب على الروتين والمناورات السياسية قصيرة المدى، وتنسيق مجموعة من المكاتب الحكومية"، بينما يجب على دول الخليج التدخل استثماريًا بشكل أكبر، كما أن على الولايات المتحدة تفعيل دبلوماسيتها بشكل يحقق هذه الأمور على الأرض.

وأشار الكاتب إلى أنه كلما زادت مشاركة السلطة الفلسطينية كان ذلك أفضل، لافتًا إلى أن ما سماه (الهدف الأسمى) هو تحسين نوعية الحياة اليومية للفلسطينيين، من دون المساس بالأمن الإسرائيلي والإضرار بتحديد الوضع النهائي في يهودا والسامرة.

وأوضح أن استغلال اتفاقيات إبراهيم، لتقليص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجب أن يكون أولوية لأي تحالف ينشأ من الاضطرابات السياسية الحالية في إسرائيل، مشددًا على أن ذلك سيفيد الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة.