رغم اتفاق لجنة 6+6... الانتخابات الليبية في مهب الريح

ما عده مراقبون، إشارة ضمنية إلى أن لجنة 6+6، رغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها، فإنها لا تُمثل مختلف الأطياف السياسية والأمنية الفاعلة على الأرض، التي من دون موافقتها يصعب إجراء الانتخابات

رغم اتفاق لجنة 6+6... الانتخابات الليبية في مهب الريح

السياق

في تطور لافت، منح انطباعًا بقرب حل الخلافات بين الفرقاء الليبيين، وقعّت لجنة 6+6 البرلمانية المشتركة قوانين الانتخابات، التي تحمل طابع الإلزام، ولا تحتاج حتى لتصديق مجلسي النواب والدولة، إلا أن عدم رضا الطرفي الأكثر نفوذًا -حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أمميًا، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر- عنها يعيق تنفيذها على الأرض.

وأعلن رئيس لجنة 6+6 عن المجلس الأعلى للدولة عمر أبوليفة في بيان، إحالة "مشروع قانون انتخاب رئيس الدولة"، و"مشروع قانون انتخاب مجلس الأمة" إلى رئيس مجلس النواب لـ"إصدار القانونين طبقًا لما نصّت عليه المادة 30 من التعديل الدستوري الـ13".

كانت لجنة 6+6 المشكّلة من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة، أصدرت إعلانًا بشأن التوافق على قوانين الانتخابات في ختام اجتماعاتها 6 و7 يونيو الجاري بمدينة بوزنيقة المغربية، بينما أعلن ممثلون للجنة أنهم سيجتمعون مرة أخرى في المغرب قريبًا لتوقيع هذا الاتفاق رسميًا.

الآمال اصطدمت سريعًا بتباينات الأطراف المتصارعة، وقبيل إعلان مشروع القانون، أبدى رئيس المجلس عقيلة صالح، تحفظه على الاتفاق، وقال خلال جلسة للبرلمان لمناقشة أعمال لجنة 6+6، إن "صياغة قانون لإجراء انتخابات رئاسية من جولتين في البلاد حتى لو حصل (المرشح) على 99%، يراد بها تعطيل الانتخابات"، متسائلاً عن مبرر إقرار جولة إجبارية ثانية.

بينما دخلت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا على خط الجدل بشأن قوانين الانتخابات الواردة في اتفاق بوزنيقة، مطالبة بإجراء تعديلات عليها قبل إصدارها من مجلس النواب، وانضمت بذلك إلى عديد الدعوات المطالبة بضرورة مراجعتها وإعادة النظر في القضايا الأساسية الخلافية فيها، لاسيما شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.

ملاحظات على القانون

في السياق، انخرطت المفوضية العليا للانتخابات في الجدل المثار بشأن القوانين الانتخابية التي توصلت إليها لجنة “6+6” في اتفاق بوزنيقة، مبدية حزمة من الملاحظات على العديد من البنود أهمها تلك المتعلقة بشروط الترشح للرئاسة ومسألة الطعون.

وقالت المفوضية إن التناقضات والغموض الذي لف العديد من البنود يهددان العملية الانتخابية برمتها، ويبعثان الشكوك مسبقا في مصداقيتها وشفافيتها.

ووجه رئيس مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح رسالة إلى رئيس وأعضاء مجلس النواب تضمنت الملاحظات على القوانين المطروحة، ومنها مسألة مزدوجي الجنسية.

وأشار السايح إلى وجود تضارب بين الفقرة الثانية من المادة 15، التي تنص على أن يكون المترشح "لا يحمل جنسية أي دولة أخرى"، وبين المادة 17 من "شروط وإجراءات الترشح" التي تسمح لمزدوجي الجنسية بدخول الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على "أن يقدم إلى المفوضية خلال أسبوعين من إعلان النتائج النهائية للجولة الأولى إقرار كتابي مصدق عليه من محرر عقود يفيد بعدم حمله جنسية دولة أجنبية".

واعتبر أنّ العديد من "النصوص والمواد التي وردت بتلك القوانين تتطلب ضرورة إعادة النظر، بما يمكّن المفوضية والشركاء وذوي المصلحة من الانخراط في تنفيذها".

وكان موضوع ترشح مزدوجي الجنسية أحد الأسباب الرئيسية التي حالت دون حصول توافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، ويعد ما طرحته اللجنة أفضل الخيارات حتى الآن حيث حاولت أن تراعي مطالب كلا الفريقين، لكن مجلس النواب أعلن عن تحفظاته عن الصيغة المطروحة.

 

نقاط خلافية

إعلان لجنة 6+6 تعرض لانتقادات عدة، وتحدث كثيرون عن نقاط خلافية، يجب التوافق عليها أولًا.

هذا الوضع عبَّر عنه خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، في تغريدة: "رغم أن التعديل الـ13 للإعلان الدستوري يعد عمل اللجنة نهائيًا وملزمًا، إلا أننا نأمل زيادة التفاهم على بعض النقاط، من خلال اللجنة نفسها، في لقاءات مقبلة".

ويقر المشري -ضمنيًا- بنقاط خلافية لم تحسمها لجنة 6+6 المُشكّلة من نواب وأعضاء في مجلس الدولة، رغم إعلانها الاتفاق على الصيغة النهائية لقوانين الانتخابات، بعد نحو أسبوعين من الجلسات والمفاوضات في بلدة بوزنيقة المغربية.

ورغم أن عدم توقيع المشري وعقيلة صالح "الاتفاق النهائي" لقوانين الانتخابات، من الناحية الدستورية والقانونية، يُعد شكليًا، لأن عمل اللجنة "نهائي وملزم"، فإنه من الناحية الرسمية والفعلية ضروري لسببين على الأقل.

أولهما أنه لا بد من توقيع رئيس مجلس النواب قوانين الانتخابات لنشرها في الجريدة الرسمية، حتى تدخل حيز النفاذ.

والآخر مرتبط بقوى الأمر الواقع، فمن دون توافق بين القوى السياسية والأمنية، تصبح قوانين الانتخابات حبرًا على الورق، حتى لو صدرت في الجريدة الرسمية، على غرار قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب عام 2021، من دون توافق مع مجلس الدولة، التي لم تر طريقها للتنفيذ.

أما الموقف الأممي، فيأتي مغايرًا لوجهة نظر المشري، مشددًا على ضرورة "زيادة التفاهم على بعض النقاط".

وعلقت البعثة الأممية، على نتائج عمل لجنة 6+6، بأنها "تدرك أن العناصر الأساسية في القوانين الانتخابية تتطلب قبولًا ودعمًا من مجموعة واسعة من المؤسسات والأطراف السياسية والأمنية الفاعلة، كي يتسنى إجراء انتخابات شاملة وذات مصداقية وناجحة".

وهو ما عده مراقبون، إشارة ضمنية إلى أن لجنة 6+6، رغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة لها، فإنها لا تُمثل مختلف الأطياف السياسية والأمنية الفاعلة على الأرض، التي من دون موافقتها يصعب إجراء الانتخابات، حتى لو دخلت قوانينها حيز التنفيذ.

مزدوجو الجنسية

يُمثل ترشح مزدوجي الجنسية أبرز عقبة أمام اللجنة، إذ إنها منذ تشكيلها كانت مطالبة بإيجاد حل توافقي لتجاوزها، بعد أن فشلت جميع المفاوضات، منذ الاتفاق السياسي الموقع عام 2015، في التوافق عليها.

فقد تضمنت الصيغة "النهائية" لاتفاق لجنة 6+6، السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح للدور الأول من الانتخابات الرئاسية، لكنها في محاولة لإرضاء الطرف الآخر المعارض، اشترطت على المتأهل للدور الثاني الحامل لجنسية ثانية، أن يقدم خلال أسبوعين من إعلان النتائج النهائية للجولة الأولى "إفادة مصدق عليها من سفارة الدولة المانحة تثبت تقديم طلب التنازل النهائي عن جنسيتها".

غير أن اللجنة، في محاولة إرضاء الطرفين، أغضبت كليهما، إذ إن أطرافًا في المنطقة الغربية -حكومة الوفاق الوطني- انتقدت السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح.

وذكرت مصادر مقربة من اللجنة، تحدثت لوسائل إعلام محلية وعربية، أن عقيلة صالح الذي حضر إلى المغرب برفقة بلقاسم، نجل خليفة حفتر، قائد قوات الشرق، "طلب بعد وصوله تعديلًا يُخص إلغاء كل ما يتعلق بجنسية المرشح الأجنبية، وأن يُسمح لمزدوج الجنسية بالترشح للانتخابات في الجولتين من دون اشتراط تخليه عن جنسيته الأجنبية".

ترشح العسكريين

الإشكالية الثانية مسألة ترشح العسكريين، التي كانت محل خلاف بين مجلسي النواب والدولة وحلفائهما في الشرق والغرب.

إذ كان التوجه نحو السماح للجميع بالترشح، فأرضى ذلك حفتر وأنصاره، وأغضب الأحزاب والتيارات المدنية وكتائب الثوار الذين أطاحوا نظام معمر القذافي.

ونص مقترح قانون الانتخابات الرئاسية، على أنه "يُعد المترشح للانتخابات الرئاسية مستقيلًا من وظيفته أو منصبه بقوة القانون، سواء كان مدنيا أم عسكريا بعد قبول ترشحه".

ولم يشترط المقترح على ترشح العسكريين سوى الاستقالة من المنصب، وسبق لحفتر، أن أوكل مهامه لقائد أركان قواته عبدالرزاق الناظوري، عندما ترشح لرئاسيات 2021، ثم عاد إلى منصبه بعد تعذر إجرائها.

وعن مشاركة العسكريين والمدنيين في الانتخابات الليبية، قال رئيس مجلس النواب إن "كل عسكري ومدني يعد مستقيلًا بقوة القانون عند تقدمه للانتخابات، وحال عدم نجاحه يعود إلى عمله".

وأشار صالح في كلمة قبل إعلان المجلس الأعلى للدولة تسليم مشاريع القوانين، إلى أن "مجلس النواب لم يتسلم من اللجنة أي قانون بشكل رسمي حتى الآن"، لافتًا إلى أنه "لا يحق لي ولا لرئيس المجلس الأعلى للدولة (خالد المشري) توقيع الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بالمغرب، وفق التعديل الدستوري".

وفي خضم ذلك، باتت النقطة الوحيدة التي اتفق عليها معسكرا الشرق والغرب، هي إقصاء سيف الإسلام، نجل معمر القذافي، من الترشح للرئاسة، بالنظر إلى صدور حكم نهائي بإعدامه.

من النقاط المثيرة للجدل أيضًا، ما تعلق بنظام الانتخاب بين القوائم والفردي، وتوزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، التي أثارت حفيظة 61 نائبًا، يرون أن لجنة 6+6 تجاوزت اختصاصاتها.

وينص مقترح قانون الانتخابات البرلمانية الذي اتفقت عليه اللجنة، على تقسيم البلاد إلى 13 دائرة انتخابية في انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، وإلى 11 دائرة انتخابية بالنسبة لانتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان).

إخفاق

أمام كل هذه الخلافات، باتت ملامح إخفاق لجنة 6+6 في الوصول إلى توافق واسع بشأن قوانين الانتخابات واضحة، خصوصًا أن الموعد الذي اقترحه المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، بإنجاز قوانين الانتخابات، منتصف يونيو الجاري، حان دون أي مؤشر قوي على تجاوز إشكالية ترشح حفتر إلى الانتخابات الرئاسية، من دون تنازله عن منصبه العسكري وعن جنسيته الأمريكية.

ومن ثمّ فإن تلويح باتيلي، باللجوء إلى آلية بديلة حال إخفاق مجلسي النواب والدولة في الوصول إلى توافق، لا يبدو سهل المنال، أمام إشهار الطرفين يافطة "الحل الليبي" و"رفض الإملاءات الخارجية".

لذلك يُشجع باتيلي، الأطراف الليبية على استكمال الخطوات التالية نحو الانتخابات ومعالجة القضايا العالقة.

وبشكل أدق، دعم عودة لجنة 6+6 إلى التفاوض مجددًا بشأن شروط الترشح للرئاسة، التي تخص بشكل مباشر حفتر.

وأيده في ذلك رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا خوسيه ساباديل، الذي حثّ هذه الأطراف على "الامتناع عن تكتيكات المماطلة، الهادفة إلى إطالة أمد الأزمة".