ذا ناشيونال إنترست: هل تدوم وحدة الناتو ضد روسيا؟

على مدى العام الماضي، قدَّمت دول التحالف الغربي إلى كييف دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وإنسانيًا بـ 80 مليار دولار، أغلبه كان من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. 

ذا ناشيونال إنترست: هل تدوم وحدة الناتو ضد روسيا؟

ترجمات -السياق 

في يومها الأول من عامها الثاني، بدأت الدول المشتركة في الحرب الأوكرانية، تعيد حساباتها بين مزيد من الدعم، وسحب صك الاعتراف غير المشروط.

إعادة تقييم المواقف، جاءت بعد دخول الأزمة الأوكرانية عامها الثاني، وسط مخاوف من أن تتحول إلى حرب استنزاف طويلة المدى، تخسر فيها الدول الغربية مزيدًا من العتاد العسكري أمام روسيا، التي تقف إلى جوارها الصين وإيران.

فمن إعلان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو اعتزامه زيارة الصين من 28 فبراير إلى 2 مارس، مرورًا بزيارة رئيس الوزراء الهندي ألمانيا في أول زيارة له، إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه سيزور الصين مطلع أبريل المقبل، كانت عناوين عريضة لتحالفات بدأت تتشكل، بينما العالم مقبل على عامٍ ثانٍ من الأزمة الأوكرانية.

فماذا عن التحالفات القديمة خاصة «الناتو»؟ 

تقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست، إنه قبل أن «تغزو» روسيا أوكرانيا، كان «الناتو» يعاني الانقسام، فالرئيس الفرنسي حذر عام 2019، من أن التحالف عبر الأطلسي كان «ميتًا دماغيًا»، إضافة إلى أن المرشح الرئاسي دونالد ترامب حذر -في مقابلة عام 2016 مع صحيفة نيويورك تايمز عن عدم حماية واشنطن دول البلطيق التابعة لحلف شمال الأطلسي- من عدوان روسي محتمل، قائلا إنها لم تكن «تدفع فواتيرها».

ولسنوات عدة، انتقد أعضاء في «الناتو» ألمانيا وإيطاليا لأنهما صديقان للغاية لروسيا، حيث وصف البعض الحلف بأنه «شريك تحالف هش» و«عامل مستقل»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن المستويات العالية من الاحتكاك بين اليونان وتركيا أدت إلى تفاقم التوترات داخل «الناتو».

كان أحد الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها فلاديمير بوتين، في الفترة التي سبقت الحرب، استخفافه بقدرة «الناتو» ورغبته في الاتحاد خلف حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، إلا أن بوتين مع ذلك، لم يكن «غبيًا» لارتكابه هذا التقدير الخاطئ، فبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، واستولت على جزء كبير من دونباس عام 2014، كانت ألمانيا ودول أخرى في «الناتو» أكثر اهتمامًا بشراء الغاز الروسي، من مواجهة موسكو بشأن شرقي أوكرانيا. 

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه بالنظر إلى هذا الحدث، والانقسامات المذكورة داخل حلف الناتو، يمكن القول إن الكرملين لديه سبب وجيه، لافتراض أن برلين والعواصم الأوروبية ستقاوم دعوات كييف، للحصول على دعم عسكري كبير، والامتناع عن فرض عقوبات صارمة على روسيا.

إلا أنه على النقيض تمامًا، فبعد عام من «الغزو» الروسي، ظلت وحدة «الناتو» ضد موسكو، في الغالب، ضيقة إلى حد ما، تقول باولا دوبريانسكي، وهي دبلوماسية أمريكية سابقة وخبيرة في الأمن القومي: «حلف الناتو متحد بشأن عدد من القضايا الرئيسة. هناك إجماع بين أعضائه على خطورة التهديد الصادر من موسكو، إضافة إلى الاعتقاد بأنه إذا لم تنتصر أوكرانيا بشكل حاسم، فإن الأمن الأوروبي والعالمي سيتضرر بشكل كبير».

80 مليار دولار دعم

وعلى مدى العام الماضي، قدَّمت دول التحالف الغربي إلى كييف دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وإنسانيًا بـ 80 مليار دولار، أغلبه كان من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. 

ورغم أن شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا لم تكن بالقدر الذي كانت ترغب فيه بعض دول الناتو -مثل بولندا ودول البلطيق- فقد لبى الحلف معظم مطالب كييف. 

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه مما أثار استياء بوتين، أن حزم العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، و«الثورة» في سياسة تمويل الدفاع والطاقة الألمانية، و«انفصال» إيطاليا عن روسيا، وتسليم تركيا للطائرات من دون طيار إلى كييف، وغيرها من الإجراءات المهمة، أظهرت عزم «الناتو» على الوصول إلى أعلى مستوياته من التماسك، في فترة ما بعد الحرب الباردة.

شقوق في التحالف

إلا أنه مع ذلك، فإن وحدة «الناتو» ليست على المستوى المرضي، فالمجر -على سبيل المثال- اتُهمت بعرقلة وحدة التحالف لخدمة مصالح بودابست، في الحفاظ على علاقات ثنائية إيجابية مع موسكو، فإضافة إلى التآزر الفكري بين رئيس الوزراء فيكتور أوربان وفلسفات بوتين غير الليبرالية، تعتمد المجر على الغاز والنفط الروسي، ما يساعد في تفسير سعي بودابست لتحقيق توازن في السياسة الخارجية، كمستفيد من دعم الاتحاد الأوروبي والمواد الهيدروكربونية من روسيا. 

وتعد الطاقة النووية والخدمات المصرفية والسياحة، من المجالات التي تجعل روسيا مهمة للمجر، التي ظلت أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي وديةً لبوتين.

وتقول «ذا ناشيونال إنترست» إن قرار تركيا بعدم فرض عقوبات على موسكو، مع زيادة تجارتها الثنائية بشكل كبير مع روسيا، يوضح -بشكل أكبر-كيف لم يكن جميع أعضاء «الناتو» على الصفحة نفسها، في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، مشيرة إلى أنه بسبب عدم تقييدها بعقوبات الاتحاد الأوروبي، تضاعفت واردات تركيا من النفط الروسي الرخيص ثلاث مرات، في حين ساعدت أنقرة -بحكم الأمر الواقع- روسيا في تجاوز العقوبات الغربية، على سبيل المثال، من خلال استيراد أشباه الموصلات من أوروبا، قبل إعادة تصديرها إلى روسيا. 

ولاحظ فولفغانغ بوتستاي، محلل الأمن والسياسة، كبير المستشارين في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية، أن هناك أسبابًا عملية لهذا السلوك، فتركيا في وضع اقتصادي صعب للغاية، ولديها انتخابات رئاسية هذا العام.

ثم إن هناك الجدل بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو»، الأمر الذي أثار توترًا كبيرًا بين أنقرة والعواصم الغربية، بحسب بوتستاي، الذي قال إنه من وجهة نظر الولايات المتحدة ومعظم الحكومات الأوروبية، فإن انضمام هاتين الدولتين الشماليتين إلى «الناتو» سيفيدان الحلف بشكل كبير.

وأضاف: «ستضطر روسيا إلى نشر عدد كبير جدًا من القوات على جانبها الشمالي، لحماية الميناء الاستراتيجي المهم لمورمانسك وشبه جزيرة كولا، بقواعدها البحرية من هجوم نهائي لحلف شمال الأطلسي، حال حدوث عدوان روسي وسط أوروبا»، متابعًا: «هذا العبء الإضافي يعني خطرًا كبيرًا لروسيا، ويقلل بالتأكيد الشهية لعدوان عسكري (ضد الناتو) على الإطلاق».

على نطاق أوسع، قام النشطاء والمتظاهرون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وجمهورية التشيك ودول الناتو الأخرى، القلقين بشأن الحرب النووية المحتملة، والمنهكين من إرهاق الحرب وسط فترة من أزمات الطاقة العالمية والتضخم، بمظاهرات تدعو إلى وقف شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا. 

بالنظر إلى أن هذه البلدان ديمقراطيات، يمكن للسياسيين الذين يشاركون هذه المواقف أن يصلوا إلى السلطة في المستقبل القريب، وهو عامل لا تستطيع كييف تجاهله.

اعتماد أوكرانيا على الدعم الغربي

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه مع دخول حرب أوكرانيا عامها الثاني، تواجه الدول الأعضاء في «الناتو» وشعوبها خلافات على المدى الذي يجب عليهم فيه المخاطرة وتقديم التضحيات لتحرير الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. 

في حين أن بقاء حكومة زيلينسكي ووجود أوكرانيا كدولة قومية مستقلة، كانا على المحك بعد وقت قصير من غزو فبراير 2022، فإنهما لم يعدا كذلك اليوم، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي تقول إن الحرب تدور في الوقت الحالي على جزء صغير نسبيًا من الأراضي الأوكرانية بالقرب من الحدود الروسية. 

على هذا النحو، ترى الدول الأوروبية أن المخاطر التي تنطوي عليها حرب أوكرانيا أقل، مقارنة بالعام الماضي.

ويقول أناتول ليفين، مدير برنامج أوراسيا في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، إن احتمالات استمرار وحدة «الناتو» ضد العدوان الروسي تعتمد على أربعة عوامل: «حالة الاقتصاد الأوروبي، مخاطر التصعيد إلى حرب نووية، احتمال فقدان الثقة بالنصر الأوكراني، وإذا عرضت روسيا نفسها وقف إطلاق النار». 

«قد تنتهي السياسة الداخلية للولايات المتحدة بتحديد وحدة الناتو»، يقول أندرو أ. ميتشتا، عميد كلية الدراسات الدولية والأمنية في مركز جورج سي مارشال الأوروبي للدراسات الأمنية، مضيفًا: «إذا قطعت الولايات المتحدة أوكرانيا، فلن تتمكن الدولة من الحفاظ على دفاعها ضد روسيا فترة طويلة، بصرف النظر عما يفعله أعضاء (الناتو) الأوروبيون وغيرهم من مؤيدي أوكرانيا».

وبالنظر إلى أن عضوًا جمهوريًا قد يدخل المكتب البيضاوي في يناير 2025 ويقلل من دعم واشنطن لأوكرانيا (أو على الأقل يربط كثيرًا من الخيوط بها)، فإن كييف لديها الكثير على المحك في انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024. 

وأوضح ليفن أن «تضامن أوروبا الغربية مع الولايات المتحدة، يرجع جزئيًا إلى حقيقة أن أمريكا لديها إدارة ديمقراطية. إذا فاز الجمهوريون -خاصة دونالد ترامب- في نوفمبر 2024، قد يؤدي ذلك إلى إضعاف الروابط عبر المحيط الأطلسي ومزيد من العمل المستقل من فرنسا وألمانيا».

وستختبر ألمانيا وإيطاليا أيضًا عدم نفاذية «الناتو»، فبرلين وروما أظهرتا مستوى معينًا من التردد في تقديم الدعم لأوكرانيا.

قد يكون دعم ألمانيا وإيطاليا المتردد في بعض الأحيان ضارًا جدًا بوحدة «الناتو» خلف أوكرانيا، إذا احتدم الصراع كحرب استنزاف، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن المدة التي يمكن للمسؤولين في برلين وروما أن يبقوا فيها الناخبين في مأزق، سؤال يفكر عديد من الخبراء في إجابته، لاسيما بالنظر إلى فعالية روسيا في الاستفادة من هذه الانقسامات لمصلحتها. 

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن موسكو لديها تاريخ طويل وناجح بالتدخل في السياسة الداخلية وفي انتخابات الدول التي ترغب في رؤيتها بدائرة نفوذها، مشيرة إلى تذكير العواصم الأوروبية بذلك، عندما أرسل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن برقية إلى السفارات الأمريكية تحذر دبلوماسييها من أن الكرملين كان يحول الأموال إلى الأطراف المتعاطفة في أوروبا.

وصفة أمريكية

بالنظر إلى المستقبل، تبدو احتمالات حفاظ «الناتو» على وحدته الشاملة ضد روسيا مع احتدام هذا الصراع «مشرقة»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت: مع ذلك، فإن الانقسامات داخل التحالف عبر الأطلسي واضحة، ومن غير المرجح أن يحل الأعضاء الثلاثون كل خلاف أو القضاء على كل انقسام في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، عاقدين العزم على منع «الغزو» الروسي لدولة أوروبية مستقلة.

وأشارت إلى تكليف صانعي السياسة الغربيين بإدارة هذه الانقسامات ومنع روسيا من استغلالها بنجاح، بأسلوب قد يضر بصحة «الناتو» وتماسكه، مؤكدة أن اتحاد أعضاء «الناتو» أمر حيوي لمستقبل السيادة الأوكرانية. 

ومع استمرار الحرب في عامها الثاني، ستمنح إدارة بايدن الأولوية للجهود الرامية إلى منع الدول الأعضاء من الضلال، والعمل معهم للحفاظ على دعم قوي لأوكرانيا.