مع اقترابها من صنع قنبلة نووية.. هل توجه أمريكا ضربة عسكرية لإيران؟
يقول دينيس روس، إنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءً قويًا لكبح تقدم طهران نحو قنبلة نووية، فإن إسرائيل سوف تفعل ذلك، موضحًا أن هذا السيناريو سيكون "الأكثر خطورة".

ترجمات - السياق
عل وقع التحذيرات بشأن البرنامج النووي الإيراني، بعد اكتشاف جزئيات من اليورانيوم المخصّب، بمستوى قريب من صنع قنبلة ذرية، دعا دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي السابق المخضرم، طهران، إلى أخذ التهديدات الأمريكية بشأن الرد على برنامجها النووي على محمل الجد، مشيرًا إلى أنه إذا لم تتخذ الولايات المتحدة إجراءً قويًا لكبح تقدم طهران نحو قنبلة نووية، فإن إسرائيل سوف تفعل ذلك، موضحًا أن هذا السيناريو سيكون "الأكثر خطورة".
ويهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعمل عسكري مشابه لما حدث عندما قصفت إسرائيل مواقع نووية في العراق وسوريا، وفي حين لم تؤدِ تلك الهجمات إلى اندلاع حرب، فإن إيران تمتلك ترسانة من الصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار وغيرها من الأسلحة التي استخدمتها هي وحلفاؤها في المنطقة.
وفي سياق مواز، قالت المندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إن إيران زادت تخصيب اليورانيوم، منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.
وجددت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، تأكيد أن الإدارة الأمريكية لن تسمح بحصول إيران على سلاح نووي.
كما قالت الخارجية الأمريكية، إن الدبلوماسية الطريقة المثلى لمنع إيران من حيازة سلاح نووي، مشددة على أن "كل الخيارات مطروحة".
وأوضح روس -مبعوث السلام في الشرق الأوسط فترتي الرئيسين الأمريكيين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن- أن الحكومة الأمريكية كانت مترددة في إظهار رد عسكري على برنامج طهران النووي، لكن مع تزايد التهديدات، تجاوزت حدود الاستعداد لـ"الرد العسكري" من حيث الكم والنوع.
وقال في مقال نشرته مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية، إنه بينما كان المجتمع الدولي يركز على الذكرى السنوية للغزو الروسي لأوكرانيا، اكتشف مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، بقايا يورانيوم مُخصب بنسبة 84 في المئة في شلالات أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، بمنشأة فوردو تحت الأرض.
وأشار إلى أنه عادةً ما توصف المواد الانشطارية المستخدمة في صُنع الأسلحة، بأنها يورانيوم مخصب بنسبة 90 في المئة، لكن القنبلة الذرية الأمريكية التي أُسقطت فوق هيروشيما في أغسطس 1945 كانت سلاحًا انشطاريًا مُخصبًا بمعدل 80 في المئة.
وشدد روس -موجهًا حديثه للإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن- على أنه رغم مزاعم الإيرانيين بأنهم لا يخصبون أكثر من 60 في المئة، وأن هذه مجرد جزيئات، فإن هذا الاكتشاف يجب أن يدق جرس الخطر.
نوايا الاستخدام
وأشار روس، إلى أن على الإدارة الأمريكية أن تتيقن من نوايا الاستخدام الإيراني لهذه المفاعلات، منوهًا إلى أن طهران حققت القدرة على إنتاج مواد تصلح لصنع الأسلحة بسرعة كبيرة ولافتة، وهو ما يثير الشكوك في دواعي الاستخدام.
وأوضح أن التخصيب بنسبة 60 في المئة -الذي يقول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إنه "لا مبرر له لأغراض مدنية"- وضع الإيرانيين في دائرة الشك، مشيرًا إلى أنه من المسلم به أن صُنع مواد انشطارية تصلح للاستخدام في صُنع الأسلحة لا يماثل امتلاك قنبلة، لكنه أهم عنصر مطلوب لصنع هذه القنبلة.
وأشار إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد لا تعرف -حتى الآن- ما إذا كانت نسبة 84 في المئة مجرد بقايا محدودة من شلالات أجهزة الطرد المركزي، أو ما إذا كان ذلك تحركًا متعمدًا من الإيرانيين للتخصيب إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة النووية.
ويضيف الدبلوماسي الأمريكي: "نعلم أن الإيرانين دخلوا للمرة الثانية خلال شهر، في نشاط مشبوه بأحد مواقع التخصيب (فوردو)، حيث ربطوا مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي المتطورة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة ولم يبلغوا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنهم فعلوا ذلك، وهو ما يخالف التزاماتهم بموجب شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، لافتًا إلى أن الأمر لم يتوقف عند 60% وإنما تجاوزه إلى 84%، ما يزيد الشكوك في نية إيران النووية.
وحسب مبعوث السلام السابق، فإنه بصرف النظر عن التفسير الإيراني الذي تعده للأغراض المدنية، فإن طهران تقترب من التخصيب إلى درجة صُنع الأسلحة النووية، مشددًا على أنه بوتيرتها الحالية يمكن بسهولة أن تكدس 10 قنابل من المواد الانشطارية المخصبة إلى 60 في المئة بحلول نهاية هذا العام.
وهو ما أكده مسؤول عسكري أمريكي رفيع هذا الأسبوع، إذ أشار إلى أن الأمر يستغرق من الإيرانيين أقل من أسبوعين، لجعل هذه المواد تصلح لصُنع أسلحة.
ويرى روس، أن هناك تأثيرين لهذا الواقع الناشئ، بحاجة إلى النظر فيهما... أولاً: يتصرف الإيرانيون كما لو أن التخصيب إلى درجة قريبة من إنتاج الأسلحة وتكديس كميات كبيرة من المواد الانشطارية لا يشكلان خطرًا عليهم.
وثانيًا: فكرة أن إسرائيل ستصمت، ولا تتحرك ضد ما يعده قادتها تهديدًا وجوديًا، وهم كبير.
وبيّن أن إسرائيل قد تكون منشغلة بخطة الإصلاح القضائي لحكومة نتنياهو والمستويات المتزايدة للعنف مع الفلسطينيين، لكن القادة الإسرائيليين يشاركون رئيس الوزراء مخاوفه، بشأن كمية المواد الانشطارية التي تكدسها إيران.
أمام ذلك، أخبر نتنياهو، المسؤولين الأمريكيين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنه إذا لم يُفعل شيء قريبًا لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى الهجوم.
وتعليقًا على هذه التطورات، يرى روس أن اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواد المخصبة، لن يؤدي إلا إلى تأكيد الاعتقاد الإسرائيلي الراسخ، بأن النهج الحالي للولايات المتحدة وحلفائها سيؤدي -في النهاية- إلى حصول إيران على قنبلة نووية، مشيرًا إلى أنه "بصرف النظر عن التصريحات الأمريكية التي تشير إلى عكس ذلك، فإن واشنطن والمجتمع الدولي قد يكونان مستعدين للتعايش مع هذه النتيجة، لكن إسرائيل لن تكون كذلك".
الموقف الأمريكي
وفي ما يخص الموقف الأمريكي، نوه روس إلى أنه إذا أرادت إدارة بايدن إجبار الإيرانيين على الاعتراف بالمخاطر التي يواجهونها، وإقناع الإسرائيليين بأن لديها طريقة لردع الإيرانيين عن تطوير برنامجهم، فعليها الرد على ما كُشف عنه -التخصيب بنسبة 84%- على الأرض.
وأضاف: "بالتأكيد سيراقب الإيرانيون والإسرائيليون وغيرهم في المنطقة، ليروا ما تفعله الولايات المتحدة في هذا الأمر".
وأشار إلى أنه لكي تكون هذه الاستجابة فعّالة، ينبغي أن تكون باستراتيجية من أربعة أجزاء.
أولاً: حسب مبعوث السلام السابق، على إدارة بايدن تغيير سياستها الإعلانية، موضحًا أن القول إن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، كما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين، لم يُثر إعجاب أحد، لا سيما الإيرانيين، لافتًا إلى أنه بدلاً من ذلك، ينبغي على بلينكين أو الرئيس جو بايدن إعلان أنه رغم أن الولايات المتحدة تفضل الدبلوماسية لحل تهديد البرنامج النووي الإيراني، فإن الإيرانيين يواصلون إثبات العكس، ويفعلون ما يقربهم أكثر فأكثر من صُنع القنبلة، وهو أمر تعهدت الولايات المتحدة بمنعه، كما يجب على إيران أن تفهم أن أفعالها تعرض بنيتها التحتية النووية للخطر، بما في ذلك الأجزاء التي يمكن استخدامها نظريًا لأغراض الطاقة المدنية.
ويرى روس، أن إعلان هذا الأمر من شأنه أن يشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت إعداد الرأي العام الأمريكي والمجتمع الدولي، لعمل عسكري محتمل ضد برنامج إيران النووي.
ثانيًا: لإعطاء هذه الكلمات القوة، يحتاج الإيرانيون إلى رؤية الولايات المتحدة تتدرب على هجمات جو - أرض بالمنطقة، موضحًا أن التدريبات المشتركة الكبيرة الأخيرة مع إسرائيل كانت خطوة أولى جيدة، ومن ثمّ يجب أن تتكرر.
وأضاف: "سيُظهر ذلك أن الإدارة الأمريكية لا تستعد لهجوم محتمل فحسب، بل تتوقع أيضًا كيف يمكن للإيرانيين الانتقام من حلفاء أمريكا في المنطقة، وكيف تخطط الولايات المتحدة لإحباط ذلك".
ثالثًا: طهران تواصل تخصيبها تحت تصورين خاطئين، إذ لا تعتقد أن واشنطن ستتحرك عسكريًا ضدها، وأنها ستمنع الإسرائيليين أيضًا من ذلك، ومن ثمّ يمكن لإدارة بايدن مواجهة هذا الانطباع، من خلال توفير المواد والذخيرة، التي من شأنها أن تجعل أي ضربات إسرائيلية أكثر فعّالية.
وأشار إلى أنه نظرًا للمسافات البعيدة بين إسرائيل وإيران، تحتاج تل أبيب إلى إعادة التزود بالوقود، حتى تتمكن من ضرب أهداف إيرانية محصنة مرات عدة.
ونوه إلى أن إسرائيل تعاقدت لشراء أربع ناقلات جوية من طراز بوينغ كيه سي-46، والتسليم أواخر عام 2025.
ودعا روس، إدارة بايدن للإسراع في تسليم الناقلات، مع ضرورة توفير ذخائر أقوى من تلك التي تمتلكها إسرائيل، لتدمير الأهداف المحصنة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة غير العادية لتزويد إسرائيل بهذه المساعدة العسكرية المحددة، من شأنها أن تبعث برسالة بأنها ستدعم أي خطوة إسرائيلية محتملة ضد البرنامج النووي الإيراني.
رابعًا: على إدارة بايدن أيضًا أن تتصرف بطريقة مختلفة، لتغيير الانطباع الذي تتصوره إيران تجاهها، مشيرًا إلى أنه خلال الشهر الماضي، استُهدفت القوات الأمريكية في سوريا مرتين من وكلاء إيران بالمنطقة من الميليشيات، ومع ذلك لم تنتقم الولايات المتحدة في أي من الحالتين.
وشدد الدبلوماسي الأمريكي على أن الإيرانيين بحاجة إلى رؤية شيء لا يتوقعونه كـرد عسكري يظهر أن أي قيود لوحظت لم تعد سارية الآن، مؤكدًا أنه "يجب الرد على هجمات الوكلاء من دون تردد وبشكل غير متناسب".
واقترح روس، أن تستهدف الضربات الجوية الأمريكية معسكرات تدريب هذه الميليشيات داخل إيران، مشيرًا إلى أنه في هذه الحالة "إذا لم تعلن الولايات المتحدة مسؤوليتها، فلن يضطر الإيرانيون للرد، لكنهم سيفهمون الرسالة جيدًا".
وبيّن أن الهدف من ذلك سيكون حمل الإيرانيين على وقف تقدم برنامج التخصيب النووي، ومن ثمّ إمكانية إعادة فتح المسار الدبلوماسي بشأن المفاوضات، والعودة لاتفاق 2015.
ورغم أن روس لم يستبعد بعض المخاطر جراء هذه السياسة، دعم إسرائيل وضرب مراكز تدريب الميليشيات الإيرانية، فإنه شدد على أن استمرار السياسة الحالية -التنديد والشجب من بعيد- لن يؤدي إلا إلى مواصلة طهران طريقها نحو إنتاج القنبلة النووية.
وبيّن أنه من دون إظهار عزم واضح من الولايات المتحدة بأن إسرائيل تتصرف نيابةً عنها -حالة قصف المواقع الإيرانية- فإن الضربات الإسرائيلية أحادية الجانب على البرنامج النووي الإيراني، ستؤدي إلى رد فوري وهجمات متلاحقة من ميليشيات حزب الله وربما حماس على إسرائيل، التي من المحتمل أن تصل إلى آلاف في اليوم الواحد.
حسب روس -أيضًا- قد تشن إيران نفسها هجمات انتقامية، في محاولة لإظهار أنه إذا دفعت إيران الثمن، فإن الجميع سيدفعون كذلك.
لكن -حسب مبعوث السلام السابق- لتجنُّب الحرب مع خصم مُهدد، على هذا الخصم أن يعتقد أنك ستستخدم القوة ضده في أي وقت.
ورأى أنه "قد تكون الإشارة الواضحة لنهج أمريكي جديد ضرورية الآن، ليس فقط لإقناع الإيرانيين بوقف تقدمهم نحو سلاح نووي، ولكن أيضًا لإيصال رسالة قوية إلى الصين وروسيا، بأن الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع تهديدات عدة في وقت واحد، وأنها تمتلك الإرادة والقدرة على ذلك"، مشددًا على أنه إضافة إلى ردع الإيرانيين، يمكن لإدارة بايدن تغيير حسابات الصينيين والروس، بشأن الخطط التوسعية في أجزاء أخرى من العالم.