الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرغ يحذر: إسرائيل تسير نحو كارثة

وتشهد إسرائيل انقسامات حادة على الصعيدين السياسي والشعبي، وسط احتجاج عشرات الآلاف ضد مشروع الإصلاح القضائي.

الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرغ يحذر: إسرائيل تسير نحو كارثة

ترجمات - السياق

حذر رئيس بلدية نيويورك السابق، رجل الأعمال الأمريكي، مايكل بلومبرغ -المصنف 14 عالميًا على لائحة الأكثر ثراءً- من أن إسرائيل تسير نحو كارثة، متهمًا حكومة بنيامين نتنياهو بأنها تلحق ضررًا بتحالفات إسرائيل في العالم، وبأمنها في المنطقة، وباقتصادها وسياستها، على خلفية خطة الإصلاح القضائي.

وقال بلومبرغ (81 عامًا)، الرئيس التنفيذي لشركة بلومبرغ المالية والإعلامية، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "خلال أكثر من 20 عامًا من الحياة العامة، دعمت إسرائيل وشعبها بثبات قولًا وفعلًا، بما في ذلك من خلال بناء مرافق طبية هناك، والمشاركة في تأسيس مركز قيادة، ودعم برامجها المبتكرة، وتمويل قضايا أخرى".

وأضاف: "طوال هذه الفترة لم أتدخل في السياسة الداخلية لإسرائيل، ولم أنتقد مبادرات حكومتها"، قبل أن يستطرد: "لكن بسبب حبي لإسرائيل، فإن احترامي لشعبها وقلقي على مستقبلها، يقودانني إلى التحدث علنًا، ضد محاولة الحكومة لفصل استقلال القضاء في البلاد بشكل فعّال".

وتشهد إسرائيل انقسامات حادة على الصعيدين السياسي والشعبي، وسط احتجاج عشرات الآلاف ضد مشروع الإصلاح القضائي.

ويحتج الإسرائيليون على خطط حكومة بلادهم اليمينية لإصلاح منظومة القضاء، بعد موافقة البرلمان على مشروع قانون من شأنه أن يُمكن المشرِّعين من إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، ويمنح الحكومة السيطرة على إجراءات تعيين القضاة، وأقر الكنيست الإسرائيلي الجزء الأول من الإصلاح المقترح، في القراءة الأولى.

كان الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، قد دعا الحكومة إلى تعليق عملية الإصلاح والعودة إلى الحوار مع المعارضة، وينظم معارضو الإصلاح مظاهرات منتظمة بالآلاف، في تل أبيب والقدس، منذ أوائل يناير.

 

تعسف ضد الحريات

ويرى بلومبرغ أنه بموجب القانون الجديد، يُمكن لأغلبية بسيطة في الكنيست أن تنقض قرارات المحكمة العليا، وأن تمارس التعسف ضد الحقوق الفردية، بما في ذلك حرية التعبير والصحافة وحقوق الأقليات وحقوق التصويت.

وأشار رجل الأعمال الشهير إلى مخاوفه من أن "يذهب الكنيست إلى أبعد من ذلك، ليعلن أن القوانين التي يقرها غير قابلة للمراجعة من القضاء، وهي خطوة تذكر بالعبارة الشائنة للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بأنه عندما يفعل الرئيس ذلك، فهذا يعني أنه أصبح غير قانوني".

ويرى بلومبرغ أن "حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تسعى نحو كارثة، من خلال محاولة ادعاء القوة الذاتية، ما يعرِّض للخطر تحالفات إسرائيل في العالم، وكذلك أمنها في المنطقة واقتصادها في الداخل، والنظام السياسي الديمقراطي الذي بُنيت عليه".

وتطرق الملياردير الأمريكي الشهير، للحديث عن الأضرار الاقتصادية التي قد تنتج عن خطة نتنياهو، بقوله: "لقد بدأ الشعور بالضرر الاقتصادي، ما ظهر في هبوط الشيكل (العملة الإسرائيلية)... ومن ثمّ تحدثت شريحة واسعة من قادة الأعمال والمستثمرين ضد اقتراح الحكومة".

كما أشار إلى ما وصفها بـ"العلامة المقلقة"، حيث "بدأ بعض الناس سحب الأموال وإعادة تقييم خططهم للنمو المستقبلي هناك"، مضيفًا: "بصفتي مالكًا لشركة عالمية، لا ألومهم".

واستطرد: "تولي الشركات والمستثمرون أهمية كبيرة للأنظمة القضائية القوية والمستقلة، لأن المحاكم تساعد في حمايتهم، ليس فقط من الجريمة والفساد ولكن أيضًا من تجاوزات الحكومة، وبالقدر نفسه من الأهمية، فإنهم يحمون أكثر ما يقدّره موظفوهم بشأن الحقوق والحريات الفردية".

وأضاف: "الشركات والمواهب يريدون العيش في بلدان يمكن أن يطمئنوا فيها، من دون أن يتعرضوا للاضطهاد أو التمييز بسبب ما يؤمنون به"، مشيرًا إلى أن ما سماه "التزام إسرائيل بهذه الحماية القانونية" لعب دورًا حاسمًا في تطورها، وأصبحت قادرة على التنافس مع مراكز التكنولوجيا الكبيرة، الجاذبة للشركات الكبرى أو للعمال ذوي المهارات العالية.

وأردف بلومبرغ: "في الواقع، قد يكون الارتفاع غير العادي في المكانة الاقتصادية لإسرائيل، خلال الجيل الماضي، أعظم إنجاز لنتنياهو، لذلك من العدل أن نقول إنه لم يقم أي رئيس وزراء بالعمل على تحويل اقتصادها إلى قوة عالمية مثله، ومع ذلك، ما لم يغير مساره -إعادة التفكير بشأن استقلال القضاء- فإن نتنياهو يُخاطر بإلقاء كل هذا التقدم- وإرثه الذي اكتسبه بشق الأنفس- بعيدًا".

 

ليس بالاقتصاد وحده

وحذر بلومبرغ من أن الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، قائلًا: "يعتمد أمن إسرائيل بجزء كبير على علاقة مع الولايات المتحدة مبنية على قيم مشتركة -الحرية، والمساواة، والديمقراطية- التي لا يمكن الحفاظ عليها، إلا من خلال الالتزام بسيادة القانون، بما في ذلك قضاء مستقل".

وأضاف: "إذا تراجعت إسرائيل عن هذا الالتزام طويل الأمد نحو نموذج شبيه بالدول الاستبدادية، فإنها تخاطر بإضعاف علاقاتها بالولايات المتحدة والدول الحرة"، حسب وصفه.

وبيّن بلومبرغ أن ذلك "سيكون خسارة مدمرة لأمن إسرائيل، وسيضر بآفاق الحل السلمي للصراع مع الفلسطينيين، وقد يُعرِّض مستقبل إسرائيل للخطر، كما أنه سيقوِّض الارتباط العميق الذي يشعر به ملايين اليهود بالعالم تجاه الدولة، الذي يأتي غالبًا بسبب الفخر الذي غرسه آباؤنا فينا، ليس فقط لشخصيتها اليهودية ولكن أيضًا لالتزامها بالحرية".

واستشهد بالأوضاع في الولايات المتحدة، قائلًا: "في الولايات المتحدة، كان إصرار آبائنا المؤسسين على الضوابط والتوازنات للسيطرة على الميول الاستبدادية للأغلبية جزءًا من عبقريتهم"، متابعًا: "دستورنا ليس كاملاً -ولا يوجد قانون كامل- لكن الضوابط والتوازنات كانت ضرورية لحماية الحقوق الأساسية والنهوض بها والحفاظ على الاستقرار الوطني".

وشدد رجل الأعمال الأمريكي الشهير، على أنه "فقط من خلال تلك الضمانات، تمكنت الولايات المتحدة من تحمُّل الصدمات الشديدة لديمقراطيتنا في السنوات الأخيرة -بما في ذلك محاولة مشينة لمنع الانتقال السلمي للسلطة- من دون تصدع كارثي".

في مواجهة تلك الصدمات -يضيف الكاتب- كانت لدى الولايات المتحدة أيضًا رفاهية لا تمتلكها إسرائيل (وجود جيران أصدقاء على حدودنا)، متابعًا: "يمكننا أن نتحمل بعض الانقسامات الوطنية المؤلمة بلا خوف من أن يستغلها جيراننا عسكريًا، بينما إسرائيل لا تستطيع ذلك، إذ إنها تعيش في أحد أخطر مناطق العالم، وتواجه تهديدات من إيران وغيرها، وهي تهديدات يسميها نتنياهو وجودية".

أمام هذه التحديات، حذر بلومبرغ من إمكانية استغلال الدول المعادية لإسرائيل لتلك الأزمة الداخلية، قائلًا: "كلما زاد الانقسام في الداخل، بدا البلد أضعف أمام أعدائه، إذ إن الدول التي يحدها أعداءً خارجيون تكون لديها حاجة أكبر للبحث عن حل وسط داخلي، ولذلك آمل أن يُقنع نتنياهو ائتلافه بضرورة الاستجابة لنداء الرئيس يتسحاق هرتسوغ، بالانسحاب والتروي في تنفيذ مخطط الإصلاح القضائي المقترح".

وقال: "عام 2014، عندما منعت إدارة الطيران الفيدرالية شركات الطيران الأمريكية من السفر إلى إسرائيل، بعد سقوط صاروخ من حماس بالقرب من مطار بن غوريون، صعدت طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية، ولم أخش أي خطر، لتأكيد أن إسرائيل تتخذ إجراءات استثنائية لضمان أمن ركاب الخطوط الجوية".

وأضاف: "لقد تمسكت حينها بإصرار على أن حظر الرحلات الجوية كان استسلامًا لحماس، من شأنه أن يُغلق اقتصاد الدولة، لأن السفر الجوي، الطريقة العملية الوحيدة لدخول وخروج المسافرين، فقد كنت أرغب حينها في الوقوف مع إسرائيل ضد حماس، من خلال تسليط الضوء على سلامة السفر إلى إسرائيل، وحث إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على التراجع عن قرارها والمسار الذي اتخذته حينها، وهو ما فعلته وأفعله دائمًا لصالح إسرائيل".

واستطرد بلومبرغ: "استقبلني رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المدرج في ذلك اليوم، شكرني على دعمي، وشكرته على دعم إسرائيل لمدينة نيويورك والولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر"، مشددًا على أن الحلفاء المقربين المرتبطين ببعضهم بقيم مشتركة يقفون معًا عند الحاجة، ليس فقط لدعم بعضهم ولكن لإعادة تأكيد الالتزامات التي لا يجوز انتهاكها للدفاع عن تلك القيم، مضيفًا: "هذا هو السبب في أنني أقف مرة أخرى الآن لصالح إسرائيل".