تعليق موسكو مشاركتها في معاهدة نيو ستارت.. ما خطورة الخطوة وما أسبابها؟
بموجب الاتفاقية المهمة للحد من الأسلحة النووية، تسمح الولايات المتحدة وروسيا لبعضهما، بتفتيش مواقع الأسلحة في كل منهما، إلا أن التفتيش توقف منذ عام 2020 بسبب وباء كورونا

ترجمات - السياق
بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تعليق مشاركة بلاده في آخر معاهدة لمراقبة الأسلحة، بين أكبر دولتين نوويتين بالعالم، تبنى مجلس الدوما الروسي، قانوناً بشأن تعليق مشاركة موسكو في معاهدة ستارت.
وقال مجلس النواب في البرلمان الروسي "الدوما" -في بيان- إن "مشروع القانون ينص على أن يعلق الاتحاد الروسي المعاهدة المبرمة بينه وبين الولايات المتحدة، بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها، والموقعة في براغ، 8 أبريل 2010".
ووصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، تعليق مشاركة بلاده فى معاهدة نيو ستارت، بأنها قطيعة أكبر مع الغرب.
ورأت أن قرار التعليق أحدث علامة على أن حقبة طويلة من السيطرة الرسمية على الأسلحة ربما تحتضر، كما كتب ديفيد إي سانغر، مراسل البيت الأبيض ومراسل الأمن القومي لصحيفة نيويورك تايمز.
كان بوتين قد قال في خطاب أمام الجمعية الاتحادية، الثلاثاء، إن أوكرانيا وحلفاءها بدأوا الحرب، ولم يظهر بوتين أى مؤشر على إنهاء الغزو، رغم الفشل فى تحقيق أي من أهدافه العسكرية، بعد عام من القتال الوحشي.
وأوضح بوتين أن موسكو لا تنسحب من الاتفاقية، لكنها تعلق مشاركتها فيها.
وبموجب الاتفاقية المهمة للحد من الأسلحة النووية، تسمح الولايات المتحدة وروسيا لبعضهما، بتفتيش مواقع الأسلحة في كل منهما، إلا أن التفتيش توقف منذ عام 2020 بسبب وباء كورونا.
احتضار
ورأت "نيويورك تايمز" أنه عندما أعلن بوتين، نهاية خطابه الذي استمر 100 دقيقة، الثلاثاء، أنه سيعلق مشاركة روسيا في معاهدة ستارت الجديدة -وهي آخر اتفاقية باقية للحد من التسلح بين أكبر قوتين نوويتين- كان ذلك أحدث علامة على أن حقبة السيطرة الرسمية على الأسلحة التي استمرت عقودًا، قد تكون على وشك الاحتضار.
وأشارت إلى أنه رغم أن بوتين أوضح أنه لن ينسحب من المعاهدة، التي تنتهي صلاحيتها في فبراير 2026، فإنه بعد ساعات من الخطاب، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن البلاد لا تنوي نشر مزيد من الأسلحة النووية الاستراتيجية -من النوع العابر للقارات- خارج حدود المعاهدة التي تُبقي الجانبين عند 1550 سلاحًا نوويًا.
وبينت أن القرارات الروسية الجديدة قد تكون وضعت جانبًا -على الأقل خلال السنوات المقبلة- احتمال استئناف سباق التسلح بين أكبر قوتين نوويتين.
لكن -حسب الصحيفة الأمريكية- فإن الفرص تتضاءل بسرعة بأن تجد روسيا والولايات المتحدة -في خضم الحرب المريرة الدائرة بأوكرانيا، والاتهامات المتبادلة على نطاق لم نشهده منذ عقود- طريقهما للتفاوض بشأن معاهدة بديلة، بعد انتهاء الحالية عام 2026.
فقد أوضح إعلان بوتين أنه سيمنع المفتشين الأمريكيين من التحقق من الامتثال للمعاهدة، مرة أخرى، إذ إنه يعد ترسانته النووية عنصرًا رئيسًا من عناصر القوة، بينما يحاول إحياء جهوده المتعثرة للاستيلاء على دولة لها حقها في الوجود، كدولة مستقلة يرفض الاعتراف بها، وفق وصف "نيويورك تايمز".
ورأت الصحيفة أن بوتين أعلن انسحابه من "نيو ستارت" في لحظة حرجة، خصوصًا بعدما أوضحت الصين أنها عازمة على بناء ترسانة بحجم ترسانة واشنطن وموسكو، واكتشف المفتشون الدوليون مؤخرًا دليلاً جديدًا على أن إيران تحرز تقدمًا سريعًا في صُنع وقود نووي، يقربها من امتلاك السلاح النووي، بينما أمضت كوريا الشمالية عطلة نهاية الأسبوع، في اختبار صواريخها البالستية العابرة للقارات.
وحسب الصحيفة: "تشير كل علامة من هذه العلامات -الصين وإيران وكوريا الشمالية- إلى أن العالم قد يكون على وشك الدخول في حقبة جديدة من الاختراق النووي".
تحديات
وبينت "نيويورك تايمز" أن بوتين بدا -على نطاق أوسع- كأنه زعيم انتهى من مسألة الحد من التسلح، بعد سنوات من عمليات التفتيش المعلقة بسبب الوباء، ثم تصاعد المواجهات مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، على خلفية حربه الدائرة في أوكرانيا.
وأشارت إلى أنه إذا استمر هذا الموقف، فقد يواجه الرئيس الأمريكي القادم -أيًا كان- عالمًا جديدًا سيبدو للوهلة الأولى، مشابهًا لما كان عليه قبل نصف قرن، عندما كانت سباقات التسلح على قدم وساق، ويمكن للدول أن تستخدم أكبر عدد تريده من الأسلحة النووية.
ورأت أن تصريحات بوتين، تعد تذكيرًا بهشاشة القيود القليلة المتبقية على الأسلحة النووية في العالم، بعد 14 عامًا من دعوة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بخطاب توقيعه في براغ، جميع القوى للعمل نحو "عالم خالٍ من الأسلحة النووية"، لافتة إلى أنه بينما أقر أوباما بأنه قد لا يرى ذلك اليوم في حياته، بدا لفترة وجيزة أن القوى النووية الكبرى كانت في طريقها لتقليص ترساناتها، والاعتماد بشكل أقل على الأسلحة النووية للدفاع والردع.
لكن -تضيف الصحيفة- "يبدو أن ذلك اليوم انتهى، على الأقل في المستقبل المنظور".
وتعليقًا على ذلك، قال جون ولفستال، الذي عمل مستشارًا بارزًا لباراك أوباما للحد من الأسلحة ومنع الانتشار في مجلس الأمن القومي من 2014 إلى 2017: "خرق روسيا للمعاهدات، وتوسع الصين نوويًا وتسليحًا، واختبارات كوريا الشمالية التي لا تنتهي للصواريخ البالستية، وقرب إيران من اليورانيوم المستخدم في صُنع الأسلحة النووية، يجعل هذه الفترة الأسوأ في ما يخص الاستقرار النووي وضبط النفس".
ووصف ولفستال -أحد كبار مستشاري جلوبال زيرو، وهي مجموعة تدافع عن إلغاء الأسلحة النووية، وزميل في مركز الأمن الأمريكي الجديد- إعلان بوتين بالمخيف، مشيرًا إلى أن "الإعلان السياسي لا يقل خطورة عن الإعلان العسكري"، خصوصًا أن النتيجة ستكون "تأجيج الدعوات المتزايدة للولايات المتحدة لتوسيع ترسانتها النووية للتنافس مع روسيا والصين"، ما يفتح الباب على مصراعيه نحو تنافس نووي لا ينتهي.
وأوضحت الصحيفة، أنه حتى قبل أن يتحدث بوتين، كان تنفيذ معاهدة ستارت الجديدة أمرًا صعبًا، خصوصًا بعد أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية -الشهر الماضي- أن الروس خرجوا عن الامتثال للمعاهدة، وهو ما أكده الرئيس الروسي بأن الولايات المتحدة لن تستطيع فحص المواقع النووية الروسية، وهو عنصر مركزي للتحقق من الامتثال لتفويضات المعاهدة.
وقال بوتين إن روسيا بحاجة إلى أن تكون مستعدة لاختبار أسلحة نووية، إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك أولًا.
وتعد معاهدة ستارت الجديدة، آخر صفقة أسلحة نووية بين روسيا والولايات المتحدة، وقد اتفق الطرفان عام 2021 على تمديد العمل بها خمس سنوات.
ووُقعت المعاهدة عام 2010، وتنص على تقليل عدد الرؤوس النووية بعيدة المدى لكل جانب إلى 1550 رأسًا نوويًا، وهو عدد أقل مما كان ينص عليه اتفاق ستارت السابق.
ومن ثمّ -حسب الصحيفة- ليس من المستغرب أن يجادل بوتين بأنه أُجبر على اتخاذ قراره بفعل أمريكي، وقال: "الناتو يريد إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وبعد ذلك يريد أن يُشرف على منشآتنا النووية".
كما أشار إلى أن الأوكرانيين استخدموا طائرات من دون طيار لمهاجمة القواعد الجوية الاستراتيجية في روسيا، حيث تحتفظ القوات الجوية الروسية بالقاذفات التي يمكنها حمل أسلحة نووية.
وأضاف أنه لا يمكنه السماح للمفتشين بمسح المنشآت النووية، لأنهم يستطيعون نقل نتائجهم إلى الأوكرانيين لشن مزيد من الهجمات، متابعًا: "هذا مسرح عبث، فنحن نعلم جيدًا أن الغرب متورط بشكل مباشر في محاولات نظام كييف لضرب قواعدنا الجوية".
وقال بوتين: "بداية فبراير طالب (الناتو) بالعودة إلى معاهدة ستارت، بما في ذلك إتاحة الفرصة للإشراف على قوات الردع النووية الروسية، إنه مسرح العبث بعينه"، مضيفًا: "طلبنا الإشراف المقابل، ولم يُرد علينا، أو أنهم تجاهلوا الطلب".
أزمة التفتيش
وفي ما يخص أزمة التفتيش، ترى "نيويورك تايمز" أن الأمور لم تتغير كثيرًا، إذ عُلقت عمليات التفتيش النووية خلال جائحة كورونا، ولم يتمكن المفتشون -من أي من الجانبين- من الوصول إلى روسيا أو الولايات المتحدة، والآن تتوقف عمليات التفتيش جراء قرار رسمي من موسكو.
لكن مع رفع قيود السفر، تحجج بوتين بأنه يرفض التفتيش، لأن الولايات المتحدة لا تفي بمتطلبات التفتيش الخاصة بها أيضًا، وهو عكس ما أعلنته واشنطن، إذ أعلن المسؤولون الأمريكيون -قبل أشهر- أنهم حلوا مشكلات الوصول، وسيسمحون بدخول المفتشين الروس، طالما أن المفتشين الأمريكيين يتمتعون بحقوق متبادلة.
ورغم أن الولايات المتحدة تحتفظ برؤية كبيرة للترسانة الروسية، خاصة مع الأقمار الاصطناعية التي تتعقب التحركات النووية الروسية، فإن هناك قلقًا أعمق، من أن يكون التمديد خمس سنوات لمعاهدة ستارت الجديدة، الذي وافق عليه الرئيس جو بايدن، بداية توليه الرئاسة، سيكون الأخير.
وهو ما يعني - وفق الصحيفة الأمريكية- أنه يجب صياغة معاهدة جديدة معًا، لافتة إلى أنه بينما يصر المسؤولون الأمريكيون على أنهم يريدون التفاوض على اتفاقية جديدة، فإنه من الصعب -بشكل متزايد- تخيل ذلك خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع التعنت الروسي الواضح.
وأرجعت ذلك إلى عدم وجود اتصال بين البلدين، مشيرة إلى أن "محادثات الاستقرار الاستراتيجي" التي اتفق عليها بايدن وبوتين في يونيو 2021، باجتماعهما الوحيد وجهًا لوجه كرئيسين، بدأت بحوار واعد، إلا أن الأمر انتهى إلى لا شيء.
كان الجانبان، اتفقا على التحدث عن الحد من التسلح التقليدي وما يجب فعله بأسلحة "جديدة"، بما في ذلك مجموعة من الأجهزة النووية قيد التطوير من قِبل روسيا.
بينما الروس –بدورهم- يريدون قيودًا على ما تسميها الولايات المتحدة "ترقيات" لأسلحتها، لكن تلك المناقشات لم تبدأ، بل عُلقت بعد غزو أوكرانيا.
السبب الثاني -وفق الصحيفة- أن الثقة بين البلدين شبه معدومة، مشيرة إلى أن بوتين وبايدن لم يتحدثا بشكل مباشر منذ أكثر من عام، لافتة إلى أنه خلال الفترة التي تلت ذلك، وصف بايدن، الرئيس الروسي بأنه مجرم حرب، ووصف بوتين، الرئيس الأمريكي بأنه المعتدي في أوكرانيا.
أما السبب الثالث، فيتمثل في أن المعاهدة لا تغطي -بصيغتها الحالية- الأسلحة النووية التي يمكن استخدامها في النزاعات مثل أوكرانيا، ومن ذلك: "الأسلحة البيولوجية"، أو الأسلحة النووية التكتيكية، التي هدد بوتين بتوظيفها ضد القوات الأوكرانية.
يذكر أن روسيا لديها 2000 أو نحو ذلك من هذه الأسلحة، بينما تمتلك الولايات المتحدة بضع مئات.
السبب الرابع أن توقيع أي معاهدة جديدة بين موسكو وواشنطن، لم يعد منطقيًا لعديد من الخبراء النوويين، إذ يقدر البنتاغون أن الصين، التي تعمل على توسيع ترسانتها بسرعة، يمكن أن تنشر 1500 سلاح في السنوات العشر المقبلة، بما يضاهي الترسانتين الأمريكية والروسية معًا، لذا فإن أي معاهدة للحد من التسلح، تستبعد واحدة من القوى الكبرى الثلاث، ستكون غير مجدية.
ومع ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان حكومي: "إن إعلان روسيا إيقافها للمشاركة في معاهدة ستارت الجديدة مؤسف وغير مسؤول. سنتابع بحذر ما تفعله روسيا".
وأضاف بلينكن أن تمديد المعاهدة كان بداية ولاية الرئيس جو بايدن عام 2021 حيث تصب في "المصالح الأمنية" للدولتين، "وهذا يؤكد عدم مسؤولية تصريح بوتين". وأضاف الوزير أن الولايات المتحدة مع ذلك "تظل مستعدة لمناقشة الحد من الأسلحة الاستراتيجية في أي وقت مع روسيا، بصرف النظر عن أي شيء يحدث في العالم، أو في علاقتنا، لأن ذلك ما يتوقعه منا العالم".