حالات تسمم غامضة.. ماذا يحدث داخل مدارس للفتيات في إيران؟

اعتبر الصحفي الاستقصائي ياشار سلطاني، أن حوادث التسمم كانت محاولة لترهيب ومعاقبة الفتيات اللاتي شاركن في المظاهرات.

حالات تسمم غامضة.. ماذا يحدث داخل مدارس للفتيات في إيران؟

ترجمات – السياق

مع استمرار حالات التسمم في المدارس الإيرانية، لا يزال الفاعل مجهولاً، فبينما هناك من يتهم النظام في طهران، بالوقوف وراء عمليات التسمم، كمحاولة منه لترويع الفتيات اللاتي كن جزءًا أساسيًا من المظاهرات التي اجتاحت البلاد، يتهم آخرون "جماعات دينية متشددة" تعارض تعلم الفتيات في المدارس بأنها وراء الهجمات.

وأصيبت عشرات الطالبات في محافظة طهران، الثلاثاء الماضي، بالتسمم، بعد أيام من تسجيل مئات الحالات المماثلة لفتيات في مناطق إيرانية عدة منذ نهاية نوفمبر الماضي، وسط غموض بشأن الدوافع والملابسات، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وذكرت الصحيفة أن السلطات الإيرانية لم تكشف الجهات الضالعة بهذه الهجمات الغامضة، لكن أحاديث كثيرة داخل إيران وخارجها ربطتها بجماعات متشددة تُعارض تعليم الفتيات، فلجأت إلى شنِّ تلك الهجمات، لإجبارهن على عدم الذهاب إلى المدارس.

 

سلسلة الهجمات

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن حالات التسمم بدأت نوفمبر في مدينة قُم المقدسة -موطن كبار رجال الدين- لكن السلطات حجبت هذه الأخبار عن الجمهور حينها، بحسب وسائل إعلام إيرانية.

ففي نوفمبر الماضي، أصيبت 18 طالبة مدرسة ثانوية في مدينة قُم بحالات تسمم، استدعت نقلهن إلى المستشفى.

وتعد مدينة قُم موطن رجال الدين والمدارس الدينية الأساسية (حوزة قُم)، بطابع مُحافظ إلى حد كبير.

لكن بعد واقعة مدرسة قُم، انتشر الأمر وتكرر في نحو 14 مدرسة على الأقل، داخل طهران ومدينتي أردبيل وبوروغرد.

وذكرت الصحيفة البريطانية، أنه بعد وصول الحالات إلى العاصمة طهران، ودخول عديد من الفتيات المتضررات المستشفى، تردد أن بعضهن توفين متأثرات بالتسمم.

بينما أفادت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الفتيات عانين صعوبات في التنفس وقيئًا مستمرًا، إلى جانب إحساس حارق وشلل في أرجلهن.

ونقلت الصحيفة عن والدة إحدى الضحايا -التي تبلغ من العمر 15 عامًا- أنها وصلت إلى مدرسة ابنتها، لتجد أطباء يعالجون التلميذات المرضى في سيارة إسعاف، بينما يرقد أخريات في الشارع بانتظار الرعاية الطبية العاجلة.

 

الدوافع

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن دوافع الجناة لا تزال غير واضحة، لكن نائب وزير الصحة الإيراني يونس بناهي قال إن المهاجمين أرادوا "إغلاق جميع المدارس، لا سيما مدارس البنات".

وشبّه محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإصلاحي السابق، الهجمات بتلك التي نفذتها بوكو حرام، الجماعة الإسلامية النيجيرية المتشددة العنيفة التي تعارض تعليم الإناث.

يأتي استهداف الفتيات بعد نحو أربعة أشهر من احتجاجات الشوارع، التي اندلعت في سبتمبر 2022، حيث طالب المتظاهرون باستبدال حكومة مدنية جديدة بالجمهورية الإسلامية.

واندلعت الاضطرابات بسبب وفاة مهسا أميني (22 عامًا) في حجز الشرطة، بزعم عدم التزامها بالزي الإسلامي الصحيح.

وقالت الصحيفة البريطانية، إن النساء لعبن دورًا حاسمًا في الاحتجاجات، حيث نظمت الفتيات احتجاجات في مدارسهن وخلعن الحجاب الإلزامي، وكُن يهتفن: "المرأة، الحياة، الحرية".

أمام ذلك، اعتبر الصحفي الاستقصائي ياشار سلطاني، أن حوادث التسمم كانت محاولة لترهيب ومعاقبة الفتيات اللاتي شاركن في المظاهرات.

بينما قال عبدالله مؤمني، زعيم طلابي سابق، عبر"تويتر": "ماذا يعني هذا السلوك غير ترويع وترهيب الفتيات البريئات؟" وأضاف: "الطالبات تدفعن ثمن مشاركتهن في الحركة الاحتجاجية وثمن مطالبتهن بالحرية".

 

ضغوط

وذكرت "فايننشال تايمز" أنه مع تعرض الحكومة لضغوط متزايدة للتحقيق، حثَّ وزير الداخلية أحمد وحيدي الإيرانيين، على عدم الانصياع للأرقام المضللة.

ولم يذكر أي تفاصيل عن عدد المدارس ولا الطالبات المتضررات، لكن النائب شهريار حيدري كشف أن ما لا يقل عن 900 فتاة تعرضن للتسمم.

وأعلن وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي أن الاجهزة المعنية لم تكشف حقيقة المادة السامة التي تعرضت لها الفتيات.

وأضاف: "في ما يتعلق بوجود مغامرة شخصية أو داخلية، فإن وجود عوامل من خارج المدارس هو ما ندرسه ولا يمكن الجزم به، ولم يعثر على سبب خاص، لكي نجزم بسبب هذه الحوادث".

وأكد الوزير أن الأجهزة الأمنية المتخصصة تتابع القضية، للحصول على تفاصيل جديدة، ونفى حدوث اعتقالات في هذه القضية.

بينما حثَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزارة الداخلية على التحقيق والوصول إلى "جذور" الهجمات ومنفذيها.

وقال النائب علي رضا منادي، إن المواد المستخدمة تشمل غاز النيتروجين، الذي يختفي بسرعة من الجسم ويجعل التشخيص صعبًا.

من جانبها، قالت زهرة، الأم التي أصيبت ابنتها البالغة من العمر 15 عامًا بالتسمم، إنها استطاعت شم ما اعتقدت أنه غاز مسيل للدموع، عندما وصلت إلى المدرسة.

وأضافت زهرة، التي رفضت ذكر اسمها الأخير لدواعي الأمن: "أصيبت العائلات بالذعر وكانوا يصرخون في وجه مديري المدرسة لإخبارهم بما يحدث، إلا أن أحدًا لم يعطهم إجابة وافية".

وأشارت إلى أن بعض عائلات الضحايا، تعتقد أن الجناة على صلة بالنظام، متسائلة: "إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا لم يعتقلوا حتى الآن؟".

 

من يقف وراءه؟

إلى ذلك، رجح طبيب متخصص للصحيفة البريطانية، أن المهاجمين استخدموا "الفوسفات العضوي" للهجوم على مدارس الفتيات، بسبب تشابه التعرض له مع الأعراض التي أصيبت بها الطالبات.

في الوقت ذاته، رجحت تقارير صحفية إيرانية أن عملية التسميم جرت عبر استخدام غاز أول أوكسيد الكربون، بينما أعرب وزير التعليم الإيراني يوسف نوري، عن شكه في أن غاز الأمونيا هو المُتسبّب في حوادث الاختناق.

في المقابل، قالت وكالة أنباء فارس، إن عمليات التسمم كانت مؤامرة من المعارضة المتمركزة خارج البلاد، لاستفزاز "الأغلبية الصامتة" الذين لم يشاركوا في احتجاجات الشوارع، لكنهم قد ينضمون إلى موجة جديدة من التظاهرات، التي تطالب بثورة ضد النظام.

وذكرت أن من يقف وراء هذه الحالات المشكوك فيها، سيظهر تدريجيًا في ظل تحقيقات المؤسسات الأمنية.

ولفتت الوكالة إلى أنه بعد أعمال الشغب الأخيرة في إيران، يحاول الغرب إحياء تلك الأعمال بهذه التصرفات، إذ يرون أن تسمم الطالبات حدث مناسب لإثارة أعمال الشغب.

إلا أن زهرة قالت إنه من الصعب عليها اتهام أي طرف، مضيفة: "أعتقد أن هناك مجموعات في هذا النظام السياسي قادرة جدًا على تنفيذ هذا المستوى من الفظائع، لكن من ناحية أخرى، فإن خصومهم مستعدون لارتكاب أي جريمة لتشويه سمعة النظام".

واستطردت: "أياً كان من يقف وراءها، من الواضح أن أطفالنا هم الضحايا الجدد لهذا الصراع القذر على السلطة".

وفي ظل غياب أي إحصاء رسمي، تفاوتت تقديرات أعداد المصابات، وتراوحت بين عشرات ومئات.

وفي 14 فبراير الماضي، تجمع أهالي الطالبات أمام مجلس مدينة قُم، وطالبوا بإيضاحات من قِبل السلطات عما تعرضت له بناتهم.

وبحسب إذاعة فاردا الناطقة بالفارسية، فإن هذه الهجمات تسببت في موجة هلع بين الفتيات، ونقلت عن أحد المعلمين في مدرسة تقع داخل قُم، أنه من إجمالي 250 طالبة حضرت 50 واحدة فقط.