فورين أفيرز: السودان ينحدر إلى الفوضى.. وهذا ما يجب أن تفعله واشنطن وشركاؤها العرب
يتمتع حميدتي -خصم البرهان- بنقاط قوة خاصة به، فبصفته قائدًا لقوات الدعم السريع، وهي قوة وطنية شبه عسكرية قوية ومستقلة عن قيادة الجيش، لعب دورًا حاسمًا في إزاحة البشير عام 2019.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فورين أفيرز، إن ما يحدث في السودان حرب مرعبة في شوارع العاصمة الخرطوم، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ونظراءها العرب والأوروبيين، الذين هرعوا لإنقاذ مواطنيهم، لم يبذلوا سوى جهود فاترة ومتأخرة لوقف القتال ومساعدة السودانيين.
كان السكان يحتمون في منازلهم، بينما تحلق طائرات الهليكوبتر الهجومية والطائرات المقاتلة في سماء المنطقة، وتستعر المعارك في الشارع، بينما تحولت مبانٍ عدة إلى أنقاض، وانقطعت إمدادات المياه والكهرباء، وباتت المستشفيات في أزمة، مشهد للعاصمة السودانية الخرطوم، كشفت تفاصيله الصحيفة الأمريكية.
وأضافت: مدينة يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة، ليس بها مخابز عاملة، ولا إمدادات غذائية، ولا أسواق لها منذ أسبوع، بينما أوقف برنامج الغذاء العالمي عملياته هناك، بعد قتل ثلاثة من موظفيه.
وأشارت إلى أن الفرار من السودان يعكس حقيقة أكثر قتامة، مؤكدة أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية توسطتا في اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار 72 ساعة، إلا أنه سرعان ما تحطمت تلك الهدنة.
مواجهة مميتة
إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، شكلت واشنطن والرياض «رباعية» من الحكومات التي كانت تدعم المفاوضات مع البرهان وحميدتي لإعادة البلاد إلى الحكم الديمقراطي بعد انقلاب 2021.
وتقول «فورين أفيرز»، إن فشل الرباعية في كبح جماح الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، والفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، أعدهما لهذه المواجهة المميتة، مشيرة إلى أن البلد الذي بدا -قبل بضع سنوات- على شفا انتقال ديمقراطي طال انتظاره، يجد نفسه بدلاً من ذلك في حرب أهلية كارثية.
إلى جانب الدول الغربية، يتفق جيران السودان العرب والأفارقة، وكذلك الصين وروسيا، على أن الصراع كارثة، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن الفشل في إيقاف الصراع «يعد لائحة اتهام مدمرة للنظام متعدد الأطراف، خاصة الرباعية التي من المفترض أنها وجهت المفاوضات».
وحذرت الصحيفة الأمريكية، من أنه «إذا لم يوقف انزلاق السودان إلى حرب شاملة قريبًا، فإن المبدأ الذي يحكم عمليات الإجلاء الدولية -الجميع بأنفسهم- سيكون النظام السائد».
الدولة العميقة ضد البنادق المستأجرة
كقادة للفصائل السودانية المتنافسة، ربما يكون من الأفضل فهم البرهان وحميدتي على أنهما «زعيما عصابات كليبتوقراطية»، فالبرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، هو رئيس مجلس السيادة الذي نصب نفسه بنفسه -الهيئة التي كانت السلطة التنفيذية العليا في البلاد- ويصور نفسه بأنه رئيس الدولة.
وأطاح في أبريل 2019، رفقة بعض الجنرالات، عمر البشير، الزعيم السلطوي الذي حكم البلاد 29 عامًا، وأسس بديلًا له ترتيبًا مدنيًا عسكريًا لتقاسم السلطة، كان من المفترض أن يقود البلاد نحو الديمقراطية.
كان حميدتي شريكًا في تلك السلطة، لكن في أكتوبر 2021، وبذريعة أزمة اقتصادية كانت تلوح -آنذاك- في الأفق، أطاح الاثنان الإدارة المدنية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك وسيطرا على البلاد.
منذ ذلك الحين، لم تكن قيادة البرهان ملهمة، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه «يفتقر بشكل خاص إلى الكاريزما والطاقة، بينما أداؤه العام كان باهتًا».
لكن قاعدة سلطته تتضمن مصالح عسكرية وشركات كبيرة، يفضل الديمقراطيون السودانيون تسميتها «الدولة العميقة»، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أنها شبكة من الشركات الرأسمالية، من البنوك وشركات الاتصالات المملوكة للإسلاميين وضباط المخابرات إلى الشركات المملوكة للجيش نفسه، في مجالات مثل تصنيع الأسلحة والبناء والزراعة والنقل.
الجدير بالذكر أن البرهان قاد الانقلاب، في الوقت الذي كانت ذراع مكافحة الفساد للإدارة المدنية -لجنة إزالة التمكين ومكافحة الفساد واسترداد الأموال- على وشك نشر تحقيقها في الفساد بالشركات التابعة للجيش.
جيش محترف... ولكن
تقول الصحيفة الأمريكية، إن القوات المسلحة السودانية التي يرأسها البرهان تشبه جيشًا محترفًا، وتشمل -بشكل حاسم- القوات الجوية السودانية، مشيرة إلى أنه نادرًا ما انتصرت القوات المسلحة السودانية في العمل العسكري المستمر، كان لديها كثير من الفرص لإثبات قوتها في الحروب، جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة، لكنها فشلت -بشكل واضح- في ذلك.
ورغم أن الضباط يتحدرون -في الغالب- من النخبة المؤسسة في الدولة، فإن جنودها من الطبقات الفقيرة والأطراف المهمشة منذ فترة طويلة في البلاد.
مع ذلك، فإن البرهان مدعوم بأعضاء في نظام البشير السابق، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه ليس سراً أن الموالين للبشير القدامى يعدون البرهان أفضل رهان لاستعادة السلطة، بينما يرى عديد من السودانيين أنفسهم في معركة البرهان مع حميدتي.
وبعد أسبوع من الصراع، كان هناك اقتحام للسجون، وإطلاق سراح عديد من أتباع النظام القديم، الذين أدلوا بتصريحات لدعم البرهان، مشيرة إلى تكهنات تزعم أنه إذا انتصر البرهان، سيعيد الحكم الاستبدادي إلى سلفه.
ماذا عن حميدتي؟
يتمتع حميدتي -خصم البرهان- بنقاط قوة خاصة به، فبصفته قائدًا لقوات الدعم السريع، وهي قوة وطنية شبه عسكرية قوية ومستقلة عن قيادة الجيش، لعب دورًا حاسمًا في إزاحة البشير عام 2019.
حميدتي الذي يعد نائب البرهان في مجلس السيادة، أظهر الطموح والطاقة للتغلب على رئيسه، كما أنه يدير امبراطورية تجارية سريعة النمو وأقام علاقاته الخاصة بالقوى الأجنبية، بحسب «فورين أفيرز»، التي قالت إن حميدتي الذي يعد في الأربعينيات من عمره، خرج من ميليشيا دارفور سيئة السمعة المعروفة بالجنجويد.
قبل عشرين عامًا، عندما أدرك البشير أن القوات المسلحة السودانية لا تستطيع هزيمة المتمردين في دارفور، لجأ إلى مليشيا عرقية، كحل جربه واختبره بثمن بخس.
وأضافت الصحيفة الأمريكية: أحرق الجنجويد ونهبوا قرى دارفور في حملة وصفتها الحكومة الأمريكية بأنها إبادة جماعية، مشيرة إلى أن قوات حميدتي كانت من الوحدات الأكثر بطشًا.
وعام 2013 أضفى البشير الطابع الرسمي عليها (قوات الدعم السريع)، رغم اعتراضات رئيس أركانه، الذي كان يخشى منافستهم القوات المسلحة السودانية.
وتقول «فورين أفيرز»، إن البشير ضاعف هذا الخطأ عندما طلب من حميدتي، وضع مقاتليه في الخرطوم مع تصاعد الاحتجاجات المدنية.
وتظهر مهنة حميدتي، التي استمرت 15 عامًا براعته كرجل أعمال سياسي وعسكري، ففي دارفور، سيطرت قواته على مناجم الذهب في المنطقة، وهزمت القادة المنافسين، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه أثبت براعة في التعامل مع الزعماء المحليين وقادة الميليشيات، الذين يشترون ويبيعون ولاءاتهم لمن يدفع أعلى سعر.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن حميدتي أقام علاقات مع القوى الإقليمية الكبرى، من خلال إيفاد قوات الدعم السريع للقتال في اليمن، وإقامة روابط مع اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، ومع فاغنر، الشركة العسكرية الروسية الخاصة التابعة للكرملين.
وتقول «فورين أفيرز»، إنه بعد سقوط نظام البشير، استغل حميدتي الفوضى في العاصمة الخرطوم، لتوسيع امبراطوريته التجارية التي تديرها عائلته.
نشيطًا وانتهازيًا، يتحدث حميدتي بلغة غرب السودان، مناشدًا المجتمعات المهمشة تاريخيًا في تلك المنطقة، ويدعو إلى التنازل، وحتى السخرية، من سكان المدن.
ورغم أنه دعم البرهان في البداية، فإنه نأى بنفسه عن الحرس القديم، قائلاً إن «انقلاب 2021 كان خطأ». وفي الأشهر الأخيرة، باقتراب المواجهة مع البرهان، سعى حميدتي إلى إيجاد حلفاء بين الأطراف المدنية، بالقول إنه كان الوحيد الذي يمكنه منع عودة نظام البشير.
ورغم ذلك، فإنه إذا انتصر هو وقوات الدعم السريع، فإن النتيجة المحتملة هي قيادة كليبتوقراطية شعبوية، لن تفعل شيئًا لعلاج أزمات البطالة المتسارعة والجوع، بحسب الصحيفة الأمريكية.
انعكاس مرير
وتقول «فورين أفيرز»، إن الحرب الحالية انعكاس مرير للثورة السودانية عام 2019، مشيرة إلى أنه عندما تعاون البرهان وحميدتي في إطاحة البشير بعد أشهر من الاحتجاجات الضخمة ضد النظام، بدا الأمر كأنه فرصة نادرة لتأمين انتقال ديمقراطي غير عنيف في القرن الإفريقي.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن كل رؤساء أمريكا منذ جورج بوش الأب، سعوا إلى التخلص من البشير، الذي دعم الرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج الأولى، واستضاف زعيم القاعدة أسامة بن لادن في السودان، وارتكب فظائع لا هوادة فيها في الجنوب.
وأشارت إلى أن «شجاعة الناس ومثابرتهم كانت من الموروثات الباقية للثورة السودانية»، مضيفة أن «نشاطهم السلمي هو الذي أسقط النظام في أبريل 2019، إلا أنهم ظلوا صامتين في وجه مذبحة ارتكبتها القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بحق أكثر من 120 متظاهرًا بعد شهرين، ما اضطر البرهان وحميدتي إلى الموافقة على حكومة انتقالية مع رئيس وزراء مدني سيؤدي في النهاية إلى انتخابات حرة».
وحتى بعد انقلاب 2021، جعلت شجاعة الشعب السوداني -مع الاحتجاجات المستمرة من لجان المقاومة- من المستحيل على الجنرالين المتحاربين الآن، المطالبة بالشرعية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هؤلاء المدنيين كانوا بمفردهم.
ورغم أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين عبَّـروا عن إعجابهم بالديمقراطيين في السودان، فإن دعمهم لم يكن مؤثرًا، تقول الصحيفة الأمريكية.
وفي يوليو 2019، قبل أسابيع من توليه رئاسة الوزراء في الحكومة المدنية، قال الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك إن أمامه بضعة أشهر فقط لوقف الأزمة الاقتصادية المتنامية، وهو ما سيحتاج إلى القيام به لكسب النفوذ السياسي، وإزاحة قبضة الجنرالات على الاقتصاد.
وأضاف حمدوك، أنه «لا يريد أن ينتهي به الأمر بصفته أمين الصندوق الذي يدير الأمور في زاوية متجر، بينما يبرم زعماء العصابة صفقات المخدرات في الغرفة الخلفية»، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن «القوى الغربية وقفت مكتوفة الأيدي إلى حد كبير حيث اختُزل إلى هذا الحد».
تفويض أمريكي
عندما أدى حمدوك اليمين، وجد أن إدارة ترامب فوضت سياستها بشأن القرن الإفريقي إلى حلفائها المفضلين في الشرق الأوسط: مصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
من جانبها، لم ترفع واشنطن العقوبات أو تخفف عبء الديون، وهي الإجراءات التي ربما تمنح حمدوك مصداقية استقرار الاقتصاد والنفوذ.
بدلاً من ذلك، دعمت الولايات المتحدة مقايضة، حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البرهان، وانضم السودان إلى اتفاقات إبراهيم، مقابل إلغاء الولايات المتحدة تصنيفها للحكومة السودانية «دولة راعية للإرهاب».
لامبالاة أمريكية
لامبالاة الحكومة الأمريكية، لم تقتصر على إدارة ترامب، فالسيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز أصر على أن الحكومة السودانية الحالية يجب أن تعوض أسر ضحايا 11 سبتمبر، وتفجير المدمرة الأمريكية كول.
الأهم من ذلك، أنه بعد انقلاب عام 2021، الذي نفذه البرهان وحميدتي عقب ساعات فقط من طمأنة المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فيلتمان، بأنهم لن يفعلوا هذا الشيء، قالت إدارة بايدن إنها ستواصل سياسة المشاركة المنخفضة القوة.
وترك فيلتمان منصبه بعد فترة وجيزة، بينما رفضت وزارة الخارجية فرض عقوبات تستهدف الامبراطوريات التجارية لأمراء الحرب، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه حتى مع تعليق حزم مساعدات البنك الدولي وانتشار الجوع بين السكان السودانيين، لم يواجه الجنرالات أنفسهم أي تداعيات.
بدلاً من ذلك، شجعت الولايات المتحدة وشركاؤها الأربعة، الجنرالات على التفاوض بشأن ترتيب انتقالي جديد، بتيسير من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية.
وأصر الوسطاء، على أن يقود عملية الانتقال الديمقراطي السودانيون، لكنهم فشلوا في رؤية أنها تحتاج أيضًا إلى حراس دوليين رفيعي المستوى، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن الثورة المدنية افتقرت إلى زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية يمكنه مواجهة المفاوضات.
سياسة فرِّق تسُد
وأضافت: «كانت اللجان والجمعيات المهنية والأحزاب السياسية عرضة للانقسامات، وهو اتجاه حفزته الجهود الحثيثة التي بذلها أمراء الحرب من أجل فرِّق تسُد»، إلا أنه مع ذلك، أدت المفاوضات إلى توقيع الاتفاق الإطاري، في ديسمبر 2022، لإدارة مدنية جديدة بجدول زمني للانتخابات في غضون عامين.
لكن المشكلة الأكبر في المفاوضات، كانت ما يجب فعله مع الفصائل العسكرية للجنرالات، فمن الناحية النظرية، كان من المفترض أن تدمج الاتفاقية قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي وغيرها من الجماعات المتمردة السابقة لتشكيل جيش وطني واحد، فضلاً عن تقليص رواتب الجيش وإضفاء الطابع المهني على الجيش، كل ذلك بعنوان إصلاح قطاع الأمن.
ودافع عدد كبير من المتخصصين الدوليين، بمن فيهم ضباط عسكريون متقاعدون من دول غربية، عن هذا النهج، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن القضية الرئيسة في السودان كانت سياسية: أمن البلاد ليس قطاعًا بل ساحة من الفاسدين المسلحين المستقلين إلى حد كبير، كل منهم يريد الحصول على النصيب الأكبر من الغنائم، وأن يكون في مأمن من نهب المنافسين.
على الورق، كانت الأسئلة هي ما إذا كانت قوات الدعم السريع ستندمج في القوات المسلحة السودانية، في غضون عامين أو عشر سنوات ومن يرأس العملية، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أن الجدول الزمني الأطول سيسمح لحميدتي بإعادة تشكيل خياراته، بينما البرهان، الذي يستفيد من فترة انتقالية أقصر، يتردد في المماطلة أو الدفع من أجل قرار نهائي.
وتحت ضغط الرباعية، وافق الجنرالات والمدنيون والوسطاء على موعد نهائي في 1 أبريل 2023 لبدء الانتقال، وحل مسألة الإصلاح الأمني، وفقًا لمنطق المحصل الصفري للفصائل المتنافسة في السودان، إلا أن الموعد النهائي كان توقيتًا للانفجار.
وبما أن الجنرالات أخفيا نياتهما، فشل الوسطاء في دق ناقوس الخطر، حتى مع تأجيل الموعد النهائي وحشد الجانبين قواتهما، ثم في 15 أبريل الجاري بدأ القتال.
وتقول الصحيفة الأمريكية: «ليس من المؤكد من أطلق النار أولًا، ولا يهم، فعند هذه النقطة، كان الأوان قد فات على الوسطاء، ناهيك عن القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة، التي فشلت في مشاركة رفيعة المستوى منذ انقلاب 2021، لفعل أي شيء لوقفهم».
الرحلة إلى مصر
أظهرت الثورة السلمية التي أسقطت البشير الوعد الاستثنائي لجيل جديد من السودانيين العاديين، تاركة جدران مقر الجيش مزينة بجداريات تصور التحرر والتعددية والأمل.
لكن تلك التطلعات الديمقراطية تحطمت، فلجان المقاومة التي قادت الانتفاضة الشعبية، أعادت توجيه نفسها كشبكات طوارئ، لحماية المجتمع وتوفير المستلزمات الإنسانية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هناك صعوبة في تحديد المدة التي يمكن للطرفين المتحاربين خلالها الاستمرار وسط إطلاق النار، خاصة أن السودانيين القادرين على الفرار من الخرطوم، يهربون إلى مصر وأماكن أخرى.
وتقول «فورين أفيرز»، إن الحروب السودانية لها نمط مروع ومألوف، ويبدو الآن واضحًا بشكل متزايد، إلى أين يمكن أن تتجه هذه الحرب، مضيفة أن تلك الحروب تبدأ بمواجهات شرسة، يتعهد فيها كل طرف بانتصار سريع وحاسم لا يحدث.
وأشارت إلى أنه من الصعب الوصول إلى وقف إطلاق النار والحفاظ عليه، لأن أيًا من الطرفين لا يريد التوقف عند نقطة غير مواتية أو إذا كان يعتقد أنه ينتصر.
ومع استمرار القتال، ستستنفد الموارد المادية والتنظيمية اللازمة للقتال، وسيجند كل جانب وكلاء ميليشيات داخليين ويطلب المساعدة الخارجية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي رجحت أن يصبح القتال أقل حدة، لكنه أكثر انتشارًا.
وبينما حذرت «فورين أفيرز»، من أن الصراع إذا طال أمده، سيتحول إلى حرب بين الأعراق، أشارت إلى أنه سينزلق إلى استهداف المدنيين بسبب هوياتهم، بينما يمكن أن تصبح المجاعة سلاحًا، وقد يضطر ملايين إلى الفرار.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه لا قوة دولية تريد هذه الحرب، مشيرة إلى أنه قد يؤدي تفضيل واشنطن لما تسميه تعبيرًا ملطفًا «الاستقرار» إلى ميلها نحو البرهان، بينما قد تدفع علاقات مجموعة فاغنر بحميدتي وتجارة الذهب موسكو في الاتجاه الآخر.
لكن للحظة عابرة -ربما أسبوع أو أسبوعين- كان الإجماع الدولي على أن الصراع يجب أن ينتهي، فالمحاورون الدوليون أظهروا أنهم يستطيعون الوصول إلى الجنرالين عبر الهاتف، وتأمين موافقتهما على إجلاء الرعايا الأجانب ووقف القتال.
وبحسب «فورين أفيرز»، فإن هناك نافذة صغيرة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، للمطالبة بهدنة أكثر جوهرية على أسس إنسانية، والإصرار على حوار سياسي.
وأشارت إلى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تدافع عن الحركة الديمقراطية التي «خانتها بشكل مخجل»، مؤكدة أن الرئيس الكيني وليام روتو -الذي يتمتع بنفوذ ضئيل لكن لديه مؤهلات ديمقراطية قوية ويمكنه أن يشارك السعوديين في حشد جبهة دولية موحدة- عرض التوسط في الأزمة الحالية.
وختمت الصحيفة تقريرها بقولها، إن أي صيغة لإنهاء الحرب، تتطلب مهارات دبلوماسية قوية وإطار عمل متعدد الأطراف، يضم الأمم المتحدة والأفارقة، محذرة من أن «الوقت ينفد».