كيف تُعرِّض أوكرانيا حياة مواطنيها للخطر؟

بنشر قواعد عسكرية وسط مدارس ومستشفيات.. لماذا تُعرض أوكرانيا حياة مواطنيها للخطر؟

كيف تُعرِّض أوكرانيا حياة مواطنيها للخطر؟

ترجمات -السياق 

رغم أنها تبرر ما تفعله، بالدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية المتلاحقة، فإن أوكرانيا تواجه اتهامات، بأنها تُعرِّض حياة مواطنيها المدنيين للخطر... فكيف ذلك، وما السبب، وأين الحقيقة؟

توصلت مراجعة داخلية مسربة -صدرت بتكليف من منظمة العفو الدولية- إلى أوجه قصور كبيرة، في تقرير مثير للجدل، أعدته جماعة حقوقية، اتهمت فيه السلطات الأوكرانية، بتعريض المواطنين للخطر بمخالفة القانون، عن طريق نشر القوات المسلحة في مناطق مدنية، حسب صحيفة غارديان البريطانية.

وبينت الصحيفة، أن التقرير، الذي صدر في أغسطس الماضي، أثار غضبًا على نطاق واسع في أوكرانيا، ما أدى إلى اعتذار منظمة العفو الدولية، ووعد بمراجعة خبراء خارجيين لما حدث.

وأشارت إلى أن بين الذين أدانوا التقرير، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي اتهم منظمة العفو الدولية "بتحويل المسؤولية من المعتدي إلى الضحية".

غموض

وذكرت "غارديان" أن المراجعة المسربة أشارت إلى أن التقرير المثير للجدل كان "مكتوبًا بغموض، وبشكل غير دقيق، علاوة على أوجه قصور قانونية في بعض أجزائه".

وعلى وجه الخصوص، وجَّهت المراجعة -التي سُرِّبت إلى صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية- انتقادات لمعدي التقرير الذي يتهم السلطات الأوكرانية باستخدام صياغة للتقرير توحي بأن "عديدًا من أو معظم الضحايا المدنيين في الحرب، قُتلوا نتيجة لقرار أوكرانيا بوضع قواتها بالقرب من المدنيين" في وقت كانت القوات الروسية تتعمد استهداف المدنيين.

وحسب الصحيفة البريطانية، أشارت المراجعة، إلى أن الفقرات الافتتاحية هي التي حملت تلك الإشارات، التي يمكن قراءتها على أنها توحي -رغم أن تلك لم يكن نية منظمة العفو الدولية- بأن القوات الأوكرانية، على مستوى منهجي أو عام، هي المسؤولة أو تتحمل المسؤولية بالتساوي مع القوات الروسية، عن قتل المدنيين جراء هجمات روسيا".

وأوضحت الصحيفة، أنه فور نشر التقرير المثير للجدل، حصلت روسيا على النسخة الأولية منه، عبر سفارتها في لندن، ومن ثمّ استندت إليها في إطلاق مزاعم بأن التكتيكات الأوكرانية كانت "انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي" في وقت كانت القوات الروسية متهمة بارتكاب جرائم حرب خطيرة.

وبينت الوثيقة المسربة أنها علمت من مصادر أن منظمة العفو الدولية تعكف على مراجعة نسخة من التقرير تتكون من 18 صفحة لأشهر عدة، وسط ضغوط كانت تواجهها المنظمة، للتقليل مما توصل إليه التقرير.

وأفادت بأن الجدل المثار في هذه القضية، ركز على مزاعم لمنظمة العفو الدولية أشارت إلى أن أوكرانيا، من خلال إيواء عسكريين في مبانٍ مدنية وشن هجمات من مناطق مدنية، تكون قد انتهكت القانون الدولي بشأن حماية المدنيين.

من الضحية؟

وأشارت "غارديان" إلى أن خمسة خبراء: إيمانويلا كيارا غيلارد من جامعة أكسفورد، وكيفن غون هيلر من جامعة كوبنهاغن، وإريك تالبوت غنسن من جامعة بريغهام يونغ، وماركو ميلانوفيتش من جامعة ريدينغ، وماركو ساسولي من جامعة جنيف، راجعوا التقرير.

وحسب الصحيفة، تساءل هؤلاء الخبراء عما إذا كان معدو التقرير الأصلي قد فسروا -بشكل صحيح- القانون الدولي في ما يتعلق بأوكرانيا، على أنها ضحية للعدوان، وما إذا كان هناك دليل على أن كييف قد وضعت المدنيين في "طريق الأذى".

كما كشف التقرير المسرب، عن قلق كبير في منظمة العفو الدولية قبل نشره، بشأن ما إذا كانت المنظمة قد تواصلت مع الحكومة الأوكرانية بالقدر الكافي، قبل نشر التقرير الأصلي.

وأضافت المراجعة: "كان ينبغي أن تؤدي هذه التحفظات إلى مزيد من التفكير والتوقف" قبل أن تصدر المنظمة بيانها.

ونقلت "غارديان" عن أوكسانا بوكالتشوك، الرئيسة السابقة لمكتب منظمة العفو الدولية في أوكرانيا، التي استقالت بسبب التقرير، إنها تؤيد نشر المراجعة على الملأ، إضافة إلى المراجعة الداخلية للعلاقات داخل المنظمة، بشأن كيفية اتخاذ القرارات بشأن التقرير.

وأعلنت بوكالتشوك استقالتها، بعد تقرير للمنظمة غير الحكومية، اتهم القوات المسلحة الأوكرانية بتعريض مدنيين للخطر، ما أثار غضب كييف.

كانت منظمة العفو الدولية أكدت أنها تتحمل مسؤولية تقريرها، الذي يتهم الجيش الأوكراني بتعريض المدنيين للخطر في مقاومته للغزو الروسي، عبر نشر بنى تحتية عسكرية في مناطق مأهولة بالسكان.

وأثار نشر الوثيقة غضب كييف، وذهب الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى حد اتهام المنظمة غير الحكومية "بمحاولة تبرئة الدولة الروسية عبر المساواة بشكل ما بين الضحية والمعتدي".

وقالت بوكالتشوك لـ "غارديان": "أريد أن تتحقق العدالة"، مضيفة: "أحد الأشياء التي كانت مهمة جدًا بالنسبة لي في ذلك الوقت أننا يجب أن نتواصل مع الحكومة الأوكرانية، رسميًا أو بشكل غير رسمي، للحصول على معلومات منها"، لافتة إلى أن ذلك لم يحدث، ما تسبب في كثير من الضرر.

وبينت أنها حاولت -من دون جدوى- إقناع إدارة منظمة العفو الدولية، بأن التقرير منحاز ولم يأخذ في الاعتبار آراء وزارة الدفاع الأوكرانية.

ورأت بوكالتشوك أن منظمة العفو منحت وقًتا قصيرا جدًا لوزارة الدفاع للرد، وأضافت: "نتيجة لذلك، أصدرت المنظمة -عن غير قصد- تقريرًا بدا أنه يدعم الرواية الروسية"، موضحة أنه "بدافع حماية المدنيين، تحول هذا التقرير إلى أداة دعاية روسية".

وتابعت: "ما لم أره -حتى الآن- في تقرير هذه المراجعة، أي مناقشة للسياق الأكبر للحرب، وكيف لعب هذا التقرير لصالح الدعاية الروسية… ومن ثمّ نحن بحاجة إلى أن نتحدث عن المعتدي ومن ضحية هذه الحرب".

من جانبه، كشف متحدث باسم منظمة العفو الدولية، أن المنظمة كلفت لجنة من الخبراء الخارجيين في مجال القانون الإنساني الدولي، بمراجعة مستقلة للتحليل القانوني للبيان الصحفي، الصادر في 4 أغسطس الماضي.

وقال: "راجع موظفو منظمة العفو المسودة الأولى لتقرير اللجنة، وأخذت تعليقاتهم بالاعتبار في النسخة النهائية، إلى الحد الذي تراه الهيئة القانونية مناسبًا".

كانت بوكالتشوك كتبت في "فيسبوك" أن منظمة العفو تجاهلت طلبات من فريقها بعدم نشر التقرير.

لكن بعد تحقيق استمر أربعة أشهر، اتهمت المنظمة -في تقريرها- الجيش الأوكراني بنشر قواعد عسكرية في مدارس ومستشفيات، وشن هجمات من مناطق مأهولة بالسكان، وهو تكتيك يُشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، على حد تعبيرها.

لكن المنظمة غير الحكومية أكدت -في الوقت نفسه- أن التكتيكات الأوكرانية لا "تبرر -بأي حال من الأحوال- الهجمات الروسية العشوائية" التي تصيب السكان المدنيين.

وصرح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بأنه "غاضب" من الاتهامات "غير العادلة" لمنظمة العفو الدولية، التي تشير إلى "توازن خاطئ بين الظالم والضحية".