كيف أضر نائب البرهان آلاف العالقين على الحدود المصرية؟

تصريحات نائب البرهان التي وُصفت بالعفوية وغير الدبلوماسية، عززت موقف القاهرة الأمني، بضرورة ضبط آلية استقبال السودانيين.

كيف أضر نائب البرهان آلاف العالقين على الحدود المصرية؟
مالك عقار ، نائب رئيس مجلس السيادة في السودان

السياق

حرب في بلادهم وتشديدات على حدودهم وأزمة إنسانية خطيرة لم تكن في الحسبان، هكذا بات حال السودانيين، حيث تحولت مدنهم إلى ساحات قتال وفروا خارج البلاد، ليدخل مصر أكثر من مئتي ألف سوداني.

لكن القاهرة اتخذت -في الأيام الماضية- تدابير طارئة حدت من تدفقهم إليها، وسط مطالبات حقوقية بتسهيل العبور، كما كان. وبالتزامن، عززت تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، مخاوف القاهرة، وعقدت أزمة عبور شعبه، بدلًا من السعي إلى حلحلتها.

 

نِصف مليون عالق

قال عقار -خلال مؤتمر صحفي في القاهرة- إن جواز السفر أصبح في "يد كل من هب ودب"، حتى بعض من وصفهم بأنهم إرهابيون.

تصريحات واجهها السودانيون بغضب، مؤكدين أنها ستدفع مصر ودول الجوار -حيث يحتشدون بمئات الآلاف- إلى التشدد تجاههم سواء المقيمين أم القادمين، هرباً من القتال.

ما قاله المسؤول السوداني خطأ فادح -بحسب مراقبين-، إذ جاء عكس الهدف الذي ذهب إلى القاهرة من أجله، وهو بحثه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي وجود نحو ربع مليون أو نِصف مليون عالق على الحدود المصرية.

وأكد عقار أنهم بحاجة "لتسهيل" إجراءات الدخول، ومن جانبه وعد السيسي بالسعي  لتيسير أمرهم.

وفي وقت تعيش القاهرة أزمة اقتصادية، قال وزير الخارجية المصري إن تكلفة استضافة ربع مليون سوداني 450 مليون دولار.

لكن تصريحات نائب البرهان وُصفت بالعفوية وغير الدبلوماسية، وعززت موقف القاهرة الأمني، بضرورة ضبط آلية استقبال السودانيين.

 

البشير وإيواء الإرهاب

تقارير صحفية، اعتمدت على معلومات استخباراتية، أكدت حصول متطرفين، من جنسيات مختلفة على هويات سودانية أثناء حُكم الرئيس السابق الإخواني عمر البشير.

ويقول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، أحد طرفي الحرب، إن من أسباب قتاله محاربة التطرف، وكان مبرره إجهاض محاولة انقلاب عسكري من تابعين لنظام البشير الإخواني، للعودة إلى الحكم، بمساعدة البرهان وتواطؤ جنرالات في الجيش محسوبين على "الحركة الإسلامية".

كان السودان ملاذًا لإرهابيين دوليين مثل كارلوس، الذي نفذ عمليات قتل وحشية في فرنسا، والإرهابي الأشهر في العالم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، حيث قضى سنوات هناك، وأقام استثمارات موَّل من خلالها تدريبات وعمليات مقاتليه.

لذلك يرى قطاع من السودانيين، مشروعية المخاوف الأمنية المصرية، لكنهم في الوقت ذاته ألقوا بسهام الانتقاد والسخرية من مالك عقار، وعبروا عن غضبهم بسبب تصريحاته، التي رأوا أنها لا تخرج من مسؤول حكومي.

 

جولات عقار

ولم يسلم عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة من غضب السودانيين، مؤكدين فشله في اختيار رجال الدولة، وتسليم قائد حركة مسلحة مثل عقار، مسؤولية دبلوماسية مهمة.

وضمن جولات كثيرة له مع قادة دول في المحيط السوداني، أكدت تقارير صحفية عدم جدوى أي منها، وأن هدفها الأساسي تبييض صورة البرهان.

والتقى عقار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لبحث جهود تسوية الأزمة، حسب بيان الرئاسة المصرية.

وأكد البيان أن السيسي استمع -خلال اللقاء- إلى عرض لتطورات الأوضاع في السودان، في ما يتعلق بمسار الأزمة، ومجريات الجهود الرامية لتسويتها، على النحو الذي يحافظ على وحدة وتماسك الدولة.

فضلًا عن سبل التعاون والتنسيق لإيصال المساعدات الإنسانية وتقديم الإغاثة.

 

موقف القاهرة

ولم ينجح عقار في كسب موقف مصري علني مؤيد للبرهان، بل ظلت القاهرة متمسكة بمبدئها في عدم دعم أي طرف على حساب آخر، وأن الأزمة في السودان شأن داخلي، والقاهرة تقف على مسافة واحدة من الجميع.

وفي لقائهما بيّن السيسي أن وقف الاقتتال وإطلاق النار بشكل دائم وشامل، وبدء عملية الحوار السلمي، هي الأولويات التي ينبغي تكثيف الجهود لتنفيذها.

وأكد أن مصر تبذل أقصى الجهد، لتحقيق التهدئة وحقن الدماء ودفع مسار الحل السلمي، ودعم مصر للسودان وتماسك دولته، ووحدة وسلامة أراضيه.

 

الأوضاع الإنسانية

ويعيش السودان حربًا دامية عصفت بالقطاع الطبي، وتهدد الأوضاع الإنسانية، ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج 25 مليون شخص، أي أكثر من نِصف السكان وعددهم نحو 45 مليونًا، للمساعدة في بلد كان من أكثر الدول فقرًا، حتى قبل النزاع.

وسببت المعارك نقصًا في المواد الغذائية والخدمات الأساسية. وتؤكد مصادر طبية، أن ثلاثة أرباع المستشفيات الواقعة في مناطق القتال، خارج الخدمة.

وتسبّب القتال بنزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، لجأ أكثر من 528 ألفًا منهم إلى دول الجوار، وفق المنظّمة الدوليّة للهجرة.

وعبر أكثر من 149 ألف شخص نحو تشاد الحدوديّة مع إقليم دارفور حيث تثير الأوضاع قلقًا متزايدًا، خصوصا في الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم.

وحذّرت الأمم المتحدة -مطلع هذا الأسبوع- من أنّ ما يشهده الإقليم قد يصل إلى "جرائم ضدّ الإنسانيّة".