هل تحل عودة دمشق إلى الجامعة العربية المشهد المتشابك في سوريا؟

المحلل السياسي السعودي، اللواء الدكتور محمد الحربي، يقول إن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لم يكن وليدًا لفترة تقارب أو حالة تعاطف إزاء زلزال 6 فبراير، وإنما جهد امتد سنوات عبر زيارات تمهيدية استكشافية

هل تحل عودة دمشق إلى الجامعة العربية المشهد المتشابك في سوريا؟

تقرير: حسن حمدي سليم

"عودة سوريا إلى الجامعة العربية" قرار تبناه وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الطارئ بالقاهرة، الأحد، أنهي أعوامًا من العزلة السورية التي تعاني مغبة صراع أهلي، أودى بحياة نصف مليون مواطن على الأقل، وصاحبته ردود فعل عربية ودولية متباينة.

القرار يأتي قبل نحو أسبوعين من القمة العربية المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض، التي أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، أن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه حضورها إذا رغب، وأن للوفود السورية الحق في حضور الاجتماعات العربية.

القرار العربي يحمل في طياته كثيرًا من التأني والتصميم، إذ جاء بعد اجتماعات تشاورية عربية، تزامنت مع ترجيحات بحضور سوريا القمة العربية المقبلة، ورفض غربي وضغوط لم تفلح في إثناء الجامعة عن قرارها، الذي انتقدته واشنطن وأكدت استمرار العقوبات على نظام الأسد، رغم أنها اتفقت مع القرار العربي بالأهداف النهائية له، وأعلن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي إعلاميًا تمسكه بعدم التطبيع مع النظام السوري.

 

زيارات استكشافية

الرفض الغربي والتصميم العربي يلقيان بظلالهما على منطقة ساخنة في طبيعتها، تتموضع منتصف العالم، وتتشابك فيها الخيوط الجيوسياسية والاقتصادية، لاسيما في الأراضي السورية التي تعاني تدخلًا عسكريًا تركيًا روسيًا أمريكيًا في أراضيها.

المحلل السياسي السعودي، اللواء الدكتور محمد الحربي، يقول إن قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لم يكن وليدًا لفترة تقارب أو حالة تعاطف إزاء زلزال 6 فبراير، وإنما جهد امتد سنوات عبر زيارات تمهيدية استكشافية بدأتها الرياض.

وتؤكد الباحثة السياسية السورية ميس الكردي، أن العودة السورية إلى الجامعة العربية شهدت جهدًا حثيثًا، وأن العلاقات الثنائية المباشرة كانت الأساس الذي ركزت عليه محادثات العودة السورية، بشكل يحافظ على استقلاليتها.

ويرى الكاتب المصري، الباحث في العلاقات الدولية د. أسامة السعيد، أن إنهاء تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية، يتسق مع التغيرات في الشرق الأوسط، في ما يخص إيران والسعودية من جانب، ومصر وتركيا من جانب آخر.

ويضيف السعيد في تصريحات خاصة لـ "السياق" أن الطرفين في حاجة لبعضهما، فترك سوريا لاستقطاب إقليمي خسارة كبيرة للنظام العربي، خاصة أنها طالما كانت دولة فاعلة، وفي الوقت نفسه تحتاج دمشق إلى الحاضنة العربية، لإنهاء العزلة الدولية السياسة والعسكرية التي تعانيها منذ سنوات، وكذلك للدعم العربي في إعادة الإعمار.

ويشير إلى أن القوى العربية حريصة على ألا تكرر أخطاء الماضي، التي ارتكبتها في حق العراق بعزلته عام 2003 وتركه فريسة للتدخل الإيراني لعشرين عامًا، قبل أن يعود إلى الحاضنة العربية.

بينما على النقيض ترى القوى الغربية في إنهاء تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية، مكافأة مجانية للنظام السوري، وأنه يجب ألا ينفك الحصار السياسي عن سوريا، بحسب السعيد.

 

حوار سوري

تقول الباحثة السياسية السورية، ميس الكردي، في تصريحات خاصة لـ "السياق" إن العقلية الغربية تتعامل مع سوريا بشكل يمهد الطريق لصراعات إثنية وطائفية تخرج عن إطار الدولة، ويجب أن تترك عملية التفاهمات الداخلية لحوار سوري، من دون تدخل يمهد لتقسيم. 

عملية الحوار السورية أكدها اجتماع الجامعة العربية على المستوى الوزاري، الذي أشار إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بدءًا بمواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا، وفق الآليات المعتمدة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وتتشكل لجنة اتصال وزارية مكونة من "الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام ،"لمتابعة تنفيذ بيان عمان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية، للتوصل لحل شامل للأزمة السورية، وتقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوازري.

وقالت وزارة الخارجية السوري -في بيان- إنها تلقت قرار الجامعة "باهتمام كبير" ودعت إلى "تعاون وشراكة عربية أكبر".

 

مشهد معقد

استمرار الصراع في سوريا أكثر من أحد عشر عامًا، خلف مشهدًا معقدًا شمالي شرق البلاد، بحسب المحلل السياسي السعودي محمد الحربي، الذي وصف المشهد في المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام السوري بالمركب، لتشابك الخيوط الأمريكية والروسية والتركية مع قوى داخلية تحظى بدعم خارجي، لكنه في الوقت نفسه يشدد على  ضرورة إيجاد تفاهمات داخلية سورية، لفك طلاسم ذلك المشهد".

الباحث المصري د. أسامة السعيد يرى في تحسن  العلاقات التركية العربية حلًا ولو جزئيا لذلك المشهد، فاحتياج أنقرة للدعم العربي وفتح مناطق للتصدير لتحسين وضع الاقتصاد التركي، سيشكلان لديها نوعًا من الحرج لوجودها في سوريا، لكنها في الوقت ذاته سترفض الانسحاب، من دون ضمانات كافية لحماية أمنها القومي، في ظل تخوفها من تحركات حزب العمال الكردستاني.

ويتابع أنه في الوقت نفسه قد نشهد حلحلة لذلك المشهد المركب، عبر قوات مشتركة أو محايدة لصنع شريط حدودي عازل.

ومن المرجح أن يرأس الرئيس السوري بشار الأسد وفد بلاده في القمة العربية المقبلة، المقرر عقدها في 19 مايو بالعاصمة السعودية الرياض، التي يراها مراقبون أهم قمة عربية.