الطريق إلى صفقة إيران الجديدة.. اتفاق إقليمي يمكن أن ينجح حيث فشلت أمريكا

في مارس الماضي، طبعت إيران والسعودية العلاقات، بعد سبع سنوات من القطيعة، بصفقة توسطت فيها الصين

الطريق إلى صفقة إيران الجديدة.. اتفاق إقليمي يمكن أن ينجح حيث فشلت أمريكا

ترجمات - السياق

رغم مرور خمس سنوات، على انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من الاتفاقية النووية لعام 2015 مع إيران، وأكثر من عامين منذ أن أطلق خلفه جو بايدن مساعيه لاستعادته، فإن الأخير لم يتمكن من إحياء خطة العمل المشتركة.

وقالت صحيفة فورين أفيرز، إن عدم إحياء خطة العمل المشتركة، بسبب فشل الإدارة الأمريكية، ففي المفاوضات المبكرة، كان بايدن مترددًا في دفع الكونغرس لدعم مبادرة السياسة الخارجية المثيرة للجدل، عندما كان بحاجة إلى دعمه لأجندته المحلية.

وأشارت إلى أن فشل إحياء الخطة يعود -كذلك- إلى التعنت الإيراني، فمع استمرار المحادثات، ألقت طهران حواجز على الطريق وقدمت مطالب عدة -بما في ذلك ضمان عدم انسحاب الإدارة الأمريكية القادمة مرة أخرى من الصفقة- التي لم تستطع واشنطن تلبيتها ببساطة، مؤكدة أنه نتيجة لذلك، لم يكن هناك أي تقدم في المفاوضات منذ سبتمبر 2022، بينما لا يزال الجانبان بعيدين عن التوصل إلى اتفاق.

مع ذلك، فإن برنامج طهران النووي أصبح أكثر تقدمًا، فوفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، خصبت إيران اليورانيوم بنسبة 84٪ -أقل بنقطة مئوية واحدة فقط من درجة نقاء الأسلحة- وجمعت ما يكفي من المواد الانشطارية المخصبة لصنع قنابل، بحسب الصحيفة الأمريكية.

 

هل تأخرت زيارة سوليفان إلى المنطقة؟

خطأ ترامب الاستراتيجي

ووفقًا لمسؤولي "البنتاغون"، يمكن أن تنتج إيران سلاحًا نوويًا عمليًا في بضعة أشهر، بينما قالت «فورين أفيرز»، إنه نتيجة لذلك، وبفضل خطأ ترامب الاستراتيجي، أصبحت إيران دولة نووية بحكم الأمر الواقع: مفك براغي وقرار سياسي واحد بعيدًا عن تسليح قدراتها النووية.

وحتى إذا استؤنفت المفاوضات، من غير المرجح إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، فبرنامج إيران متقدم للغاية، بحيث لا يمكن احتواؤه من خلال تلك الصفقة، إضافة إلى أن المناخ السياسي في الغرب لا يفضي إلى مفاوضات ذات مغزى، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي أشارت إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة النطاق، المناهضة للحكومة في إيران، ورد فعل طهران الوحشي، أديا إلى قتل أي رغبة في واشنطن والعواصم الأوروبية، لرفع العقوبات عن إيران، وهو جزء ضروري من الصفقة.

وأوضحت «فورين أفيرز»، أن دعم إيران للغزو الروسي لأوكرانيا كان «مثيرًا للاشمئزاز بالنسبة للرأي العام الغربي»، مشيرة إلى أنه، حتى لو كانت واشنطن على استعداد للتكتم ورفع عديد من العقوبات لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، ليس من الواضح ما إذا كان قادة إيران المتشددون مهتمين بوضع اللمسات الأخيرة على صفقة مع إدارة قد تكون خارج المنصب في أقل من عامين.

 

الخطة ب

وأشارت إلى أن صانعي السياسة يحاولون صياغة خطة ب، كتأكيد لزوال خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن طريقهم إليها يتضمن السياسات نفسها -العقوبات والعزلة الدولية، والعمل السري، والتهديدات العسكرية- التي فشلت في كبح التقدم النووي الإيراني خلال العقدين الماضيين.

وتقول «فورين أفيرز»، إن البيت الأبيض يبدو مهتمًا بصفقة «أقل مقابل أقل»، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بمعظم عقوباتها لكنها تقدم تخفيفًا جزئيًا مقابل تجميد طهران لأكثر الجوانب إثارة للقلق في برنامجها النووي، مثل مستوى التخصيب، إلا أن طهران -حتى الآن- غير مهتمة بهذه الترتيبات.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا لا تريدان أن تمتلك إيران أسلحة نووية، وإذا كانتا لا تريدان مهاجمة إيران لعرقلة البرنامج، فإنهما بحاجة إلى نهج دبلوماسي جديد، مؤكدة أنه لحسن الحظ، أتاحت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط فرصة لذلك.

وبحسب «فورين أفيرز»، قد لا يكون الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران ممكنًا، لكن نظرًا لأن دول الخليج تقيم علاقات أفضل مع طهران، فإن ما كان مستحيلًا -وهو اتفاق إقليمي يعالج في الوقت نفسه تدخل إيران في شبه الجزيرة العربية وبرنامجها النووي- أصبح الآن ممكنًا.

 

فوائد الخطة ب

وعلى عكس خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، فإن هذا النوع من الصفقات يمنح إيران مزيدًا من الإغاثة الاقتصادية ذات المغزى، ويمكنه احتواء البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، ما يجعل إيران تقلل دعمها للميليشيات المزعجة في المنطقة، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إنه من خلال ذلك، يمكن أن تؤدي هذه الصفقة إلى مزيد من الاستقرار في جزء من العالم يحتاج إليها بشدة.

في دبلوماسيته النووية مع إيران، سعى الغرب إلى صفقات ضيقة، فعلى سبيل المثال، إنهاء العديد من أحكام خطة العمل الشاملة المشتركة بمرور الوقت، وتجنب الاتفاق -عن عمد- المشكلات الإقليمية، بما في ذلك تمويل إيران للجماعات المسلحة، لأن صانعي السياسة الغربيين اعتقدوا أنهم لا يستطيعون إبرام صفقة نووية ومعالجة التوترات الأخرى في وقت واحد، فقرروا أنه من الأفضل التركيز أولاً على تجميد برنامج إيران النووي، بينما يمكن للمفاوضين في المستقبل معالجة قضايا أخرى، بحسب الصحيفة الأمريكية.

لكن هذا النهج الضيق لم يعد قابلاً للتطبيق، فبرنامج إيران النووي متقدم للغاية، بحيث لا تسمح القيود المؤقتة وإجراءات الشفافية، بتخفيف المخاوف الغربية والإسرائيلية، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة أثبتت أيضًا أنها لا تستطيع الالتزام بوعدها، م=ما يجعل من المستحيل على الغرب، تزويد إيران بالفوائد الاقتصادية الفعالة والمستدامة التي تسعى إليها.

من جانبهم، أثبت الأوروبيون أنهم غير قادرين على الوفاء بوعودهم الاقتصادية لإيران، من دون موافقة الولايات المتحدة، وأظهر فشل خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) أن الاتفاق النووي الناجح قد يتطلب خفض إيران التوترات مع جيرانها.

شيك على بياض

وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه عند الانتهاء من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، رأت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الصفقة بمنزلة شيك على بياض، يسمح لإيران بتعميق مشاركتها في الشؤون العربية وتوسيع برنامجها للصواريخ البالستية، ما دفعهما إلى حث ترامب "المتعاطف" على التخلي عن الاتفاق.

بعد سنوات، أدركت هذه الدول أن قتل الصفقة كان خطأ فادحًا، فجعلت نهاية خطة العمل الشاملة المشتركة إيران "الحاقدة" أكثر عدوانية، وأضافت أنشطة طهران النووية غير المقيدة إلى قائمة مخاوفهم، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ورغم أن دول الخليج لا تستطيع إحياء الاتفاق النووي، فإن مخاوفها بشأن إيران، على نحو متناقض، جعلت التوصل إلى اتفاق إقليمي أكبر، احتمالًا ممكنًا، لأنه في محاولة للحد من الهجمات الإيرانية على أراضيها، أشركت دول الخليج إيران بطرق لم تفعلها منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، تقول «فورين أفيرز».

وفي أغسطس الماضي، أعادت الكويت والإمارات العربية المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وفي مارس الماضي، طبعت إيران والسعودية العلاقات، بعد سبع سنوات من القطيعة، بصفقة توسطت فيها الصين.

 

حوار إقليمي

وتقول «فورين أفيرز»، إن هذه الاتفاقيات تعني أنه من الممكن لأقوى دول الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) بدء حوار إقليمي مع إيران، لتحقيق ما ادعى جميع المشاركين المحتملين أنهم يرغبون فيه: تعزيز الأمن وتوسيع نطاقه إلى التجارة، وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الخليج.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الشرط الذي لا غنى عنه لتحقيق هذا الهدف، تأكيدات إيران بشأن عرض قوتها الإقليمية، مثل الالتزام بعدم دعم الجهات الفاعلة غير الحكومية ماليًا أو عسكريًا في شبه الجزيرة العربية.

في المقابل، تلتزم هذه الدول بعدم دعم الجماعات التي تزعزع استقرار إيران.

هذا النهج يستلزم أيضًا موافقة جميع الدول، الواقعة على حافة الخليج، على ضوابط صارمة للتطوير النووي، بما في ذلك إيران، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أنه يمكن لهذه الدول، على سبيل المثال، التخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 5%، والتخلي عن إعادة معالجة البلوتونيوم، والتصديق على البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، الذي يوفر لمفتشي الأمم المتحدة وصولاً معززًا لا رجعة فيه، إلى جميع المواقع النووية المعلنة والمشتبه فيها.

مدعومة بثقة متزايدة... السعودية تشهد تحولًا دبلوماسيًا

نتيجة الحوار

ولتلبية هذه المتطلبات، يمكن لإيران مزج مخزوناتها الحالية من 20 و60% من المواد الانشطارية، إلى أقل من خمسة في المئة أو شحنها، كما يمكن لموقعي الاتفاق على عمليات تفتيش ومشاريع مشتركة في مجال الوقود النووي، وكذلك في مجال السلامة والأمن النوويين، كما فعلت الأرجنتين والبرازيل عام 1981.

وتقول «فورين أفيرز»، إن هذه المواد النووية ستأتي بتكلفة منخفضة بالنسبة لجيران إيران العرب، حيث لا يمتلك أي منهم -رغم طموحات المملكة العربية السعودية النووية- برنامج دورة وقود نووي محلي يحتاجون إلى التخلي عنه، لكنه سيكون أيضًا بتكلفة محتملة لإيران.

فعلى عكس خطة العمل الشاملة المشتركة، تسمح هذه الأحكام لإيران بالموافقة على قيود طويلة الأجل على برنامجها النووي، من دون تفكيك بنيتها التحتية أو التعامل معها كاستثناء للقاعدة، بين الدول الأخرى الأعضاء في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي لا تخضع برامجها النووية لقيود، كما أنه سينزع فتيل خطر توجيه ضربة من الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن برنامج إيران النووي، وهو أمر تريد دول الخليج تجنبه أيضًا.

في الواقع، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين -وينبغي لهم- دعم هذه الصفقة بنشاط، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن عليهم إعفاء اتفاقية التجارة الحرة الإيرانية الخليجية من العقوبات، وتهيئة وسيلة قوية للنمو الاقتصادي بين أطراف الاتفاقية.

وأشارت إلى أنه يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يصدق على هذا الاتفاق، كخليفة لخطة العمل المشتركة الشاملة، وينص على تداعيات عقابية على الانتهاكات، التي يمكن أن تشمل السماح للشركات بمقاضاة الدول التي تنتهك الصفقة، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

وأوضحت أنه إذا فرضت واشنطن عقوبات على صفقة التجارة الإيرانية الخليجية، بعد الموافقة على إعفائها، قد تكون الولايات المتحدة من تلك الدول، كما أن إرساء اتفاق نووي في إطار إقليمي، سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة إعادة فرض العقوبات، لأنها على عكس عام 2018، ستواجه واشنطن مقاومة من أصدقائها الخليجيين، إذا حاولت الانسحاب.

وبالنسبة لإيران، قد يكون لهذه الصفقة، العمر الطويل المضمون، الذي لم تقدمه خطة العمل الشاملة المشتركة، ما يؤدي إلى تصحيح أحد أوجه القصور الرئيسة في تلك الاتفاقية.

 

محلي وعالمي

يواجه اتفاق إقليمي واسع معارضة من صقور إيران في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين قد يرون أنه شريان حياة لنظام إيراني على المحك، بعد أشهر من الاحتجاجات.

مع ذلك، يجدر التذكير بأن العلاقات الودية مع جيران إيران (والغرب) لم تمنع انهيار نظام الشاه عام 1979، فلن ينقذوا نظامًا يفتقر إلى الشرعية الشعبية، ولن تكون الصفقة حلاً سحريًا للتوترات في المنطقة، بحسب «فورين أفيرز»، التي قالت إنه بعد كل شيء، دمجت دول أوروبية عدة اقتصاداتها باقتصاد روسيا، ولم تفعل شيئًا لمنع موسكو من غزو أوكرانيا.

ورغم أن العلاقات الاقتصادية القوية لا يمكن أن تضمن الاستقرار، فإنها ستزيد تكلفة إلحاق طهران بجيرانها، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه مع نمو الترابط الاقتصادي بإيران، ستكتسب دول الخليج الثرية مزيدًا من النفوذ على طهران، ما يثبط السياسات العدوانية.

وأشارت إلى أنه ستتاح لإيران فرصة لإعادة بناء اقتصادها، مؤكدة أن هذه المزايا توضح: لماذا كانت هناك ردود فعل إيجابية عندما اقترحت هذه الصفقة في محادثات مع صانعي السياسات في عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وحتى إيران.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن مسؤولين في دول الخليج أشاروا إلى أنهم سيكونون متقبلين -بشكل خاص- لصفقة إذا حظيت بدعم الولايات المتحدة.

وبالنسبة لواشنطن وحلفائها، ستكون لصفقة إقليمية واسعة مزايا أخرى، وسيكون كلاهما بمنزلة إدارة للأزمات، ما يساعد في وضع غطاء لمزيد من التطوير النووي الإيراني، وفرض قيود دائمة وإجراءات شفافة على برنامج طهران النووي، لتجنُّب سباق بين جيران إيران، لمضاهاة تكنولوجيا دورة الوقود النووي لها.

بعبارة أخرى، ستكون هذه الصفقة اتفاقية أكثر ديمومة وقوة من خطة العمل الشاملة المشتركة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذه الصفقة ستؤدي إلى خفض التوترات بين إيران وجيرانها، وستسمح للولايات المتحدة بالتركيز أكثر على المخاوف السياسية ذات التذكرة الكبيرة، مثل تغير المناخ والمنافسة بين القوى العظمى.

وقبل كل شيء -وعلى عكس خطة العمل الشاملة المشتركة المستعادة- يمكن أن تحدث هذه الصفقة بالفعل، فالعالم بحاجة إلى ترتيب يدمج القضايا النووية والإقليمية إذا كان يريد تحقيق استقرار دائم في الشرق الأوسط، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه في بعض الأحيان، قد يكون تكبير المشكلة الشائكة، أفضل طريق لحلها.