معارك واتهامات متبادلة.. استمرار القتال في السودان وفشل وقف إطلاق النار
وسط أزيز الرصاص ودوي القذائف، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم، التي كانت أكثر أمانًا، إلى أحد أكثر المناطق رعبًا في البلد الإفريقي، ما أدى إلى فرار آلاف المدنيين، خوفًا من التراشق بين قوات الدعم السريع والجيش.

السياق
اتهامات متبادلة بخرق الهدنة، وادعاءات بالسيطرة على الأرض، ملامح قتال مستمر لليوم الخامس على التوالي، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى.
ذلك القتال الذي نشب بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، «حرب وجود» يسعى كل طرف فيها إلى النيل من خصمه، وكسب مؤيدين جدد، سواء أطراف إقليمية أم محلية.
وسط أزيز الرصاص ودوي القذائف، تحولت العاصمة السودانية الخرطوم، التي كانت أكثر أمانًا، إلى أحد أكثر المناطق رعبًا في البلد الإفريقي، ما أدى إلى فرار آلاف المدنيين، خوفًا من التراشق بين قوات الدعم السريع والجيش.
فسيرًا أو في مركبات، يمر آلاف السودانيين على الطرق التي تغطيها الجثث وهياكل المدرعات المتفحمة، رغم المخاطر واشتداد القتال بين الفريقين المتحاربين.
ولم يعد البقاء في الخرطوم ممكنًا منذ السبت الماضي، مع انقطاع الكهرباء والمياه، واستمرار الرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران، وسقوط الصواريخ من السماء، لتحول مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.
آخر التطورات
كشفت مصادر صحفية، عن أن الجيش السوداني فرض سيطرته بالكامل على قاعدة مروي العسكرية، مشيرة إلى أن قواته تمركزت داخل كل اتجاهات قاعدة مروي.
كما سيطرت الفرقة 16 بالجيش السوداني على مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، فيما اندلعت حرائق في مطار الخرطوم بعد انفجار خزانات لوقود الطائرات.
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، إن الجيش يواصل عملياته في «دحر تمرد عناصر مليشيا الدعم السريع بشكل متقدم، بما يتوافق مع قواعد ومبادئ القتال في المناطق المبنية بشكل احترافي حرصا على سلامة المدنيين من مواطنينا، ما يجعل من وتيرة القتال بطيئةً»، على حد قوله.
وبحسب بيان الجيش الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، فإن معلومات وصلت إلى القيادة العامة مفادها، أن «هناك بعض عناصر قوات الدعم السريع، تحاول التخلص من سلاحها إما بيعا أو استبدالا من المواطنين»، على حد زعم البيان.
وفيما أدان الجيش «هذا السلوك الذي يفضي إلى انتشار السلاح»، أهاب بالسودانيين عدم التعامل معهم والتبليغ عنهم لأقرب وحدة عسكرية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، استمرار أعمال التضييق على المواطنين وحرق سوق الخرطوم بحري، وترويع للمواطنين بمناطق متفرقة داخل وخارج العاصمة وعمل ارتكازات في مناطق عدة للنهب.
بدوره، نفى المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، إعلان قوات الدعم السريع استهداف القوات المسلحة لمقارها الطبية، مشيرًا إلى أن معسكر شمبات يتبع للشرطة العسكرية ولا توجد به مرافق طبية.
وأوضح متحدث القوات المسلحة السودانية، أن المعسكر كانت به قوات مقاتلة، تحاول تنفيذ أهداف عسكرية، إضافة إلى «نهب المواطنين في المنطقة المجاورة»، مشيرًا إلى «التعامل معه طبقًا للضرورة بالقدر الكافي من القوة».
وتابع: «نجدد دعوتنا لما تبقى من قوات الجيش السوداني، بوضع السلاح وعدم الاعتداء على المدنيين، ونشير إلى أن الموقع مملوك للقوات المسلحة وخُصص للدعم السريع».
وأكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، أن الجيش يحافظ على مستوى دقيق للقيادة و«السيطرة على قواتنا وتوجيهاتها للمناطق والفرق بالاستمرار في استقبال كل من يبلغ بنفسه من التمرد، تطبيقًا لقرارات القائد العام بالعفو العام وقبول الانضمام لصفوف القوات المسلحة».
في السياق نفسه، قال والي شمال دارفور، نمر محمد عبدالرحمن، إن الولاية أبلغت طرفي القتال برفض استمرار القتال بالولاية، مشيرًا إلى أن الحياة عادت إلى طبيعتها في شمال دارفور.
وفيما قال، إن الولاية أحصت 44 قتيلا و160 جريحا جراء الاشتباكات حتى الآن في شمال دارفور، أكد أن خدمة الكهرباء لا تزال متوقفة بسبب أعطال ناجمة عن الاشتباكات.
ماذا عن قوات الدعم السريع؟
وزعمت قيادة قوات الدعم السريع، أن قوات الجيش تستمر في عمليات القصف بالطائرات على التجمعات السكانية بما في ذلك المستشفيات، مؤكدة استمرار الهجوم بالأسلحة الثقيلة على مواقع تمركز قواتها وإطلاق القنابل عشوائيًا، ما تسبب في قتل وإصابة عشرات المواطنين وتدمير المستشفيات والمرافق العامة والأسواق، إلى جانب تسببه في حالة من الرعب والخوف في نفوس المواطنين، على حد قولها.
وادعت قيادة قوات الدعم السريع، أن قوات الجيش السوداني، قصفت خطوط إمداد المياه والكهرباء بالأسلحة الثقيلة، ما فاقم الوضع المعيشي للمواطنين، لارتباط خدمتي المياه والكهرباء بكثير من الخدمات الضرورية، مرحبًا بانضمام عدد من القوات المسلحة من ضباط ورتب أخرى لخيار الشعب السوداني.
وحول الجنود المصريين الذين كانوا محتجزين في قاعدة مروي العسكرية، قالت قيادة قوات الدعم السريع، في بيان صادر عنها، إنها نقلت «الرعايا المصريين الذين كانوا في مطار مروي خلال الاشتباكات التي وقعت مع قوات الجيش السبت الماضي، إلى العاصمة الخرطوم».
ووجهت قوات الدعم السريع رسالة إلى السلطات المصرية وأسر المحتجزين، قائلة: نطمئن أسر وحكومة مصر بأن جميع الجنود الذين كانوا يتواجدون في قاعدة مروي العسكرية، بخير ويتلقون الرعاية اللازمة»، مضيفة أنه «سيتم تسليمهم متى سنحت الفرصة المناسبة لذلك وفقاً للأوضاع التي تمر بها البلاد».
اتفاق وقف النار
انهار اتفاق برعاية أمريكية، لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما دفع السكان إلى البقاء في منازلهم، واليابان للإعداد لإجلاء مواطنيها.
وسعت قوى خارجية -بينها الولايات المتحدة- للتوسط في وقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع، للسماح للسكان العالقين بسبب القتال بتدبير احتياجاتهم.
وأشار الجانبان إلى اتفاقهما على وقف إطلاق النار، من السادسة مساء الثلاثاء بالتوقيت المحلي، لكن إطلاق النار لم يتوقف وأصدر كل منهما بيانًا يتهم فيه الآخر بخرق الهدنة.
وبحسب شهود عيان، سُمع دوي قصف مستمر وانفجارات عالية وسط الخرطوم في المنطقة المحيطة بمقر وزارة الدفاع والمطار، الذي جرت معارك ضارية بين الجانبين للسيطرة عليه، وخرج من الخدمة منذ اندلاع القتال مطلع الأسبوع.
ماذا قال الطرفان عن هدنة وقف النار؟
القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، قالت: عُرض مقترح هدنة من أطراف دولية 24 ساعة للنواحي الإنسانية، وافقت عليها القوات المسلحة إلا أن «قوات الدعم السريع لم تلتزم بها ولم تتوقف مناوشاتها لمحيط القيادة والمطار والأعمال التي سبق ذكرها»، على حد قوله.
وأشار إلى أن القوات المسلحة تصدت لمحاولة اقتحام فاشلة غرب الأبيض، ما كبدها «خسائر فادحة»، مضيفًا: «نحافظ على مستوى دقيق للقيادة والسيطرة على قواتنا وتوجيهاتها للمناطق والفرق بالاستمرار في استقبال كل من يبلغ بنفسه من التمرد».
ماذا قالت قوات الدعم السريع؟
اتهمت قيادة قوات الدعم السريع، قيادة القوات المسلحة ومن خلفها بعض المجموعات باختراق الهدنة المعلنة 24 ساعة، وتحريك قوات عسكرية من مدن عدة نحو الخرطوم، مشيرة إلى أن هذه القوات حاولت مهاجمة أماكن تمركز قوات الجيش، في أولى ساعات الهدنة.
ماذا عن الوضع الصحي؟
أما عن الوضع الصحي، فقالت لجنة أطباء السودان المركزية، إنه من بين 59 مستشفى أساسيًا في العاصمة الخرطوم والولايات متاخمة لمناطق الاشتباك، يوجد 39 مستشفى متوقفة عن الخدمة، مشيرة إلى أن من بين المستشفيات المتوقفة عن الخدمة، تعرضت 9 مستشفيات للقصف، و16 للإخلاء القسري.
وأضافت لجنة أطباء السودان المركزي، أن 20 مستشفى من بين 59 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات، تعمل بشكل كامل أو جزئي (بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط)، مشيرة إلى أنها مهددة الإغلاق أيضا نتيجة لنقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي.
وأشارت إلى أن 5 سيارات إسعاف تعرضت للاعتداء من قبل قوات عسكرية، فيما لم يسمح بمرور بعض المركبات الأخرى لنقل المرضى وإيصال المعينات.
فيما قالت نقابة أطباء السودان، إن أصوات الرصاص في كل مكان والكوادر الطبية لا تستطيع التحرك، مضيفة: نتوقع تمدد الاشتباكات من الخرطوم إلى ولايات أخرى.
وفيما أكدت نقابة أطباء السودان، أنها لا تستطيع الوصول إلى المصابين لاستمرار إطلاق النار، طالبت طرفي الصراع بوقف الحرب فورا وتجنيب المدنيين ويلاتها.
وحذرت من تحويل المستشفيات إلى مرتكزات عسكرية، قائلة إن نقص الإمدادات الطبية وانعدام الأمن يشكلان مخاوف كبيرة.
كانت الأمم المتحدة أحصت –الاثنين- ما يقرب من 200 قتيل وأكثر من 1800 جريح، فيما أكدت «أسوشيتد برس»، نقلا عن مصادرها، ارتفاع عدد قتلى المواجهات في السودان إلى 270 على الأقل.
يأتي ذلك، فيما يؤكد الأطباء أنها مجرد حصيلة مؤقتة، لأن ساحة المعركة خطيرة ولم يجمع عديد من الجثث، ولم يصل كثير من الجرحى لتلقي العلاج.
وأفاد أطباء بأن القتال تسبب بإغلاق سبعة مستشفيات في الخرطوم، بينما لم يعد بإمكان معظم المستشفيات الأخرى تقديم الرعاية، بسبب نقص اللوازم الطبية والمعدات.
أما مخزونات المواد الغذائية -المحدودة تقليديًا في بلد يشهد في الأوقات العادية تضخمًا مرتفعًا جدًا- فهي تتلاشى إذ لم تدخل أي شاحنة مؤن العاصمة منذ السبت.
ويقول العاملون في المجال الإنساني والدبلوماسيون، إنهم لم يعودوا قادرين على أداء عملهم، بعد قتل ثلاثة موظفين في برنامج الأغذية العالمي بدارفور، غربي البلاد، بينما تندد الأمم المتحدة بنهب مخزونها ومنشآتها.
وطلبت شركة توزيع الكهرباء من سكان الخرطوم ترشيد استهلاك الكهرباء، قائلة إن الخوادم المسؤولة عن عمليات شراء الكهرباء عبر الإنترنت تعطلت، مضيفة أن المنطقة التي توجد بها الخوادم شديدة الخطورة على المهندسين.
وأغلقت الشركات والمدارس أبوابها في العاصمة منذ بدء القتال، ووردت أنباء عن أعمال نهب واعتداء، بينما قال أحد السكان في مدينة بحري إن «معظم السلع غير متوفرة، والناس يبحثون عن احتياجات لكنهم لا يجدونها».
وقالت واحدة من السكان على الأطراف الشرقية للخرطوم، إنه بعد ضربات جوية وقصف بالمدفعية قرب منزلها، استؤنف القتال الكثيف في وقت مبكر من صباح الأربعاء قبل أن يهدأ، مضيفًا: «لم نستطع النوم، فترة الهدوء الوحيدة كانت بين الثالثة والخامسة صباحًا».
إجلاء الرعايا
كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، قال إن سلطات بلاده تعتزم استخدام طائرة لقوات الدفاع الذاتي لإجلاء نحو 60 يابانيًا في السودان، بالتنسيق مع دول كبرى.
وعن تلك التطورات، قال الأستاذ بجامعة باريس الأولى كليمان ديشاي: «لا يبدو أن أيًا من الجانبين يحقق انتصارًا في الوقت الحالي، ونظرًا لشدة القتال والعنف، فقد تزداد الأمور سوءًا قبل أن يجلس الجانبان حول طاولة المفاوضات».
الخبير في شؤون السودان قال «على الشركاء الإقليميين ممارسة ضغوط، وفي الوقت الحالي لا يبدو أن التصريحات تسير في هذا الاتجاه».
ويرى الخبراء أن القوى الفاعلة وجيران السودان ومانحيه، يحاولون البقاء على تواصل مع الجنرالين المتحاربين، لأنهم لا يريدون استباق الأمور والمستقبل الذي يجهلونه.