بحثًا عن التمويل.. مستثمرون في وادي السيليكون يلجأون إلى الخليج

كبريات شركات رأس المال الاستثماري، مثل أندريسن هورويتز، وتايغر غلوبال، وآي في بي أرسلت فرقًا من المديرين التنفيذيين إلى السعودية والإمارات خلال الأسابيع الأخيرة، بحثًا عن التمويل وسط أسوأ أزمة سيولة تتعرض لها هذه الشركات خلال الفترة الأخيرة.

بحثًا عن التمويل.. مستثمرون في وادي السيليكون يلجأون إلى الخليج

ترجمات – السياق

بعد أسوأ أزمة تمويل، تواجهها شركات رأس المال الاستشاري، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، بدأ مستثمرون في "وادي السيليكون" زيارات إلى الشرق الأوسط، لبناء علاقات طويلة الأمد بصناديق الثروة السيادية، للبحث عن التمويل.

فقد كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية -نقلًا عن مصادر مطلعة لم تسمها- أن كبريات شركات رأس المال الاستثماري، مثل أندريسن هورويتز، وتايغر غلوبال، و"آي في بي" أرسلت فرقًا من المديرين التنفيذيين إلى السعودية والإمارات وقطر خلال الأسابيع الأخيرة، بحثًا عن التمويل وسط أسوأ أزمة سيولة تتعرض لها هذه الشركات خلال الفترة الأخيرة.

وحسب الصحيفة، تأتي هذه الزيارات في وقت يواجه الداعمون التقليديون لهذه الشركات في أمريكا الشمالية وأوروبا أزمات اقتصادية، تجبرهم على الحد من الاستثمارات الخاصة.

 

أسباب الزيارات

ونوهت "فايننشال تايمز" إلى أن ما شجّع هؤلاء المستثمرين على القدوم إلى المنطقة، سعي المسؤولين في دول الخليج، وأفراد العائلات المالكة الشباب، إلى تنويع مصادر اقتصادهم بعيدًا عن النفط، عبر الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي.

وهو ما يعني -وفق الصحيفة- أن بعض المستثمرين تراجعوا عن قرارات، برفض الاجتماع مع السعودية أو الحصول على تمويل منها، بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 في قنصلية بلده بمدينة اسطنبول التركية.

ونقلت الصحيفة عن إبراهيم عجمي، رئيس المشاريع والاستثمار في شركة مبادلة الإماراتية للاستثمار -صندوق ثروة سيادي في أبوظبي تبلغ قيمته 284 مليار دولار- قوله: "ذهبنا إليهم في سان فرانسيسكو عام 2017 بحثًا عنهم، والآن هم من يأتون إلينا"، مشيرًا إلى أن ما سماه "التصحيح التكنولوجي" أدى إلى إضعاف الصناعة.

وبينت "فايننشال تايمز" أنها أجرت مقابلات مع أكثر من اثني عشر من أصحاب رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، الذين يسيطرون على عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى المستشارين والمصرفيين، الذين وصفوا العلاقة الجديدة بين صناديق الاستثمار في الولايات المتحدة ورأس المال في الشرق الأوسط بـ"علاقة مودة".

وكشف مصدر مطلع للصحيفة، أن عددًا من المديرين التنفيذيين في وادي السيليكون، تلقوا دعوة شخصية من مكتب ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي السعودي)، الذي تبلغ قيمته 620 مليار دولار، ليكونوا ضيوفه في سباق الفورمولا1 الشهر الماضي في جدة.

وأشار إلى أنه كان بين المدعوين إلى المملكة، المؤسس المشارك لشركة أندريسن هورويتز، بن هورويتز، وهذه الزيارة هي الثانية للمستثمر المخضرم للسعودية في أقل من ستة أشهر.

بينما كشفت "سنابل"، الذراع الاستثمارية لصندوق الاستثمارات العامة، عن شراكتها مع ما يقرب من 40 شركة أمريكية، ضمنها أندريسن هورويتز، و كواتيو مانغمنت، وشركة ديفيد ساكس "كرافت فينتشرز"، و إنسايت بارتنر و 9 ياردة كابيتال، التي يشارك فيها المستشار البريطاني السابق جورج أوزبورن، لكن لم يُكشف عن المبالغ المستثمرة في هذه الشركات.

وحسب الصحيفة، أصبح هورويتز، الذي جمعت شركته في سان فرانسيسكو ما يزيد قليلاً على 14 مليار دولار العام الماضي، مؤيدًا صريحًا للاهتمام السعودي بالابتكار التكنولوجي.

ففي أكتوبر الماضي، تحدث في مؤتمر "دافوس في الصحراء" في الرياض، وتناول الغداء مع الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، السفيرة السعودية في الولايات المتحدة.

وفي مؤتمر لصندوق الاستثمارات العامة الشهر الماضي في ميامي، أشاد بالمملكة كـ "دولة ناشئة"، وأثنى على ولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان، ووصفه بأنه يؤسس لسوق كبير.

قبل عام، كان من الممكن أن تكون رحلات هورويتز إلى المملكة العربية السعودية صعبة، إذ كان أكثر حرصًا على الانتقادات في ملف حقوق الإنسان، لكن الآن الخليج الغني بالنفط، الذي حظي بمكاسب غير متوقعة من النفط العام الماضي، يعج بالمستثمرين الأمريكيين، وفقًا لعديد من الذين زاروا المنطقة هذا العام.

ما تداعيات انهيار بنك سيليكون فالي؟

انتقادات

وبينت "فايننشال تايمز" أن هذا الاستعداد لإقامة شراكات تجارية في المنطقة، واجه بعض الانتقادات، إذ قال كيث رابوا، الشريك المؤسس في شركة رأس المال الاستثماري "فاوندرز فند": "أنا لا أغير قيمي ومبادئي، لأن بيئة التمويل صعبة".

كان رابوا قد قال عام 2018 إن قبول شركات وادي السيليكون للأموال السعودية "ضرب من النفاق".

لكن ميتشل غرين، مؤسس شركة ليد إيدغ، الذي أسهم باستثمارات في شركتي "علي بابا" و"أوبر"، قال إنه قضى الأسابيع الماضية في "بناء علاقات طويلة الأمد" بأشخاص وشركات في الخليج.

وأضاف: "نعتقد أنها ستصبح منطقة ذات أهمية متزايدة في العالم خلال العقد المقبل، وهو ما يذكرنا بالذهاب إلى الصين عام 2003".

سكوت شليفر كان قد شارك أيضًا، شريك تايغر جلوبال، بمؤتمر الرياض في أكتوبر الماضي.

وتسعى الشركة إلى الاستثمار مع المملكة، كجزء من آخر جمع تبرعات بـ 6 مليارات دولار ، وفقًا لمطلعين على الأمر.

بينما قاد فريق من "آي في بي"، إحدى أقدم شركات المشاريع في وادي السيليكون، الشريك سوميش داش، بجولة في المنطقة، وفقًا لما ذكره مطلع على الرحلة.

وأوضحت الصحيفة، أن رأس المال الاستثماري الأمريكي تضاعف من حيث الحجم خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا جزئيًا بازدهار التقييمات التقنية خلال جائحة كورونا.

وأشارت إلى أن صناديق "ماركوي" التي كانت ذات يوم ترفض الشراكة وتؤيد التفرد -مثل سيكويا كابيتال وأندريسن هورويتز- جمعت أموالًا تصل إلى 5 مليارات دولار وأحيانًا تصل إلى 9 مليارات دولار.

ونوهت إلى تكثيف هذا التحول من قِبل عدد كبير من الداخلين إلى السوق، مثل سوفت بنك اليابانية وتايغر جلوبال، اللذين استثمرا عشرات المليارات من الدولارات في الشركات الناشئة.

بدوره، قال أحد الشركاء في صندوق استثمار يدير أكثر من 4 مليارات دولار: "هؤلاء الرجال بنوا نماذجهم على استثمارات كبيرة وسريعة، وهم الآن أسرى دورة رأس المال".

التحقيق في إفلاس سيليكون فالي.. هل استولى قادة البنك على ودائعه؟

تراجع السيولة النقدية

وحسب الصحيفة، كان صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، تحديدًا، قد تغلغل في شركات التكنولوجيا الأمريكية باستثماراته خلال العقد الماضي.

فقد أسهم الصندوق بـ 45 مليار دولار في صندوق "سوفت بنك فيشن" الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار عام 2016، وكذلك باستثمارات مباشرة كبيرة في شركات التكنولوجيا الأمريكية، ضمنها استثمار بـ 3.5 مليار دولار في أوبر عام 2016، كما أسهم بأكثر من مليار دولار في شركة لوسيد موتورز لصناعة السيارات الكهربائية عام 2018.

وعام 2018، قال الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مالك شركة تسلا للسيارات الكهربائية، إنه يجري محادثات مع صندوق الاستثمارات العامة، لمساعدته في تمويل صفقة بـ 72 مليار دولار للاستحواذ على شركة تسلا، رغم أن الصفقة لم تتحقق.

وفي أعقاب قتل الصحفي جمال خاشقجي أواخر عام 2018، توقف عدد من الشركات الغربية البارزة، بما في ذلك عديد من مستثمري التكنولوجيا، عن العمل علنًا مع المملكة.

وقد استمر ذلك حتى الانكماش الاقتصادي الأخير، الذي أدى إلى جفاف تجمعات رأس المال المتاح لصناديق الاستثمار في المؤسسات الغربية الكبيرة.

ووصلت عمليات جمع الأموال من قِبل شركات رأس المال الاستثماري إلى أدنى مستوى لها في تسع سنوات، نهاية عام 2022، وفقًا لشركة الأبحاث بريكين.

كما تراجعت السيولة النقدية التي وضعها رأس المال الاستثماري في الشركات الناشئة بنسبة تزيد على 50 في المئة خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، وفقًا لمزود البيانات كرونشباس.

نتيجة لذلك، أغرِي كثيرون بالعودة إلى منطقة الخليج، التي تعد "أكثر الأماكن سيولة على كوكب الأرض في الوقت الحالي"، وفقًا لإبراهيم عجمي، رئيس صندوق استثماري تبلغ قيمته مليار دولار.

وقال عجمي: "هذه فرصة فريدة لصناديق مثل مبادلة لتلعب دورًا رائدًا في تطوير التكنولوجيا خلال العشرين عامًا المقبلة".

وأشار إلى أن "مبادلة" استثمرت في عدد من شركات وادي السيليكون الكبرى أو جنبًا إلى جنب معها، بما في ذلك مجموعة الأسهم الخاصة سيلفر ليك وسيكويا كابيتال، كما استثمرت في مجموعة كلارنا للتكنولوجيا المالية مع سيكويا.

في الوقت نفسه، قال جهاز قطر للاستثمار عام 2019 إنه سيزيد الاستثمارات في الولايات المتحدة من 30 إلى 45 مليار دولار، بما في ذلك التكنولوجيا.

لكن بالنسبة لبعض المستثمرين، لا يزال هناك نقاش أخلاقي صعب، ونقلت الصحيفة البريطانية عن أحد المصرفيين البارزين الذي يتعامل مع صفقات لشركات المشاريع، قوله: "لديّ خبرة في وادي السيليكون تزيد على 20 عامًا وأشعر بخيبة أمل متزايدة من الطريقة التي نتصرف بها الآن"، مضيفًا: "إذا كنت جيدًا في ما تفعله، فانتقل إلى النرويج بحثًا عن المال".