وقف انتشار برامج التجسس.. هل المهمة مستحيلة للبيت الأبيض؟
جاء قرار بايدن، بتقييد استخدام أدوات القرصنة التجارية في الحكومة الفيدرالية، بعدما صرح المسؤولون بأنهم يعتقدون أن برامج التجسس عالية القدرة، تسببت في اختراق أجهزة ما لا يقل عن 50 موظفًا أمريكيًا يعملون في الخارج.

ترجمات - السياق
حظر تطبيق تيك توك، تلتها قرارات أخرى لمنع انتشار مزيد من "برامج التجسس"، محاولات سعت من خلالها الولايات المتحدة، إلى وقف انتشار برامج التجسس التجارية على أراضيها، إلا أن المهمة تبدو غير سهلة.
وبحسب البيت الأبيض، فإن برامج التجسس التجارية "تُشكل مخاطر على الأمن القومي، وقد يساء استخدامها من قِبل جهات أجنبية، لارتكاب انتهاكات في العالم، كما يُشكل انتشارها مخاطر متنامية، بشأن التجسس المضاد والأمن على الولايات المتحدة، بما في ذلك سلامة وأمن موظفي الحكومة الأمريكية وعائلاتهم".
ورأت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية -في افتتاحيتها- أن الرئيس جو بايدن اتخذ خطوة كبيرة لوقف انتشار برامج التجسس التجارية، لكن التقارير الأخيرة عن عقد حكومي مشبوه، مع إحدى خدمات التجسس الأكثر شهرة، تتساءل: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تنظف العالم، باستخدام برامج التجسس بشكل فردي إذا لم تكن -حتى الآن- قادرة على تنظيف نفسها؟
وأشارت إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، أصدر البيت الأبيض أمرًا تنفيذيًا، يمنع الوكالات الفيدرالية من استخدام أدوات القرصنة، التي يمكن أن تسخرها الحكومات الأجنبية لانتهاك حقوق الإنسان، ما أجبر الشركات على التوقف عن البيع للجهات الفاعلة السيئة، أو المخاطرة بخسارة الأعمال القيمة لهذا البلد.
جاء قرار بايدن، بتقييد استخدام أدوات القرصنة التجارية في الحكومة الفيدرالية، بعدما صرح المسؤولون بأنهم يعتقدون أن برامج التجسس عالية القدرة، تسببت في اختراق أجهزة ما لا يقل عن 50 موظفًا أمريكيًا يعملون في الخارج.
وعلى الفور وقع الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا، يفرض قواعد تحد من الحصول على أدوات القرصنة، سواء من الدول أم الشركات التي لها صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، أم عمليات تجسس مضادة، أو يُشكلون خطرًا على الأمن القومي للولايات المتحدة.
وتحظر القواعد أيضًا البائعين الذين تُشكل منتجاتهم مخاطر على الأمن القومي أو مكافحة التجسس، وكذلك الذين يستفاد من خدماتهم ضد الحكومة الأمريكية.
سيناريو مستبعد
وترى "واشنطن بوست" أن هذا السيناريو -وقف بيع المنتجات التي تُشكل مخاطر على الأمن القومي- بعيد كل البعد عن احتمال التطبيق، منوهة إلى أن إدارة بايدن أعلنت استهداف 50 موظفًا أمريكيًا مهمًا في 10 دول على الأقل.
وشمل الاستهداف -حسب الصحيفة- 11 موظفًا في وزارة الخارجية من العاملين في أوغندا، الذين كان الوصول إلى أجهزة أيفون الخاصة بهم، عبر أداة طورتها مجموعة "إن إس أو"، وهي شركة أمن إلكتروني إسرائيلية.
ووصفت الصحيفة، هذه الخطوة -الكشف عن شركة التجسس التي استهدفت الموظفين- بالمشجعة للغاية، إلا أن أهميتها هذه تلاشت، بعد كشف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن ترتيب سِري بين شركة واجهة تابعة للحكومة الأمريكية وشركة محلية تابعة لمجموعة "إن إس أو" الإسرائيلية، لافتة إلى أن الصفقة منحت وكالة لم تذكر اسمها إمكانية الوصول إلى أداة تحديد الموقع الجغرافي، يمكنها تتبع الهواتف المحمولة سِرًا.
لكن الأكثر إثارة للقلق أن الاتفاقية أبرِمت بعد أيام فقط من وضع الحكومة الأمريكية -وسط ضجة كبيرة- "إن إس أو" على قائمة سوداء، تمنع الشركات الأمريكية من بيع تقنيتها لها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "كان من المفترض أن يرسل هذا الإجراء إشارة إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ موقف ضد أي شركة تسهل هذه العمليات غير القانونية، لكن في غضون أسبوع، وقعت إحدى وكالاتها الفيدرالية عقدًا مع ممثلين للشركة نفسها".
ونقلت "واشنطن بوست" عن متحدث باسم الأمن القومي الأمريكي، قوله: "لم نتحقق من وجود أي عقد من هذا القبيل"، مشيرًا إلى أنه رغم عدم السماح باستخدام هذا المنتج، فإنه لا أحد ينكر وجود العقد.
وحسب الصحيفة "لا تزال معرفة من يقف وراء هذا الاتفاق في السلطة التنفيذية مبهمة"، موضحة أن "جهل مجلس الأمن القومي بالأمر يُعد في حد ذاته مقلقًا".
وأثارت الصحيفة أسئلة، عن الوكالة التي اشترت البرنامج؟ ولأي غرض؟ وهل نُشر؟ مشددة على أنه "يجب أن تكون إدارة بايدن على دراية بعمليات شراء واستخدام برامج التجسس، إذ إن أي محاولة لمحاصرة شركات برامج التجسس (معدومة الضمير) على مستوى العالم، تنهار بمجرد أن تضع الولايات المتحدة يدها بإحدى هذه الشركات".
خدمات للمستبدين
اليوم - حسب "واشنطن بوست"- يمكن لهذه الشركات أن تقدم خدماتها لـ"المستبدين"، من دون أي عواقب.
وأشارت إلى أن شركة "إن إس أو" الإسرائيلية باعت لدول استبدادية -بشكل لا لبس فيه- برامج تجسس، لكن مبيعاتها للديمقراطيات ألحقت أكبر قدر من الضرر بالمعايير المتعلقة بالمراقبة.
على سبيل المثال، ساعدت الشركة في تجسس حكومة المكسيك على الصحفيين، الذين يحققون في الجرائم العسكرية.
وبينت الصحيفة، أنه "حتى عندما تمر هذه الحكومات عبر القنوات القانونية المناسبة، فإنها تسهم في انعدام القانون بسوق برامج التجسس التجارية الأكبر بشراء هذه البرامج".
ونوهت إلى أنه ليس لدى "إن إس أو" وأقرانها أي حافز للتوقف عن البيع لأسوأ الجهات الفاعلة في العالم، حتى لو استمرت البلدان التي تدعي أنها تعتز بالحريات المدنية في التعامل معها.
وقالت: "هذا هو الفخ الذي تخاطر الولايات المتحدة بالدخول فيه، إذا لم تتمكن من السيطرة على استخدامها الخاص لبرامج التجسس، إذ إن هناك استخدامات مشروعة لهذه التكنولوجيا، منها: (اختراق الشبكات الإرهابية)، لكن على الديمقراطيات أن تفعل أكثر من مجرد اتباع تلك القواعد، عندما تستخدم أدوات المراقبة".
كما أن عليها رفض تراخيص تصدير أدوات تطويرها على أراضيها، إلى أي وجهة ذات سجل مخالف -أو من دون إطار لمنع الانتهاكات- ويجب عليها رفض الاستيراد من مجموعة الأماكن والشركات الراغبة في القيام بأعمال تجارية معهم.
الأهم من ذلك، أنهم بحاجة إلى كل ذلك معًا، إذا كانوا يأملون تأثيرًا في الميزانيات العمومية لشركات برامج التجسس.
وبالفعل، بدأ البيت الأبيض نظامًا تعاونيًا، يتماشى مع المبادئ التي وافقت عليها 11 دولة مشاركة في قمة الديمقراطية لهذا العام في أعقاب إطلاقها، ليس بينها إسرائيل، مقر شركة "إن إس أو".
وأشارت الصحيفة، إلى أن هذه المبادئ -من الناحية المثالية- قد تسهم في تطوير التزامات هذه الدول، لتوضيح المعايير التي يجب أن تضعها والاستخدامات المسموح بها لهذه البرامج، إضافة إلى تضمين أنواع أكثر من الخدمات من "البداية إلى النهاية".
ونوهت إلى أن البرامج التي تقدمها شركات مثل "إن إس أو" أو كثير من المرتزقة في السوق العالمية، تروج لقدرات مراقبة أقل شمولية، أو تكتفي بكشف نقاط الضعف مقابل رسوم، حتى يتمكن المشتري من استغلالها، ومن ثمّ فإنه لجعل هذا النوع من نظام المراقبة يعمل، على أولئك الذين يسجلون الدخول أن يكونوا صارمين، ليس فقط مع البائعين، لكن أيضًا مع أنفسهم.