وثائق مسربة: مصر تراجعت عن تزويد روسيا بالصواريخ بعد تدخل أمريكي
مصر أوقفت صفقة موسكو ووافقت على بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و155 ملم إلى الولايات المتحدة لنقلها إلى أوكرانيا

ترجمات - السياق
بعد اتهام القاهرة بأنها كانت تخطط لإنتاج 40 ألف صاروخ لروسيا وشحنها سرًا "لتجنُّب المشكلات مع الغرب"، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تسريبات أمريكية جديدة، تكشف أن مصر أوقفت خطة لتزويد روسيا بالصواريخ سرًا الشهر الماضي، بعد محادثات مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وقررت بدلًا من ذلك إنتاج ذخيرة مدفعية لأوكرانيا، وفقًا لخمس وثائق استخباراتية أمريكية مُسربة.
كانت الصحيفة الأمريكية، كشفت الأسبوع الماضي -نقلًا عن وثيقة أخرى- مخططًا سريًا للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في فبراير، لتزويد روسيا بما يصل إلى 40 ألف صاروخ عيار 122 ملم من طراز "ساكر-45"، يمكن استخدامها في قاذفات الصواريخ الروسية متعددة الإطلاق.
وجاء في الوثيقة أن السيسي أوعز بالحفاظ على سرية المشروع "لتجنُّب المشكلات مع الغرب".
لكن الوثائق الجديدة، التي نشرتها "واشنطن بوست"، وهي من مجموعة الوثائق المسربة مؤخرًا ونشرها موقع ديسكورد، يبدو أنها تُظهر تراجع السيسي -أوائل مارس- عن خطط إمداد موسكو، وهي خطوة كانت ستمثل ضربة كبيرة لحليف القاهرة الغربي الأكثر سخاءً، الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن مصر تتمتع بعلاقة دبلوماسية وعسكرية طويلة الأمد مع روسيا، فإنها كانت -منذ عقود- حليفًا أمريكيًا رئيسًا في الشرق الأوسط، وتتلقى أكثر من مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية الأمريكية.
انتصار دبلوماسي
في انتصار دبلوماسي لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ذكرت وثيقة مسربة جديدة، أن مصر أوقفت صفقة موسكو ووافقت على بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و155 ملم إلى الولايات المتحدة لنقلها إلى أوكرانيا.
وبينت "واشنطن بوست" أن مصر تعتزم استخدام قدرتها على إنتاج أسلحة لأوكرانيا كـ"رافعة" للحصول على منتجات عسكرية أمريكية متطورة.
وتوفر هذه الوثائق -وفق الصحيفة الأمريكية- نظرة ثاقبة جديدة للدبلوماسية الهادئة، لكن عالية المخاطر، لإدارة بايدن، مع الدول التي سعت إلى البقاء بعيدة عن المواجهة المتصاعدة بين واشنطن وموسكو، كما تظهر أيضًا كيف سمحت المنافسة بين القوى العظمى لمصر، بالسعي إلى مزايا جديدة، بعدما تراجعت أهمية علاقتها بواشنطن.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا، قوله: إن واقع المنافسة يتيح فرصًا لتحقيق مكاسب سهلة مع الولايات المتحدة، "ومن ثمّ يمكنك أن تتخيل أن ذلك سيكون على حساب أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وحسب الصحيفة، لا تشير الوثائق، إلى ما إذا كانت القاهرة أعادت إحياء خطة موسكو، أو ما إذا كانت زودت الولايات المتحدة بالذخيرة لأوكرانيا.
وذكرت "واشنطن بوست" أن مصر نفت إنتاج صواريخ لروسيا، وقال مسؤول بالحكومة الأمريكية، بشرط عدم كشف هويته، لمعالجة معلومات حساسة، للصحيفة الأمريكية: "لا يوجد ما يشير إلى أن مصر نفذت الخطة".
وبعد تقديم الوثائق الجديدة، لم يرد متحدث باسم الخارجية المصرية على طلب للتعليق على الوثائق المسربة الجديدة، في وقت أكدت وسائل إعلام مصرية نفي مسؤولين في القاهرة التقارير التي تحدثت عن إنتاج صواريخ لروسيا.
بينما قال مسؤول أمريكي كبير في إدارة بايدن، إن "مصر شريك وثيق، ونحن بانتظام مع قيادتها في مجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية".
وحسب الصحيفة، تواجه الولايات المتحدة تحديات في تكثيف إنتاجها لقذائف المدفعية وغيرها من العناصر المطلوبة في أوكرانيا، وقد طلبت المساعدة من الدول الشريكة في العالم.
استفادة مصرية
ونقلت "واشنطن بوست" عن أحد السفراء الغربيين في القاهرة، قوله إن التسريبات تشير إلى أن مصر قللت من تقدير رد الولايات المتحدة على إمدادات الأسلحة المحتملة لروسيا، وأرادت تعظيم استفادتها من الجانبين.
وتفند الوثائق المسربة شهرًا من التقارير الاستخباراتية، من أوائل فبراير إلى أوائل مارس، كانت موجهة لكبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
الأول، 17 فبراير ، يشير إلى أن مصر اتخذت خطوات أواخر يناير وأوائل فبراير لتزويد روسيا بالصواريخ سرًا، بما في ذلك تحديد سعر ووضع خطط للحصول على نحاس لصنع الصواريخ.
وفي محادثة 31 يناير الماضي، أخبر وزير الدولة للإنتاج الحربي محمد صلاح الدين، السيسي بأنه أبلغ المندوبين الروس بأن السعر المتفق عليه البالغ 1100 دولار للوحدة، قد يرتفع إلى 1500 دولار بسبب الزيادة المحتملة في أسعار النحاس الأصفر.
وقال للسيسي إن الروس مستعدون لـ "شراء أي شيء".
كما أبلغ الرئيس المصري، صلاح الدين، بحسب الوثيقة، بطلب "معدات متخصصة" من روسيا لتحسين دقة الصواريخ أو جودة المصانع المصرية التي تصنعها.
وثيقة ثانية غير مؤرخة، على الأرجح من منتصف فبراير، تنص على أن مصر بدأت إنشاء خط إنتاج صواريخ للجيش الروسي.
وكان المندوبون الروس قد طلبوا شراء 15 ألف صاروخ بسعر الوحدة البالغ 1100 دولار، حسبما جاء في الوثيقة، لكن السيسي أمر مرؤوسيه بشراء المواد اللازمة لإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ.
وتشير الصحيفة إلى أنه يبدو أن الرئيس المصري علق خطط تزويد روسيا بالصواريخ، بعد زيارات مسؤولين أمريكيين إلى القاهرة أواخر فبراير، فضلاً عن زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مطلع مارس.
وذكرت إحدى الوثائق المسربة، في 9 مارس، اليوم الذي تلا زيارة أوستن، أن مصر وافقت على بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و155 ملم، للولايات المتحدة لنقلها لأوكرانيا.
وذكرت الوثيقة، التي كانت جزءًا من تحديث استخباراتي يومي لكبار قادة "البنتاغون"، أن مصر خططت لاستخدام طلب الولايات المتحدة للحصول على ذخيرة، لدفع الأخيرة إلى الموافقة على صفقة مساعدات عسكرية طويلة الأمد، والحصول على معدات أمريكية محددة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "إف-35 شبح"، وأنظمة باتريوت للدفاع الجوي.
أوستن والسيسي
وحسب "واشنطن بوست"، تتناول وثيقة أخرى، تعود على ما يبدو إلى منتصف مارس، زيارة أوستن إلى القاهرة، وتلخص المحادثات بين السيسي واثنين من كبار المسؤولين في 8 مارس، اليوم الذي أجرى فيه أوستن والسيسي محادثات في القاهرة.
وفي محادثات 8 مارس، عبر السيسي عن شكوكه في إمكانية أن تكون مناقشاته مراقبة، وأصدر وزير الدفاع محمد زكي ما وصفته الوثيقة بأنه تحذير لـ"توخي الحذر" بشأن مناقشة الطلبات العسكرية المفترضة من دول أخرى، مثل روسيا.
وذكرت الوثيقة أن السيسي وزكي أشارا إلى "عقود عسكرية" مع روسيا، لكنهما لم يتحدثا صراحةً عن خطة إنتاج الصواريخ.
وأبلغ زكي، السيسي، بأنه يخطط لزيارة وفد مصري روسيا في 12 أو 13 مارس، حيث من المحتمل توقيع عقود، مؤجلة "حتى يتضح الموقف"، عقب زيارة أوستن.
وقال السيسي إن الحذر مطلوب لتفادي وقوع مصر في مشكلات لا داعي لها، الأمر الذي رد عليه زكي بالتأكيد أن مصر لم توقع أي عقود أو تتخذ أي إجراءات.
وتشير الوثيقة، التي تلخص محادثات السيسي في 8 مارس، إلى أن الرئيس المصري "وصف الوضع بأن الولايات المتحدة ليس لديها أي شيء جديد لمصر ولا تحتاج إلى أي شيء من مصر".
وحسب الصحيفة الأمريكية، توفر المعلومات الاستخباراتية أيضًا نظرة إضافية للعلاقة العسكرية العميقة بين مصر وموسكو، وكيف أنها قد تكون ساعدت القوات الروسية في ساحة المعركة، إذ تشير وثيقة إضافية غير مؤرخة ضمن المجموعة المسربة، إلى أن الصور الأمريكية والاستخبارات الإلكترونية حددت أربعة أنظمة صواريخ أرض-جو روسية من طراز "إس أي-23" في أوكرانيا، "من المحتمل جدًا" أنها كانت للتصدير إلى مصر.
وذكرت الوثيقة الأمريكية أن القاهرة وقَّعت عقدًا مع موسكو للحصول على أربع بطاريات "إس أي-23" عام 2017، وسلِّمت أول بطاريتين إلى مصر عامي 2020 و2021، من دون أن تذكر صراحةً ما إذا كانت مصر أعادت هذين النظامين إلى روسيا لاستخدامهما في أوكرانيا.
يذكر أنه عندما غزت روسيا أوكرانيا العام الماضي، اتخذت مصر موقفًا علنيًا بعدم التدخل، وصوتت لصالح إنهاء الغزو في الأمم المتحدة، لكنها ظلت محايدة بخلاف ذلك، واستقبلت مسؤولين من روسيا والولايات المتحدة.
لكن في ظل النقص الدولي بالحبوب بسبب الحرب في أوكرانيا، اعتمدت مصر بشدة على روسيا لتوفير القمح الذي ساعد في درء الاضطرابات الاجتماعية، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأزمة الاقتصادية الناجمة جزئيًا عن تداعيات الصراع.
كما بدأت روسيا أيضًا بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر العام الماضي، ووقَّعت صفقة لإنشاء ورشة للسكك الحديدية في البلد العربي الكبير.
يتمتع البلدان -مصر وروسيا- بتاريخ طويل من التعاون العسكري والتجاري، حتى مع اعتماد مصر على الولايات المتحدة، في أكثر من مليار دولار من المساعدات العسكرية كل عام.
وقد تؤدي خطوة تسليم مصر صواريخ لروسيا، حال حدوثها، إلى تأزم العلاقات المصرية الأمريكية، إذ لا تزال القاهرة -رغم علاقتها الوطيدة بموسكو- مستفيدة من شراكتها مع الولايات المتحدة، التي قدمت لمصر -على مدى عقود- أكثر من مليار دولار سنويًا، على مستوى المساعدات الأمنية.
بدوره، قال مسؤول سابق بمجلس الأمن القومي الأمريكي، خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، إنه كان من الشائع أن تستخدم مصر، روسيا كـ "طوق" لدفع واشنطن نحوها.
ويبيّن السفير الغربي، أن ذلك يُمثل "استرضاءً لكلا الطرفين"، مضيفا أنه رغم ذلك "لا يستطيع المصريون تعريض علاقاتهم بروسيا للخطر أيضًا، لذلك لا يمكنهم التعاون بنشاط مع الولايات المتحدة بشأن الإمدادات إلى أوكرانيا".