لماذا تتظاهر نتفليكس بأن كليوباترا كانت سوداء؟

لا أحد ينكر الإرث الفظيع للعبودية بين الأمريكيين من أصل إفريقي، وأن هناك أمرًا مفهومًا بالرغبة في العثور على بطلات إفريقيات، لكن من الضروري أيضًا الحصول على الحقائق

لماذا تتظاهر نتفليكس بأن كليوباترا كانت سوداء؟

ترجمات - السياق

قالت صحيفة ذا سبيكتاتور البريطانية، إن المقطع الدعائي لسلسلة وثائقية جديدة على «نتفليكس» عن «حياة النساء القويات في التاريخ»، الذي صور كليوباترا على أنها أمريكية من أصل إفريقي، «بُني على تعميم سخيف بكون جميع الأفارقة سود»، والافتراض المؤسف أن لون البشرة معيار مهم للحكم على مزايا الناس.

وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه لا أحد ينكر الإرث الفظيع للعبودية بين الأمريكيين من أصل إفريقي، وأن هناك أمرًا مفهومًا بالرغبة في العثور على بطلات إفريقيات، لكن من الضروري أيضًا الحصول على الحقائق.

وأشارت إلى أن «نتفلكس»، قد تقدم خدمة جيدة، من خلال إنتاج أفلام وثائقية عن ملكات مشهورات، لكن إرفاق معايير عرقية فجة بهذه الأرقام يجعل هذا الأمر من الهراء.

وأكدت الصحيفة البريطانية، في تقرير ترجمته «السياق»، أن هذا ليس بالأمر السهل عند النظر إلى القرن الأول قبل الميلاد، لكنه بات غير ذلك مع الملكة كليوباترا السابعة ملكة مصر.

كانت كليوباترا عضوًا في سلالة يونانية حاكمة على مصر يمكن أن تعود إلى عهد الإسكندر الأكبر بطليموس، وبحلول ذلك الوقت، كان عدد ملوك مصر الذين يُدعون بطليموس وصل إلى 13 ملكًا، بمن في ذلك بعض الشخصيات الغريبة البارزة مثل بطليموس الثامن، الذي طاف حول بلاطه مرتديًا ثوبًا شفافًا كشف أجزاء جسده.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن البطالمة تزوجوا يونانيين آخرين، وفي بعض الأحيان أخواتهم، وهي عادة مصرية قديمة بين الفراعنة وجدها عديد من رعاياهم اليونانيين مقيتة.

ورغم أن اسم والدة كليوباترا غير معروف، فإن هناك أسبابًا وجيهة للإصرار على أنها ليست من أصل مصري، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن أكثر ما يمكن للمرء أن يدعي هو أن بعض دماء سلالة ميثريداتس، ملك بونتوس (الأناضول ومنطقة البحر الأسود) كانت تسري في عروق كليوباترا.

وبحسب «ذا سبيكتاتور»، فإن ميثريداتس استفاد سياسيًا من تراثه الفارسي، كما استفادت كليوباترا من تراثها المصري، مع اختلاف واحد، أن أصل كليوباترا المصري لم يكن موجودًا في الواقع.

إلا أنها مع ذلك ظهرت على المنحوتات كفرعون مصري، رغم أنه كان هناك أيضًا إله مخترع في مصر البطلمية يُدعى سيرابيس، الذي كان مزيجًا من إله يوناني ومصري.

وكانت كليوباترا أول حاكم بطلمي لمصر يتحمل عناء تعلم اللغة المصرية، لكن كان لديها لغات أخرى، ومثل عديد من أسلافها الذين وهبوا مكتبة الإسكندرية الشهيرة، فقد تعلمت بشكل هائل.

الإسكندرية، ليست من المدن المصرية القديمة، بل كانت عاصمتها، ولم يكن الإسكندريون متأكدين من أنهم عاشوا في مصر، كما كشفت العبارة الشهيرة Alexandria ad Aegyptum:  التي تعني «في الطريق إلى» وليس «في».

كان الإسكندريون (كثير منهم يونانيون، إلى جانب كثير من اليهود) يعدون أنفسهم جزءًا من العالم الثقافي الأوسع لليونان الهلنستية.

وحتى اليهود قرأوا التوراة بصوت عالٍ باللغة اليونانية في معابدهم، التي شيدت كليوباترا إحداها لهم.

وقالت الصحيفة البريطانية إن هناك سؤالًا بسيطًا يتعلق بمظهرها، فهناك العديد من التماثيل النصفية التي يُعتقد أنها تصورها، وكذلك صور لها على العملات المعدنية، مشيرة إلى أن كليوباترا كان لديها أنف بارز.

وأضافت أنه بينما قد يكون جمالها (كليوباترا) العظيم أسطورة، إلا أن الأخيرة أصبحت مدينة للفصائل في روما للحصول على الدعم السياسي، ما جلب عليها عواقب وخيمة أدت إلى انتحارها، واندماج مصر في الامبراطورية الرومانية.

وأشارت إلى أن مدينة روما بدأت سحب كميات هائلة من الحبوب المصرية، التي وزع كثير منها على مواطني روما.

ويمكن العثور على أشهر محاولة لوصف الحضارة المصرية القديمة بأنها «سوداء» في كتاب لمارتن برنال بعنوان أثينا السوداء.

كان برنال عالم سينولوجيا، وهو ابن العالم البارز والاشتراكي الراديكالي جي دي برنال، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن افتتانه بجذوره اليهودية البعيدة في إسبانيا بالعصور الوسطى إلى التاريخ القديم للشرق الأوسط، إلى تأكيد أن جذور الحضارة اليونانية لم تكن أوروبية بل إفريقية وآسيوية (من خلال فينيقيين لبنان).

وأضافت: أي شخص ينظر إلى المنحوتات اليونانية القديمة سيرى بسرعة، الدين الذي يدين به الفنانون اليونانيون الأوائل للتماثيل المصرية، لاسيما في كوروي، تماثيل الشباب.

لكن هناك مسافة بين الاعتراف بأن الإغريق استلهموا مما رأوه في الأراضي المجاورة والحجة القائلة إن الحضارة اليونانية استعارت من مصر قفلًا ومخزونًا وبرميلًا هائلة.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن كتاب برنال أهمِل عندما ظهر عام 1987، رغم أنه لا يزال له معجبون متحمسون يكتفون بتجاهل استخدام برنال العشوائي للأدلة وأخطائه المستمرة في الوقائع.

وتساءلت «ذا سبكيتور»، عن معايير نتفليكس، قائلة: ماذا يفعلون مع كهينة ملكة البربر وقت الغزو العربي لشمال إفريقيا، التي ربما كانت يهودية وربما -مثل عديد من البربر- كانت بشرة فاتحة وعيون زرقاء؟ أم مع العبيد الأوائل الذين جرى تصديرهم من غرب إفريقيا من قِبل البرتغاليين ذوي البشرة الفاتحة الأمازيغ من موريتانيا وجزر الكناري؟

وأضافت أن المشكلة المألوفة الآن للحقيقة التاريخية، التي تقف في طريق الحقيقة المسيسة، التي تمثل ما يريد الناس أن يكون عليه في الماضي، وليس ما حدث بالفعل.