الأفغان على حافة الجوع وطالبان ترفع شعار: الجباية هي الحل

صحيفة وول ستريت الأمريكية، سلَّطت الضوء على الأوضاع السيئة التي يعيشها الأفغان، في ظل نظام الجباية الذي تفرضه طالبان

الأفغان على حافة الجوع وطالبان ترفع شعار: الجباية هي الحل

ترجمات - السياق

منذ نشأتها كجماعة مقاتلة صغيرة، اعتمدت حركة طالبان على فرض الجباية والإتاوة، بدءًا من المخدرات إلى أصغر البائعين المتجولين، لتمويل عملياتها وتسليحها، حتى أصبحت -حسب عديد من المراقبين- أغنى الحركات المسلحة في العالم، ورغم أن البلاد تشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، فإن ذلك لم يمنع الحركة من الاستمرار في جني الأموال ولو بالقوة.

صحيفة وول ستريت الأمريكية، سلَّطت الضوء على الأوضاع السيئة التي يعيشها الأفغان، في ظل نظام الجباية الذي تفرضه طالبان، مشيرة إلى أن العائدات بلغت 136 مليار أفغاني (1.4 مليار يورو) خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022.

يذكر أن طالبان تولت مقاليد السلطة في أفغانستان بعد سقوط حكومة أشرف غني في أغسطس 2021، ومنذ ذلك الحين جمدت الإدارة الأمريكية الأصول الأفغانية.

وأقالت طالبان موظفي الحكومة السابقة وقيادات الجيش والشرطة والاستخبارات من مناصبهم.

وخلال الحرب التي استمرت نحو عقدين من الزمن، ضد الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، كانت الحركة تدير مناطق واقعة تحت سيطرتها، تُعين حكامًا إقليميين فيها وتنشئ محاكم وأنظمة ضرائب لملء خزائنها.

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه لعقود من الزمن ، لم تعتد الشركات والمتاجر في سوق منداوي الشهير بالعاصمة كابل "دفع الجباية"، إلا أنه مع وصول حركة طالبان للسلطة تغير ذلك الأمر تمامًا.

 

حروب الأربعين سنة

ونقلت الصحيفة عن أفغاني يدعى الحاج حفيظ الله إسماتي -الذي يبيع قبعات الفراء في السوق- قوله: "لا يمكن لأي متجر أن ينمو ويستمر بعد فرض الضرائب"، مشددًا على أن هذا الأمر لا يمكن تحمله، وقد يؤدي في النهاية لغلق متجره.

وكشف أن صديقًا له اضطر لغلق متجره، والعمل سائقًا، لأنه لم يستطع توفير الضريبة الجديدة لحكومة طالبان.

وأوضح إسماتي أنه أدار متجره خلال حروب الأربعين سنة الماضية في أفغانستان، إلا أن ما تشهده البلاد من تراجع اقتصادي غير مسبوق أسوأ بكثير من أيام الحرب.

 

لا خيارات

وحسب الصحيفة الأمريكية، فقد فرضت طالبان عوائد ضريبية باهظة، لم تشهدها البلاد في ظِل الحكومات السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، رغم انهيار الاقتصاد، ومكابدة معظم الأفغان لتوفير قوت يومهم.

وتبرر طالبان ذلك، بأنه لم يعد لديها كثير من الخيارات، بعد أن انقطعت عنها المساعدات الدولية، التي عاشت عليها أغلبية الإدارات السابقة خلال العقدين الماضيين، بخلاف تجميد الأصول الأفغانية، بعد وصول الحركة للسلطة قبل نحو عامين.

 

استمتاع بالضرائب...!

ونقلت الصحيفة عن نور الدين عزيزي، القائم بأعمال وزير التجارة في حكومة طالبان الأفغانية، قوله: "نحن نبني ثقافة دفع الضرائب، رغم كل مشكلاتنا"، مضيفًا: "يتطلب الأمر جهدًا وصعوبة لدفع البلاد نحو الاكتفاء الذاتي، وقد يتكبد كثيرون خسائر، لكن الشخص أو صاحب المتجر الذي يخسر الآن سيستمتع بكثير من الفوائد خلال السنوات المقبلة".

وترى الصحيفة الأمريكية، أنه رغم تصريحات عزيزي، فإنه ليس بالأمر السهل على شعب غارق في براثن الفقر منذ تولي طالبان زمام الأمور عام 2021 أن يوفر من دخله الزهيد ضريبة للسلطة الجديدة.

فقد كانت أفغانستان معزولة إلى حد كبير عن النظام المصرفي الدولي، ما أعاق التجارة والتحويلات من الخارج.

كما فرضت حركة طالبان قيودًا على العاملات، ما أدى لحرمان عديد من العائلات من مصادر الرزق وهن يُشكلن 30% من العمال والموظفين، ومنعت تعليم الإناث.

بينما يقول برنامج الغذاء العالمي، إن 92% من الأسر تكافح من أجل تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية، محذرًا من أن ملايين الأفغان على وشك المجاعة.

وتبين الصحيفة، أن رد الفعل الدولي على القيود التي فرضتها طالبان على النساء، يهدد تلك المساعدات أيضًا.

 

الضرب والسجن

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أنه بالنسبة للشركات في سوق منداوي، كان من الصعب تحمل الخسارة المزدوجة للاقتصاد المتداعي، والنظام الضريبي الجديد لطالبان.

وقال صاحب محل بقالة إن العمل انخفض بنسبة 50%، لكن عليه الآن دفع ضرائبه، التي تكلفه ضعف مكاسبه تقريبًا.

وأضاف: "نعيش حياة كارثية، فأنا أستخدم مدخراتي حتى أستطيع توفير الطعام لأسرتي، فكيف لي أن أوفر الضرائب أيضًا؟"، مضيفًا: "إذا لم ندفع الضرائب، فإنهم يهددوننا بالضرب أو السجن".

في المقابل، نفى المتحدث باسم وزارة المالية، أحمد والي حكمال، سجن أي شخص أو تعرضه للضرب لعدم دفع الضرائب، مضيفًا: "من لم يدفع الضريبة يغلق محله أو متجره أو شركته".

 

عمالة الأطفال

بينما زعم ميراغ محمد معراغ مدير عام الإيرادات بوزارة المالية في حكومة طالبان، أن معدلات الضرائب لم ترتفع، مشيرًا إلى أن ما تغير أن السلطات تحصل الآن الضرائب المستحقة بدلًا من الفساد الذي كان مستشريًا خلال السنوات السابقة.

ووفقًا لوزارة المناجم، فإن الإيرادات من الإتاوات التي تدفعها صناعة التعدين، مقابل المعادن التي تستخرجها، تبلغ سبعة أضعاف ما كانت عليه.

وكذلك، هناك إيرادات عبر "عمالة الأطفال"، وهي ممارسة شائعة في صناعة التعدين الأفغانية، وترتبطة بالأجور الزهيدة والتدابير الأمنية المتدنية.

ويرى المحلل توريك فرهادي أن طالبان تنجح في جمع الضرائب لأن "الناس يخافونهم"، مضيفًا: "الحركة المسلحة تنفذ أجندتها بقبضة من حديد، فهم يملكون الأسلحة الكافية، ومن ثمّ لا أحد يستطيع التهرب من الدفع".

 

منافذ الإنفاق

وعن منافذ الإنفاق، بينت "وول ستريت جورنال" أن طالبان استخدمت الإيرادات الحكومية لدفع أجور 800 ألف موظف حكومي، بما في ذلك جيش جديد قوامه 150 ألف جندي.

وأوضحت أن طالبان لا تكشف عما يستخدم من عائداتها لدفع رواتب قواتها الأمنية، لكنْ خبراء أفغان يقدرون أنهم ينفقون نحو نصف عائداتهم على الجيش والشرطة والاستخبارات.

وبحسب وزارة المالية، بلغت الإيرادات ما يعادل 2.3 مليار دولار للسنة المنتهية في مارس 2023، وهو أعلى بنسبة 10% تقريبًا من الـ 12 شهرًا للسنة المنتهية في مارس 2021، وهي آخر سنة مالية للحكومة السابقة التي كانت مدعومة من الولايات المتحدة.

وقد جاء أكثر من نصف الإيرادات من الرسوم المفروضة على الواردات.

وبلغت الإيرادات 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لوزارة المالية، وهي نسبة باكستان المجاورة نفسها، وهي دولة أكثر تقدمًا.

بينما قالت بلدية كابل -في بيان- إنها جمعت ما يعادل 52 مليون دولار للسنة المالية المنتهية في مارس 2023، بزيادة قدرها 40% عن الحكومة السابقة.

 

تقلص الأرباح

ويُقدر البنك الدولي أن 3.5 مليار دولار من المساعدات أنفقت داخل أفغانستان العام الماضي.

ورغم الأولويات العالمية الأخرى، مثل أوكرانيا، والإدانة الدولية لتشديد القيود على الإناث، فإن الأمم المتحدة تكافح للحصول على قوة دفع لدعم أفغانستان بـ 4.6 مليار دولار لعام 2023، وهو أكبر جهد لجمع التبرعات في العالم.

ونقلت الصحيفة عن بائع أحذية "متجول" بأحد الأسواق القريبة من كابل، قوله، إنه بين المطالب الضريبية لسلطات كابل ومبيعاته القليلة، تقلصت أرباحه من 10 دولارات إلى 1.50 دولار في اليوم، مما يجعله غير قادر على الدفع أو الاستمرار في العمل.

وأوضح الشاب البالغ من العمر 21 عامًا، أنه يقضي أيامه في المراوغة من السلطات، هربًا من الضريبة المطلوبة، مضيفًا: "السلطات تطالب بالضرائب رغم أنهم يعرفون جيدًا أن العمل لا يسير بالشكل المطلوب... أريد أن أتزوج، لكنني لا أستطيع تحمل النفقات".