لماذا تايوان مهمة بالنسبة للعالم؟

يقول الباحث الأمريكي دوغ باندو أن معظم صانعي السياسة الأمريكيين مستعدون للمخاطرة لحماية تايوان.

لماذا تايوان مهمة بالنسبة للعالم؟

ترجمات - السياق

عاد التوتر القائم بين الصين وجزيرة تايوان ذاتية الحكم ليتصدر الأجواء، بعد المناورات العسكرية التي أجرتها بكين واستمرت ثلاثة أيام في محيط جزيرة تايوان، تضمنت محاكاة لتطويق الجزيرة وشن ضربات على أهداف محددة، لكن ما أهمية تايوان التي لا تتعدى مساحتها 36962 كيلومترًا؟

الكاتب البريطاني جدعون راشمان، سلَّط الضوء على أهمية الجزيرة على الصعيد العالمي، متسائلًا: "هل على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان؟"، موضحًا أن أي تصعيد خطير في التوتر مع بكين "ثمن يستحق دفعه لحماية ديمقراطية آسيوية مزدهرة".

وذكر في تحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أنه ردًا على التصعيد المُطرد للضغط العسكري الصيني على الجزيرة، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن -أربع مرات- بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان أمام أي هجوم صيني.

وحسب الكاتب، فإن تعهدات بايدن، داخل الولايات المتحدة من يرى أنها "ضرب من الجنون".

بدأت الصين -السبت الماضي- مناورات استمرت ثلاثة أيام حول تايوان، التي تتمتع بحكم ذاتي، تضمنت محاكاة لفرض حصار على الجزيرة وشن ضربات على أهداف محددة.

وجاء استعراض القوة الصيني، ردًا على استقبال رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي، لرئيسة تايوان تساي إنغ-وين الأسبوع الماضي في كاليفورنيا، وتحذير بكين الذي أعقب اللقاء من إجراءات انتقامية.

 

لماذا المخاطرة؟

ويقول الباحث الأمريكي دوغ باندو أن "معظم صانعي السياسة الأمريكيين مستعدون للمخاطرة لحماية تايوان".

وتساءل باندو : "لماذا على الولايات المتحدة التي أنهكتها الحروب أن تُهدد بمحاربة الصين، وهي قوة أخرى مسلحة نوويًا، للدفاع عن جزيرة يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة وتقع على بُعد قرابة 100 ميل قبالة الساحل الصيني؟".

بدوره، أشار راشمان - كبير محرري الشؤون الخارجية في "فايننشال تايمز"- إلى أن "الشكوك في الدفاع عن تايوان تبدو أكثر وضوحًا في أجزاء من أوروبا".

واستشهد بتصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الجزيرة، مشيرًا إلى أنه "لدى عودته من زيارة للصين الأسبوع الماضي، ألمح ماكرون إلى أن فرنسا لن تحرك ساكنًا لحماية الجزيرة".

وفي حديثه عن قضية تايوان، حذر ماكرون من أن أكبر خطر تواجهه أوروبا، هو التورط في أزمات لا علاقة لها بها "ما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية".

وتعليقًا على تصريحات ماكرون، يتوقع الكاتب عدم دخول كثير من الجيوش الأوروبية بشكل مباشر في صراع بشأن تايوان، موضحًا أن مواقف السياسيين الأوروبيين مثل ماكرون تكتسب أهمية كبرى، لأنها ستؤثر في حسابات الصين للتكاليف الاقتصادية والدبلوماسية لأي هجوم محتمل.

وأضاف: "الحقيقة أن الضم الصيني القسري للجزيرة ستكون له عواقب عالمية عميقة سرعان ما سيشعر بها العالم من باريس إلى بيوريا "أكبر مدن ولاية إلينوي الأمريكية".

 

تبرير الدفاع

وفي ما يخص تبرير الدفاع عن تايوان، يرى راشمان أن هناك ثلاث حجج للتمسك بتايوان، الأولى تتعلق بمستقبل الحرية السياسية في العالم، والثانية بتوازن القوى العالمي، والثالثة تتعلق بالاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن هذه الأسباب مقنعة لإبعاد تايوان عن براثن بكين.

وحسب الكاتب، فإن الخلاف الأمريكي الصيني يتمثل في أيديولوجية الحكم، فبينما يرى الحزب الشيوعي الصيني أن حكم الحزب الواحد هو النظام الأمثل للصين، تصر الولايات المتحدة على ضرورة أن تتوقف بكين عن محاولة الترويج لليبرالية والديمقراطية لأنهما غير مثاليين حتى في الغرب ذاته، ومن ثمّ فإن محاولة تطبيقهما في البلاد، من شأنه أن يُسبب كارثة لثقافة مجتمعية مختلفة مثل الثقافة الصينية.

لكن تايوان -حسب الكاتب- ذلك المجتمع المزدهر، يعد دليلًا حيًا على أن الثقافة الصينية متوافقة تمامًا مع الديمقراطية، موضحًا أن وجودها "يُبقي على قيد الحياة رؤية بديلة للكيفية التي قد تُدار بها الصين نفسها ذات يوم".

ويرى راشمان أنه "إذا سحقت الصين الحكم الذاتي لتايوان، إما عن طريق الغزو، وإما بتسليح الجزيرة بقوة في اتحاد سياسي، فإن قوة الولايات المتحدة في المنطقة ستعاني ضربة هائلة".

وقال: "لقد سحقت بكين تطلعات هونغ كونغ إلى الديمقراطية، ومن ثمّ إذا سُمح للرئيس الصيني شي جين بينغ بفعل الشيء ذاته في تايوان، سيترسخ الاستبداد في العالم الناطق بالصينية".

وبما أن الصين القوة العظمى الناشئة في القرن الحادي والعشرين، ستكون لذلك آثار سياسية قاتمة في العالم، حسب وصف الكاتب.

وأضاف: "فكرة أن الصين ستحتضن يومًا الحرية السياسية لا تزال بعيدة المنال، لكن منطقة المحيطين الهندي والهادئ ككل فيها عديد من الديمقراطيات المزدهرة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، إلا أن هذه الدول تعتمد -إلى حد ما- على ضمان أمني من الولايات المتحدة".

 

قوة مهيمنة جديدة

وأشار راشمان إلى أنه في مواجهة احتمال نشوء قوة مهيمنة جديدة، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ستستجيب دول المنطقة، وقد يختار معظمهم استيعاب بكين، من خلال تغيير سياساتهم الخارجية والداخلية، موضحًا أن الرغبة في تجنُّب الإساءة إلى الهيمنة الجديدة الشائكة، من شأنها أن تقيد بسرعة حرية التعبير والعمل لجيران الصين.

وحذر الكاتب من أن الآثار المترتبة على الهيمنة الصينية على منطقة المحيطين الهندي والهادئ ستكون عالمية، لأن المنطقة تُمثل قرابة ثلثي سكان العالم والناتج المحلي الإجمالي.

وقال: "إذا هيمنت الصين على المنطقة، ستكون في طريقها إلى إزاحة الولايات المتحدة كأقوى دولة في العالم، والواقع أن فكرة أن أوروبا لن تتأثر بهذا التحول في القوة العالمية سخيفة، إذ إنه الآن، أكثر من أي وقت مضى، تعتمد أوروبا على استعداد الولايات المتحدة لمواجهة روسيا، حليفة الصين الاستبدادية".

وأشار إلى أن هناك من يجادل بأن المفاهيم المجردة مثل "الهيمنة" لا تهم الناس العاديين، لكن التنمية الاقتصادية المهولة لتايوان، تعني أن السيطرة على الجزيرة ستكون لها بسرعة تداعيات كبيرة على مستويات المعيشة في العالم.

وحسب الكاتب، تنتج تايوان أكثر من 60 في المئة من أشباه الموصلات في العالم، وقرابة 90 في المئة من أكثرها تطورًا، منوهًا إلى أن أغلبية الأجهزة الحديثة -من الهواتف إلى السيارات والآلات الصناعية- تعمل بالرقائق التايوانية، ومن ثمّ فإنه في حالة أي هجوم على الجزيرة، فإن المصانع التي تنتجها ستدمر، ما يكون له تأثير خطير عالميًا.

وقال: "حتى إذا نجت مصانع الرقائق في تايوان، لكنها سقطت تحت السيطرة الصينية، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون هائلة أيضًا"، منوهًا إلى أن التحكم في أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا في العالم، من شأنه أن يمنح بكين قوة تحكم في الاقتصاد العالمي.

ويرى راشمان أن "كل هذه الاعتبارات -الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية- تقدم حجة مقنعة للولايات المتحدة وحلفائها لحماية تايوان"، مضيفًا: "لا يريد أي عاقل اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين، لكن الآن، وكما كان، من الضروري في بعض الأحيان الاستعداد للحرب، حفاظًا على السلام".