من تاجر إبل إلى قائد قوات الدعم السريع في السودان... قصة صعود حميدتي

قصة صعود حميدتي بدأت عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة لمحاربة المتمردين في دارفور.

من تاجر إبل إلى قائد قوات الدعم السريع في السودان... قصة صعود حميدتي
محمد حمدان دقلو "حميدتي"

ترجمات - السياق

مع احتدام القتال في السودان، لليوم الرابع على التوالي، بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني، وغياب أي أفق للسلام، باتت الأنظار على طرفي الأزمة، التي توشك أن تودي باستقرار المنطقة.

فالأزمة التي طرفاها الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، والفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، الذي يشغل منصب نائب البرهان، كان وقودها قوات الدعم السريع والجدول الزمني لانضمامها تحت لواء الجيش السوداني.

وبينما كانت التوترات بين الطرفين تختمر منذ أشهر، كانت هناك سيناريوهات عدة لحل الأزمة، أسوأها ما حدث باندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما طرح سيناريوهات عدة، وإمكانية أن يحسم أي من الطرفين الصراع لصالحه.

وبينما يعد الجيش وقائده عبدالفتاح البرهان معروفين إلى حد كبير في الأوساط المحلية والدولية، كانت قصة صعود الفريق حميدتي، مثيرة إلى حد ما.

 

قائد قوات الدعم السريع

ولد عام 1975 في قبيلة من العرب الرحّل، على الحدود بين السودان وتشاد، ويحتفظ بلكنة أهل الغرب بشكل واضح عندما يتكلم.

وتقول صحيفة الغارديان، إن محمد حمدان دقلو –المشهور بـ«حميدتي» - أصبح مقاتلاً لأول مرة في قوات "الجنجويد" بدارفور بعد هجوم مسلح قتل عشرات من أفراد عائلته.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن حميدتي، الذي يعد نائبًا لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، ترك المدرسة الثانوية وتحول إلى تاجر إبل، مؤكدة أنه حفيد رئيس عشيرة فرعية من قبيلة الماهرية الرزيقات العربية التي رعت الماشية، بما في ذلك الجمال في دارفور وتشاد.

وبحسب «الغارديان»، فإن لقب حميدتي يشير إلى مظهره الشاب، مشيرة إلى أنه ارتقى في صفوف قواته خلال الحرب في دارفور، التي قُتل فيها نحو 300 ألف شخص.

وأشارت إلى أن مهاراته جعلته يلفت انتباه الرئيس المخلوع عمر البشير، إلا أنه قاد فترة وجيزة تمردًا ضد البشير والخرطوم بين عامي 2007 و2008.

سحب قواته إلى الأدغال وقاتل الجيش، قبل إبرام صفقة مع الحكومة التي رقته إلى رتبة جنرال، وعام 2013، تحولت قوات التدخل السريع التي أنشئت عام 2013، إلى قوة رديفة للجيش تضم آلاف الذين كان معظمهم من «الجنجويد».

 

قصة الصعود

تقول «بي بي سي»، إن قصة صعود حميدتي بدأت عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة لمحاربة المتمردين في دارفور، مشيرة إلى أن نواة هذه القوات، التي عُرفت بـ«الجنجويد» كانت من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات شمالي دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد.

وأشارت إلى أنه خلال حرب دارفور بين عامي 2003 و2005، كان قائد القوات الرديفة الأكثر شهرة موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد، بينما برز حميدتي الذي كان يعمل إلى جانب هلال، عندما تمكن من توسيع القوات التي يقودها، لينافس زعيمه السابق هلال، ليستعين به البشير لاحقًا.

جاء صعوده في عهد البشير مع مكافآت أخرى مُنحت له، فسُمح له بالعمل باستقلالية، تقول «الغارديان» مشيرة إلى أنه صادر مناجم الذهب من زعيم قبلي منافس في دارفور.

وعن ذلك، قال حميدتي لـ«بي بي سي»: «لست أول رجل يمتلك مناجم ذهب. هذا صحيح، لدينا مناجم ذهب ولا يوجد ما يمنعنا من العمل في الذهب».

اعتاد حميدتي المجالس القبلية، وهو شغوف بالزيارات إلى القوات أو إلى القرى، وجاب البلاد لمقابلة الزعماء المحليين، الذين كانوا يشكلون أعمدة أساسية لنظام البشير.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في خضم الثورة الشعبية ضد الرئيس المخلوع عمر البشير عام 2019، تردد حميدتي كثيرًا في استخدام قواته لفض الاعتصامات والمظاهرات الجماهيرية في الخرطوم ومدن أخرى.

إلا أنه بحلول 11 أبريل من ذلك العام، اغتنم الفرصة، وانضم إلى قائد الجيش عبدالفتاح البرهان -وهو نفسه التي يقاتله الآن- في إطاحة البشير، وإلى الحركة الأوسع للانتقال الديمقراطي.

وفي 25 أكتوبر 2021، دعم حميدتي قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في العملية التي أطاحت المدنيين من السلطة، لكنه عاد لانتقاد الجيش والبرهان، ليقدّم نفسه مدافعًا عن الدولة المدنية وخصمًا لدودًا للإسلام السياسي الداعم للبرهان. وانضم الى المدنيين في إدانة الجيش، مشيرًا الى أنه يدافع عن «مكتسبات ثورة» عام 2019.

وتقول «الغارديان»، إنه مع وجود البرهان وحميدتي في مناصب قوية بالمجلس العسكري الانتقالي والمجلس السيادي الذي خلفه، سارت المفاوضات بالكاد نحو ديمقرطة السودان إلى الأمام حتى عام 2021، عندما سيطر البرهان وحميدتي على السلطة آنذاك.

وعما أثير بشأنه استيلائه والجيش على السلطة آنذاك، قال حميدتي، في تصريحات صحفية، إن «الجيش استولى على السلطة لتصحيح مسار ثورة الشعب، وتحقيق الاستقرار»، لكن عديد المراقبين يشتبهون في أن هدفه بعد إطاحة البشير كان وضع نفسه في موقع قوة لا منازع لها في السودان، بحسب الصحيفة البريطانية.

 

بداية القتال

نهاية هذا الأسبوع، بعد عامين من الخلافات المتزايدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدا أن حميدتي والبرهان استعدا لاتخاذ خطوات ضد بعضهما، فالجيش اتهم حميدتي بتعبئة قواته.

وعن ذلك، قال عادل عبدالغفار، مدير برنامج السياسة الخارجية والأمن في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية: "لقد ظن حميدتي والبرهان أن مسابقة القيادة أصبحت لعبة محصلتها صفر، لذلك تحرك كل منهما ضد الآخر"، مضيفًا: "للأسف، على الشعب السوداني أن يقف على الهامش، بينما يقاتل كل من القادة العسكريين حتى النهاية المريرة".