مع تفاقم الصراع... جيران السودان يخشون الانهيار الاقتصادي وعودة المتطرفين

رغم تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار في السودان، لا يتوقع أن يقدم طرفا النزاع على التصالح

مع تفاقم الصراع... جيران السودان يخشون الانهيار الاقتصادي وعودة المتطرفين

ترجمات - السياق

أثارت الاشتباكات العنيفة التي اندلعت مؤخرًا -وراح ضحيتها 200 مدني- بين القوات المسلحة المتنافسة في السودان قلق جيرانها، وبدأوا الاتصال بالقادة المتحاربين، في محاولة لمنع الاضطرابات من الانتشار عبر الحدود وزعزعة استقرار المنطقة الهشة، وفق صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن النزاعات السابقة في السودان أثرت في دول مجاورة، لافتة إلى أنه بصرف النظر عن الدعوات المتلاحقة إلى السلام، فإن جيران السودان مازالوا يلتزمون الصمت، أملًا بأن تستجيب القيادات المتحاربة لصوت العقل.

ورغم تزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار في السودان، لا يتوقع أن يقدم طرفا النزاع على التصالح.

فالمعارك الدامية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى منذ السبت الماضي، نتيجة مباشرة لصراع على السلطة بين أفراد في القيادة العسكرية.

وأفادت التقارير الواردة من الخرطوم، بأن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما زالا يخوضان معارك ضارية للسيطرة على مقر القيادة العامة في العاصمة، إضافة إلى استمرار القتال حول مطار الخرطوم ومطار مروي، وأماكن أخرى في أم درمان والخرطوم بحري.

الكواليس

ولتوضيح موقف دول الجوار، نقلت "واشنطن بوست" عن الباحث الأمريكي المتخصص في الشؤون الإفريقية كاميرون هدسون -دبلوماسي سابق وزميل أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- قوله إن هذه الدول "كلها تعمل في الكواليس بشكل منفصل"، إلا أنه استبعد أن يكون أحدهم أحرز أي تقدم بين الأطراف المتنازعة في الوقت الحالي.

ويدور النزاع بين أقوى رجلين في السودان، القائد العسكري الفريق عبدالفتاح البرهان، وقائد القوات شبه العسكرية محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

وقد شكّل الجنرالان تحالفًا غير مستقر خلال انقلاب مشترك عام 2021 أطاح حكومة مدنية لم تدم طويلاً، لكن مسودة اتفاق لتقاسم السلطة في ديسمبر أججّت التنافس بينهما.

ويقود الرئيس البرهان الجيش، بينما يقود نائب الرئيس حميدتي قوات الدعم السريع المدججة بالسلاح.

ولم يشهد السودان -منذ استقلاله قبل 67 عامًا- هذا الحد العنيف من القتال، رغم عشرات الانقلابات التي جرت في عصره الحديث، إذ تعرض قلب العاصمة الخرطوم ومدن أخرى للقصف بغارات جوية ونيران الدبابات وقذائف الهاون والمدفعية.

واستهدفت قذائف الهاون المستشفيات في العاصمة، ما أدى لنفاد إمدادات الدم ووقود المولدات.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مجموعة أطباء تأكيدهم، أن ثلاثة مستشفيات في الخرطوم أُغلقت بسبب القصف المباشر الذي استهدفها.

اضطرابات متزايدة

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن عديدًا من جيران السودان -بما في ذلك جنوب السودان وتشاد وليبيا وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى- يواجهون أيضًا اضطرابات داخل حدودهم، ما قد يزيد التحديات بالمنطقة الهشة.

وهو ما أكده حزقيال لول جاتكوث، وزير النفط السابق بجنوب السودان، مشيرًا إلى أن عدم الاستقرار في السودان يعني عدم استقرار المنطقة.

ورأت الصحيفة الأمريكية أن جنوب السودان، الذي انفصل عن السودان، بعد حرب أهلية استمرت عقودًا، قد يكون أول المتضررين.

وبينت أنه رغم أن الحقول النفطية لدولة جنوب السودان -الغارقة في حرب أهلية وفساد منذ الاستقلال عام 2011- توفر نحو 90% من عائدات البلاد، فإنه لا يمكن تصدير النفط إلا بخط أنابيب يمر عبر السودان إلى البحر الأحمر.

لذلك حذر جاتكوث من أن التجارة مع السودان وإنتاج النفط سيتأثران بشكل لافت، مضيفًا: "نحن بحاجة لإقرار فوري للسلام في السودان".

جنوب السودان

أكد بن هانتر، محلل الشؤون الإفريقية في شركة فيريسك مابليكروفت الاستشارية لتحليل المخاطر، أن القتال في السودان يعطل صادرات النفط بالمنطقة، مشيرًا إلى أن البيانات البحرية تظهر ثلاث ناقلات تحوم قبالة الساحل بدلاً من الالتحام بميناء التصدير في بورتسودان.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن تعطيل صادرات النفط قد يُسرع انهيار جنوب السودان اقتصاديًا، حيث أدى التضخم المفرط إلى إفقار أغلبية الشعب، بينما نهب الجنود والمسلحون الذين لم يتلقوا رواتب منذ فترة طويلة، مستودعات المساعدات وقتلوا العاملين في المجال الإنساني، منوهة إلى أن الفيضانات التي ضربت البلاد مؤخرًا، بخلاف القتال الداخلي والفقر، ثم القتال الذي يدور الآن على الحدود، كلها تعني أن أكثر من نصف السكان بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية عاجلة.

كانت الأمم المتحدة حذرت -في نوفمبر الماضي- من أن الجوع وسوء التغذية آخذان في الارتفاع بالمناطق المتضررة من الفيضانات والجفاف والنزاع في جنوب السودان، حيث من المحتمل أن تواجه بعض المجتمعات المجاعة، حال عدم استمرار المساعدة الإنسانية وتوسيع نطاق تدابير التكيف مع آثار المناخ.

تشاد

تشاد أيضًا -التي تشترك في حدود طويلة يسهل اختراقها مع السودان- تخشى استمرار القتال في البلد المجاور، خصوصًا أن المتمردين والميليشيات يقطعون الصحراء المشتركة بين البلدين.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن حميدتي تربطه علاقات عميقة بالمنطقة الحدودية، حيث يتحدر من منطقة دارفور غربي السودان، وله روابط عائلية في تشاد.

وأغلقت تشاد حدودها مع السودان، السبت الماضي، في محاولة لمنع امتداد الاشتباكات لأراضيها، لكن إذا دُفعت قوات حميدتي إلى دارفور، فقد تكون مصدرًا للمقاتلين والأسلحة لسنوات مقبلة، ما قد يؤدي بدوره إلى زعزعة استقرار تشاد.

وهو ما أكده آلان بوسويل، مدير مشروع مجموعة الأزمات لمنطقة القرن الإفريقي، قائلًا: "إذا استمرت هذه الحرب، سوف تحترق دارفور".

روسيا ومصر

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن القوى العربية -خصوصًا مصر- تشعر بالقلق من عودة التطرف إلى السودان، خشية أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التشدد في بلدانهم.

وأوضحت، أنه عبر البحر الأحمر، دعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى وقف إطلاق النار، في بيان مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين.

كان بلينكين تحدث مع برهان وحميدتي بشكل منفصل الجمعة، و"شدد على الضرورة الملحة للتوصل إلى وقف إطلاق النار"، كما شدد على مسؤولية الجنرالات في ضمان سلامة المدنيين والموظفين الدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني.

انقسام عربي

من جانبه، كشف ماجاك داغوت، الباحث البارز في كينجز كوليدج لندن، أن جامعة الدول العربية، منقسمة بشأن النزاعات في ليبيا وسوريا واليمن، ومن ثمّ قد لا تعمل كوسيط فعّال بين القوات المتنافسة في السودان.

وحذر داغوت من أنه "في اللحظة التي يصبح فيها السودان غير خاضع للسيطرة، يفتح مناطق شاسعة أمام الإرهابيين للتحرك".

من جهة أخرى، نقلت "واشنطن بوست" عن ياسر يوسف الأمين المتحدث باسم نقابة أطباء السودان قوله، إن تسعة مستشفيات كبيرة اضطرت للإغلاق في العاصمة، مشيرًا إلى أن ثلاثة منها قُصفت خلال الاشتباكات.

وأوضح أن ستة مستشفيات ظلت مفتوحة، لكنها تعاني نقصًا حادًا في الموظفين أو الإمدادات، أو عدم توافر المياه أو وقود المولدات، مضيفًا: "نحن على شفا انهيار نظام الرعاية الصحية".

أعمال نهب

بينما أبلغ نشطاء ومسؤولون الصحيفة الأمريكية، بأن مسلحين نهبوا مستشفيات ومكاتب حكومية ومجمعات ومخازن تابعة لمنظمات إغاثة دولية وأممية في مدن عدة بإقليم دارفور الغربي.

وقال كريم الدين آدم، منسق المساعدات الإنسانية في نيالا -غربي السودان- إن المسلحين نهبوا الأسواق وعديد المجمعات والمخازن التابعة لجماعات الإغاثة الدولية ووكالات الأمم المتحدة.

بينما كشف ناشط آخر للصحيفة أن مكاتب وكالات الإغاثة في مدينة الفاشر بدارفور تعرضت للنهب أيضًا.

من جانبه، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، أنه أوقف مؤقتًا عملياته في السودان -حيث لا يملك 15 مليون شخص ما يكفي من الطعام- بعد قتل ثلاثة من موظفيه السودانيين في دارفور.

سبب الصراع

وأرجع نشطاء سودانيون، الأزمة إلى مسودة اتفاق، مدعومة دوليًا، وقعها الجنرالان في ديسمبر الماضي، تهدف إلى توفير خارطة طريق للقيادة المدنية.

ففي ديسمبر الماضي، وُقع اتفاق إطاري بين قوى معارضة رئيسة وقادة الجيش، لبدء مرحلة يقودها مدنيون تنتهي بإجراء انتخابات.

ووقع نحو أربعين حزبًا ونقابات مهنية الاتفاق، بينها قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة.

بينما وقع عن المكون العسكري قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، وبيّن النشطاء -في تصريحاتهم للصحيفة الأمريكية- أن الصفقة ساوت بينهما في السلطة، مشيرين إلى أن ما زاد التوترات، الفشل في تحديد جدول زمني قصير لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.

وأشاروا إلى أنه رغم أن حميدتي يقود عشرات الآلاف من القوات في جميع أنحاء البلاد، فإن البرهان احتفظ بالسيطرة على القوات الجوية.

وحتى الآن، تُظهر صور الأقمار الاصطناعية ما لا يقل عن 20 طائرة عسكرية تضررت أو دُمرت، وهو جزء صغير نسبيًا من إجمالي هذه الطائرات.