نزف الدينار العراقي أمام الدولار يطلق العنان للغضب الشعبي.. فما علاقة إيران؟
مع تذبذب أسعار صرف الدولار، طوقت الأزمة مواطني البلد الذي يستورد معظم احتياجاته من الخارج، فانطلقوا إلى الشوارع محتجين، أمام البنك المركزي في العاصمة بغداد.

السياق
محاصرًا بين حليفين، يقف العراق على أعتاب أزمة غير مسبوقة، أطلقت العنان للدولار الأمريكي لإطاحة العملة المحلية في نزالات الأسبوع الماضي، التي وقف خلالها الدينار أسير توازنات، غير قادر على مجابهتها.
تلك النزالات التي «اجتاح» فيها الدولار الأمريكي، منافسه الذي كان دون المستوى، أطاحت محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه، بعد أن فشل في اتخاذ إجراءات من شأنها إيقاف نزف العملة المحلية المستمر خلال الأيام الماضية.
كما قرر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إحالة مدير المصرف العراقي للتجارة سالم جواد الجلبي إلى التقاعد، وتكليف بلال الحمداني لإدارة المصرف إضافة إلى مهامه.
وسجلت أسعار صرف الدولار، الأربعاء، ارتفاعاً قياسيا، مسجلة 161000 دينار لكل 100 دولار، بعد أن قرر البنك المركزي العراقي تعديل سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، ليصل سعر شراء الدولار من وزارة المالية 1450 ديناراً، أما سعر بيعه للمصارف فقد حُدِّد بـ 1460 دينارًا لكل دولار، بينما سعر البيع للمواطن 1470 ديناراً لكل دولار.
ما نتائج ذلك؟
مع تذبذب أسعار صرف الدولار، طوقت الأزمة مواطني البلد الذي يستورد معظم احتياجاته من الخارج، فانطلقوا إلى الشوارع محتجين، أمام البنك المركزي في العاصمة بغداد.
وبرايات منددة بارتفاع سعر صرف الدولار، انطلقت الاحتجاجات التي وُصفت بـ«الحاشدة» وسط إجراءات أمنية مشددة، مطالبين الجهات الحكومية بالتدخل العاجل للحد من هذا الارتفاع.
وخوفًا من تسلل آخرين إلى تلك الاحتجاجات، أعلنت قيادة عمليات بغداد، أنها أعدت خطة متكاملة لتأمين الحماية للمتظاهرين، مشيرة إلى أنه جرى توزيع القطاعات الأمنية المتمثلة بوحدات حفظ القانون وهي وحدات متخصصة من وزارة الداخلية لتوفير الحماية للمتظاهرين.
#العراق.. تظاهرات أمام #البنك_المركزي في #بغداد احتجاجا على ارتفاع سعر صرف #الدولار#السياق pic.twitter.com/cuFWUL0LBT
— السياق (@alsyaaq) January 25, 2023
لماذا تراجع سعر الدينار رغم تصدير العراق لمزيد من النفط؟
يقول محللون، إن تراجع سعر الصرف يعود إلى بدء العراق الامتثال لقواعد دولية في التحويلات المالية، ما أثر في المعروض من الدولار بالأسواق، بينما يكافح رئيس وزراء العراق لمنع تهريب الدولار إلى إيران.
وأقر البنك المركزي الأمريكي، ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية في نوفمبر، في خطوة تهدف إلى وقف تدفق الدولارات بشكل غير مشروع إلى إيران وممارسة مزيد من الضغوط إلى جانب العقوبات الأمريكية المفروضة على برنامج طهران النووي ونزاعات أخرى، ما يصعب على طهران الحصول على الدولارات.
وتقول وكالة رويترز، إن السوداني استعان بقوات النخبة المعنية بمكافحة الإرهاب، والمعتادة على محاربة الإرهابيين، للتصدي لتجار يهربون العملة إلى إيران، مشيرة إلى أن الأخيرة شنت مداهمات على عدد من المستهدفين.
وفي محاولة من السوداني لتخطي الطريق الصعب، يحاول أن يسلك طريقًا دبلوماسيًا بالغ الحساسية، فمن جهة يسعى لضمان عدم تعرض عائدات النفط ومالية بلاده للرقابة الأمريكية، أملًا باستمرار مساعدة واشنطن في محاربة «داعش».
إلا أن رئيس الحكومة الجديد الذي لم تمضِ بضعة أشهر على تعيينه، وصل إلى السلطة بدعم الميليشيات المدعومة من طهران، ما يجعل استعداء إيران، أمرًا قد يكلفه منصبه، بحسب مراقبين.
ورغم ذلك، فإنه يبدو أن الرسالة الأمريكية صارمة هذه المرة، فمسؤول مصرفي كبير، قال في تصريحات إلى «رويترز»، إن الولايات المتحدة وجهت رسالة واضحة إلى المسؤولين العراقيين، مفادها إما الالتزام باللوائح الجديدة، وإما أن تكون الغرامات مصيرًا محتومًا للبنك المركزي العراقي.
وعن ذلك، قال المحلل السياسي العراقي بغداد أحمد يونس، إن السوداني يواجه تحديًا معقدًا يتمثل بكيفية اتباع سياسات متوازنة مع اثنين من أشد الأعداء مع بعضهما (إيران وأمريكا)، والأصدقاء للعراق في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أنها مهمة صعبة جدًا، والسوداني يمشي على حبل مشدود.
لماذا تحتاج إيران لدولارات العراق؟
في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني تدهورًا شديدًا وانهيارًا في العملة، فإن طهران تحتاج إلى الدولارات من أجل استقرار اقتصادها، الذي أرهقته العقوبات الأمريكية المفروضة منذ 2018.
وقرابة 30% كان هامش خسارة العملة الإيرانية من قيمتها، خلال الأشهر الأربعة الأخيرة التي اجتاحت فيها التظاهرات البلد الآسيوي، في أعقاب وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عامًا) في 16 سبتمبر، على يد ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق».
وبحسب تقارير غربية، فإن إيران تحاول التحايل على العقوبات الأمريكية، باستخدام شركات صورية من العراق إلى تركيا للحصول على الدولارات التي تحتاجها للمعاملات الدولية ولتمويل وكلائها في أنحاء الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن إيران تتلقى قرابة 100 مليون دولار شهريًا من تجار عراقيين.
تلك التقارير أكدها بـ«أدلة دامغة» مسؤولون أمنيون عراقيون، مشيرين إلى أن هناك مهربين يشترون كميات كبيرة من الدولارات من أسواق العملة في بغداد ويهربونها عبر المعابر الحدودية إلى إيران، لاسيما منذ منتصف يناير.
وعن ذلك، يقول شرطي عراقي رفض كشف هويته، إن المهربين يشترون الدولارات من أسواق العملة في بغداد، لتهريبها عبر حقائب مدرسية في سيارات رباعية الدفع إلى الحدود.
هل يمكن للإجراءات الأمريكية الجديدة مكافحة ذلك؟
بموجب الإجراءات الأمريكية الجديدة، التي فرضت مزيدًا من القيود على التحويلات، على البنوك العراقية استخدام منصة إلكترونية للإفصاح عن تعاملاتها وعن تفاصيل المرسل والمستفيدين، إلا أنه يمكن للمسؤولين الأمريكيين الاعتراض على طلبات النقل المشبوهة.
تلك القيود جعلت المعاملات الدولارية أبطأ، بحسب مراقبين، أكدوا أن إجراءات مكافحة التهريب، أحدثت فجوة في الماليات العامة، ودفعت البنوك، التي عزفت عن التسجيل في المنصة الإلكترونية، إلى الأسواق الحرة في بغداد لشراء الدولارات، ما وضع مزيدًا من الضغوط على قيمة العملة العراقية.
تطمينات حكومية
تلك الإجراءات بما أسفرت عنه، دفعت رئيس الوزراء العراقي لطمأنة مواطنيه، بأن الدينار والاقتصاد سيكونان في مأمن من القيود واللوائح التنظيمية الأمريكية.
وفي إحدى الفعاليات التي نظمت السبت، قال رئيس الحكومة العراقية: «اتخذنا قرارات جريئة لدعم الدينار العراقي واستقراره، ونحذر من يحاول استغلال الأزمة».
وحاول البنك المركزي العراقي بث رسالة طمأنة للأسواق المحلية، فأعلن في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، استنفاد الخطوات المتعلقة بالسياسة النقدية، مشيرًا إلى أن المنصة الإلكترونية خيار وطني لتنظيم التجارة الخارجية.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء العراقية، قال مستشار البنك المركزي العراقي إحسان شمران الياسري، إن السوداني التقى مجموعة من التجار وممثلين للبنك المركزي بشأن قضية سعر صرف الدولار.
وبينما قال إن قضية سعر صرف الدولار ليست لدى البنك المركزي، أشار إلى أن المصرف العراقي استنفد الخطوات المتعلقة بالسياسة النقدية.
وأكد المسؤول العراقي، أن البنك المركزي وجَّه رسالة لرئيس الوزراء بضرورة تحرير المواطن من إشكاليات وتعقيدات البيروقراطية العالية بالعمل الضريبي، مشيرًا إلى أن المصرف ليست لديه مشكلة بالموارد الدولارية لكن في عرض الدولار.
وفي محاولة لتخفيف القيود على إجراءات الاستيراد والتصدير، أصدر مدير مكتب رئيس الوزراء إحسان العوادي، الأربعاء، توجيهات لتسهيل تلك الإجراءات.
التلاعب بالدولار
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، الثلاثاء، اتخاذ إجراءات لمنع التلاعب بأسعار الدولار أو احتكار المواد الغذائية، بينما أشارت إلى القبض على عدد منهم.
وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة اللواء خالد المحنا، إن هناك قوانين خاصة بالبنك المركزي العراقي، تجرى بموجبها التعاملات المالية، لذلك تكون هناك خروق تتعلق بمضاربات البعض لرفع قيمة الدولار، بالتعاون مع مصارف من البنك المركزي العراقي.
وأعلن القبض على بعض أصحاب مكاتب الصيرفة التي تعمل خارج الضوابط، ومن دون موافقات ولا إجازات رسمية، مشيرًا إلى أن بعض المصارف التي تتسلم من مزاد العملة، تبيعها بالسعر المغاير لما هو في التعليمات واللوائح، في مخالفة صريحة لقوانين البنك المركزي.
وأكد أن هناك حملة لملاحقة المتلاعبين بالأسعار ولا تزال مستمرة لضبط أي شخص يحاول اختلاق أزمة، لافتاً الى أن الشرطة ومفارز الأمن الاقتصادي ومكافحة الجريمة المنظمة منتشرة في الأسواق لمتابعة بيع الدولار، إضافة إلى متابعة الذين يحاولون احتكار السلع لرفع سعرها.