كيف تأثر الاقتصاد العراقي بالعقوبات الأمريكية على إيران؟

وول ستريت جورنال: العراق يترنح مع محاربة واشنطن تدفق الأموال إلى طهران

كيف تأثر الاقتصاد العراقي بالعقوبات الأمريكية على إيران؟

ترجمات - السياق

رأت صحيفة وول ستريت الأمريكية، أن الاقتصاد العراقي تأثر بالعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، موضحة أن بغداد تترنح، بعد فرض ضوابط على التعاملات الدولارية.

وأشارت إلى أن العراقيين يلقون باللوم على الإجراءات الأمريكية، التي تهدف إلى الحد من التحويلات النقدية، إلى دول خاضعة لعقوبات مثل إيران، في إضعاف قيمة العملة المحلية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وعراقيين قولهم: انخفاض قيمة الدينار العراقي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة، مردهما التغيير الملحوظ في السياسة التي تعتمدها وزارة الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، للحد من عمليات غسل الأموال، والاستيلاء غير القانوني على الدولارات، بواسطة المصارف التجارية العراقية، لمصلحة إيران ودول أخرى تخضع لعقوبات في الشرق الأوسط.

كانت البنوك العراقية تعمل بموجب قواعد أقل صرامة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح الرئيس الراحل صدام حسين، لكن بعد ما يقرب من عقدين، أصبح النظام المصرفي العراقي يخضع لممارسات تحويل الأموال العالمية.

وأفاد مسؤولون أمريكيون وعراقيون بأن "الوقت حان لجعل النظام المصرفي العراقي يمتثل لممارسات تحويل الأموال العالمية".

 

إجراءات صارمة

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين وعراقيين، إضافة إلى بيانات رسمية عراقية، تأكيدهم أنه "منذ أن دخلت الإجراءات حيز التنفيذ، حُظر أكثر من 80% من التحويلات اليومية البريدية بالدولار إلى العراق، التي كانت أكثر من 250 مليون دولار في بعض الأيام، بسبب عدم كفاية المعلومات بشأن وجهات الأموال أو أخطاء أخرى".

ووفقًا لما ذكره هؤلاء فإنه مع ندرة الدولار، انخفضت قيمة العملة العراقية بنسبة تصل إلى 10% مقابل الدولار، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، بما فيها السلع الأساسية مثل البيض والدقيق وزيت الطهي.

ونقلت الصحيفة عن رئيس مجلس إدارة مصرف الجنوب الإسلامي محمود داغر، وهو مسؤول سابق في البنك المركزي العراقي قوله: "على مدى 20 عاماً، اتبعنا النظام نفسه، لكن سياسة الصدمة التي انتهجها الاحتياط الفيدرالي الأميركي أحدثت أزمة للاقتصاد العراقي".

وحسب الصحيفة، يجسد الاضطراب الاقتصادي العلاقة الحذرة، والمتشابكة، بين واشنطن وبغداد، مشيرة إلى أنه منذ أن ساعدت الولايات المتحدة في تأسيس البنك المركزي العراقي عام 2004، أصبح الدولار الأمريكي إلى حد كبير العملة الرئيسة للبلاد، لأن كثيرًا من مرافق الاقتصاد تعتمد على النقد.

وأوضحت أنه للحفاظ على إمداد العراق بالدولار، تسلم طائرات القوات الجوية الأمريكية، منصات من العملة الأمريكية إلى بغداد كل بضعة أشهر، لكن مزيدًا من الدولارات يتدفق إلكترونيًا في المعاملات، التي تجريها البنوك العراقية الخاصة، والتي تعالج من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، حيث تودع عائدات مبيعات النفط.

غير أن المسؤولين الأمريكيين يؤكدون أن القواعد الحازمة للتحويلات الإلكترونية للدولار من قِبل المصارف العراقية الخاصة، لم تكن مفاجئة للمسؤولين في بغداد، بل تنفذ بشكل مشترك منذ نوفمبر الماضي، بعد عامين من المناقشات والتخطيط بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، وأضافوا أن ارتفاع سعر صرف الدولار لم يكن بسبب الإجراءات الجديدة.

 

صدمة مالية

وأشارت "وول ستريت جورنال" في تقريرها إلى أن "التدقيق في المعاملات بالدولار أدى إلى اندفاع نحو العملة الخضراء في العراق"، ما أدى بدوره إلى سيل من الانتقادات من المسؤولين والمصرفيين والمستوردين العراقيين، الذين يلومون النظام الجديد على "صدمة مالية غير ضرورية، أدت إلى تفاقم مشكلاتهم الاقتصادية المستعصية".

كان رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، الذي تولى منصبه، في الوقت الذي بدأت فيه العملة الانخفاض، قال: تحرك الاحتياطي الفيدرالي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية الحكومة لعام 2023، مشيرًا إلى أنه سيرسل وفدًا إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بوقف اختياري، ستة أشهر، للسياسة الجديدة.

بينما وجَّه المسؤولون العراقيون المرتبطون بإيران انتقادات أشد حدة، وقال قائد ميليشيات الحشد الشعبي، هادي العامري للسفير الفرنسي في بغداد أريك شوفاليه، خلال اجتماع بينهما في 10 يناير الجاري: "الجميع يعرفون كيف يستخدم الأمريكيون العملة سلاحًا لتجويع الشعوب، وها هم اليوم يمارسون الضغوط على العراق لمنع انفتاحه على أوروبا والعالم".

وأوضحت الصحيفة، أنه بموجب الإجراءات الجديدة، على البنوك العراقية، أن تقدم تحويلات بالدولار على منصة إلكترونية جديدة مع البنك المركزي، ثم يراجعها الاحتياطي الفيدرالي.

وحسب المسؤولين الأمريكيون، فإن النظام الجديد "يهدف إلى الحد من استخدام النظام المصرفي العراقي لتهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وملاذات غسل الأموال في الشرق الأوسط"، حيث أكد مصرفيون تزوير فواتير بالدولار لبضائع لم تدخل العراق.

وتعليقًا على ذلك، قال داغر، المسؤول السابق بالبنك المركزي، إنه بموجب القواعد القديمة، لم يكن أصحاب الحسابات العراقية ملزمين بالإفصاح عمن كانوا يرسلون الأموال إليه، إلا بعد تحويل الدولارات.

بينما قالت متحدثة باسم بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، عن الحسابات التي يُحتفظ بها لحكومات أجنبية، مثل الحسابات العراقية: "لدينا نظام امتثال قوي لهذه الحسابات يتطور بمرور الوقت استجابةً للمعلومات الجديدة".

بينما قال مسؤول أمريكي: الإجراءات ستحد من قدرة الجهات الخبيثة على استغلال النظام المصرفي العراقي".

وامتنعت وزارة الخزانة والبنك المركزي العراقي عن التعليق، ووصف البنك المركزي العراقي المنصة الإلكترونية الجديدة في بيان 15 ديسمبر الماضي، بأنها تطلب "تفاصيل العملاء الذين يريدون تحويل الأموال، بمن في ذلك المستفيدون النهائيون".

كما منع البنك المركزي أربعة بنوك: بنك آسيا الإسلامي، وبنك الشرق الأوسط العراقي، وبنك الأنصاري الإسلامي، وبنك القابض الإسلامي، من إجراء أي معاملة بالدولار، وفقًا لمسؤولين عراقيين ووثائق قضائية.

وبينما رفض المسؤولون التنفيذيون في بنك آسيا وبنك الأنصاري التعليق، تعذر الوصول إلى المؤسستين الأخريين، وفق الصحيفة الأمريكية.

 

ضغوط أمريكية

وبينت "وول ستريت جورنال"، أن المسؤولين الأمريكيين يضغطون على العراق منذ سنوات لتعزيز ضوابطه المصرفية، مشيرة إلى أنه عام 2015، أوقف الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة موقتًا تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي، بسبب مخاوف من أن العملة ستصل -نهاية المطاف- إلى المصارف الإيرانية وربما تحول إلى متشددي "داعش".

وحسب الصحيفة، أيد بعض المسؤولين العراقيين تشديد الرقابة على البنوك الخاصة، وقال النائب هادي السلامي، عضو هيئة مكافحة الفساد في مجلس النواب، إن الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية تسيطر على معظم المصارف، وتستخدمها لتهريب الدولارات إلى دول الجوار، مضيفًا: "نحن بحاجة إلى وقف ذلك على الفور".

وترى الصحيفة، أنه يمكن ملاحظة تأثير الضوابط المشددة التي اتخذت بنوفمبر في الانخفاض الحاد بمعاملات البنوك العراقية بالدولار، التي يتتبعها البنك المركزي عبر موقعه الإلكتروني.

ففي 17 أكتوبر الماضي -قبل دخول القواعد الجديدة حيز التنفيذ- بلغت التحويلات اليومية من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، والمؤسسات الخارجية الأخرى، 224.4 مليون دولار، وفقًا للبيانات، بينما في 17 يناير، بلغت 22.9 مليون دولار، بانخفاض نحو 90%.

ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أن الاضطرابات المالية ستخف، مع امتثال أصحاب الحسابات العراقيين لمتطلبات الإفصاح.

حتى المصرفيون العراقيون وتجار العملات يقولون إن القواعد الأكثر صرامة، تهدف إلى إغلاق المخططات المستخدمة لسحب الدولارات، مشيرين -على سبيل المثال- إلى أن المستوردين يزورون فواتير بضائع لا تسلم إلى العراق، ولكن يدفع ثمنها بالدولار المتدفق إلى متسلمين مجهولين خارج البلاد.

وبعد منعهم من استخدام البنوك، اضطر المستوردون العراقيون إلى تأخير الطلبات، أثناء عملهم للامتثال للقواعد الجديدة، أو إيجاد طرق أخرى للدفع للموردين، مثل استخدام شبكات تحويل الأموال غير الرسمية المعروفة باسم الحوالة.

ونقلت الصحيفة عن حمزة الصراف، وهو مصرفي من بغداد: "تذهب الدولارات في العراق، بالتأكيد بنسبة 100%، إلى إيران وتركيا وسوريا واليمن ولبنان".

وبسبب منعهم من استخدام البنوك، اضطر المستوردون العراقيون إلى تأخير الطلبات أثناء عملهم للامتثال للقواعد الجديدة، أو إيجاد طرق أخرى للدفع للموردين، مثل شبكات تحويل الأموال غير الرسمية.

وقال حمزة الصراف إن بعض التجار يشحنون الدولارات إلى خارج العراق في مركبات.

يشار إلى أن سعر الصرف الرسمي للدولار ثابت عند 1470 دينارًا عراقيًا للدولار، لكن في بنوك بغداد وشركات الصرافة، كان الدولار يباع بـ 1620 دينارًا عراقياً، بزيادة تصل إلى 10% عن نوفمبر الماضي، وفقًا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي.

بينما قال غيث البدري الذي يملك متجرًا صغيرًا للهواتف المحمولة في بغداد إنه مع ارتفاع قيمة الدولار قلل من مبيعات السلع المستوردة، وأضاف أن الهاتف الذكي من سامسونغ الذي اشتراه بالدولار في دبي وباعه في نوفمبر الماضي بـ 200 ألف دينار أصبح بـ219 ألف دينار، مشيرًا إلى أنه مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية أيضًا، اختفى زبائنه.

واستطرد وسط متجره الخالي: "لا أحد يشتري هواتف نقالة... إنهم قلقون بشأن الطعام".