رغم إشادة المشاركين... أوروبا تشكو الولايات المتحدة في دافوس
أثنى المشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، على قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس الأمريكي، وهو عبارة عن حزمة بـ 369 مليار دولار تتضمن إعانات لجذب الشركات للاستثمار في التقنيات التي ستساعد في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن خلافات بين المشاركين الأوروبيين، ونظرائهم الأمريكيين، خلال منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، على خلفية حزمة الطاقة الخضراء "الضخمة" التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا، رغم أن كثيرين من المشاركين أشادوا بها.
كان ممثلون من 110 اقتصادات، توصلوا -الجمعة- خلال فعّاليات اليوم الأخير من المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة "دافوس" السويسرية إلى مسودة اتفاقية لتيسير الاستثمار من أجل التنمية في منظمة التجارة العالمية.
ونقلت الصحيفة عن كبار المصرفيين ورجال الأعمال -أثناء حضورهم المنتدى- أن بايدن تجاوز أوروبا في تعاملها مع أزمة المناخ، حيث تسعى الشركات والمستثمرون إلى الاستفادة من حزمة الطاقة الخضراء الضخمة، التي أعلنتها واشنطن.
يأتي ذلك مع تزايد المخاوف في أوروبا من مشروع قانون واشنطن التاريخي الأخير بـ 700 مليار دولار المسمى "قانون خفض التضخم"، الذي يتضمن إعفاءات ضريبية للمستهلكين الأمريكيين، الذين يشترون سيارات كهربائية ببطاريات مصنعة محليًا، وفي بعض البلدان التي لديها اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة، ورغم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شريكان تجاريان رئيسان، فإنهما ليس لديهما هذا الاتفاق.
محرك للنمو
وحسب "فايننشال تايمز" فقد أثنى المشاركون في المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، على قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس الأمريكي، وهو عبارة عن حزمة بـ 369 مليار دولار تتضمن إعانات لجذب الشركات للاستثمار في التقنيات التي ستساعد في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ونقلت عن يان جينيش، الرئيس التنفيذي لمجموعة هولسيم السويسرية لمواد البناء، قوله: "برنامج الولايات المتحدة ذكي للغاية وضخم"، مضيفًا: "هناك كثير يتعين بناؤه، من المصانع إلى الخدمات اللوجستية والبنية التحتية، على مدى السنوات العشر المقبلة، وهو ما سيكون محركًا للنمو الاقتصادي".
وهو ما أيده عدد من رؤساء الشركات التنفيذيين والمستثمرين قائلين: "قانون خفض التضخم سيكون محركًا للنمو الاقتصادي الأمريكي".
وحسب الصحيفة، فإنه للاستفادة من شعبية الحزمة الأمريكية، شارك عديد الزعماء الجمهوريين والديمقراطيين وأعضاء الكونغرس - بمن في ذلك حاكم جورجيا بريان كيمب، وحاكم إلينوي جي بي بريتزكر، وحاكم ميشيغان جريتشن ويتمير، والسيناتور في ولاية ويست فيرجينيا جو مانشين- في المنتدى الذي أقيم بمنتجع دافوس على جبال الألب السويسرية.
وأشارت إلى أنه في حين أن هذا التدخل الحكومي "العدواني" كان يواجَه خلال العقود السابقة برفض قاطع من مؤيدي العولمة في دافوس، إلا أن المندوبين قالوا إن الإعانات لكل شيء من السيارات الكهربائية إلى الطاقة الهيدروجينية موضع ترحيب، للحاجة الملحة لمعالجة آثار تغير المناخ.
وهو ما أكدته كريستالينا جورغيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قائلة: "نحن أيديولوجيون للغاية عندما نقول إنه ينبغي ألا ندعم الاقتصاد والشركات"، مضيفة: "السرعة العنصر الأساسي للخروج من الخندق الصعب الذي يعيش فيه العالم"، في إشارة إلى تأثير الحرب الدائرة بأوكرانيا في الاقتصادات العالمية، وتفاقم التضخم.
وأوضحت جورغييفا -في مقابلة مع قناة فرنسا 24، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس- أنها لا تتوقع ركودًا عالميًا لثلاثة أسباب، أولًا أسواق العمل شديدة المرونة واستمرار المستهلكين في الإنفاق، رغم ارتفاع تكلفة المعيشة، والسبب الثاني أن إعادة فتح الصين سيكون محفزًا للنمو، ما ينعكس بالنمو على آسيا والعالم، ثالثًا أنه رغم استمرار ارتفاع التضخم، هناك علامات على اتجاه هبوطي للتضخم.
بينما ترى كارين كارنيول تامبور، كبيرة مسؤولي الاستثمار للاستدامة في بريدغ ووتر -أكبر صندوق تحوط في العالم- أن الحزمة كانت "صفقة كبيرة" في إظهار مدى مشاركة المشرعين لإنقاذ الاقتصاد ودعمه.
وأضافت: "لسنوات، كان التدخل الحكومي مصطلحًا سيئًا، إذ يجب أن يعتمد كل شيء على الأسواق، ويجب ألا تختار الحكومات الرابحين والخاسرين، لكن الأمور تتغير".
مواجهة الصين
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه في حين أن مشروع القانون كان يهدف إلى مواجهة هيمنة الصين في تطوير الطاقة المتجددة والوظائف الخضراء، فقد انتهى به الأمر إلى إثارة رد فعل عنيف بين شركاء واشنطن التجاريين، في أوروبا وأماكن أخرى.
ويزعم هؤلاء -شركاء واشنطن التجاريون في أوروبا وأماكن أخرى- أن الدعم يعاقب الشركات الأوروبية، ويمكن أن يجذب وظائف التصنيع والاستثمار من كل مكان في العالم إلى الولايات المتحدة.
وقال المستشار الألماني أولاف شولتز للمنتدى –الأربعاء- إنه يرحب باعتزام الولايات المتحدة استثمار مليارات الدولارات في الطاقة وحماية المناخ، غير أنه حذر -في الوقت نفسه- من أن تؤدي المتطلبات الخاصة بمنتجات معينة إلى تمييز ضد الشركات الأوروبية.
وأضاف شولتز أن "السياسة الحمائية تعوق المنافسة والابتكار وتضر بحماية المناخ"، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يتحدث مع الولايات المتحدة عن ذلك، ويحاول -في الوقت نفسه- تحسين ظروف الاستثمار في أوروبا.
وقال المستشار الألماني، بخطاب خاص في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2023 حسب ما نشره الموقع الرسمي الإلكتروني لمنتدى دافوس: "إن تحولنا نحو اقتصاد محايد مناخيًا- مهمة عصرنا الأساسية- يتخذ حاليًا ديناميكية جديدة" بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي حين بدت الحرب الروسية في أوكرانيا منذ فبراير 2022 كأنها عرقلت الطموحات الألمانية والأوروبية للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، يرى شولتز أن التدخل العسكري الروسي أدى فقط إلى تسريع هذا التحول.
وأضاف المستشار الألماني: "سواء كنت قائدًا تجاريًا أو ناشطًا في مجال المناخ أو خبيرًا في السياسة الأمنية أو مستثمرًا، أصبح من الواضح لكل منا أن المستقبل لمصادر الطاقة المتجددة، لأسباب تتعلق بالتكلفة وأخرى بيئية ولأسباب أمنية، وأيضًا لأن عوائد مصادر الطاقة المتجددة على المدى الطويل أفضل".
بينما كان غرانت شابس، وزير الأعمال البريطاني، أكثر جرأة، واصفًا تصرف الولايات المتحدة بأنه "خطير".
ومع ذلك، قالت نغوزي أوكونغو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، إن شركاء الولايات المتحدة التجاريين المتضررين يجب أن يتحدثوا مباشرةً إلى واشنطن، بدلاً من تقديم شكوى إليها.
وأضافت: "من الأفضل بكثير لهم التحدث إلى الولايات المتحدة ومحاولة حل هذا الأمر ومعرفة ما إذا كانت هناك أي طريقة لمراعاة مخاوفهم، بدلاً من الشكوى إلى نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية".
خفض التضخم
وبينت "فايننشال تايمز" أن سلطات الاتحاد الأوروبي سعت إلى الاستجابة لقانون خفض التضخم بإجراءات خاصة، حيث وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين -هذا الأسبوع- بتخفيف التنظيم وتمويل جديد لمساعدة الكتلة في اللحاق بالركب.
وقال بعض المسؤولين التنفيذيين في الشركات، إن تناقض الأساليب على جانبي المحيط الأطلسي، كان من أعراض بيئة الأعمال غير الودية نسبيًا في أوروبا.
ونقلت الصحيفة عن بورغي إيكهولم، الرئيس التنفيذي لمجموعة إريكسون السويدية للاتصالات، الذي كثيرًا ما يتحدث بصراحة عما يعدها قيودًا على قطاع التكنولوجيا في أوروبا، قوله: "لقد وضع القانون الأمريكي الجديد، أوروبا، في بيئة استثمارية أقل جاذبية".
بينما قال جيسبر برودين، الرئيس التنفيذي لأكبر مجموعة متاجر إيكيا للبيع بالتجزئة، إنغكا جروب: "في أوروبا، كان النهج هو العصا، وفي الولايات المتحدة كان هناك كثير من الجزر"، مضيفًا: "نحن بحاجة إلى كلتيهما"، في إشارة إلى السوقين الأوروبي والأمريكي (من خلال العصا والجزرة).
من جانبه، قال أحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى المجموعات الاستثمارية الأمريكية الكبرى، إنه يشعر "بخيبة أمل" لصياغة الولايات المتحدة القانون من جانب واحد، ما تسبب في شقاق مع "حلفاء الاتحاد الأوروبي المهمين" في وقت تصاعدت التوترات الجيوسياسية.
وحثَّ إدارة بايدن على إصلاح ذلك، واقترح أن تبدأ الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي، التي تحضر منتدى دافوس، بالاعتذار للأوروبيين عن القانون الجديد.
في المقابل، ذكر المسؤولون الأمريكيون -مرارًا وتكرارًا- أنهم رغم عدم تقديم اعتذار عن القانون، فإنهم كانوا يعملون على معالجة بعض مخاوف الحلفاء الأوروبيين.
وفي دافوس، قال مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري: "رغم إمكانية إجراء تعديلات، أثناء عملية تنفيذ وزارة الخزانة الأمريكية، فإن أساسيات التشريع هي ما نحتاجه".
وحثَّ كيري أوروبا على زيادة الإنفاق على معالجة تغير المناخ.
وأعرب المرشح الأسبق للحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس الأمريكي، عن اعتقاده بأن مكافحة التغير المناخي "لا يمكن أن تنجح إلا إذا خصصت الحكومات محفزات للقطاع الخاص لكي يستثمر في التقنيات الصديقة للبيئة".
وتابع كيري: "الولايات المتحدة فعلت ذلك، من خلال قانونها لخفض التضخم، الذي ينص على ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في حماية المناخ والمجال الاجتماعي".
غير أن المفوضية الأوروبية ترى -في المقابل- أن القانون أضر بشركات الاتحاد الأوروبي، وأثار مخاوف من انتقال مراكز الإنتاج إلى الولايات المتحدة وفقدان وظائف.
بينما أعرب بعض المندوبين الأمريكيين عن دهشتهم من رد فعل أوروبا السيئ للغاية، وقال أحد مديري صناديق التحوط: "لم يكن لديّ أي فكرة أنهم كانوا مستائين للغاية حتى وصلت إلى هنا".
وحسب الصحيفة، ركز معظم المشاركين في المنتدى على كيفية الاستفادة من الإعانات الحكومية.
ووصف جوناثان هاوسمان، المدير الإداري التنفيذي في خطة معاشات المعلمين بأونتاريو "التصويت" لصالح استثمارات الطاقة الخضراء، التي تتدفق إلى الولايات المتحدة، بأنها إشارة قوية للغاية للمستثمرين".