حرب الطاقة... كيف يهزم بوتين نفسه؟
من المحتمل أن تتحرك روسيا لقطع كمية صغيرة من الغاز عبر خطوط الأنابيب، التي لا تزال تصل إلى أوروبا من خلال أوكرانيا وتركيا.

ترجمات - السياق
حرب طاقة، استعرت نيرانها مع أول قصف جوي، شنه بوتين في "عمليته العسكرية الخاصة" على أوكرانيا، متسلحًا بالغاز الذي يمد به أوروبا، القارة التي وقفت بجانب كييف، فبعد إثارة الخوف والفوضى من خلال قطع هذه الإمدادات، يجد الرئيس الروسي نفسه في حالة تأزم شديدة.
الشهر الماضي، تراجعت أسعار الغاز الطبيعي، بعد تداول أسعاره بالقرب من 150 يورو لكل ميغاواط، لكن انخفض السعر إلى أقل من 60 يورو هذا الأسبوع، مدعومًا بالطقس المعتدل غير المعتاد، الذي أدى إلى انخفاض الطلب على التدفئة
ورغم ذلك تظل الأسعار مرتفعة بالمعايير التاريخية، كما لا تزال الفواتير المنزلية مؤلمة بلا شك في الدول الغربية، بينما تلقت الصناعة ضربة قاسية، لكن في المقابل عادت تكلفة الغاز إلى المستوى الذي يمكن لمعظم اقتصادات أوروبا الغربية تحمله.
وحسب "فايننشال تايمز" فإن الأسعار تقترب من المستوى العادي، على عكس ارتفاعها كما كانت الصيف الماضي، عندما قطعت روسيا خط أنابيب الغاز الرئيس إلى أوروبا.
وأكدت الصحيفة البريطانية أنه لم تتحقق الانقطاعات الواسعة النطاق، التي كان الخوف منها مروِّعًا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبدلاً من ذلك، تزخر منشآت تخزين الغاز في أوروبا -المقياس الرئيس لقدرة القارة على تجاوز هذا الشتاء والشتاء التالي بشكل مريح- في هذا الوقت من العام.
وتشير "فايننشال تايمز" إلى أنه عادة، بحلول ذروة الشتاء، تنخفض مستويات التخزين إلى قرابة 60 في المئة، وبدلاً من ذلك، ما زالت عند نحو 80 في المئة، وفي ألمانيا، تقترب من 90 في المئة.
وترى الصحيفة البريطانية أنه لا تزال هناك مخاوف مما سيحدث، إذ لا يزال من الممكن أن تبدأ موجة البرد المطولة في فبراير أو مارس، خفض المخزونات الأوروبية، رغم أن توقعات الطقس، في الوقت الحالي، تبدو معتدلة إلى حد معقول.
من المحتمل أن تتحرك روسيا لقطع كمية صغيرة من الغاز عبر خطوط الأنابيب، التي لا تزال تصل إلى أوروبا من خلال أوكرانيا وتركيا، لكن أغلبية التنبؤات تشير إلى أن أوروبا في وضع أفضل، للتعامل مع أي تخفيضات روسية أخرى.
وتستعرض "فايننشال تايمز" تهديدًا آخر لسوق الطاقة في أوروبا، وهو ما قد تحدثه الصين، بعد خروجها من سياسات الإغلاق الخاصة بـكورونا، ففي الوقت الحالي، تمتلئ صهاريج تخزين الغاز الصينية -إلى حد كبير- بعد النمو المنخفض، لكن في وقت لاحق من هذا العام، يتوقع على نطاق واسع أن يرتفع الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال المستورد.
وقالت الصحيفة البريطانية إن استبعاد مزيد من تقلبات الأسعار نوع من الحماقة، ورأت أن استراتيجية الطاقة التي تنتهجها روسيا كسلاح، تعتمد على الوقت الضائع، إذ إن موسكو رفعت أسعار الغاز لتعويض الكمية المباعة، كما رأت -في تقريرها- أن العقوبات الغربية أدت إلى خفض السعر الذي يمكن أن تحصل عليه موسكو مقابل نفطها إلى النصف، ما أضر بميزانية الكرملين.
وتتوقع الصحيفة أنه بحلول عام 2024-2025 سيصل مزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى السوق العالمية، ما يؤدي إلى تقليل احتمال حدوث ارتفاعات شديدة في الأسعار، في حين أن الأسعار قد لا تتراجع إلى متوسط العقد الماضي، لكن المنحنى المستقبلي لم يعد يتوقع عودة الأسعار التي هددت بركود عميق وطويل الأمد في أوروبا.
ولا يشير أي من ذلك إلى قدرة أوروبا على تجاوز الأزمة، لكن وجهة نظر المحللين المترددة، ترى أن الخطر الصغير الوحيد على توازن الغاز بأوروبا -في الأشهر المقبلة- قد يتمثل في ارتفاع الطلب الصناعي، بينما لا تزال الالتزامات المتعهد بها لتوسيع الطاقة المتجددة وغيرها من مصادر توليد الطاقة النظيفة، بحاجة إلى التعجيل لإزالة الضعف الاستراتيجي الذي يستغله بوتين.
وأثنت الصحيفة على "النموذج الألماني" الذي كانت استجابته سريعة في التحرك وقت الأزمات، إذ أنشأ محطات عائمة للغاز الطبيعي المسال في غضون أشهر لفتح بدائل للغاز الروسي.
ورأت "فايننشال تايمز" أنه يجب تطبيق الحلول الآنية للمشكلات طويلة المدى، سواء باستخدام بدائل الرياح البحرية أم الهيدروجين أم الطاقة النووية، مع تسريع العملية طويلة الأجل لتقليل استخدام الغاز في التدفئة، وبينت أن هذه ستكون الطريقة الوحيدة لإعلان النصر في حرب الطاقة.