لماذا انتظر البيت الأبيض 68 يومًا للكشف عن وثائق بايدن؟

بعد تسريب وسائل إعلام معلومات عن هذه القضية، أقر البيت الأبيض بأنه عثر على ملفات تعود إلى الفترة التي كان فيها بايدن نائب الرئيس في عهد باراك أوباما.

لماذا انتظر البيت الأبيض 68 يومًا للكشف عن وثائق بايدن؟

ترجمات -السياق 

تساءلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن أسباب انتظار البيت الأبيض 68 يومًا للكشف عن الوثائق الخاصة بالرئيس جو بايدن، مشيرة إلى أن هناك اتجاهًا داخل وزارة العدل الأمريكية، بأنها "كانت بغير حُسن نية"، وهو ما قد يدين الرئيس الأمريكي.

وبعد تسريب وسائل إعلام معلومات عن هذه القضية، أقر البيت الأبيض بأنه عثر على ملفات تعود إلى الفترة التي كان فيها بايدن نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (2009-2017)، في أحد مكاتبه السابقة بواشنطن وبمنزله في ويلمينغتون بولاية ديلاوير، ما أثار جدلا كبيرًا، خصوصًا أن الإعلان جاء متزامنًا مع اتهامات لسلفه دونالد ترامب، بالعثور على وثائق شديدة الخصوصية داخل منزله بمارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا.

وجرى العثور على الوثائق لأول مرة في الثاني من نوفمبر 2023 بمركز "بين بايدن" للدبلوماسية والمشاركة الدولية، وبعد نحو ستة أسابيع، عُثر على وثائق أخرى بمنزل بايدن في ويلمينغتون بولاية ديلاوير.

وانتقد البيت الأبيض الجمهوريين، موضحًا أنهم يبدون "غضبًا مصطنعًا" في قضية الوثائق السرية التي عُثر عليها لدى بايدن، مؤكدًا أن الرئيس يتعاون مع الكونغرس فقط، في ما يخص الاستفسارات المبنية على "حُسن النية".

وأوضحت الصحيفة أن قرار بايدن وكبار مستشاريه، بإبقاء اكتشاف الوثائق السرية طي الكتمان، بعيدًا عن الجمهور وحتى عن معظم موظفي البيت الأبيض 68 يومًا، كان مدفوعًا بما تبين أنه أمل غير مجدٍ في إمكانية التخلص من الحادث بهدوء، من دون تداعيات أوسع على بايدن أو رئاسته.

وأشارت إلى أن حفنة من المستشارين الذين كانوا على علم بالاكتشاف الأولي في 2 نوفمبر 2022، قبل ستة أيام من انتخابات التجديد النصفي، راهنوا على أنه من دون إعلان ذلك، يمكنهم إقناع وزارة العدل بأن الأمر لم يكن أكثر من مجرد خطأ بسيط بحُسن نية، على عكس تخزين الرئيس السابق دونالد ترامب الوثائق في منزله بفلوريدا.

هدف فريق بايدن

ورغم التعتيم فإن نيويورك "تايمز" رأت أن استراتيجية بايدن تأثرت بشدة بقضية ترامب، وزادت الضغوط على البيت الأبيض لكشف مزيد عن القضية.

وأشارت إلى أن هدف فريق بايدن -وفقًا لما نقلته الصحيفة عن مطلعين على المداولات الداخلية، بشرط عدم كشف هويتهم- كسب ثقة محققي وزارة العدل، وإثبات أن الرئيس وفريقه يتعاونون. وبعبارة أخرى، تجنب أي تداعيات قانونية خطرة من خلال عكس الخطوات التي قام بها فريق ترمب القانوني.

وترى الصحيفة أن هذا الرهان بدا أنه قد أتى بنتائج عكسية على المدى القصير على الأقل، إذ إن صمت بايدن أثناء تعاونه مع المحققين لم يمنع تعيين محقق خاص، كما كان يأمل مساعدوه، لكنه أدى إلى ضجة عامة بمجرد أن أصبح من الواضح أن البيت الأبيض أخفى الموقف عن الجمهور أكثر من شهرين.

لكن مستشاري بايدن يأملون أن الثقة التي يعتقدون أنهم ولدوها مع المحققين، من خلال عدم التعاطي علنًا مع هذه المسألة، قد تؤتي ثمارها على المدى الطويل، من خلال إقناع المحقق الخاص بأنه لم يحدث شيء شائن.

ووضعت الصحيفة أسبابًا محتملة، دفعت إدارة بايدن إلى تفضيل الصمت، وعدم إخبار الرأي العام في نوفمبر الماضي، بأن وثائق مدرجة ضمن خانة السرية، عُثر عليها في مكتب سابق لبايدن بالعاصمة واشنطن.

الاحتمال الأول -حسب الصحيفة- ربما يكون خطأ عن "حُسن نية"، إذ ترى أن فريق بايدن رجح أن تمر القضية "مرور الكرام"، لأن الرئيس الحالي لم يحتفظ بالوثائق لغاية مبيتة، لذلك لم يسر في الاعتقاد، بأن الأمر سيثير هذه الحساسية، وبعد إعلان حرص محاميي بايدن على التعاون مع السلطات منذ اللحظة الأولى، ما يعني أنهم بادروا تلقائيًا إلى التواصل.

إلا أن القضية تركت أثرها على شعبية بايدن، الذي كان يستعد لجني ثمار عام كامل من الجهد، بإعلانه الترشح مجددًا لانتخابات الرئاسة المقبلة، إذ إن الكشف عن الوثائق أوقف هذه الخطط، فضلًا عن أنه أثار أيضًا تساؤلات عن قدرة فريقه على اجتياز هجمات الجمهوريين في الكابيتول هيل.

وبالفعل، حاول بايدن، خلال رحلة إلى كاليفورنيا لمتابعة أضرار العاصفة، الخميس الماضي، تجاهل أسئلة الصحفيين عما إذا كان يأسف لعدم الكشف عن العثور على مواد سرية.

وقلل بايدن من أهمية الضجة التي أثيرت بعد اكتشاف وثائق قديمة مصنفة سرية، مخزنة بشكل غير ملائم بين ممتلكاته الخاصة، قائلاً: "ليس ثمة شيء هناك".

وردًا على سؤال عن هذا الموضوع من أحد المراسلين خلال توجهه إلى كاليفورنيا، أجاب بايدن: "أعتقد أنكم ستكتشفون أنه ليس ثمة شيء هناك"، مضيفًا: "لا أشعر بأي ندم، أنا أطبق ما قال المحامون إنهم يريدون مني أن أفعل... هذا بالتحديد ما نفعله".

وقال: "نحن نتعاون، ونتطلع إلى حل هذه المشكلة بسرعة".

اتساع الكشف

وبينت "نيويورك تايمز" أن مناقشات كيفية التعامل مع هذه المسألة، على الأقل في البداية، اقتصرت على دائرة ضيقة، بما في ذلك بايدن وزوجته جيل، وبوب باور كبير المحامين الشخصيين للرئيس، وأنيتا دن كبيرة مستشاري البيت الأبيض، وستيوارت ديليري مستشار البيت الأبيض، وريتشارد ساوبر محامي البيت الأبيض، الذي يشرف على الاستجابة للتحقيقات، وفقًا لمطلعين على الوضع.

أمام ذلك، لم يعرف بقضية وثائق بايدن سوى عدد محدود للغاية من مسؤولي إدارة ترامب، ولهذا السبب، فإن المسؤولين عن التواصل في الإدارة الحالية بدوا عاجزين عن تقديم إجابات للصحفيين عندما حوصروا بالأسئلة.

لكن بمرور الوقت، اتسعت الدائرة بشكل طفيف، لكن بقيت المسألة عالقة، ولا يبدو أن فكرة إعلان الاكتشافات بشكل استباقي نُظر فيها بجدية.

ونفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، ما إذا كان الموظفون في البيت الأبيض قد شاركوا في صياغة "استراتيجية" بخصوص موعد الإفصاح عن وثائق بايدن السرية.

ومع ذلك، قال المسؤولون إنه لم يكن هناك أي تردد، عندما يتعلق الأمر بإبلاغ المسؤولين بسرعة في إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية، المسؤولة عن تأمين هذه الوثائق.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن محاميي بايدن حرصوا على التعاون مع السلطات المختصة منذ اللحظة الأولى، ما يعني أنهم بادروا تلقائيًا إلى التواصل، من دون نية لإتلاف الوثائق أو استغلالها على نحو لا يتيحه القانون.

وقال إيان سامز، المتحدث باسم مكتب مستشار البيت الأبيض: "نحن نتفهم أن هناك توترًا بين الحاجة إلى التعاون مع تحقيق وزارة العدل المستمر، والمطالب المشروعة للحصول على معلومات عامة إضافية، ولذا فإننا نحاول تحقيق هذا التوازن، وأن نكون واضحين قدر الإمكان".

وتتولى إدارة الأرشيف والوثائق الأمريكية حفظ السجلات والمراسلات الرسمية السرية، عندما يغادر المسؤولون مناصبهم، وينبغي أن تبقى في منشآت محروسة.

وربما ظن مستشارو بايدن أن عدم إخراج المسألة إلى العلن، سينجح في إقناع وزارة العدل الأمريكية بأن الأمر بسيط للغاية، وليس سوى خطأ مرتكب عن حُسن نية، لكن ذلك لم يحصل.

وأشارت إلى أن مستشاري بايدن استحضروا ما حصل للرئيس السابق، دونالد ترامب، بعدما عثر مكتب التحقيقات الفيدرالي على وثائق سرية في منزله الفاخر بمنطقة بالم بيتش في ولاية فلوريدا، العام الماضي.

فقد حاول فريق بايدن أن ينال ثقة وزارة العدل، من خلال الابتعاد عن نهج ترامب الذي دخل في صراع مع المؤسسات، وقيل إنه رفض إعادة الوثائق بشكل طوعي، فتعرض بيته لمداهمة وُصفت بالمهينة.

وبعبارة أخرى، أراد فريق بايدن عكس ما فعله فريق ترامب، الذي حوَّل اكتشاف احتفاظه بالوثائق إلى حديث عن "مؤامرة" حيكت ضده.

لكن إخفاء الأمر عن الرأي العام، أثار غضبًا واسعًا في الولايات المتحدة، وأشارت الصحيفة إلى أن التعاون الهادئ بين البيت الأبيض ووزارة العدل استمر أسابيع، حتى اللحظة التي أعلن فيها النائب العام ميريك غارلاند تعيين المحقق الخاص، روبرت هور، للتحقيق في المسألة، الأسبوع الماضي.

وتقول الصحيفة إن هذه التحركات كانت استراتيجية قانونية كلاسيكية من بايدن وكبار مساعديه، إذ تعاونوا مع المحققين على أمل عدم إعطائهم أي سبب للشك في سوء النية. 

لكنها كشفت عن تحدٍ مشترك للعاملين في "الجناح الغربي"، بأن النصيحة التي يقدمها محامو الرئيس غالباً لا تقدم أفضل استراتيجية للعلاقات العامة.

تعاون هادئ

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه منذ العثور على وثائق بايدن الخريف الماضي، ازدادت الاتصالات الخاصة بين البيت الأبيض ووزارة العدل.

وبينت أن هناك فرقًا بين التقدير القانوني من جهة، ومتطلبات التواصل مع الرأي العام من جهة أخرى، إذ ينصح المحامي بما يعتقد أنها الخطوة الأسلم قانونيًا، في حين يحرص المتحدثون على ما يخدم رجل السياسة أمام قاعدته وإزاء الرأي العام.

ففي حالة ترامب، مثلًا، كان حريصًا على التغريد في بعض القضايا الشائكة التي كانت تحاصره، بينما ظل المحامون ينصحونه بأن يبقي متاعبه أمام القضاء بعيدًا عن "تويتر" لأنه قد يضر بنفسه.

بينما راهن فريق بايدن على أن تكون قضية الوثائق سحابة صيف عابرة، لا سيما أن الرئيس الحالي بدا متعاونًا للغاية، بخلاف سابقه الذي حوَّل الأمر إلى صراع واتهامات وحديث عن مؤامرات تستهدفه.

فقد اعتقد مستشارو بايدن أن مجرد إعلان اكتشاف الوثائق من شأنه إحداث ضجة سياسية تجعل تعيين مستشار خاص أمرًا لا مفر منه، إذ استنتجوا أن اكتشاف المستندات بعد فترة طويلة من ترك المنصب لم يكن أمرًا غير معتاد، وطالما لم تكن هناك نية لانتهاك القواعد الخاصة بالأوراق السرية، جرى التعامل معه بشكل عام بلا تعارض، لذا فإن الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى الاتهام القانوني هو لفت انتباه الجمهور للقضية.

وثمة من يرى أنه في حال عدم توجيه اتهامات قضائية بعد التحقيق، فإن موقف فريق بايدن سيكون صائبًا، رغم الانتقادات التي توجَّه للرئيس الحالى، بينما يحاول الجمهوريون أن يستفيدوا من "القضية"، وقد باتوا يتمتعون بالأغلبية في مجلس النواب.

من جانبه، رفض البيت الأبيض أن يشرح لماذا استغرق الأمر ما يقرب من ستة أسابيع، بعد الاكتشاف الأولي للوثائق، لتفتيش منزل الرئيس في ويلمنجتون بولاية ديلاوير، إذ عُثر على دفعة ثانية في 20 ديسمبر.

ويشكك مسؤولو البيت الأبيض في التسريبات التي جعلت القضية علنية، معتقدين أنها كانت تهدف إلى دفع النتيجة ذاتها التي حدثت، لكنهم خلصوا أيضًا إلى أن الجمهور يرى بايدن وترامب بشكل مختلف تمامًا.

مع ذلك، قال مسؤولون حاليون وسابقون في البيت الأبيض، إن مساعدي بايدن ركزوا على إجراء هذه المقارنة، ولم يركزوا بما يكفي على ضمان الكشف عن الحقائق ذات الصلة دفعة واحدة.

وقال المستشارون إنه لم يكن هناك شعور بالإلحاح في البداية لتفتيش منازل ويلمنغتون وشاطئ ريهوبوث، لأن جهاز الخدمة السرية يحرسهما، وبذلك فإن أي وثائق حساسة هناك ستكون آمنة، حيث إنهم لم يعتقدوا أنهم سيعثرون على أي وثائق في أي من المكانين، وهو افتراض تبين أنه صحيح بشأن منزل الشاطئ وخاطئ بشأن منزل ويلمنغتون، حيث عُثر على أوراق في المرآب وفي غرفة مجاورة.

وترى الصحيفة أنه بالنسبة لمحاميي بايدن، فإن المقامرة لم تنته، حيث أدت استراتيجيتهم إلى حل القضية بلا توجيه تهم، لذلك يعتقدون أن الألم على المدى القصير يستحق كل هذا العناء.

في المقابل، فإنه بتعيين روبرت هور مسؤولًا عن ملف وثائق بايدن، يترك وزارة العدل بمظهر أكثر شفافية بشأن هذه المسألة من البيت الأبيض، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال آخر هو انتهاء الأمر بتوجيه الاتهام إلى بايدن، كما حدث مع ترامب.