ما أسباب إنهاء بوركينا فاسو الاتفاق العسكري مع فرنسا؟.. خبراء يجيبون
قال الباحث والأكاديمي الموريتاني، الدكتور بون ولد باهي، في تصريحات لـ -السياق-، إن النفوذ الفرنسي تراجع إفريقيًا، مشيرًا إلى مالي التي طردت السفير الفرنسي من قبل، ولم تعد ترحب بوجود باريس العسكري على أراضيها، لتليها بوركينا فاسو التي طالبت فرنسا بسحب قواتها من البلاد خلال شهر.

السياق
احتجاجات وإنهاء عمليات عسكرية ومطالبات بسحب الجنود، تنوعت مظاهر رفض دول إفريقية الوجود الفرنسي على أراضيها، بشكل قوَّض نفوذ باريس في مستعمراتها السابقة.
فمن إعلان فرنسا في نوفمبر الماضي، إنهاء عملية برخان بعد 8 أعوام من بدئها، لم تحقق الأهداف التي من أجلها انطلقت، مرورًا باندلاع تظاهرات في عدد من دول الساحل الإفريقي، رفضًا للوجود العسكري الفرنسي على أراضيها، إلى مطالبة بوركينا فاسو -قبل يومين- بإنهاء الاتفاق العسكري، الذي يتيح للقوات الفرنسية قتال المسلحين في البلاد، فشل ذريع صاحب العمليات العسكرية الفرنسية في مناطق نفوذها.
ورغم أن بوركينا فاسو زعمت أنها ترغب في تولي مسؤولية الدفاع عن نفسها، فإن قرارها يعد مؤشرًا على تدهور العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، منذ الانقلاب العسكري في سبتمبر 2022.
ويسود التوتر دول الساحل وغرب إفريقيا، لأن الوجود العسكري الفرنسي لم ينتج عنه تحسن للوضع الأمني، بل إن جماعات إرهابية تسللت إلى المدنيين، بعمليات عنف.
كانت بوركينا فاسو وفرنسا أبرمتا اتفاقًا عسكريًا، عام 2018، سمح بوجود القوات الفرنسية، إلا أن البلد الإفريقي أمهل باريس شهرًا لسحب قواتها، وسط احتجاجات مؤيدة للقرار، رفع خلالها المتظاهرون شعارات مناهضة لفرنسا، ولافتات تطالب الجيش الفرنسي بمغادرة البلاد.
ولدى فرنسا نحو 400 من القوات الخاصة المتمركزة في البلاد، لمساعدة القوات المحلية في محاربة التمرد الإسلامي، الذي بدأ في مالي ثم انتشر في منطقة الساحل، العقد الماضي.
نفوذ روسي
ذلك النفوذ الفرنسي الذي بدأ يتقلص، كان يقابله مزيد من الوجود العسكري الروسي في هذه المنطقة، عبر ذراعها قوات فاغنر، لسببين، أولهما الاحتجاجات الشعبية المنددة لفرنسا، والآخر الانقلاب الثاني الذى شهدته بوركينافاسو في سبتمبر الماضي.
إلى ذلك، قال الباحث والمحلل السياسي الموريتاني حنانى ولد حناني، في تصريحات لـ«السياق»، إن الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء تجاوز محاربة الإرهاب إلى التدخل في سياسات الدول، ودعم قوى سياسية ضد أخرى.
واستدل المحلل السياسي على رؤيته بقوله، إن فرنسا دعمت الحركة الوطنية لتحرير أزواد الانفصالية شمالي مالي، بشكل غير مباشر، رغم أن وجودها كان لمحاربة الإرهاب، مشيرًا إلى أن التدخلات السياسية قوَّضت وأفشلت دور القوات الفرنسية في كبح جماح الحركات الإرهابية في المنطقة، ودفعها إلى الانسحاب منها.
وعلى أساس تلك النظرية، رأت بوركينا فاسو أن الوجود الفرنسي المقدر بـ400 عسكري، لم ينجح في مواجهة الإرهاب، لتدخله في العملية السياسية، فتزايدت الهجمات المسلحة ضد الجيش الوطني، وباتت قرابة 20% من أراضي البلاد تحت سيطرة الحركات الإرهابية مثل «داعش» الممتد من شمالي النيجر حتى أجزاء من ساحل العاج، وجماعة أنصار الإسلام وحركة مآسينا، التي تتأثر بوركينا فاسو بضرباتها بشكل ممنهج، بحسب المحلل السياسي الموريتاني.
وقال حناني إن عملية برخان الفرنسية التي بدأت منذ 2014، نجحت نسبيًا، لكنها تراجعت بعد انحرافها عن مسارها العسكري، متوقعًا أن تطلب فرنسا من موريتانيا -بشكل غير معلن- التواصل مع حكومة بوركينا فاسو لتهدئة الأوضاع.
"فاغنر" في المشهد
في السياق نفسه، قالت خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أميرة محمد عبدالحليم، إن طلب بوركينافاسو خروج القوات الفرنسية استكمال للفشل الفرنسي في الساحل، وبداية لمزيد من النفوذ الروسي في هذه المنطقة، عبر قوات فاغنر، رغم اختلاف ميزان القوة بينها وبين القوات الفرنسية العسكرية النظامية.
وأوضحت خبيرة الشؤون الإفريقية، في تصريحات لـ«السياق»، أن انقلاب سبتمبر الماضي في بوركينافاسو، عزز الحضور الروسي في البلاد، خاصة في ظل تصاعد العداء الشعبي لفرنسا.
ورغم ذلك، فإنها قالت إن تصنيف أمريكا «فاغنر» منظمة إرهابية، قد يضع دول المنطقة تحت مقصلة العقوبات الأمريكية، مشيرة إلى أن واشنطن قد تتجاوز لكنها ستصبح ورقة يمكن استخدامها للضغط على دول الساحل والصحراء.
بدوره، قال الباحث والأكاديمي الموريتاني، الدكتور بون ولد باهي، في تصريحات لـ«السياق»، إن النفوذ الفرنسي تراجع إفريقيًا، مشيرًا إلى مالي التي طردت السفير الفرنسي، ولم تعد ترحب بوجود باريس العسكري على أراضيها، لتليها بوركينا فاسو التي طالبت فرنسا بسحب قواتها من البلاد خلال شهر.
وأوضح أن التهم التي توجه لفرنسا، والتي تتمثل في زعزعة الأوضاع الداخلية لدول المنطقة، تعبِّـر عن فشل مهمة قوات برخان في التصدي للإرهاب.
ورغم انطلاق عملية برخان، التي تقودها فرنسا منذ أعوام لمواجهة الجماعات المتطرفة في المنطقة، فإنه يبدو أن هناك دولًا تراجعت ثقتها بفرنسا، ما أثر في نتائجها، بحسب الأكاديمي الموريتاني.
من جانبه، قال الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد عسكر، في تصريحات لـ«السياق»، إن عملية «برخان» فشلت في محاربة الإرهاب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
وأوضح عسكر، أن هذا الفشل الفرنسي أدى إلى خروج عديد من التظاهرات في بعض الدول الإفريقية، للمطالبة بطرد قواته، والاعتماد على روسيا.
لكن هل انتهى الوجود الفرنسي في إفريقيا؟
رغم أن روسيا حلت بديلة للقوات الفرنسية، في بعض دول الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، فإن باريس استطاعت الالتفاف على هذا الإخفاق بتكتيك «إعادة نشر القوات» في المنطقة، وتحديدًا في النيجر، بالتزامن مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سياسة جديدة لبلاده في المنطقة، خلال الأشهر المقبلة، بحسب الباحث في مركز الأهرام.
وأكد عسكر، أن باريس تحاول إعادة تقديم نفسها، واستعادة بعض النفوذ الذي فقدته في السنوات الماضية، بإعادة استقطاب دول المنطقة للمعسكر الفرنسي بعيدًا عن روسيا.
هل الدول الإفريقية قادرة على دحر داعش؟
يقول عسكر إنه لا توجد استراتيجية واضحة لدول المنطقة لمواجهة الإرهاب، مشيرًا إلى أن هناك كيانات إقليمية مثل G5 التي دشنت عام 2005، لكنها ليست غير فعالة.
وأوضح الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن اعتماد دول المنطقة على العامل الدولي المثل في فرنسا والاتحاد الأوروبي لمحاربة الإرهاب، يعد أحد أبرز أسباب عدم وجود استراتيجية إقليمية في هذا الصدد، إضافة إلى ضعف الجيوش والتنسيق الأمني الاستخباراتي بين دول المنطقة، التي ستظل مضطربة خلال السنوات المقبلة، حتى إعادة تأهيل قواتها.
من جهة أخرى، قال الدكتور بون ولد باهي، الباحث والأكاديمي الموريتاني، إن التطورات الأخيرة خصوصًا بعد انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل G5 والموقف الأخير لبوركينافاسو من فرنسا، فضلاً عن التنافس الدولي للقوى الكبرى، سيدفع دول المنطقة لبلورة آليات جديدة لمواجهة التحديات.
واستدل على رؤيته بدعوة دول مجموعة الساحل إلى ضرورة عقد قمة على مستوى الرؤساء، لبحث مواجهة التحديات الأمنية بشكل يقلل من الاعتماد على الدعم الدولي.
ماذا عن داعش؟
خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أميرة محمد عبدالحليم، قالت إن استراتيجية دول الساحل والصحراء لمواجهة الإرهاب وتحديدًا داعش، مرهونة بتطوير قدرات جيوش المنطقة الـ5، وبدعم قوات فاغنر الروسية لها.
وعن تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء بينها «داعش»، قالت إن تصاعد نفوذ تلك الجماعات، تزامن مع نشوب صراع بين تنظيم القاعدة ممثلًا في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، و«داعش» ممثلًا في ولاية الصحراء الكبرى.
وأشارت إلى أن جماعة نصرة الإسلام التابعة للقاعدة، نجحت في الاستيلاء على مناطق كانت تسيطر عليها داعش شمالي مالي، ما يعنى أن هناك تراجعًا في سيطرة الأخير المكانية، ما قد يؤدي إلى التعجيل بإعلان «داعش» دولتها المزعومة لإثبات حضوره واستمرار قدرته على الوجود، أو تقهقره والبحث عن مناطق جديدة للسيطرة عليها في الإقليم.