وثائق بايدن... هل تنقذ ترامب من المساءلة؟
رغم اختلاف حالتي بايدن وترامب بشكل ملحوظ في تفاصيلهما -إذ إنه بينما تعاون بايدن مع السلطات ودعاها لتفتيش منزله، تحدى ترامب الجهود المبذولة لاستعادة الوثائق حتى بعد استدعائه.

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن إمكانية أن تنقذ الوثائق المسربة، التي وُجدت بمنزل الرئيس الأمريكي جو بايدن، سلفه دونالد ترامب من المساءلة القانونية، مشيرة إلى أنه رغم اختلاف الحالتين بشكل ملحوظ في تفاصيلهما، فإنهما متشابتهان لدرجة أنه من الناحية العملية، سيجد الديمقراطيون صعوبة في استخدام القضية ضد الرئيس السابق، لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولتصوير المشهد القائم، لخصت الصحيفة واقعة العثور على وثائق بمنزل بايدن، بالقول: "أعضاء مكتب التحقيقات الفدرالي يفتشون منزل الرئيس بايدن الخاص، ثم يمسك الجمهوريون بطرف الخيط لمهاجمته، بينما يتردد الديمقراطيون في الدفاع عنه، وسريعًا يعين محامون بعد استدعاء الشهود للاستجواب، بينما في الوقت ذاته تتعرض المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، لسيل من الأسئلة التي لا يمكنها الإجابة عنها".
لكن "وسط الموسيقى التصويرية المألوفة للفضيحة في واشنطن، قد تكون تكلفة الفرصة البديلة هي الأكثر أهمية للرئيس"، موضحة أنه حتى لو لم ينتهِ تحقيق المستشار الخاص الجديد إلى أن فريق بايدن أساء التعامل مع المستندات السرية، فقد سمح كشف الوثائق -سياسيًا- بشكل فعّال للرئيس السابق دونالد ترامب بالخروج من مأزق تخزين الأوراق السرية.
كان فريق بايدن حاول أن ينال ثقة وزارة العدل، من خلال الابتعاد عن نهج ترامب، الذي دخل في صراع مع المؤسسات، وقيل إنه رفض إعادة الوثائق بشكل طوعي، فتعرض بيته لمداهمة وُصفت بالمهينة، لكن إخفاء الأمر عن الرأي العام أثار غضبًا في الولايات المتحدة، ما اضطر النائب العام ميريك غارلاند إلى تعيين المحقق الخاص، روبرت هور، للتحقيق في المسألة الأسبوع الماضي.
تشابه الحالتين
وبينت "نيويورك تايمز" أنه رغم اختلاف حالتي بايدن وترامب بشكل ملحوظ في تفاصيلهما -إذ إنه بينما تعاون بايدن مع السلطات ودعاها لتفتيش منزله، تحدى ترامب الجهود المبذولة لاستعادة الوثائق حتى بعد استدعائه، ما دفع القاضي إلى إصدار أمر تفتيش لمنزله- فإنهما متشابهتان بدرجة كافية، لدرجة أنه من الناحية العملية لم يعد بإمكان الديمقراطيين استخدام القضية ضد ترامب سياسيًا، وقد يواجه المحققون صعوبة أكبر في مقاضاته جنائيًا.
ونقلت الصحيفة عن ديفيد أكسلرود، أحد كبار المستشارين السابقين للرئيس باراك أوباما، قوله: "أتوقع أن تنتهي قضية بايدن كواحد من الأخطاء غير المقصودة، وأن سببها الإهمال وليس التحدي المتعمد للقواعد أو القانون، بينما قضية ترامب مختلفة كثيرًا وأكثر إثارة للج،دل لذلك ستختلف نهايتها نوعًا ما"، منوهًا إلى أن الرأي العام الأمريكي سيأخذ وقتًا حتى تتضح أمامه كل الحقائق.
وأشار إلى أن قضية بايدن ستكون أكثر ضبابية، إذا أسفرت المعلومات الإضافية عن مزيد من المعلومات الضارة، لافتًا إلى أن الحلفاء الديمقراطيون يشعرون بالإحباط بشكل متزايد من البيت الأبيض، الذي أخفى اكتشاف وثائق سرية عن الجمهور لمدة شهرين، وحتى بمجرد الإبلاغ عنها، قدم معلومات جزئية فقط، ثم أعلن اكتمال البحث فقط للحصول على مزيد من الأوراق.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن الاكتشاف الأخير بوجود وثائق سرية في منزل نائب الرئيس السابق مايك بنس بولاية إنديانا، قد يغذي التصور العام بأن جميع المسؤولين يحتفظون بأوراق سرية في منازلهم.
فقد أفادت شبكة سي إن إن الأمريكية، الثلاثاء، بأن بنس طلب من محامٍ النظر في الملفات بدافع من الحذر الشديد، لافتة إلى أنه بمجرد العثور على الأوراق، سُلمت على الفور إلى السلطات.
ورأت "نيويورك تايمز" أن أحدًا لم يكن أكثر سعادة بمثل هذه الاكتشافات، من ترامب، الذي استخدمها كما هو متوقع لصرف الانتباه عن سوء تعامله مع الوثائق، واتهام الديمقراطيين والحكومة باستهدافه بدافع العداء الحزبي.
ففي تجمع لجمع الأموال لحزبه، الثلاثاء، قال لمؤيديه إنه "يتعرض للاضطهاد" من قِبل مدعٍ عامٍ خاص "مختل عقليًا" بينما بايدن يتلقى معاملة خاصة.
وأضاف: "بايدن كذب على الشعب الأمريكي وسلح وزارة العدل -أو كما أسميها، وزارة الظلم- لملاحقتي على الجريمة ذاتها التي ارتكبها بالفعل".
وتابع: "الاختلاف أنه بينما فعلت كل شيء بشكل صحيح -لم أفعل شيئًا خاطئًا - ارتكب بايدن كل شيء بشكل خاطئ".
وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت نفسه، سارع الجمهوريون الذين كانوا غير مرتاحين للأسئلة عن الرئيس السابق بشأن الوثائق، إلى الادعاء بأن سلوك بايدن كان أسوأ من سلوك ترامب.
وقالت النائبة نانسي ميس، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، لقناة إن بي سي، الأحد الماضي: "إنهما متشابهان للغاية لكن هناك بعض الاختلافات"، مضيفة: "إنهما متشابهان في أن كليهما أخذ عن طريق الخطأ معلومات سرية من الأرشيف الوطني ومنشآت آمنة، لكن الفرق أنه منذ أن ترك بايدن منصبه قبل ست سنوات أخفيت هذه الوثائق، ولم يعرف عنها أحد شيئًا".
آراء الأمريكيين
وفي ما يخص الشارع الأمريكي، أشار استطلاع جديد للرأي إلى أن معظم الأمريكيين يعتقدون أن كلاً من ترامب وبايدن فعل شيئًا خاطئًا، إذ قال سبعة وسبعون في المئة ممن شملهم الاستطلاع الذي أجراه (إيه بي سي نيوز وآبسوس) إن ترامب تصرف بشكل غير لائق في التعامل مع الوثائق السرية، بينما أشار 64% إلى أن بايدن فعل ذلك.
لكن يُحدث عديد من الأمريكيين فرقًا بشأن درجة الجريمة، إذ قال 43 في المئة إن سلوك ترامب كان "مصدر قلق أكثر خطورة"، مقارنة بـ 20 في المئة ممن قالوا إن سلوك بايدن أكثر خطرًا، لكن 30 في المئة وجدوا أنهم على القدر نفسه من الخطورة.
كان المدعي العام ميريك ب.غارلاند قد عيّن مستشارين خاصين منفصلين للتحقيق في قضيتي ترامب وبايدن، في محاولة لعزلهما عن بعضهما، من الناحية النظرية على الأقل، سياسيًا.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن تسمية مستشار خاص لكل منهما يوحي ببعض التوازي في ما يتعلق بالرسائل العامة.
ومن المقرر أن يواصل غارلاند سعيه لاتخاذ القرار النهائي بشأن ما يجب فعله في الحالتين، وقد يضطر لتبرير قراره النهائي، إذا كان سيصدر اتهامات في واحدة من دون الأخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأمر سيزداد تعقيدًا، لأن سياسة وزارة العدل الموضوعة، في ظل الإدارات السابقة، تنص على أنه لا يمكن توجيه الاتهام إلى رئيس حالي، حتى لو كان هناك دليل على ارتكاب مخالفات جنائية.
وترى الصحيفة أن غارلاند - قاضي الاستئناف الفيدرالي السابق الذي وصل إلى منصبه الحالي بدعم من الحزبين في ما يتعلق بالاستقلالية والإنصاف- يجد نفسه مضطرًا إلى الظهور بموقف النزيه، وأنه يمكنه الرد على الاستفسارات بشكل متساوٍ، رغم أن أحدهما يتضمن رئيسه والآخر هو الرجل الذي يركض ضد رئيسه في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
وصرح غارلاند للصحفيين هذا الأسبوع بأن "دور وزارة العدل تطبيق الحقائق والقانون والتوصل إلى قرارات مناسبة بطريقة غير حزبية ومحايدة"، مضيفًا: "هذا ما فعلناه في كل هذه الحالات".
هذا، على الأقل، هو ما يأمله محامو بايدن، إذ يتمثل جوهر استراتيجيتهم القانونية في توضيح أنهم يفعلون عكس ما فعله محامو ترامب، خصوصًا أنهم اتصلوا على الفور بالسلطات بعد العثور على الوثائق، وتعاونوا بشكل جيد في ما يخص تسليم الوثائق الموجودة، أو في عملية البحث عن وثائق أخرى شاردة هنا أو هناك.
ولكن في ما يتعلق بالفصل القانوني، فإن حقيقة أن بايدن يدافع عن نفسه بشأن تعامله مع الوثائق من الناحية النظرية، ليس له تأثير مباشر على ما إذا كان ينبغي توجيه الاتهام إلى ترامب عن أفعاله، لكن في الواقع، فإن المدعين العامين يتعاملون بحساسية مفرطة تجاه أي شيء يخص الرأي العام.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن هذه الحساسية المفرطة هي التي دفعت غارلاند إلى تعيين مستشارين خاصين للتعامل مع كل من التحقيقين على حدة، رغم تأكيده أن الوزارة كانت تستطيع إدارة التحقيقات في الملفين بشكل عادل.
وفي ذلك، يقول أندرو وايزمان، الذي كان النائب الأعلى للمستشار الخاص روبرت س.مولر الثالث أثناء التحقيق بالتدخل الروسي في حملة 2016 نيابةً عن ترامب، إن التصور العام ينبغي ألا يكون له تأثير في ما إذا كان ينبغي رفع قضية ضد الرئيس السابق.
وأضاف: "وضع الفروق الواقعية ذات الصلة مهمة أساسية لوزارة العدل، لكن لا يمكنك إنكار أهميتها كمسألة سياسية، إذ سيكون القبول العلني (الرأي العام) بشرعية رفع أول قضية جنائية ضد رئيس أمريكي سابق أمرًا بالغ الأهمية".
بينما قال ستانلي م.براند، وهو محامٍ بارز في واشنطن وعمل محاميًا عامًا في مجلس النواب، إن الفريق القانوني لترامب يمكن أن يسعى للطعن في الملاحقة القضائية، من خلال الادعاء بالتحيز السياسي.
وأضاف براند أن هناك أيضًا قضية الملاحقة الانتقائية، أي التعامل مع حالات مماثلة بشكل مختلف، بناءً على تصنيف أو معايير مشبوهة، في إشارة إلى غارلاند، متابعًا: "أود أن أزعم أنه بصفته معينًا من قِبل الرئيس بايدن، فهو يعيش في صراع دائم، وهو نزاع لا يمكن حله عن طريق تعيين مستشار خاص، لأنه بموجب لائحة وزارة العدل، فإنه يحتفظ بالمسؤولية النهائية".
وحسب الصحيفة، لم تعد هذه قصة مباشرة لرئيس سابق يبدو أنه أخذ عن قصد مئات الوثائق، التي لم يكن له الحق في أن يأخذها، سواء رفعت السرية عنها أم لا، ثم رفضه أكثر من عام إعادتها، حتى عندما أمر بذلك القاضي، وإنما فصل جديد في "الماذاعنية" التي استخدمها ترامب وحلفاؤه مرارًا وتكرارًا لتبرير أفعاله أو الدفاع عنها.
و"الماذاعنّية" أحد أنواع المغالطة الصورية، التوسل بالنفاق، التي تحاول التشكيك في موقف الخصم، من خلال اتهامه بالنفاق من دون دحض حجته.
وفي ذلك، يقول تيم ميلر، وهو استراتيجي جمهوري قديم أصبح من أبرز منتقدي الرئيس السابق، إن هناك "تناقضًا صارخًا" بين طريقة تعامل ترامب مع مسألة الوثائق السرية وكيفية تعامل بايدن.
لكنه قال إنه من الناحية السياسية، فإن الأمر يصب في مصلحة ترامب، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق لديه القدرة على "الصيد في الماء العكر"، وتشكيل تكافؤات زائفة بين سلوكه غير القانوني والأخطاء التي يرتكبها الآخرون.