السيسي في الهند.. ما أهمية الزيارة للقاهرة ونيودلهي؟
الدعوة الموجهة لأي مسؤول لأن يكون الضيف الرئيس ليوم الجمهورية، تعد أمرًا رمزيًا للغاية، من وِجهة نظر الحكومة الهندية.

السياق
75 عامًا خلت على العلاقات المصرية الهندية، مرت خلالها بمراحل ازدهار وأخرى لم تكن على المستوى المأمول، إلا أنها استطاعت الصمود أمام التحديات والعوائق التي وقفت في طريق استمرارها.
فمنذ الإعلان المشترك عن إقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين في 18 أغسطس 1947، تشترك الهند ومصر في تفاهم سياسي وثيق، على أساس تاريخ طويل من التعاون في القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية.
تلك المفاهيم المشتركة، كانت ممهورة بتوقيع أول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو، والرئيس المصري جمال عبدالناصر معاهدة الصداقة بين البلدين، التي كانت أساسًا في تشكيل حركة عدم الانحياز مع الرئيس اليوغوسلافي جوزيب بروز تيتو.
وبعد 75 عامًا من أزمات أعاقت جريان الماء في «نهرو ناصر»، وآمال أنعشت التفاهمات بين البلدين، بات عبدالفتاح السيسي أول رئيس مصري يتلقى دعوة، ليكون الضيف الرئيس لاحتفالات يوم الجمهورية هذا العام، في حدث وُصف بـ«الفريد» والمتميز.
وصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي -مساء الثلاثاء- إلى العاصمة نيودلهي، للمشاركة كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، بينما استقبله، الأربعاء، رئيسة جمهورية الهند ورئيس الوزراء الهندي بساحة القصر الرئاسي الهندي.
وفي كلمة للسيسي، الأربعاء، أمام الصحفين بالقصر الرئاسي الهند، هنأ الرئيس المصري، الهند بمُناسبة الاحتفال بـ«يوم الجمهورية»، مشيرًا إلى أن زيارته إلى نيودلهي تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية طفرة مشهودة في كل أوجه التعاون.
وأكد الرئيس المصري، أن علاقات البلدين تُمثل فرصة مُهمة لاستمرار التشاور وتبادل الرؤى في سُبُل الارتقاء بالتعاون بين بلدينا على كل الأصعدة، وكذا تنسيق المواقف في القضايا الإقليمية والعالمية ذات التأثير المُباشر على «أمننا» القومي.
وأشار السيسي إلى أن بلاده والهند تتطلعان لتحقيق أهداف مُشتركة في مُختلف المجالات، استنادًا إلى الروابط التاريخية والإمكانات التي تتمتع بها الدولتان، وكذا عزم البلدين على الارتقاء بعلاقاتهما الثنائية، إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية والتنسيق المُتبادل، في مُختلف القضايا والموضوعات محل اهتمام الطرفين.
وفي لقائه وزير خارجية الهند سوبرامنيام جايشانكر، بمجمع القصر الرئاسي الهندي بنيودلهي، أكد السيسي حرص بلاده على تدعيم وتعميق الشراكة الاستراتيجية الممتدة مع الهند، التي تمثل ركيزة مهمة للحفاظ على الأمن والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.
وأعرب عن تطلعه لتعظيم التنسيق والتشاور مع الجانب الهندي خلال الفترة المقبلة في مختلف الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
بدوره، رحب وزير الخارجية الهند بزيارة السيسي إلى نيودلهي، مؤكداً أنها ستسهم في دعم مسيرة العلاقات بين البلدين على نحو بناء وإيجابي، في ظل التزام الحكومة الهندية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر فى مختلف المجالات، خاصة على المستويين الاقتصادي والاستثماري، وكذلك التعاون الأمنى والعسكري.
أهمية حضور الاحتفالات
تقول صحيفة ذا إنديان إكسبريس، إن الدعوة الموجهة لأي مسؤول لأن يكون الضيف الرئيس ليوم الجمهورية، تعد أمرًا رمزيًا للغاية، من وِجهة نظر الحكومة الهندية، مشيرة إلى أن نيودلهي كانت تنسج -طوال الأعوام الماضية- استراتيجيتها التي على أساسها يُختار الضيف الرئيس كل عام، عبر عدد من العوامل الدبلوماسية، والمصالح التجارية، والسياسة الجغرافية الدولية.
تاريخ العلاقات
تشترك الهند ومصر في تفاهم سياسي وثيق، على أساس تاريخ طويل من التعاون في القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، منذ الإعلان المشترك عن إقامة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء في 18 أغسطس 1947.
ومنذ الثمانينيات، كانت هناك أربع زيارات لرئيس الوزراء من الهند إلى مصر: راجيف غاندي (1985)، بي في ناراسيمها راو (1995)، IK Gujral (1997)، والدكتور مانموهان سينغ (2009).
ومن الجانب المصري، زار الرئيس حسني مبارك الهند عام 1982، وعام 1983 (قمة حركة عدم الانحياز)، ومرة ثالثة عام 2008.
واستمرت الزيارات رفيعة المستوى مع مصر بعد أحداث 2011، ثم زار الرئيس الراحل محمد مرسي الهند في مارس 2013.
وزار وزير الشؤون الخارجية الهندي القاهرة في مارس 2012، بينما زار وزير الخارجية المصري الهند في ديسمبر 2013.
وبعد تولي الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس السيسي زمام الأمور في يونيو 2014، زارت سوشما سواراج القاهرة في أغسطس 2015، بينما التقى رئيس الوزراء مودي الرئيس السيسي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في سبتمبر 2015، بينما التقى براناب موخيرجي ورئيس الوزراء مودي السيسي، خلال قمة منتدى الهند وإفريقيا الثالثة بنيودلهي في أكتوبر 2015.
وزار الرئيس السيسي الهند في سبتمبر 2016، بينما صدر بيان مشترك يحدد الركائز الثلاث للتعاون السياسي والأمني والمشاركة الاقتصادية والتعاون العلمي والعلاقات الثقافية والشعبية، كأساس لشراكة جديدة من أجل عهد جديد.
آخر محطات التعاون
رئيس الوزراء مودي أجرى محادثة هاتفية مع السيسي في 17 أبريل 2020، لمناقشة الجهود المبذولة لوقف انتشار كورونا، ومرة أخرى في 26 أبريل 2020 لتبادل التهاني بعيد الفطر.
وأعرب رئيس الوزراء عن تقديره للدعم الذي قدمته السلطات المصرية لسلامة ورفاهية الهنود في مصر خلال أزمة كورونا.
وأعرب الرئيس السيسي عن تعاطفه وتضامنه مع الهند، خلال الموجة الثانية من جائحة كورونا، في 30 أبريل 2021، بينما أرسلت مصر ثلاث طائرات مزودة بإمدادات طبية إلى الهند في 9 مايو 2021، إضافة إلى ذلك، وقَّعت سفارة الهند أيضًا اتفاقية لشراء 300000 جرعة من ريمديسيفير، التي جرى توفيرها قبل الموعد المحدد بوقت طويل.
العلاقات التجارية
طالما كانت مصر أحد أهم شركاء الهند التجاريين في القارة الإفريقية، فاتفاقية التجارة الثنائية بين الهند ومصر دخلت حيز التنفيذ منذ مارس 1978 وتستند إلى بند الدولة الأولى بالرعاية.
وزادت التجارة الثنائية أكثر من خمس مرات في السنوات العشر الماضية، وفي 2018-2019، وصلت إلى 4.55 مليار دولار.
ورغم جائحة كورونا، فإن حجم التجارة انخفض بشكل هامشي فقط إلى 4.5 مليار دولار في 2019-2020 وإلى 4.15 مليار دولار في 2020-2021.
وتوسعت التجارة الثنائية بسرعة في 2021-2022، لتقفز إلى 7.26 مليار، بزيادة 75% عن السنة المالية 2020-2021.
مجالات تعاون
قال المسؤولون إن البلدين سيبحثان قضايا عدة، وستكون الزراعة أحد المجالات الرئيسة للتعاون.
وتقول صحيفة ذا إنديان إكسبريس، إن مصر التي تواجه نقصًا في الحبوب الغذائية، لأنها كانت تستورد من أوكرانيا وروسيا، تريد شراء القمح من الهند، مشيرة إلى أنها سمحت في مايو الماضي، بتصدير القمح لمصر، رغم أنها فرضت حظراً على بيع القمح.
وبينما تواجه مصر أزمة اقتصادية، بسبب احتياطات النقد الأجنبي المستنفدة، تتطلع الهند إلى زيادة الاستثمارات في القاهرة، لا سيما في مشاريع البنية التحتية في قناة السويس وحولها، من المناطق الاقتصادية الخاصة في الإسكندرية والقاهرة.
وأشارت الصحيفة الهندية، إلى أن مصر تحرص على جلب المزيد من السياحة من الهند، وتسهيل حركة الناس بحيث يكون هناك مزيد من تدفق العملات الأجنبية إلى اقتصادها المعتمد على السياحة.
ونظرًا لكون السيسي قائدًا سابقًا للجيش، فإن مصر مهتمة بشراء معدات دفاعية من الهند، تشمل مقاتلة تيجاس هال خفيفة الوزن متعددة المهام، إضافة إلى صواريخ مثل «أكاش»، وسلاح DRDO الذكي المضاد للطائرات وسلاحًا طويل المدى، ورادارات.
وبحسب الصحيفة الهندية، فإن تلك الصفقات ستكون جزءًا من التعاون في صناعة الدفاع بين البلدين، التي كانت هناك مؤشرات على الطريق إليها، آخرها زيارة وزير الدفاع راجناث سينغ إلى القاهرة العام الماضي، وتوقيع اتفاقية دفاع، إضافة إلى دعوة مصر للمشاركة في معرض الدفاع الهندي Aero-India 2023 في بنغالورو، ومشاركة فرقة عسكرية من الجيش المصري في عرض يوم الجمهورية.
وتقول صحيفة ذا هندوستان تايمز، إنه من المتوقع أن يوقِّع الجانبان اتفاقيات لتعزيز التعاون، في مجالات مثل الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات، خلال اجتماع السيسي مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وبحسب "ذا هندوستان تايمز"، فإن شركة هندوستان للملاحة الجوية المحدودة على اتصال بالجانب المصري، بينما وزارة الدفاع الهندية منفتحة على مشاركة التكنولوجيا مع مصر.
وأشارت إلى أن الجانبين عززا التدريبات المشتركة وزيارات السفن، ووقَّعا مذكرة تفاهم للتعاون، خلال زيارة وزير الدفاع راجناث سينغ الأخيرة إلى القاهرة، مؤكدة أن القاهرة دعت الهند إلى تمرين النجم الساطع الذي أجري بمصر، في سبتمبر الماضي.
وينظر البلدان أيضًا في قطاع التعليم، حيث يمكن لمؤسسات التعليم العالي الهندية إنشاء جامعات في مصر، بحسب الصحيفة الهندية التي قالت إن هناك اقتراحًا لإنشاء معهد IIT في مصر.
مغزى زيارة السيسي
تعد دعوة الرئيس المصري مهمة، خاصة عند اختبار علاقات الهند بالدول ذات الأغلبية المسلمة، بسبب التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا نوبور شارما في يونيو من العام الماضي.
وتقول «ذا إنديان إكسبريس»، إن كون مصر من الدول العربية القليلة، التي لم تتفاعل رسميًا مع التصريحات، لم يغب عن ذهن نيودلهي، رغم أن كبار رجال الدين -المفتي العام لمصر وجامعة الأزهر- أدانوا تلك التصريحات.
لكن نيودلهي تنظر إلى مصر على أنها صوت إسلامي معتدل، حاولت على مر السنين أن تلعب دورًا دقيقًا وإيجابيًا في منظمة التعاون الإسلامي المكونة من 57 دولة.
وبحسب الصحيفة، فإن هناك أسبابًا لدعوة الهند للسيسي للاحتفال بيوم الجمهورية، منها موقع مصر الجغرافي الاستراتيجي، ودورها كلاعب رئيس في سياسات العرب وإفريقيا، وقدرتها على أن تكون بوابة للأسواق الكبيرة، في أوروبا وإفريقيا بفضل اتفاقيات التجارة الحرة.
وأشارت إلى أن هناك ما يقرب من 12% من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس، مؤكدة أن التجارة بين الهند ومصر بلغت أعلى مستوى لها بـ7.2 مليار دولار خلال 2021-2022، بزيادة قدرها 75%.
وبلغت الصادرات الهندية خلال هذه الفترة 3.74 مليار دولار، بزيادة قدرها 64%، بينما وضع الجانبان هدفًا لرفع التجارة الثنائية إلى 12 مليار دولار في خمس سنوات، وستكون مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر المقدرة بـ 18 مليار دولار، أحد هذه الروافد.