أهوال الحرب... دعاء السفر وأحلام محطمة في مطار سوداني

يسعى مدنيون، بعد ما يقرب من شهر على اندلاع النزاع، إلى الفرار في طائرات وسفن، حاملين أغراضًا محدودة، تاركين وراءهم منازل وأقرباء وأحلامًا قضت عليها المعارك.

أهوال الحرب... دعاء السفر وأحلام محطمة في مطار سوداني

السياق

يقف عشرات المدنيين السودانيين المرهقين، في صف طويل، بالقرب من إحدى بوابات الصعود في مطار بورتسودان، وأمامهم لافتة كبيرة على جدار طُبع عليها دعاء السفر.

بعد أيام قضوها على الطريق، هربًا من المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، يتلو كثيرون منهم الدعاء بهدوء، أملًا بمغادرة بلدهم الغارق في الحرب.

ويسعى مدنيون، بعد ما يقرب من شهر على اندلاع النزاع، إلى الفرار في طائرات وسفن، حاملين أغراضًا محدودة، تاركين وراءهم منازل وأقرباء وأحلامًا قضت عليها المعارك.

بالنسبة لأولئك الذين اصطفوا في قاعات المطار الصغير شرقي السودان، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر من الخرطوم على بعد نحو 850 كيلومترًا بالسيارة أو الحافلة، بدا الخروج قريبًا أخيرًا.

لكن بعد ساعات من الانتظار، شوهد عدد قليل منهم فقط يسيرون ببطء تحت أشعة الشمس، باتجاه طائرتين على مدرج المطار، وقد حمل بعضهم أطفالًا وأمتعة صغيرة.

بينهم طبيب الأسنان سعيد نور الدائن سعيد (25  عاماً)، واحد من عشرات المحظوظين الذين جرى إجلاؤهم في طائرة إماراتية متجهة إلى أبوظبي.

 

أشياء مروعة

قال سعيد، الذي كان يرتدي قميصًا أحمر ويستعد لملاقاة والديه في الإمارات العربية المتحدة: "أمضيت يومين على الطريق".

وأضاف لوكالة فرانس برس، في الطائرة الإماراتية: "استيقظت على صوت إطلاق النار يوم اندلاع الحرب... ومنذ ذلك الحين رأيت أشياء مروعة".

ورغم الاضطرابات السياسية، اتخذ سعيد قرار البقاء في السودان، بعد تخرجه في جامعة الخرطوم قبل عامين، وكان يأمل افتتاح عيادة كبيرة ذات يوم.

وقال الشاب بابتسامة حزينة: "لا أفهم ما حدث، تركت كل شيء ورائي، لقد تحطم الحلم".

وقُتل أكثر من 750 شخصًا منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل. وبحسب وكالات الأمم المتحدة، فرّ نحو 177 ألف شخص من البلد الفقير، بينما نزح أكثر من 736 ألف شخص داخليًا.

 

فوضى

في الطائرة ذاتها، روى عبدالرحمن إبراهيم عبد الخالق ( 16 عامًا) كيف قرّر مع والدته وشقيقته، الفرار من منزلهم في الخرطوم، عندما اقترب الاقتتال.

وقال إنهم ركبوا حافلة إلى بورتسودان، أمضوا فيها يومًا ونصف اليوم، قبل أن يتمكنوا أخيرًا من الصعود إلى الطائرة، وبدأت الوالدة تلاوة الأدعية مع إقلاع الطائرة.

وأوضح الشاب السوداني، الذي أراد دراسة الهندسة الكهربائية، وكانت لديه خطط للالتحاق بالجامعة العام المقبل: "لم يعد هناك أمان، إنها فوضى، كثر من أصدقائي غادروا بالفعل".

وتابع: "أعتقد أن حلم دراسة الهندسة انتهى الآن، كنت آمل في الواقع أن أرى البلاد تتطور، لكن الآن أعتقد أن السودان يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل لاستعادة الاستقرار".

أما الذين لم يتمكنوا من الفرار، فيعانون نقص الغذاء والضرورات الأخرى، ويعيشون بفضل شبكة تضامن ومساعدات بين الأصدقاء والجيران.

وتقدّم دول الجوار مساعدات، وتجلي مئات من جنسيات مختلفة، منذ بداية القتال.

ونقلت الطائرة الإماراتية، التي أجلت سعيد وعبدالخالق وآخرين الأربعاء، أطناناً من الإمدادات الطبية.

وبحسب السفير الإماراتي حمد محمد الجنيبي، أرسلت بلاده حتى الآن 10 طائرات تحمل أكثر من 450 طنًا من المساعدات الغذائية والطبية.

وقال لوكالة فرانس برس في المطار: "الجسر الجوي الإماراتي سيستمر".

 

انعدام المال

وفي صالة المطار الرئيسة، اقترب الركاب القلقون من الأمن، ليستفسروا عن كيفية مغادرة البلاد، وقد حمل بعضهم أكياسًا بلاستيكية، وضعوا فيها أطعمة وفاكهة.

جلس محمد، موظف المطار البالغ من العمر 70 عامًا، على مقعد وسط الصالة، ينتظر تلقي راتبه المتأخر وقد وضع على رأسه عمامة بيضاء تقليدية.

وقال: "لم يعد لدي مال"، ثم استدرك: "إن شاء الله تتحسن الأمور".