عبدالإله بنكيران ينقلب على حزبه... مناورة جديدة للعودة إلى المشهد السياسي
يقول مراقبون، إن الأخطاء السياسية التي وقع فيها بنكيران، ولدت لديه حالة من التجاهل والإنكار للواقع، وجعلته يشعر بالإهانة، لأنه خرج وحزبه خاليي الوفاض، متجاهلًا الأخطاء السياسية التي تسببت في تراجع شعبيته

السياق
إنكار للواقع وتجاهل للحقائق، التي جعلته حزبًا منبوذًا وكيانًا تحت مقصلة قوانين الدول التي اكتوت بنار إرهابه، وأصيبت بنكسات على طريق الديمقراطية.
إلا أن تنظيم الإخوان -بأذرعه المختلفة في البلدان التي تمركز فيها- أبى إلا أن يكون في معادلة الحُكم، بينما البديل إحراق البلد الذي لفظه، ودفعه إلى الخلف.
فمن مصر مرورًا بليبيا إلى تونس، أصيب تنظيم الإخوان بنكسات جعلته منبوذًا بل على رأس قوائم الإرهاب، ودفعت أعضاءه إلى التشرذم في بقاع الأرض، بحثًا عن مأوى لهم.
المغرب لم يكن «إخوانه» بدعًا من الرسل، وإن كان حزب العدالة والتنمية -ذراعه السياسية- لم يُحظر أو يُصنف إرهابيًا، إلا أنه فقد شعبيته، وتراجع دوره السياسي والحزبي، وتهدمت أسوار الامبراطورية التي حاول بناءها خلال السنوات الماضية، وبدأ قادته يتباكون وينقلبون على بعضهم، بل يشككون في ولاءاتهم لأفكار التنظيم.
ماذا حدث؟
بعد أيام من خروجه باكيًا في مؤتمر نظمه حزب العدالة والتنمية بمدينة فاس، متحسرًا على سلطة ذهبت أدراج الرياح، عاد الأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران، إلى التنصل من مسؤوليته عن الهزيمة الشعبية، في الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة.
كان بنكيران، خرج أمام عدد من أنصاره، زاعمًا أن حزبه تعرض عام 2016 لمؤامرة، لإبعاده من رئاسة الحكومة ممن وصفهم بـ«العفاريت والتماسيح»، قائلًا إن «حزبه مازال مطاردًا من تلك العفاريت والتماسيح».
ولأن أبجديات تنظيم الإخوان غارقة في التخوين، واستدعاء نظريات المؤامرة، حمل بنكيران سلفه سعدالدين العثماني مسؤولية تراجع شعبية الحزب، وخسارته الكبيرة في الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة.
وقال بنكيران، في كلمة خلال الملتقى الجهوي للهيئات المجالية لحزبه بجهة الدار البيضاء سطات، إن الولاية الحكومية الأولى لحزبه التي قادها، قد كُـللت بنصر مبين، ظهرت آثاره في انتخابات 2015 و2017.
واعترف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بارتكاب الأخطاء، إلا أنه حمَّلها لسلفه، قائلًا: «بعد ذلك ارتكب الحزب أخطاء سياسية»، في إشارة إلى تولي العثماني رئاسة الحكومة والحزب.
وكعادة قيادات تنظيم الإخوان، في التنصل من المسؤولية وإلقائها على كبش فداء، حتى وإن كان أقرب المقربين، يرى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن حكومة العثماني أضرت كثيرًا بالحزب.
فخ التناقض
بنكيران، الذي حاول الهروب من مسؤولية قيادته للحكومة بين عامي 2016 و2021، وقع في فخ التناقض، فقبل عام أقر -لأول مرة في مؤتمر جهوي لحزبه- بأن سبب الهزيمة «فشلنا في فهم واستيعاب مجتمعنا ودولتنا وظروفنا الدولية والإقليمية».
تصريحاته التي بُثت قبل عام، قال فيها بنكيران إن على حزبه مراجعة مقاربته لهذه الهزيمة، لأن الشائع لدى الأحزاب السياسية أن تنسب لنفسها الانتصارات، وتنسب هزائمها للآخرين الذين تنتقدهم دائمًا، وتقلل من شأنهم وتحاول أن تسقطهم وتحل محلهم.
ذلك التناقض في التصريحات، بدا واضحًا كذلك في مناورة الأمين العام للحزب الأخيرة، ففي الوقت الذي يحاول بنكيران التنصل من المسؤولية التاريخية، بإلصاق الهزيمة بسلفه العثماني، طالب قياديي الحزب بالإنصات لمطالبهم، وتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها قيادات الصف الأول، بدلًا من تبني نظرية المؤامرة بإضعاف الحزب وإبعاده عن المشهد السياسي.
وكعادة تنظيم الإخوان، في العزف على وتر الدين، سبيلًا لإعادة دخول المجتمعات التي لفظته، قال بنكيران، إن من «يتجرؤون يريدون صراحة أن نكون دولة متحللة من الإسلام ويصبح معها الإسلام عبارة عن طقوس للعبادة يمارسها الإنسان بينه وبين ربه في المساجد وفي رمضان وفي الحج».
وحاول بنكيران اتهام الحكومة بالاعتداء على الإسلام، قائلًا: «مازلنا نعتز بالإسلام كدين للدولة في دستورنا وواقعنا، وملكنا هو أمير المؤمنين، وإمارة المؤمنين صمام الأمان للمغاربة، وهذا عشنا به وتجاوزنا به صعابًا لا تُتخيل منذ ما قبل الاستعمار إلى الآن».
واتهم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، حكومة المغرب بـ«التفلت والإسراع في اتجاه كلام كبير لم نسمعه في المغرب ولم يتجرأ أحد عليه، حيث التحدث عن تغيير تاريخ وبنية المغرب»، متجاهلا محاولة حزبه تغيير هوية المغرب.
خروج عن المألوف
كان بنكيران شذ عن المألوف، قبل قرابة شهرين، إلا أنه أصيب وحزبه بصدمة، تمثلت في بيان نادر للديوان الملكي المغربي، وبخ فيه الملك محمد السادس حزب العدالة والتنمية، لتجاوزه الحدود بالتدخل في السياسة الخارجية للمملكة.
ورغم ذلك، هاجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أوائل مايو الجاري، وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي، واصفًا إياه بالمجهول، مشيرًا إلى أنه من أوصله إلى الشعب المغربي.
واتهم عبدالإله بنكيران، حزب الأصالة والمعاصرة الذي ينتمي إليه خلفه، بأنه خطر على الدولة والمغاربة وأنه يتحكم في رقاب الناس.
كان حزب العدالة والتنمية هُزم في انتخابات الثامن من سبتمبر الماضي، لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار، بينما تراجع الحزب الإسلامي إلى المرتبة الثامنة، بعدما تصدر الانتخابات التشريعية عامي 2011 و2016 وأهلته لقيادة حكومتين.
ويقول مراقبون، إن الأخطاء السياسية التي وقع فيها بنكيران، ولدت لديه حالة من التجاهل والإنكار للواقع، وجعلته يشعر بالإهانة، لأنه خرج وحزبه خاليي الوفاض، متجاهلًا الأخطاء السياسية التي تسببت في تراجع شعبيته.
وأكد المراقبون، أن عبدالإله بنكيران لم يستطع إيقاف هزائم حزبه، حتى في الانتخابات الجزئية، بعدد من الدوائر الانتخابية، رغم التعبئة والرشاوى التي دفعها الحزب، أملًا بالصمود.
رواية إخوانية يبدو أنها شارفت على الفصل الأخير، وأوشكت سطورها أن تسجل نهاية تنظيم الإخوان في المغرب، وتضعه على قائمة المحظورين، كغيره من البلدان العربية، فهل تحظر الرباط الإخوان؟