ماذا وراء تعليق الجيش السوداني مشاركته في مفاوضات جدة؟

رغم الانتهاكات التي وقعت من الطرفين للهدنتين، فإن الآمال كانت معلقة على تجديدها فترة ثالثة، تكون أطول، وهو ما بدا صعبًا، خاصة بعد موقف الجيش السوداني بتعليق مشاركته في مفاوضات جدة السعودية.

ماذا وراء تعليق الجيش السوداني مشاركته في مفاوضات جدة؟

السياق

يومان مضيا على تجديد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي وُقع في جدة قبل أسبوعين، إلا أن الآمال التي كانت معلقة على تجديده، بعد انتهاء الهدنة الحالية، تبخرت مع قرار للجيش السوداني.

بدأت محادثات جدة بين طرفي الأزمة السودانية أوائل مايو الجاري، أسفرت عن إعلان مبادئ ينص على الالتزام بحماية المدنيين، وأفضت إلى اتفاق على وقف إطلاق النار فترتين قصيرتين، أولاهما كانت سبعة أيام وانتهت مساء الاثنين الماضي، بينما كانت الأخرى خمسة أيام، بدأت يوم نهاية الاتفاق الأول.

ورغم الانتهاكات التي وقعت من الطرفين للهدنتين، فإن الآمال كانت معلقة على تجديدها فترة ثالثة، تكون أطول، وهو ما بدا صعبًا، خاصة بعد موقف الجيش السوداني.

 

ماذا حدث؟

وكالة رويترز، نقلت عن مصدر دبلوماسي سوداني قوله، إن الجيش علق -الأربعاء- المحادثات مع قوات الدعم السريع، بشأن وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وأوضح المصدر أن الجيش السوداني اشترط -قبل تمديد اتفاق وقف إطلاق النار- انسحاب قوات الدعم السريع من المباني السكنية والمستشفيات لتمديد الاتفاق، مشيرًا إلى أن المحادثات بين الطرفين المتحاربين على شروط الهدنة استمرت بعد تمديد وقف إطلاق النار الأخير.

إلا أن مسؤولًا في الحكومة السودانية قال لـ«فرانس 24» -الأربعاء- إن الجيش السوداني علق مشاركته في مفاوضات جدة، لعدم تنفيذ قوات الدعم السريع، البند الخاص بانسحابهم من المستشفيات ومنازل المواطنين وخرقهم المستمر للهدنة، على حد قوله.

موقف الجيش أثار مخاوف من استمرار الصراع الذي اندلع منذ أكثر من ستة أسابيع، ما دق جرس الإنذار من سيناريوهات خطيرة تنتظر السودان، خاصة بعد تصريحات رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وبيان قوات الدعم السريع.

 

 ما الجديد؟

مساء الثلاثاء، نشر الجيش السوداني على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو، يظهر البرهان، يتفقد بعض المواقع -التي لم يكشف هويتها- مخاطبًا جنوده الذين استقبلوه بحفاوة، موجهًا رسائل لقوات الدعم السريع وبعض الأطراف الدولية.

وبينما أشاد البرهان بما وصفها بوقفة الشعب السوداني خلف قواته المسلحة، أكد أن الجيش وافق على وقف النار لإيصال المساعدات للمحتاجين.

ووجه رسالة تهديد لقوات الدعم السريع، قائلًا: «لم نستخدم حتى الآن القوة المميتة أو المفرطة، لكن إذا أصر الدعم السريع سنضطر لاستخدامها»، مشيرًا إلى أن «قواتنا الرئيسة لا تزال على الأرض، عكس ما يقال في الإعلام».

وبينما أكد البرهان، أن الجيش يسيطر على جميع المواقع العسكرية، قال إن «المتمردين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد»، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وحاول قائد الجيش التنصل من الاتهامات التي توجه للجيش بأن الإسلاميين أو النظام السابق يقفون إلى جانبه في القتال الدائر الآن، قائلًا: «يقولون إن الحرب ضد الكيزان... أين الكيزان؟».

وأشار إلى أن القوات المسلحة ستظل مستعدة للقتال حتى النصر، قائلًا: «النصر قريب لا محالة».

 

ماذا قالت قوات الدعم السريع؟

ببيانها في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء، اتهمت قوات الدعم السريع، الجيش السوداني بخرق الهدنة، قائلة: «منذ بداية الهدنة الإنسانية رصدنا خروقًا عدة من قوات الجيش، التي تواصل القصف الجوي وطلعات الطيران والمسيرات، ما عطل هدف الهدنة، بمعالجة الوضع الإنساني الكارثي، الذي يعيشه الشعب السوداني بسبب هذه الأزمة».

وادعى البيان الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، أنه «رغم كل ذلك، سنواصل التزامنا بالهدنة، ونعمل بجدية من أجل إنجاحها، على أن تكون أولوياتنا كيفية معالجة الأزمة الإنسانية، وفقاً لإجراءات محددة».

وحددت قوات الدعم السريع إجراءات لتلك المعالجة، قائلة إنها تنص على: معالجة الوضع الأمني المتدهور الذي يعانيه السكان كنتيجة لهذه الحرب، ما عرض كثيرين لاعتداءات نعمل على ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم.

وشددت على أنها خصصت قوة لتأمين المرافق الخدمية والأحياء السكنية، مهمتها حماية المدنيين ومؤسسات الدولة بصورة مؤقتة حتى انتهاء الحرب واستعادة الأمن والاستقرار.

الإجراء الثاني -بحسب قوات الدعم السريع- يتمثل في التعاون مع كل الجهات لمعالجة الخدمات التي تأثرت بالحرب مثل المياه والكهرباء والعلاج والاتصالات، داعية إلى تشكيل لجنة مشتركة تضم الصليب الأحمر ونقابة الأطباء واللجنة التمهيدية للأطباء لمعرفة جاهزية المستشفيات والمرافق الصحية.

وأكدت قوات الدعم السريع، استعدادها لتسهيل وصول الفرق الطبية إلى المستشفيات وتوفير الحماية اللازمة لهم، مشددة على ضرورة العمل على فتح مسارات توصيل المساعدات الإنسانية وضمان وصولها للمتضررين، وفقاً للترتيبات المتفق عليها في جدة، ضمن المبادرة السعودية الأمريكية.

وجددت تعهداتها «للشعب السوداني بإنهاء هذه الحرب، التي لم تكن خيارنا إطلاقاً، بل سعت لها جماعات الفلول التي تصدينا لمخططهم، وسيعود السلام للسودان قريباً، لتقوده حكومة مدنية ديمقراطية يختارها الشعب»، على حد قول البيان.

وتوقع مراقبون تجدد القتال بوتيرة كبيرة، محذرين من انتقال عدوى الأعمال العسكرية إلى المناطق الحدودية لثالث أكبر بلد إفريقي، ما يستدعي تدخل بعض الدول المتاخمة للسودان.

 

الوضع الميداني

رغم التعهدات والهدن التي وقعت وجرى تجديدها، فإن القتال اندلع مرة أخرى الثلاثاء في الخرطوم الكبرى ومنطقة دارفور المضطربة بغربي دارفور.

ونقلت «رويترز» عن سكان قولهم إن اشتباكات عنيفة اندلعت جنوبي العاصمة الخرطوم، وفي مدينة أم درمان المقابلة لها على الضفة الأخرى من نهر النيل، حتى وقت متأخر مساء أمس الثلاثاء.

وتعرضت مناطق في العاصمة لأعمال نهب كبيرة، وتعاني انقطاعًا متكررًا للكهرباء والمياه، بينما توقفت أغلبية المستشفيات عن العمل.

وقالت هند صابر (53 عامًا)، من سكان الخرطوم: «نتمنى أن تنجح هذه الهدنة حتى تقف الحرب قليلًا، ونستطيع العودة لحياتنا الطبيعية. عندنا أمل في الهدنة ولا توجد لدينا خيارات أخرى».

وتسبب الصراع في نزوح ما يقرب من 1.4 مليون شخص من ديارهم، بينهم ما يربو على 350 ألف شخص عبروا الحدود إلى بلدان مجاورة.

 

الوضع الإنساني

نقلت الأمم المتحدة وبعض وكالات الإغاثة وسفارات وبعض هيئات الحكومة المركزية السودانية عملياتها إلى بورتسودان بولاية البحر الأحمر، وهي مركز شحن رئيس.

منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قالت إن أكثر من 13.6 مليون طفل في السودان، بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية الضرورية للحفاظ على حياتهم.

بينما قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن 17 ألف طن متري من المواد الغذائية نُهبت منذ بدء الصراع، متوقعًا أن ينزلق ما يصل إلى 2.5 مليون شخص في السودان إلى هاوية الجوع في الأشهر المقبلة.