وسط مخاوف من انزلاق السودان نحو العنف.. ماذا بعد استقالة حمدوك؟
بحسب مراقبين، فإن استقالة حمدوك كشفت عن صعاب عدة تواجه السودان، وتنهي خارطة الطريق المقدمة من حزب الأمة القومي، وسط تحذيرات من إعادة البلد الإفريقي إلى نقطة الصفر

السياق
بعد قرابة شهر ونصف الشهر، من إعادته رئيسًا لحكومة السودان، أعلن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك استقالته، في قرار رغم أنه كان متوقعًا، فإن أصداءه دوت في العواصم العربية والغربية، كاشفة عن صعوبات عدة تواجه البلد الإفريقي ومخاوف من الانزلاق نحو العنف.
فبعد لقاءات عدة مع كل المكونات في السودان، استمرت أيامًا، أعلن رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك، في كلمة متلفزة، بثت فجر الاثنين، الاستقالة من رئاسة وزراء السودان، قائلًا، إن هناك صراعات عدمية بين مكونات الانتقال.
وأوضح حمدوك، في خطاب استقالته، أنه حاول تجنيب السودان خطر الانزلاق نحو الكارثة، مشيرًا إلى أن الحوار هو الحل نحو التوافق، لإكمال التحول المدني الديمقراطي.
أزمة كبرى
وبينما أكد حمدوك أن الأزمة الكبرى في السودان، سياسية وتكاد تكون شاملة، قال إن «الاتفاق السياسي كان محاولة لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار... حملت أفكارًا لوقف التصعيد وإعلاء مصلحة السودان».
وأشار إلى أن الثورة ماضية إلى غايتها والنصر حتمي، مضيفًا «أن أفق الحوار انسد بين الجميع، ما جعل مسيرة الانتقال في السودان هشة».
وأكد حمدوك ضرورة نبذ العنف والفرقة والإيمان بالنصر نحو سودان جديد، مشيرًا إلى أن الأطراف بذلت جهدًا لإخراج السودان من عزلته، وإعادة دمجه في المجتمع الدولي.
ونصح حمدوك لجان المقاومة، بالتوافق على برامج للبناء، والمشاركة في وضع رؤية شاملة لبقية فترة الانتقال، قائلًا: «اعلموا أن الحياة من أجل تحقيق الغايات الكبرى لا تقل شرفًا عن الاستشهاد في سبيل هذه الغايات».
تحديات جسيمة
وبينما أشار حمدوك إلى أن الحكومة الانتقالية التي كان يرأسها واجهت تحديات جسيمة، أهمها العزلة الدولية والديون، دعا المستثمرين لبناء شراكات تنموية مع السودان، معشيرًا إلى أن بلاده لا تنقصها الموارد، ويجب ألا تعيش على الهبات.
ونهاية خطابه الطويل للشعب السوداني، قال حمدوك: «قررت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن استقالتي من منصب رئيس الوزراء، مفسحًا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا العزيز والعبور به، خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية الناهضة، وأسأل الله أن يوفق كل مَنْ يأتي بعدي للم الشمل».
وبحسب مراقبين، فإن استقالة حمدوك كشفت عن صعاب عدة تواجه السودان، وتنهي خارطة الطريق المقدمة من حزب الأمة القومي، وسط تحذيرات من إعادة البلد الإفريقي إلى نقطة الصفر.
خطوة متوقعة
من جانبها، قالت وزيرة الشباب السودانية السابقة، ولاء البوشي، في تصريحات صحفية، إن خطوة حمدوك كانت متوقعة، مشيرة إلى أن «الاستقالة ستزيد الأمور تعقيدًا، لكن الشارع موحد».
وبينما توقعت الوزيرة السودانية، أن «تزيد وتيرة العنف في السودان»، أكدت ضرورة اختيار رئيس وزراء تكنوقراط لا علاقة له بالسياسيين، بشرط أن تكون هناك إرادة حقيقية من المكونات كافة.
فوضى وغوغائية
بدوره قال رئيس حزب الأمة السوداني، مبارك المهدي، إن حمدوك كان "ضحية طموح الصفوة من الناشطين الذين سرقوا الثورة، وسعوا حثيثًا لتحويل سلطة الانتقال الي حكم مدني شمولي جديد"، وأضاف أن استقالته "أسدلت الستار علي قوى الحرية والتغيير -التحالف الحاكم السابق- والوثيقة الدستورية المعيبة، وأنهت حالة من الفوضى والغوغائية، لم يشهدها السودان في تاريخه.
وقال إنه يجب على القوات المسلحة، أن تدعو إلى توافق وطني على حكومة انتقالية مستقلة، لا يتعدى تكليفها إدارة الاقتصاد وتنظيم الانتخابات، على أن تتولى القوات المسلحة حفظ الأمن من موقعها وقيادتها مجلس الدفاع والأمن الوطني.
فراغ دستوري
من جانبه، قال الصحفي السوداني محمد أبو بكر، إن خطاب حمدوك كان مُعدًا، على أمل أن تكون هناك توافقات بين القوى السياسية في اللحظة الأخيرة، لمنح رئيس الوزراء الأرضية لاستمرار مسيرته.
وعما إذا كانت استقالة حمدوك جزءًا من الحل، قال أبو بكر إن أي فراغ دستوري لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل، مشيرًا إلى أن حمدوك وضع كل المتسببين بتعطيل المسار أمام مسؤولياتهم، متوقعًا أن تتسبب استقالته في حالة ارتياح بالشارع السوداني.
إلا أن المستشار السابق لرئيس الوزراء السوداني فايز السليك، قال إن السودان دخل نفقًا جديدًا بعد استقالة حمدوك، مشيرًا إلى أن الوثيقة الدستورية صارت بلا شراكة.
بينما قال الصحفي السوداني المقيم في أمريكا عبدالرحمن الأمين، إن منصب رئيس الحكومة «ليس مهمًا» في سياق الثورة السودانية، مشيرًا إلى أن الخرطوم في حاجة إلى رئيس وزراء يعبِّـر عن الثورة لأن لها مطالب محددة.
وفي 21 نوفمبر الماضي، أعاد رئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان، عبدالله حمدوك إلى منصب رئيس الوزراء منفردًا، إلا أنه طالته منذ ذلك الوقت انتقادات عدة، منذ توقيعه الاتفاق السياسي، مثبتًا الشراكة السياسية في حكم البلاد انتقاليًا مع المكون العسكري.
ولم تتوقف الاحتجاجات بعد عودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء، بل اشتدت وأسفرت حتى الآن عن أكثر من 50 قتيلاً، بينهم 3 قبل دقائق من استقالة حمدوك.
أمريكا تناشد
بدورها، دعت الولايات المتحدة قادة السودان، إلى ضمان استمرار الحكم المدني وإنهاء العنف ضد المحتجين، بعد استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
وقال مكتب الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الأميركية عبر "تويتر": "بعد استقالة رئيس الوزراء حمدوك، يتعين على الزعماء السودانيين تنحية الخلافات جانبًا، والتوصل إلى توافق وضمان استمرار الحكم المدني".
من هو حمدوك؟
تولى حمدوك منصب رئيس الوزراء في المرة الأولى أغسطس 2019، بترشيح من قوى الحرية والتغيير، التي وقعت اتفاقًا مع قادة الجيش لتقاسم السلطة في فترة الانتقال، عقب إطاحة نظام الرئيس عمر البشير.
وقالت وكالة رويترز، إن حمدوك عمل قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا والبنك الإفريقي للتنمية، ومستشارًا خاصًا لبنك التجارة والتنمية في إثيوبيا، مشيرة إلى أنه درس الاقتصاد بجامعتي الخرطوم ومانشستر.
واختاره مجلس السيادة، الهيئة الحاكمة التي تشكلت من المدنيين والعسكريين، للإشراف على الانتقال الديمقراطي، رئيسًا للحكومة في أغسطس 2019، بعد إطاحة الرئيس عمر البشير.
وفور توليه منصبه، وضع حمدوك، من أولوياته حل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان، في محاولة منه لتخفيف عبء الدين العام الخانق، ونشر السلام في ربوع البلاد، بعد حروب أهلية طويلة، بحسب «رويترز».
وأشارت إلى أنه في محاولة منه لبدء سياساته سريعًا، أجرى محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لبحث إعادة هيكلة ديون السودان، كما بدأ محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو التوصيف الذي كان سببًا في عزل السودان عن النظام المالي العالمي منذ عام 1993، لتتوج جهوده بخروج الخرطوم من القائمة عام 2020.
ثمار السياسات
وبحسب «رويترز»، فإنه خلال الفترة التي رأس فيها حمدوك الحكومة، أدرج صندوق النقد السودان، ضمن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، بناءً على التزام البلاد بإصلاحات على صعيد الاقتصاد، ما أدى إلى تأهل الخرطوم للإعفاء من ديون، والحصول على أموال جديدة.
وأشارت إلى أن رجل الاقتصاد عمل على تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية الرئيسة، بينها رفع الدعم عن الوقود الذي كان يكلف الدولة مليارات الدولارات سنويًا، إضافة إلى قراره بتخفيض قيمة العملة السودانية وتعويمها، وفرض سيطرة الحكومة على الشركات المملوكة لقوى الأمن.
ورغم قراراته التي كانت تصب في صالح الاقتصاد السوداني، فإن حمدوك أقر قبل أسابيع قليلة من عزله في المرة الأولى، بالصعوبات الناجمة عن الإصلاحات، مشيرًا إلى أن الشعب السوداني دفع ثمنًا غاليًا، ولابد من تحقيق تطلعاته، آملًا أن يظهر أثرها الإيجابي بسرعة.
وقالت «رويترز» عن رئيس الوزراء المستقيل، إنه من أنصار الانتقال إلى الحكم المدني في السودان، مشيرة إلى أنه مع تزايد التوتر بين الجيش والمدنيين في الإدارة المشتركة خلال سبتمبر الماضي، قدَّم خارطة طريق للخروج من الأزمة، انحاز فيها للانتقال الديمقراطي المدني، ما أكسبه بعض التأييد الشعبي.
وخلال الاحتجاجات المتتالية التي شهدها الشارع السوداني، رفع المتظاهرون صور حمدوك وعلقوا لافتات عليها صوره، إلا أنه بعد توقيع اتفاق للعودة رئيسًا للوزراء في 21 نوفمبر الماضي، عارض كثيرون من المحتجين الخطوة، إلا أن حمدوك بررها بأنه فعل ذلك لوقف إراقة الدماء، بعد مقتل العشرات من المدنيين خلال المظاهرات.