الصين و تايوان..هل اقتربت الحرب؟

العديد من المناطق التي حددها الجيش الصيني للتدريبات -هذا الأسبوع- أقرب إلى الجزيرة من المناطق التي أعلِن عنها خلال أزمة مضيق تايوان منتصف التسعينيات، التي تضمنت أيضًا إطلاق الصين للصواريخ حول الجزيرة

الصين و تايوان..هل اقتربت الحرب؟

 ترجمات - السياق

تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التطورات الصينية بالقرب من جزيرة تايوان، بعد الزيارة الشهيرة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايبيه مؤخرًا، مشيرة إلى أن بكين واصلت استعراض قوتها، لليوم الرابع على التوالي، إلا أنها تقترب أكثر من أي وقت مضى.

وأشارت الصحيفة، إلى أن الصين واصلت التعبير عن غضبها من زيارة بيلوسي الأخيرة إلى تايوان، باستمرارها في التدريبات العسكرية، التي اقتربت أكثر من الجزيرة وأثارت مخاوف بشأن صراع محتمل.

وقالت وزارة الدفاع التايوانية: تم رصد دفعات من الطائرات العسكرية والسفن الحربية الصينية حول مضيق تايوان، وبعضها تجاوز الخط الوسطي غير الرسمي، الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس الصيني، مشيرة إلى أن هذه المعدات العسكرية "أجرت تدريبات تحاكي هجومًا على جزيرة تايوان الرئيسة".

استعراض القوة

وبينت "نيويورك تايمز" أن استعراض القوة الصيني  يهدد الأراضي التي تعدها تايوان "أراضي خالصة لها" بشكل مباشر أكثر من أي تدريبات سابقة.

وأشارت إلى أن الصين أطلقت ما لا يقل عن 11 صاروخًا على المياه شمالي وجنوبي وشرقي تايوان، بما في ذلك صاروخ واحد على الأقل طار فوق الجزيرة، رغم أن تايوان قالت إنه كان على ارتفاع عالٍ ولا يشكل أي تهديد.

كما نشرت بكين –الجمعة- طائرات مقاتلة وقاذفات ومدمرات وطائرات مسيرة وسفن مرافقة في المياه القريبة من الجزيرة.

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن العديد من المناطق التي حددها الجيش الصيني للتدريبات -هذا الأسبوع- أقرب إلى الجزيرة من المناطق التي أعلِن عنها خلال أزمة مضيق تايوان منتصف التسعينيات، التي تضمنت أيضًا إطلاق الصين للصواريخ حول الجزيرة.

ووفقًا لمسؤولين تايوانيين، فإنه منذ بدء تدريبات الخميس الماضي -بعد ساعات قليلة من انتهاء زيارة بيلوسي للجزيرة- عبرت 49 طائرة عسكرية صينية على الأقل خط الوسط غير الرسمي، الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس الصيني.

الصين وتايوان

وعن الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها تايوان للصين، أوضحت "نيويورك تايمز" أن الصين تزعم أن تايوان -وهي جزيرة ديمقراطية تتمتع بالحكم الذاتي ويبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة- ضمن أراضيها، وقد تعهدت -منذ فترة طويلة- باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر.

بينما تؤكد الصحيفة أن الجزيرة -التي تراجعت إليها قوات تشيانغ كاي شيك الصينية بعد الثورة الشيوعية عام 1949- لم تكن جزءًا من جمهورية الصين الشعبية.

يذكر أنه بعد الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن السيطرة على الأراضي التي أخذتها من الصين، وبدأت جمهورية الصين، كأحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان بموافقة حلفائها، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وبعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 ظلت ثلاث جزر كبيرة خارج سيادتها هي هونغ كونغ التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني حتى عام 1997، وماكاو التي كانت خاضعة للبرتغال حتى عام 1999، وفورموزا المستقلة (التي اتخذت اسم تايوان)، ومنذ ذلك الحين تسعى الصين إلى إعادة السيطرة على تايوان.

فبعد انتصار الشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ في الحرب الأهلية على الوطنيين (الكومنتانغ) عام 1949، انسحب جزء من الجيش الصيني بقيادة تشانغ كاي تشيك إلى تايوان، حيث أطلق الكومنتانغ عليها الصين الوطنية، وزعموا أنهم يمثلون الصين الموحدة.

وحسب دائرة المعارف البريطانية، فإن الكومنتانغ أو الحزب القومي الصيني، حزب سياسي حكم كل أو جزء من البر الرئيس للصين بين عامي 1928 و1949 ثم حكم تايوان في عهد تشانغ كاي تشيك وخلفائه معظم الوقت، منذ ذلك الحين.

ماذا يريد شي جين بينغ؟

وعن الهدف الذي يريده الرئيس الصيني شي جين بينغ من ضم تايوان، بينت "نيويورك تايمز" أن الزعيم الصيني كان قد أوضح -أكثر من أسلافه- أنه يرى توحيد تايوان مع الصين هدفًا أساسيًا لحكمه ومفتاحًا لما يسميه "التجديد الوطني للصين".

كما يحرص شي -حسب الصحيفة- أيضًا على إبراز صورة القوة، قبل تأكيده المتوقع لولاية ثالثة غير مسبوقة هذا الخريف.

كان الرئيس الصيني قد قال إن "إعادة التوحيد" مع تايوان "يجب أن تتحقق"، في ظل استمرار تصاعد التوترات بشأن الجزيرة.

وقال شي إنه ينبغي تحقيق الوحدة سلميًا، لكنه حذر من أن الشعب الصيني لديه "تقليد مجيد" في معارضة النزعة الانفصالية.

وردًا على ذلك، قالت تايوان إن من يقرر مستقبلها هو شعبها فقط.

وقالت رئيسة تايوان، تساي إنغ وين، إن الجزيرة لن ترضخ لضغوط الصين، وسوف تدافع عن النهج الديمقراطي للحياة بها، في خطاب اتسم بالتحدي.

أما عن الدور الأمريكي، فأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن الولايات المتحدة شاركت في "اتفاق دبلوماسي غامض" تم تبنيه عام 1979، احتفظت فيه واشنطن بسياسة "صين واحدة" التي تعترف، لكنها لا تؤيد، مطالب بكين بأحقيتها في تايوان.

وأشارت إلى أن قادة الولايات المتحدة ظلوا غامضين بشأن الكيفية التي سيساعدون بها تايوان إذا هاجمتها الصين، لكن الرئيس الحالي جو بايدن تعهد بالدفاع عن الجزيرة، وقال إن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان، إذ تعرضت إلى هجوم من الصين.

أسباب التوتر

وعن أسباب تصاعد التوترات الأخيرة بين الصين وتايوان، بينت "نيويورك تايمز" أن زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الأخيرة إلى تايوان أشعلت التوترات الإقليمية، مشيرة إلى أنها أعلى مسؤول أمريكي يزور الجزيرة منذ عام 1997.

ووصفت جوقة من الهيئات الصينية الرسمية رحلتها على أنها جزء من جُهد أمريكي لتخريب جهود الصين في الوحدة مع تايوان.

وأشارت إلى أنه بعد يوم من رحلة بيلوسي، بدأت الصين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية بالقرب من تايوان، حيث ضربت صواريخ عدة قبالة الجزيرة، بما في ذلك خمسة سقطت في مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان.

ووسط انتقادات دولية متزايدة، أرسلت بكين سفنًا حربية وطائرات إلى المياه والمجال الجوي بالقرب من الجزيرة.

وقالت وزارة الخارجية التايوانية في بيان السبت: الصين خلقت أزمة من جانب واحد، من خلال رد فعلها المبالغ فيه على زيارة بيلوسي.

وجاء في البيان أن "الشعب التايواني له الحق في تكوين صداقات مع بقية العالم، وليس للصين الحق في التدخل مع بقية العالم في مصادقة تايوان".

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن التدريبات العسكرية العنصر الأكثر وضوحًا في الرد الصيني على رحلة بيلوسي إلى تايوان، التي قالت إنها كانت تهدف إلى إظهار الدعم للجزيرة وديمقراطيتها النابضة بالحياة.

وقبل وصولها -الثلاثاء الماضي- حذرت الصين مرارًا وتكرارًا من أن لفتة بيلوسي -أعلى مسؤول أمريكي لزيارة تايوان منذ 25 عامًا- ستؤدي إلى "عواقب وخيمة".

بينما قالت الصين إنها ستلغي أو تعلق المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التنسيق العسكري وتغيُّر المناخ، التي قال بعض المحللين إنها قد تزيد احتمالات تحول سوء الفهم إلى أزمة.

نفوذ الصين

في الوقت نفسه -حسب "نيويورك تايمز"- تتطلع الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الآسيوية، كقوة موازنة لنفوذ الصين الإقليمي والعالمي.

والتقى وزير الخارجية أنتوني بلينكين –السبت- رئيس الفلبين فرديناند ماركوس جونيور في مانيلا.

وأخبر ماركوس، بلينكين بأنه لا يعتقد أن زيارة بيلوسي قد زادت حدة التوترات في المنطقة، التي قال إنها كانت مرتفعة بالفعل، وهو ما يُعد -حسب الصحيفة- دحضًا واضحًا لمزاعم الصين بأن الولايات المتحدة كانت المسؤولة عن الاحتكاكات الحالية.

ورغم عدم تدخل الصين لمنع بيلوسي من دخول تايوان، فإن المسؤولين الأمريكيين ما زالوا قلقين من أن التدريبات، التي بدأت بعد أقل من 24 ساعة من مغادرتها تايوان، يمكن أن تتصاعد، عن قصد أو عرضًا، إلى صراع مباشر أكثر خطورة.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن الحسابات الانتخابية قد تكون أهم للرئيس الصيني، كونه يسعى للترشح لولاية جديدة في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي المقرر قبيل نهاية العام.

وحسب الصحيفة، يواجه شي تحديات داخلية تتمثل في تباطؤ الاقتصاد، وتبعات القيود المشددة بسبب جائحة كورونا، ومن ثمّ فإن آخر ما يريده الآن أن يبدو مترددًا في مواجهة ما تراه بكين استفزازًا أمريكيًا بشأن تايوان وتحديًا لسياسة الصين الموحدة.

أمام هذه التحديات، قد يلجأ المسؤولون الصينيون -الذين ينادون بالقومية الصينية- لاتخاذ رد فعل قوي، ردًا على الزيارة، بدعوى إرضاء كبرياء الشعب الصيني.

وأعرب بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الصين عن خيبة أملهم أو إحراجهم، لأن الحكومة لم تذهب أبعد من ذلك لمنع زيارة بيلوسي، وأوضح آخرون أنهم كانوا يتوقعون عملًا عسكريًا.

لكن -تضيف الصحيفة- "حتى لو لم تتصاعد التدريبات بشكل مباشر إلى أزمة، فقد تشير إلى نمط جديد من العدوان والتوغلات من قِبل الجيش الصيني"، إذ أوضحت "جلوبال تايمز" الصينية، وهي صحيفة شعبية تديرها الدولة، في افتتاحية الجمعة، أن العمل على تعزيز إعادة التوحيد مع تايوان "دخل مرحلة جديدة".

من جانبها، حاولت الولايات المتحدة تجنُّب استفزاز الصين، وقالت إنها لا تزال ملتزمة بالوضع الراهن في تايوان، معترفةً بمطالبة الصين المعلنة بالجزيرة من دون الاعتراف بها.

كما أمر البنتاغون، حاملة الطائرات الأمريكية "رونالد ريغان" بالبقاء في موقعها، مع الحفاظ على مسافة من مضيق تايوان.

وأعلن البروفيسور من أكاديمية الدفاع الوطني، مين سيانزين، أنه بعد إعلان الصين إجراء مناورات عسكرية بالقرب من تايوان، ابتعدت حاملة الطائرات الأمريكية "رونالد ريغان" عن الجزيرة .

وقال البروفيسور في بث التلفزيون المركزي الصيني: "ابتعدت حاملة الطائرات الأمريكية رونالد ريغان، التي كانت ترافق بيلوسي، لمسافة مئات من الكيلومترات".

لكن الصين أوضحت أنها تعد أي انتقاد لممارساتها إهانة، واستدعت سفراء عدة بعد أن أعربت دولهم عن قلقها من التدريبات.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه بعد أن سقطت بعض الصواريخ الصينية، الخميس الماضي، في المياه التي تدعي اليابان أنها تخصها، ما دعا رئيس الوزراء الياباني إلى المطالبة بـ "الوقف الفوري"، قال ممثل للسفارة الصينية في طوكيو: "على اليابان ألا تنزلق إلى هاوية المواجهة الجيوسياسية".