مصر وتركيا.. سباق الأمتار الأخيرة نحو التطبيع
عن توقيت عودة العلاقات، قال الباحث المتخصص في العلوم السياسية، إنه جاء بعد اتضاح المشهد السياسي الداخلي في تركيا واستقراره، عقب فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، مشيرًا إلى أن دلالة هذا التوجه تتمثل في تأكيد حُسن نية الجانبين نحو الرغبة في تحقيق اختراق بالملفات الحساسة.

السياق
في محاولاته الأخيرة، للفرار من اختبار الانتخابات، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى العودة ببلاده إلى سياسة صفر مشكلات، التي كثيرًا ما انتهجتها أنقرة، إلا أنها حادت عنها في الفترة الأخيرة.
فمن السعودية مرورًا بالإمارات، سارع أردوغان إلى تصحيح موقفه من هذين البلدين، فأثمرت الجهود المضنية عودة العلاقات إلى وتيرتها، ليولي وجهه شطر مصر، التي كانت العقبة الكأداء أمامه، خاصة لموقفها من تنظيم الإخوان، وبعض القضايا المتشابكة مع مصر، مثل الأزمة الليبية، وشرق المتوسط.
مساعي الرئيس التركي بدأت تؤتي أكلها، بلقاء المونديال بينه وبين نظيره المصري لأول مرة، لتأخذ منعطفًا جديدًا بعد كارثة زلزال فبراير 2023، بزيارات متبادلة لوزيري الخارجية وباتصال هاتفي من الرئيس عبدالفتاح السيسي لنظيره التركي.
إلا أن ذلك الانفتاح لم يقد إلى تطبيع العلاقات بين البلدين، انتظارًا من العاصمة المصرية إلى نتائج الانتخابات الرئاسية التركية وما ستسفر عنه من نتائج، سواء لصالح أردوغان أم مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
ذلك الانتظار قطعته مصر، باتصال هاتفي أجراه الرئيس عبدالفتاح السيسي بنظيره التركي، غداة فوزه بالانتخابات الرئاسية، أكد خلاله الرئيسان عمق الروابط التاريخية بين البلدين والشعبين المصري والتركي، واتفقا على تدعيم أواصر العلاقات والتعاون بين الجانبين، وقررا البدء الفوري في رفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء.
إلا أن تلك الخطوة المصرية، التي حاولت القاهرة ألا تكون سريعة، قد لا تأتي بالنتائج المرجوة لها، خاصة أنها قد تترك غصة في حلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يأمل أن تساعده ورقة المصالحة مع مصر في تدعيم موقفه أمام المعارضة، التي شحذت أسلحتها ضده.
ويقول مراقبون، إن العودة التي وصفوها بـ«المتأخرة» للعلاقات، قد تحد من سقف المطالب المصرية، التي من المزمع التقدم بها إلى أنقرة، مشيرين إلى أنها قد تؤثر في تحقيق أهداف القاهرة ببعض القضايا مع النظام التركي، الذي كان يريد ورقة التطبيع مع مصر، لدعم موقفه في الاستحقاق الدستوري.
وأكدوا أن إرسال الرئيس المصري السيسي برقية تهنئة عاجلة بعد إعلان فوز أردوغان، وإجراءه اتصالًا هاتفيًا معه في اليوم التالي، يؤكدان أن القاهرة أنهت المشكلات العالقة التي عطلت إعلان العودة قبل الانتخابات.
إلا أن أصواتًا أخرى، قالت إن تركيا لم تعد مضطرة إلى تقديم تنازلات تتسق مع أولويات القاهرة، أو تلبي طموحاتها بالطريقة التي تريدها في بعض الملفات، ما قد يؤثر في خطوة التطبيع، أو تحقيق المطالب المصرية.
أين يقف قطار التطبيع؟
الباحث في العلوم السياسية مصطفى صلاح، يرى، في تصريحات لـ«السياق»، أن إعلان الرئيسين رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي يعد مؤشرًا إيجابيًا، ودليلًا على طبيعة الإنجاز الذي تحقق خلال المباحثات السابقة.
وأوضح الباحث في العلوم السياسية، أن هذا الاتفاق يعني رفع مستوى المفاوضات إلى سقف أعلى، وإن كان لا يعني بالضرورة تسوية الأزمات العالقة بين البلدين.
وعن توقيت عودة العلاقات، قال الباحث المتخصص في العلوم السياسية، إنه جاء بعد اتضاح المشهد السياسي الداخلي في تركيا واستقراره، عقب فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة، مشيرًا إلى أن دلالة هذا التوجه تتمثل في تأكيد حُسن نية الجانبين نحو الرغبة في تحقيق اختراق بالملفات «الحساسة».
وأشار إلى أن بعض هذه الملفات تحتاج إلى تمثيل أعلى، قد يصل إلى القمم الرئاسية، خاصة أنها تتطلب قرارات مصيرية في ملفات ليبيا، وشرق المتوسط، والتدخلات في الشؤون العربية، والإخوان، مؤكدًا أنها قضايا تتطلب تصورات شاملة لكيفية التعامل معها، خاصة أنها ترتبط بمزيج من العوامل الداخلية والخارجية.
وأكد أن الملفات بين مصر وتركيا، خاصة الخارجية، لم تعد مرتبطة بالبليدن فقط، ما يضفي صعوبات كثيرة على مسارات التفاوض في هذه الملفات، مؤكدًا أن هناك دولًا أخرى تتشارك هذه الملفات، مثل اليونان وإيطاليا، ما يلقي بأعباء على مصر في حمل كثير من الرؤى وأخذها بالاعتبار في المفاوضات.
شبكة مصالح
في السياق نفسه، قال الخبير في شؤون الحركات الجهادية صبرة القاسمي، في تصريحات لـ«السياق»، إن مسار التفاعلات بين القاهرة وأنقرة، الأشهر الماضية، انطوى على مؤشرات عدة، يمكن أن تساعد في استشراف ما تكون عليه العلاقات المصرية التركية.
أول هذه المؤشرات، زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، عقب الزلزال في تركيا، التي أخذت طابعًا إنسانيًا، وعكست طبيعة العلاقة التاريخية بين البلدين، بحسب الخبير في شؤون الحركات الجهادية، الذي قال إن الطابع الإنساني الذي برز في الزيارة، من دعم إغاثي لضحايا الزلزال، يعد مهمًا، خصوصًا أن تغطيته الإعلامية لم تكن تقليدية.
وأكد الخبير في شؤون الحركات الجهادية، أن مصر حاولت إيصال رسالة مفادها: أن الرابط الإنساني في العلاقات بين مصر وتركيا، أقوى من أي ملف يمكن أن يؤثر فيها.
وأشار إلى أن تركيا كانت لها مواقف إيجابية في أزمات مرت بها مصر، كان أبرزها خلال حرب أكتوبر 1973، إذ منعت أنقرة حلف الناتو وأمريكا من استخدام قاعدة إنجرليك لدعم إسرائيل، في حين فتحت مجالها الجوي لروسيا، لدعم القاهرة في الحرب، إبان حكومة نعيم تالو، وهو موقف تاريخي لم تنسه مصر لتركيا.
تصفير الخلافات
يقول الخبير في شؤون الحركات الجهادية صبرة القاسمي، إن رفع التمثيل الدبلوماسي بين مصر وتركيا، لا يعني تصفير الخلافات، مشيرًا إلى أن الإرادة الحقيقية لعودة العلاقات تغلب الخلافات المعلقة بين البلدين، معتقدًا أن شبكة المصالح المعقدة، سيكون لها دور رئيس في الدفع نحو التطبيع.
موقف الإخوان
الباحث في العلوم السياسية مصطفى صلاح، قلل في تصريحات لـ«السياق»، من أهمية ملف الإخوان الفارين إلى تركيا بالنسبة لمصر، مشيرًا إلى أنه لم يعد يستحوذ على أهمية كبيرة بالنسبة للقاهرة، بعدما تمكنت من حسمه داخليًا.
وأكد الباحث في العلوم السياسية، أن تركيا لن تصبح قادرة على المساومة بهذه الورقة، بل ستحاول استمالة الجانب المصري نحو إظهار نوع من الالتزام بمحددات الرؤية المصرية، سواء بمنع توفير المنابر الإعلامية أم احتضانهم، واتخاذ أنقرة منصة للهجوم على القاهرة أو ترحيلهم، خاصة الصادر بحقهم أحكام نهائية في قضايا جنائية وإرهاب.
في السياق نفسه، أكد الخبير في شؤون الحركات الجهادية صبرة القاسمي، في تصريحات لـ«السياق»، أن ملف الإخوان، في طريقه إلى الاحتواء خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الإخوان ومستقبل الفارين إلى تركيا، ملف ثانوي، خاصة أنه كان محددًا قويًا للعلاقات بين البلدين، خلال الأعوام التي أعقبت سقوط نظام حكم الإخوان في مصر، مشددًا على أن الدولة المصرية لا تهتم بوجود هذه الجماعة على الأراضي التركية أو غيرها، إذ إن معظمهم هارب من أحكام قضائية، ويعملون وفق أجندات معينة، وتقع مسؤولية خطابهم على الدولة المضيفة (تركيا).
وأكد أن النظام التركي وجَّه لهم أكثر من إنذار، للتوقف عن التحريض والإساءة للدولة المصرية، وتوقع أن يكون هناك رد فعل قويًا، خلال مراحل عودة العلاقات إلى طبيعتها، مشيرًا إلى أن إرهاصات ذلك بدت مبكرة، ببدء عدد غير قليل منهم الخروج من تركيا في اتجاه عدد من البلدان الأخرى، بينما يحاول من فضل الاستمرار على الأراضي التركية، التزام الصمت واتباع المحاذير المفروضة.
إلا أن مراقبين، قالوا إن الغبطة التي انتابت جماعة الإخوان، عقب فوز أردوغان، تؤكد أن سياسة تحييدهم وتقويض دورهم نسبيًا يمكن أن تطرأ عليها تغييرات تصب في صالحهم، ما يزعج القاهرة التي ارتاحت لعدم توفير رعاية شاملة أو احتضان لهم.
الأزمة الليبية
يقول مراقبون، إن الأزمة الليبية التي شهدت -في الآونة الأخيرة- تهدئة مصرية تركية، قد تطرأ عليها تغييرات، إلا أنهم اختلفوا على تلك التغييرات، فهناك عدد منهم يقول إنها قد تصل إلى عودة الصدام بين البلدين، استنادًا إلى تحرر أنقرة من بعض القيود التي راعتها لعدم توتير العلاقات مع القاهرة، إلا أن آخرين أكدوا أنها قد تشهد هدوءًا استنادًا إلى أن تركيا لن تستطيع خسارة دولة لها ثقلها في المنطقة، وإثارة توترات قد تكون عاجزة عن الوقوف ضدها.
شرق المتوسط
الأمر نفسه ينطبق على ملف شرق البحر المتوسط والغاز وما يضمه من ألغام اقتصادية، فمراقبون قالوا إن المحادثات بين البلدين قد تشهد تطورًا إيجابيًا يبعد شبح الصدام عنهما، إلا أن آخرين قالوا إن أردوغان تحرر من أحد القيود التي دفعته إلى الحرص على الانفتاح سريعًا على مصر.