قانون التقاعد يفجر غضب الفرنسيين.. والمعارضة تطالب بحجب الثقة عن الحكومة
تواجه الحكومة الفرنسية -بقيادة إليزابيث بورن- مقترحات لحجب الثقة من أحزاب المعارضة، بعد تمرير مشروع نظام التقاعد، من دون تصويت البرلمان.

السياق
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اختار المواجهة عبر تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، من دون تصويت في الجمعية الوطنية، ما أثار استهجاناً داخل الجمعية، بداية اجتماعها الذي يفترض أن تصوّت فيه على المشروع، في ما ينبئ بمنح زخم جديد للحركة الاحتجاجية.
وأعلنت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن، تفعيل المادة التي تجعل مشروع القانون "مسؤولية" حكومتها، رافعة صوتها وسط صيحات الاستهجان التي أطلقها نواب المعارضة.
وردّت النقابات بالإعلان عن يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس، علمًا بأن التحركات لم تثن الحكومة عن المضي قدمًا في مشروعها.
وندّدت النقابات بـ"إنكار للديمقراطية" ودعت إلى "تجمّعات" نهاية الأسبوع.
#فرنسا.. طريق #باريس الدائري مغلق من قبل المتظاهرين المعارضين لإصلاح نظام التقاعد#السياق #Paris pic.twitter.com/XzzgFoCndD
— السياق (@alsyaaq) March 17, 2023
احتجاجات صاخبة
تجمّع آلاف المتظاهرين في ساحة كونكورد الباريسية، بعد إعلان تمرير التعديل من دون تصويت، رافعين أعلام النقابات وأحزاب يسارية، وقد انتشرت في مواجهتهم أعداد كبيرة من رجال الشرطة، قطعوا الجسر المؤدي إلى الجمعة الوطنية.
وشهدت شوارع عديد من المدن الفرنسية مواجهات بين الشرطة والمحتجين على تمرير قانون نظام التقاعد.
غربي البلاد، وتحديدًا في رين ونانت، سجّلت تظاهرات تخلّلتها أعمال عنف وإطلاق مفرقعات باتجاه قوات الأمن وتخريب لأملاك عامة.
ووصل مشروع القانون إلى مرحلته النهائية الخميس، إذ كان يفترض عرضه على تصويت النواب.
ومن الواضح أن قرار ماكرون إقراره قبل التصويت، يدلّ على عدم تمكّن فريقه من حشد أكثرية في الجمعية الوطنية.
وفي ظلّ حالة عدم اليقين، اجتمع مجلس الوزراء قبل بدء جلسة البرلمان الحاسمة، وأٌقرّ -خلال هذا الاجتماع- السماح للحكومة باللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتمرير مشاريع قوانين من دون طرحها للتصويت، من خلال تولّي الحكومة مسؤوليتها.
حتّى تلك اللحظة، كان إيمانويل ماكرون قد أعلن أنّه لا يريد اللجوء إلى هذه المادّة، وأنّه يفضّل أن يصوّت النواب على مشروع القانون. غير أنّ ائتلافه لا يملك أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية، الأمر الذي يضطرّه إلى الاعتماد على أصوات نواب من حزب "الجمهوريين" اليميني التقليدي.
الشرطة الفرنسية تفرق تظاهرات منددة بتمرير قانون إصلاح نظام التقاعد قرب البرلمان في #باريس.#السياق #فرنسا pic.twitter.com/jDnO8idzCJ
— السياق (@alsyaaq) March 16, 2023
مخاطرة كبيرة
بعد مفاوضات لا حصر لها وحسابات محمومة واجتماعات عدة، رأت السلطة التنفيذية أنّ الذهاب إلى التصويت على مشروع القانون الذي يرفع سنّ التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً، مخاطرة كبيرة.
وشدّدت بورن –الخميس- في تصريح لقناة "تي إف 1" على أن الجهود بُذلت حتى اللحظة الأخيرة لمحاولة عرض المشروع على التصويت.
ويُعد اللجوء إلى المادة 49.3 نكسة في رأي عديد من المحلّلين السياسيين.
كما أنّ المعارضة انتقدت هذا القرار.
وقال زعيم الشيوعيين في البرلمان فابيان روسيل، إنّ "البرلمان سيتعرّض للسخرية والإهانة إلى أقصى حدّ".
من جهتها، قالت مارين لوبان رئيسة كتلة نواب حزب اليمين المتطرّف "التجمّع الوطني"، إنّ القرار "فشل ذريع لهذه الحكومة... ولإيمانويل ماكرون".
صيحات استهجان خلال جلسة البرلمان الفرنسي للتصويت على إصلاح قانون التقاعد.#السياق #فرنسا #France pic.twitter.com/0av9qvAUiR
— السياق (@alsyaaq) March 16, 2023
تصويت لحجب الثقة
تواجه الحكومة -بقيادة إليزابيث بورن- مقترحات لحجب الثقة من أحزاب المعارضة.
وبينما يتمتّع نواب الائتلاف الرئاسي بأغلبية نسبية، سيكون على نواب أقصى اليسار وأقصى اليمين أن يتوافقوا، كما أنهم يحتاجون إلى تصويت حزب "الجمهوريين" أيضاً.
"التجمّع الوطني" أعلن أنّه سيصوّت "على جميع الاقتراحات (لحجب الثقة) بصرف النظر عن الجهة التي تقدّمها"، لكن زعيم "الجمهوريين" إيريك سيوتي حذّر من أنّ حزبه لن يصوّت على "أيّ منها"، الأمر الذي يبدو أنّه يزيل خطر حجب الثقة عن الحكومة.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد تغيير في هذا الموقف، إذ أوضح النائب عن حزب "الجمهوريين" أوريليان براديي على سبيل المثال أنّه "سيطرح" نهاية الأسبوع "مسألة" التصويت على اقتراح تقدّمت به مجموعة برلمانية صغيرة من أحزاب الوسط.
كذلك، أعلنت مارين لوبان أنّها ستقدّم اقتراحاً لحجب الثقة نيابة عن حزبها، وهو ما أعلنه أيضاً جوليان بايو وهو نائب عن حزب الخضر الذي ينتمي إلى ائتلاف الأحزاب اليسارية، الذي أعلن أنّه سيقدّم اقتراحاً لحجب الثقة "عابراً للأحزاب".
وقال: "قد تكون هذه المرة الأولى التي يمكن فيها لمقترح لسحب الثقة أن يطيح الحكومة"، متّهماً إياها بأنّها "مستعدّة لإشعال النار وإراقة الدماء"، وأضاف: "يريدون الفوضى في الجمعية والشارع".
زخم جديد
وقال خبير الرأي العام أنطوان بريستييل، من مؤسسة "جان جوري" لوكالة فرانس برس: "في الشارع، سيُمنح هذا الأمر زخماً جديداً للتعبئة".
وشدّد على أن "المادة 49.3 في خيال الفرنسيين مرادفة للوحشية، إنّه الشعور بأنّ الحكومة لا تصغي".
وأكّد الأمين العام لـ"الكونفيدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل" لوران برجيه: "من الواضح أنه ستكون هناك تحرّكات جديدة، لأنّ الاحتجاج قوي للغاية".
ومنذ 19 يناير، تظاهر آلاف الفرنسيين في ثماني مناسبات للتعبير عن رفضهم لهذا الإصلاح.
وغطّت القمامة أرصفة العاصمة الفرنسية، التي تعدّ إحدى أبرز الوجهات السياحية في العالم، في الوقت الذي عمّت فيه رائحة كريهة المكان.
وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ أغلبية الفرنسيين تعارضه، رغم أنّ عدد المتظاهرين في الشوارع والمضربين عن العمل انخفض بمرور الوقت.
واختارت الحكومة الفرنسية رفع سنّ التقاعد القانوني، استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان.
وفرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد، من دون أن تكون أنظمة التقاعد قابلة للمقارنة بغيرها من الدول.
وفي السياق، قال وزير الضمان الاجتماعي الإسباني جوزيه لويس إسكريفا إنّ "فرنسا لديها نظام... غير قابل للحياة".
وأضاف: "بسبب فشلها في معالجة المشكلة بالوقت المناسب، كما فعلنا نحن، عليها الآن أن تتبنّى مقاربة... تولّد مقاومة اجتماعية".