بعد اتفاق المعارضة عليه... هل ينتزع كمال كليجدار رئاسة تركيا من أردوغان؟
يسعى تحالف المعارضة، المصمم على إحداث تغيير، إلى إعادة إرساء النظام البرلماني في تركيا، بعدما حوَّله أردوغان إلى نظام رئاسي، يستأثر فيه رئيس الجمهورية بالسلطة التنفيذية.

السياق
بعد أشهر من الجدل الحاد، اتفقت المعارضة التركية على توحيد صفوفها وتجنُّب تشتيت أصواتها، باختيار مرشح واحد لمواجهة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، في الانتخابات المرتقب إجراؤها في مايو المقبل.
ووقع اختيار المعارضة على كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط، وهو حزب المعارضة العلماني الرئيس في البلاد.
ويستمد كليجدار أوغلو دعمًا معنويًا كبيرًا من انتصار المعارضة عام 2019 حين ألحق حزب الشعب الجمهوري الهزيمة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي ينتمي إليه أردوغان، في اسطنبول ومدن كبيرة بالانتخابات المحلية، بفضل دعم أحزاب المعارضة.
إقصاءأردوغان
كليجدار (74 عامًا)، اختاره تيار المعارضة الذي يضم ستة أحزاب، وتشير التكهنات إلى أن المرشح المحتمل سينافس بقوة على رئاسة تركيا، التي لم تفلت من حكم أردوغان عشرين عامًا، شهدت خلالها أزمات اقتصادية وسياسية عنيفة، فاقمتها قضايا داخلية وإقليمية.
وأنهى اختيار كليجدار شهورًا من الجدل الحاد بين قادة المعارضة التركية، باتفاقهم على ترشيح قائد الحزب العلماني الرئيس، لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقررة 14 مايو.
"سنقضي على أنفسنا!"
ينص الاتفاق، الهادف إلى تجنُّب تشتيت أصوات المعارضة، على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، على أمل إنهاء حكم أردوغان المستمر منذ عقدين.
وقال كليجدار أوغلو، أمام حشد كبير من المؤيدين، بعد انتهاء محادثات متوترة بين الأحزاب المعارضة استمرت ساعات: "كنا سنقضي على أنفسنا لو انقسمنا".
وتابع: "سنعمل على ترسيخ قوة الأخلاق والعدالة"، مضيفًا: "نحن، بصفتنا تحالف الأمة، سوف نقود تركيا على أساس التشاور والتسوية".
وشدد الزعيم المعارض، المتحدر من الأقلية العلوية، على أن "القانون والعدالة سيسودان".
في مقر حزبه ووسط الهتافات المؤيدة قال كليجدار أوغلو وقد وقف إلى جانبه رئيسا بلديتي اسطنبول وأنقرة أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، المنتميان لحزب الشعب الجمهوري: "سنعيد للشعب ما سُلب منه (...) لست المرشح، المرشح هو نحن جميعنا".
النظام البرلماني
إلى ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن التنافس سيكون محتدما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي ستحدد ليس فقط من يقود تركيا وإنما كيف تُحكم وإلى أين يتجه اقتصادها وما هو الدور الذي قد تلعبه لتخفيف الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
ويسعى تحالف المعارضة، المصمم على إحداث تغيير، إلى إعادة إرساء النظام البرلماني في تركيا، بعدما حوَّله أردوغان إلى نظام رئاسي، يستأثر فيه رئيس الجمهورية بالسلطة التنفيذية.
وحال انتخاب كليجدار أوغلو رئيسًا، سيعين قادة الأحزاب المنضوية في التحالف، نوابًا للرئيس.
وينص الاتفاق على اضطلاع رئيسي بلدية أنقرة واسطنبول بدور أساسي، وقال كليجدار أوغلو إنهما سيعيّنان نائبين للرئيس "في الوقت المناسب".
ويخوض أردوغان اختبارًا حاسمًا، في الانتخابات التي يراها عديدون الأكثر أهمية في تركيا، منذ إعلان الجمهورية قبل نحو قرن.
الزلزال
يحتاج الرئيس البالغ 68 عامًا، إلى تجاوز عقبتي الأزمة الاقتصادية والزلزال المدمر، في محاولته للبقاء في الحكم، بعد أكثر من عشرين عامًا، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن سباق الرئاسة سيكون محتدمًا.
وبدا قبل الاتفاق، أن مهمة أردوغان تيسّرت قليلًا مع انسحاب واحدة من القادة الرئيسين في تحالف المعارضة، المكون من ستة أحزاب، من محادثات الجمعة.
ورأت ميرال أكشينار أن كليجدار أوغلو يفتقر إلى تأييد الرأي العام لهزيمة أردوغان في الانتخابات الرئاسية، داعية إلى ترشيح واحد من رئيسي بلديتي اسطنبول وأنقرة.
وقال رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش للصحفيين، بعد اجتماع مع أكشينار: "أمتنا لا يمكنها تحمُّل الانقسام".
بدوره، قال رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو إن الحفاظ على التحالف "مهم خصوصًا في الأيام الصعبة التي تمر بها تركيا بعد الزلزال".
وأدى التعهّد بتعيين رئيسي البلديتين نائبين للرئيس دورًا أساسيًا في إقناع أكشينار بالعودة عن رأيها.
آمال اقتصادية
كانت آخر مرة اتحدت فيها المعارضة، لإطاحة حلفاء أردوغان في الانتخابات البلدية، عام 2019.
وحطمت قدرتها على استعادة رئاسة بلدية أكبر مدينتين في البلاد هالة أردوغان، ومهدت الطريق لاحتمال عودة حزب مؤسس الدولة العلمانية مصطفى كمال أتاتورك إلى السلطة.
جادل كليجدار أوغلو بأن على يافاش وإمام أوغلو البقاء في منصبيهما رئيسين للبلديتين، لتجنُّب إجراء انتخابات جديدة، يمكن أن تعيد أيًا من المدينتين إلى إدارة حزب أردوغان.
واتفق زعماء المعارضة الستة في نصّ منفصل –الاثنين- على إبقاء الباب مفتوحًا أمام تعيين يافاش أو إمام أوغلو نائبًا للرئيس، بمجرد اكتمال الانتقال إلى نظام جديد للسلطة.
يأتي ذلك في ظل تراجع تأييد الأتراك لأردوغان، بعد أن اعتمد سياسة نقدية مخالفة للنهج الاقتصادي التقليدي، أواخر عام 2021 إذ قضى بخفض معدلات الفائدة بشكل كبير، لمحاولة كبح التضخم.
وأدت سياسته إلى أزمة نقديّة، أتت على مدخرات المواطنين، وأوصلت معدل التضخم السنوي إلى 85%.
عقب إعلان المعارضة، ارتفعت أسهم الشركات التركية وسندات يوروبوند، وسط تزايد آمال مستثمرين بأن يتمكن المرشح المشترك من التغلب على أردوغان، والعودة لتطبيق سياسات نقدية تقليدية، بعد سنوات من الاضطرابات.
وتعهد كيليتشدار أوغلو بمنح البنك المركزي استقلاليته، وحريته في رفع أسعار الفائدة، حال فوزه.
التخلص من هذه الحكومة
وقال نائب رئيس حزب الشعوب الديمقراطي اليساري المؤيد للأكراد مدحت سنجار –الاثنين- في تصريح لمحطة خبر تورك التلفزيونية، إن فصيله السياسي قد يدعو لتأييد كليجدار أوغلو "للتخلص من هذه الحكومة".
ويعد الحزب ثالث أكبر تكتل في البرلمان وحصد في الانتخابات التشريعية الأخيرة 12 بالمئة من الأصوات.
ورغم أن طريقة تعامل الرئيس التركي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، نالت إشادة وعززت تأييده، فإن الزلزال الكارثي الذي وقع الشهر الماضي، وأودى بحياة أكثر من 45 ألف شخص في تركيا ونحو ستة آلاف في سوريا، يهدد بإنهاء مسيرته السياسية.
واعترف أردوغان بأن الحكومة كانت بطيئة الاستجابة، في الأيام الحاسمة الأولى للأزمة، وطلب من الناخبين قبول اعتذاره عن بعض التأخير في عمليات الإنقاذ.
ونفى الرئيس التركي شائعات تأجيل الاقتراع، إلى موعد أكثر ملاءمة له من الناحية السياسية. وقال الأسبوع الماضي: "نحن لا نختبئ وراء الأعذار" وأكد في اجتماع لمجلس الوزراء الاثنين: "لن نرتاح حتى تُستأنف الحياة الطبيعية في منطقة الزلزال".