في محاولة لتعزيز صورته... خامنئي يكثف أنشطته ردًا على الحركة الاحتجاجية

تقول صحيفة نيويورك تايمز، إن المحتجين الإيرانيين ركزوا غضبهم خلال الاحتجاجات على خامنئي تحديدًا، وحملوه مسؤولية القيود الاجتماعية.

في محاولة لتعزيز صورته... خامنئي يكثف أنشطته ردًا على الحركة الاحتجاجية

ترجمات – السياق

مع تراجع وتيرة الاحتجاجات القوية، التي شهدتها إيران خلال الأشهر الماضية، يسعى المرشد الأعلى علي خامنئي، إلى تعزيز سلطة النظام، من خلال تبني دور أكثر نشاطًا في الحياة العامة، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وأوضحت الصحيفة، أن المرشد الأعلى، وصُناع القرار في إيران، اتخذوا خطوة وصفتها بـ"المهمة" مطلع فبراير الجاري، عندما أعلنوا العفو عن آلاف السجناء، بينهم سجناء شاركوا في التظاهرات المعادية للنظام، التي أشعلها قتل الفتاة مهسا أميني، 22 عامًا، على يد شرطة الأخلاق في سبتمبر الماضي، بدعوى عدم ارتدائها الحجاب بالشكل اللائق، وهي التظاهرات التي خفتت الآن.

وأشارت إلى أن آخر ظهور للمرشد العام بثه التلفزيون الإيراني، كان وهو يَؤُمُّ مجموعة من الفتيات اللاتي ارتدين أغطية ملونة للرأس، بخلاف الصورة السائدة للمرأة الإيرانية، التي ترتدي دائمًا غطاء الرأس الأسود.

بينما ظهر في لقاءات أخرى -تؤكد دوره وتدخله في شؤون الدولة- مع عدد من الصناعيين ورجال الأعمال.

 

استعدادات التغيير

وتعليقًا على هذه المشاهد، رأت "فايننشال تايمز" أن التغير في تأكيد الأمور لا يعني أن المرشد، البالغ من العمر 83 عامًا، مستعد لتغيير الطابع الديني للنظام، الذي يحكم البلاد منذ عام 1979.

وأشارت إلى أنه عوضًا عن ذلك، فإن المظهر العام الواضح لخامنئي محاولة لإدارة الصورة، وأنه يعالج بعض الموضوعات التي تواجه إيران.

ونوهت الصحيفة إلى أن البلاد شهدت في سبتمبر الماضي احتجاجات صاخبة على قتل الشابة الكردية التي ماتت بعد اعتقال شرطة الأخلاق لها، لأنها لم ترتدِ الحجاب بطريقة مناسبة، لافتة إلى أن المحتجين ركزوا غضبهم على خامنئي تحديدًا، وحملوه مسؤولية القيود الاجتماعية التي رأت أن أميني خرقتها، إلى جانب السخط العميق على القمع السياسي في إيران، والاقتصاد الراكد.

واكتسبت حركة الاحتجاج زخمًا استمر أربعة أشهر، قبل أن تتلاشى، وحل محلها الغضب والإحباط، بينما عزز إعدام أربعة محتجين بتهمة قتل وجرح قوى الأمن، شعور العجز لدى الإيرانيين، وفق وصف الصحيفة البريطانية.

في المقابل، يقول المتشددون، الذين يتهمون الغرب والقوى الإقليمية بإثارة التظاهرات، إن خامنئي خرج قويًا، بينما نظم أنصار النظام مسيراتهم الخاصة، احتفالاً بذكرى الثورة الإيرانية، التي توافق الحادي عشر من فبراير كل عام.

 

الإفراج عن المحتجين

ونقلت الصحيفة عن السياسي المتشدد حامد رضا ترغي، معلقًا على قرار الإفراج عن المحتجين، قوله: "ضحكت المعارضة على بعض الشُبان غير الناضجين، وعفا عنهم المرشد"، مشددًا على أن خامنئي لن يغير مبادئ الجمهورية الإسلامية.

وأضاف: "حتى لو خرج مليون شخص إلى الشوارع للاحتجاج، سيظلون أقلية، فهذا نظام جذوره عميقة داخل البلد والشرق الأوسط، ولا يمكن اقتلاعه".

أما المعارضة فطالبت بإنهاء السلطة "المطلقة" لخامنئي، القائمة على الدستور، وإنشاء مؤسسة علمانية ديمقراطية جديدة، إلا أن عجز حركة المعارضة عن تقديم تغيير واضح وذي معنى، يؤكد صعوبات التعامل مع نظام واسع، ولديه شبكة اقتصادية متعددة الوجوه من الموالين، حسب الصحيفة البريطانية.

 

نظام بديل

وبينت "فايننشال تايمز" أنه رغم تنامي أصوات المعارضة، خلال المظاهرات التي استمرت أشهرًا، لم يقدم أي من منتقدي النظام بديلاً قابلاً للاستمرار عن النظام الحالي، كما لم يتقدم أي قائد معارض للصف الأمامي يحظى بشعبية.

ونقلت عن أحد المحللين الإصلاحيين، قوله: "يشعر النظام بأنه محظوظ للغاية، لعدم ظهور بديل موثوق به، حتى خلال الاحتجاجات الأخيرة".

وترى الصحيفة البريطانية، أن الموقف العدواني للنظام تجاه الغرب لم يتغير، بل ليس هناك أي إشارات لتقديمه تنازلات تتعلق بالبرنامج النووي، حتى مع تأثر اقتصاد البلاد بالعقوبات الأمريكية القاسية.

وأوضحت أن إيران لن تتراجع عن بيع المُسيرات القتالية لروسيا، التي تستخدمها في الحرب ضد أوكرانيا، ما دام المتشددون يسيطرون على مفاصل الدولة.

بينما حذر الإصلاحيون، الذين لا يحتلون مناصب بارزة في الدولة، بل بمجرد روابط وصلات محدودة مع النظام، من أن سياسات كهذه ستغذي الغضب والمعارضة المتزايدة داخل المجتمع.

وحثَّ هؤلاء الإصلاحيون، النظام على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية 2015 النووية، بحيث تؤدي إلى تخفيف العقوبات، كما طالبوا بحرية الإعلام والقضاء المستقل وتخفيف القيود السياسية والاجتماعية والثقافية.

ففي مقابلة مع صحيفة محلية، عبر نائب الرئيس السابق محمد علي أبطحي عن موافقة النظام على إصلاحات "متواضعة" لعدم وجود خيارات أخرى أمامه، إلا أن المعارضة ترى أن أنصاف الحلول لن ترضي مطالب الطبقة المتوسطة، التي قادت التظاهرات الداعية للديمقراطية.

 وفي بيان هذا الشهر لرئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، المعارض للنظام، وتحت الإقامة الجبرية منذ أكثر من عقد، أنه لم يعد يؤمن بإصلاحات دستورية، ويدعم تغيير النظام بدلاً من ذلك.

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه رغم دعم كثير من الإيرانيين لما قاله موسوي، فإن الإصلاحيين المقربين من الرئيس السابق محمد خاتمي، يرون أن إطاحة النظام ستطلق العنان للقوى المدمرة، وستكون باهظة الثمن، وحثوا المرشد الأعلى على الشروع في إصلاحات جوهرية، لكن حتى هذا لن يكون كافيًا للبعض.

وتعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة عن الممرضة، العائلة الوحيدة لولدها، مليحة (44 عامًا) قولها: "خُدعنا بما يكفي، ويجب أن تنتهي الجمهورية الإسلامية"، موجهة حديثها للمرشد الأعلى: "كفى... فإني لم أعد أرى أي مستقبل لي ولابني في هذا البلد".

من جانبه، قال سعيد لايلاز، المحلل الإصلاحي: إن اليأس، وتراجع شرعية النظام، أصبح أكبر تحدٍ، في وقت لم يكتشف فيه المتشددون خطورة الوضع.

وأضاف: "فقدَ المجتمع الأمل، لكن التلفزيون الحكومي يواصل نشر الكراهية، ويثير المتشددون هذه النظرة القاتمة"، متابعًا: "وفي هذا الوضع يعد خامنئي الأمل الوحيد لمن يريدون الإصلاح، لأنه المرجعية الوحيدة التي تستطيع الموافقة عليه".