زيارة الرئيس الصيني لموسكو... هل تؤثر في مسار الحرب الأوكرانية؟
تترقب أوكرانيا بقلق زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الى الكرملين اليوم الاثنين، خشية أن تقرر بكين، الحليفة الاستراتيجية لروسيا، نهاية المطاف، تسليم أسلحة لموسكو للتأثير في نتيجة الحرب.

السياق
وسط زخم عالمي كبير وترقب وترصد من دوائر صنع القرار الغربية، تأتي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، لعقد قمة مع نظيره الروسي، بعد أيام من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق فلاديمير بوتين، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.
"زيارة الدولة" التي تستمر ثلاثة أيام، تأتي وسط قلق أوكراني مخافة أن تتخلى الصين عن حيادها، وتدعم روسيا على نطاق أوسع وتمدها بالأسلحة، لكن بكين، من ناحيتها وعلى لسان رئيسها، تسافر إلى موسكو محملة بالحلول السياسية وداعية للسلام.
الرئيس الصيني شي جين بينغ، قال –الاثنين- إن اقتراح بلاده بشأن كيفية التوصل إلى تسوية للحرب في أوكرانيا، يعد إنعكاسًا لوجهات نظر عالمية، ومساهمة في تفادي عواقب الأزمة، مؤكدًا في الوقت ذاته حقيقة أن الحلول ستكون صعبة التنفيذ.
وأشاد شي جينبينغ وفلاديمير بوتين –الاثنين- بمتانة شراكتهما، قبل ساعات من وصول الرئيس الصيني إلى موسكو لعقد قمة مع نظيره الروسي المعزول على الساحة الدولية.
الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام، أول زيارة دولة لشي إلى روسيا، التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مهمة مع الصين، منذ قرابة أربع سنوات.
مقال الرئيس الصيني
في مقال كتبه الرئيس الصيني ونشرته صحيفة روسيسكايا غازيتا التابعة للحكومة الروسية، وصف شي الزيارة بأنها "رحلة صداقة وتعاون وسلام، بينما ينظر الغربيون بحذر إلى العلاقة بين البلدين.
وكتب شي: "أتطلع إلى العمل مع الرئيس بوتين لنعتمد معًا رؤية جديدة" للعلاقات الثنائية.
وفي مقال نشرته صحيفة صينية -الاثنين- أثنى بوتين على "عزم الصين على لعب دور بناء في تسوية" النزاع مؤكدًا أن "العلاقات الروسية الصينية بلغت ذروتها التاريخية".
ويقوم شي جينبينغ بزيارته، بعد أيام على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، على خلفية "الترحيل غير القانوني لأطفال من المناطق المحتلّة في أوكرانيا إلى روسيا الاتّحاديّة" منذ بدء الغزو الروسي لهذا البلد.
إملاء النظام الدولي
وتمنح زيارة الرئيس الصيني دفعًا لبوتين، الذي يواجه عزلة دبلوماسية وتحدى الغرب نهاية الأسبوع بزيارة ماريوبول، المدينة الأوكرانية التي دمرها القصف الروسي.
وغالبًا ما يشير شي جينبينغ، الذي باشر ولاية رئاسية ثالثة غير مسبوقة في الصين، إلى بوتين على أنّه "صديق قديم".
وحصل تقارب في السنوات الأخيرة بين بكين وموسكو، اللتين أعلنتا -العام الماضي- شراكة "غير محدودة" قبل ثلاثة أسابيع من بدء الهجوم على أوكرانيا، ويشكل البلدان جبهة مشتركة بوجه الغرب، حسب وصف الوكالة الفرنسية.
وامتنعت الصين عن إدانة الغزو الروسي، وتنتقد الولايات المتحدة لإرسالها إمدادات عسكرية إلى أوكرانيا، والحلف الأطلسي لعدم أخذه "بهواجس روسيا" الأمنية.
تزويد بالأسلحة
من الجانب الآخر أوردت الولايات المتحدة وحلف الناتو، عزم الصين على إمداد روسيا بالأسلحة، وحذراها من الإقدام على هذه الخطوة، وهو ما نفته بكين، التي تدعو -في خطابها العام- إلى انتهاج لغة الحوار واحترام وحدة وسلامة أراضي جميع الدول، بما فيها أوكرانيا.
وكتب شي جينبينغ في المقال: "لا يجدر بأي بلد أن يملي النظام الدولي"، متابعا: "طالما دافعت الصين عن موقف موضوعي ومحايد مبني على أساس المشكلة، وشجعت -بشكل نشط- على عقد مفاوضات سلام".
عشاء الاثنين
غير أن هذا الموقف يبدو فاترًا بنظر عدد من الدول الغربية، التي ترى أن الصين تقدم بذلك دعمًا ضمنيًا للغزو الروسي.
كما يرى الغربيون أن دعوات بكين إلى السلام، لا يمكن أن تترجم في الوقت الحاضر إلى خطوات عملية.
وأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تؤيد دعوة صينية جديدة إلى وقف إطلاق النار خلال الزيارة، موضحة أن ذلك يعني ترسيخ السيطرة الروسية على الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا.
كما يشكك عدد من المحللين في قدرة شي جينبينغ بالتشجيع على تقارب روسي أوكراني، في ضوء العلاقات القائمة بين موسكو وبكين، وعدم امتلاكها كثيرًا من النفوذ على الكرملين.
ويعقد الرئيسان جلسة مغلقة الاثنين، تليها مأدبة عشاء، قبل أن يجريا محادثات الثلاثاء، كما نقلت وكالات الأنباء الروسية عن المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف.
إعلان مشترك
ويوقع الرئيسان بصورة خاصة بحسب أوشاكوف "إعلانا مشتركًا لترسيخ علاقات الشراكة الشاملة والعلاقة الاستراتيجية مع الدخول في عصر جديد"، كما يوقعان وثيقة تتعلق بالتعاون الاقتصادي الثنائي حتى 2030.
وأوردت صحيفة وول ستريت الأمريكية أن شي جينبينغ قد يجري كذلك محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد عودته إلى الصين، بشعار حياد بلاده المعلن.
قلق أوكراني
بالمقابل، تترقب أوكرانيا بقلق زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الى الكرملين اليوم الاثنين، خشية أن تقرر بكين، الحليفة الاستراتيجية لروسيا، نهاية المطاف، تسليم أسلحة لموسكو للتأثير في نتيجة الحرب.
ويأمل الأوكرانيون أن يسهم ضغط حلفائهم الغربيين على السلطات الصينية، بالحفاظ على هذا التوازن الهش.
وقال سيرغي سولودكي نائب مدير مركز التحليل الأوكراني "نيو يوروب" إن "توقعات أوكرانيا هي بالحد الأدنى: ألا تتدهور الأمور"، مضيفًا: الموضوع حساس لدرجة أن السلطات الأوكرانية لا ترغب في التعليق على هذه الزيارة المرتقبة من الاثنين الى الأربعاء، التي يلتقي فيها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ مرتين على الأقل.
وأشار مسؤول أوكراني كبير، رافضًا كشف اسمه، إلى أن بلاده تتابع هذه الزيارة.
وقال: "بالنسبة إلينا، من المهم أن تحافظ الصين على سياستها القائمة على الاحترام الثابت لوحدة أراضي دول أخرى" بعدما أعلنت موسكو ضم خمس مناطق أوكرانية.
في موازاة ذلك، اتهمت الولايات المتحدة بكين في فبراير، بأنها تدرس تسليم أسلحة لروسيا، في وقت يواجه هجومها على أوكرانيا مأزقًا.
وقال وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) لتلفزيون "سي بي إس"، "نحن مقتنعون بأن القيادة الصينية تعتزم تقديم معدات فتاكة" لروسيا.
وبحسب معلومات صحفية، فإن هذه المعدات تشمل ذخائر وطائرات من دون طيار.
وترى واشنطن أن بكين تقدم معدات غير فتاكة إلى روسيا.
وقال مسؤول أوكراني كبير رافضًا كشف اسمه، مطلع مارس: "إذا بدأوا تقديم الأسلحة، ستكون هذه مشكلة خطيرة بالنسبة إلينا".
مخاوف الأسلحة الصينية
من جهته قلل الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني أوليكسي دانيلوف من احتمال إرسال هذه الشحنات. وقال في مقابلة نُشرت الجمعة: "الصين (...) لن تكون متواطئة مع روسيا".
كذلك يرى المحلل الأوكراني يوري بويتا، وهو باحث مشارك في معهد أبحاث الدفاع والأمن الوطني ومقره تايبيه، أن هذا الأمر غير محتمل في هذه المرحلة.
وقال: "لا نتوقع تسليم دبابات ولا طائرات صينية ولا أنظمة إطلاق صواريخ متعددة صينية، على المدى القصير".