واشنطن بوست: زيارة شي إلى روسيا تكشف ملامح النظام العالمي الجديد

عرض الصين وروسيا كحليفين ضد الولايات المتحدة، يضفي أيضًا مصداقية على تأكيدات بوتين أن حرب أوكرانيا البوتقة التي من خلالها تنشئ روسيا النظام الجديد لما بعد أمريكا، بحسب واشنطن بوست.

واشنطن بوست: زيارة شي إلى روسيا تكشف ملامح النظام العالمي الجديد

ترجمات – السياق

قالت صحيفة واشنطن بوست، إن زيارة الدولة التي يجريها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، الاثنين، توفر دفعة معنوية للرئيس فلاديمير بوتين، وفرصة لعرض النظام العالمي الجديد، الذي يتباهى به كثيرًا، والذي يعتقد الزعيم الروسي أنه يخوضه، خلال حربه على أوكرانيا، حيث لم تعد الولايات المتحدة وحلف الناتو قادرين على إملاء أي شيء على أحد.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، في تقرير ترجمته «السياق»، أن زيارة شي إلى روسيا، التي تأتي بعد ترسيخ ولايته الثالثة في السلطة، تجمع رجلين نصّبا نفسيهما كقادة مدى الحياة، وتمهد الطريق لمواجهة عالمية، مع استعداد بكين لاستخدام شراكتها مع موسكو لمواجهة واشنطن، حتى لو كان ذلك يعني منح موافقة ضمنية على حرب بوتين «الوحشية» المزعزعة للاستقرار.

وقال ألكسندر غابيف، المحلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «إن النظرة القاتمة في الصين أننا ندخل عصر المواجهة مع الولايات المتحدة، بينما روسيا أحد الأصول والشريك في هذا الصراع».

 

اشتعال المواجهة

وأشار إلى أنه «يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المواجهة ستشتعل، أو تدفع ثلاث قوى نووية إلى شفا الحرب العالمية الثالثة، أو تكون مجرد علامة على بداية الحرب الباردة الثانية».

لكن زيارة شي تظهر انحيازا إلى جانب، حيث تصطف الصين وروسيا وإيران، ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي، في منافسة على النفوذ العالمي، وعلى تحالفات مع دول مثل جنوب إفريقيا والمملكة العربية السعودية، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وأشارت إلى أن رحلة شي، التي وُصفت في روسيا بأنها الحدث الدبلوماسي المميز لعام 2023، لا يمكن أن تأتي في لحظة أكثر فائدة لبوتين، فمع توقف عمليته العسكرية إلى حد كبير، وتزايد الخسائر العسكرية، وتلطيخ سمعته الشخصية بأمر اعتقال، بتهمة ارتكاب جرائم حرب من المحكمة الجنائية الدولية، أصبح الرئيس الروسي في حاجة ماسة إلى الدعم.

وبالنسبة للجمهور المحلي الروسي، ستعزز الأبهة الاحتفالية باستضافة الزعيم الصيني صورة بوتين كقيصر في العصر الحديث، تقول الصحيفة الأمريكية عن الزيارة التي تقام على شرفها مأدبة عشاء رسمية، في الغرفة المذهلة ذات الأوجه الحجرية، التي تعود إلى القرن الخامس عشر في الكرملين، أقدم مبنى في موسكو، الذي شيده إيفان الثالث، أمير موسكو الكبير، الذي اشتهر بكونه «جامعًا للأراضي» عبر ضم الدول المجاورة.

 

نظام ما بعد أمريكا

وتقول «واشنطن بوست»، إن عرض الصين وروسيا كحليفين ضد الولايات المتحدة، يضفي أيضًا مصداقية على تأكيدات بوتين أن حرب أوكرانيا البوتقة التي من خلالها تنشئ روسيا النظام الجديد لما بعد أمريكا.

ومع هبوط الرئيس الصيني في روسيا، وسط خطاب بوتين المحموم المناهض للغرب، فإن العالم يقف عند مفترق طرق خطير، فالزعيم الروسي علق معاهدة ستارت الجديدة، الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة النووية مع واشنطن، وعلق مستقبل بلاده على حرب طويلة وغير متوقعة، بينما تكاليفها الاقتصادية مذهلة، ويرسل الغرب -في الجهة الأخرى- أسلحة أكثر قوة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الدبابات والطائرات المقاتلة.

 

تقسيم العالم

بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن تحالف القادة «الاستبداديين» يؤدي إلى تقسيم العالم لمعسكرين متعارضين، ما يعيق التعاون بشأن تغير المناخ، ويخنق العمل العالمي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، ويشل المؤسسات الدولية ويزيد التوترات في المناطق المتنازع عليها.

وبينما يبحث بوتين عن حلفاء يمكنهم إرسال أسلحة أو تعزيز التجارة، أو على الأقل دعمه في المنتديات العالمية، فإن زيارة شي تتمحور أكثر حول وضع بكين على مستوى العالم أكثر من روسيا أو أوكرانيا، كما قال أليكسي تشيغاداييف، المحلل الصيني في جامعة لايبزيغ سابقًا والمحاضر في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو الذي غادر روسيا بسبب الغزو.

وعن زيارة شي، قال تشيغاداييف: «إنها رسالة للعالم مفادها: يمكننا التوسط في النزاعات الدولية ونحن شريك موثوق»، مشيرًا إلى أنها تحذير لواشنطن بضرورة التفاوض مع بكين وأوروبا بشأن أهمية الصين كقوة عالمية كبرى.

وأضاف أن الزيارة تبعث برسالة إلى آسيا الوسطى وإفريقيا والشرق الأوسط، مفادها أن الصين مصدر دعم أكثر قابلية للتطبيق من الولايات المتحدة.

 

الصين قائد جديد للعالم

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن شي قد يكون عازمًا أيضًا على التوضيح لبوتين، أنه إذا كان هناك نظام عالمي جديد، فإن الصين ستقوده، مشيرة إلى أن بكين أظهرت مؤخرًا نفوذًا عالميًا متزايدًا، من خلال التوسط في التقارب الدبلوماسي بين إيران والسعودية، وسط انزعاج واشنطن من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بسبب دعمه لجهود بوتين لإبقاء أسعار النفط مرتفعة، حتى يتمكن من تمويل الحرب.

ورغم أن الصين تصور نفسها على أنها طرف محايد عندما يتعلق الأمر بحرب بوتين في أوكرانيا، فإن الكرملين يعد شي أقوى داعم ضمني له، خاصة أنها ترفض إدانة الغزو، وألقت باللوم على الولايات المتحدة في الحرب، وتنتقد العقوبات الغربية التي تهدف إلى تجويع آلة بوتين الحربية للأموال.

ومع تعرض الاقتصاد الروسي لضغوط شديدة، أبقته الصين العام الماضي واقفاً على قدميه، بتعزيز التجارة مع روسيا -بما في ذلك زيادة حادة في الصادرات الصينية من الرقائق الإلكترونية التي تحتاجها موسكو لإنتاج الأسلحة- وارتفاع حاد في مشتريات النفط الروسي.

وتفاخر يوري أوشاكوف، المساعد الرئاسي الروسي، الجمعة، بأن روسيا والصين ستصلان إلى هدفهما لعام 2024 في تحقيق 200 مليار دولار من حجم التبادل التجاري قبل عام، وعام 2023، أشاد بعلاقة الزعيمين «الحميمة والثقة بشكل خاص».

أحد الأسئلة الرئيسة، كجزء من المواجهة العالمية المتزايدة، هو ما إذا كانت بكين ستقدم لبوتين أسلحة، ربما عبر طريق سري مثل كوريا الشمالية، في وقت حذرت فيه الولايات المتحدة بكين من ذلك، ما أثار الغضب بين كبار المسؤولين الصينيين، الذين يتهمون واشنطن بـ«النفاق» الصارخ بالنظر إلى التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية إلى كييف.

زيارة شي لموسكو.. هل تؤثر في مسار الحرب الأوكرانية؟

مقترحات صينية

ودعت الصين إلى وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا وبدء محادثات السلام، كجزء من اقتراح بـ 12 نقطة، بينما أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداده للتحدث مع شي.

لكن يبدو أن الخطة ليس لها فرص كبيرة للنجاح، لأنها لا تتناول الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ويزعم الكرملين أنه يولي الاقتراح «اهتمامًا كبيرًا» بينما يصر على أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام حتى تقبل أوكرانيا «حقائق جديدة»، في إشارة واضحة إلى ضم روسيا غير القانوني للأراضي الأوكرانية. بدوره تعهد زيلينسكي باستعادة جميع الأراضي «المحتلة»، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

وبينما قالت «واشنطن بوست»، إن مطالب موسكو معروفة، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف –الثلاثاء- إن الوضع الفعلي والحقائق الجديدة معروفة أيضًا.

وبصرف النظر عن ضعف الخطة، يمكن أن يتخذ شي موقفًا عالميًا، من خلال الإشارة إلى أن الصين العضو الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي لديه خطة سلام، مع تكرار موقف بوتين بأن إمدادات أسلحة "الناتو" إلى أوكرانيا لن تؤدي إلا إلى تفاقم التوترات.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن زيارة شي تأتي في الوقت الذي تقترب فيه موسكو وطهران كثيرًا، حيث تعتمد روسيا على الطائرات من دون طيار الإيرانية، لمهاجمة المدن الأوكرانية.

وأشارت إلى أنه في الوقت نفسه، تلاشى الأمل في إنعاش الاتفاق النووي الإيراني، المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، ما زاد خطر حصول إيران قريبًا على أسلحة نووية، بشكل قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأمن العالمي.

 

قواسم مشتركة

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن هناك كثيرًا من القواسم المشتركة بين بوتين وشي، فتعاريفهما الذاتية متطابقة في ما يتعلق بالديمقراطية واقتصاد السوق، وازدراء حقوق الإنسان، والأهم من ذلك الرغبة في إنهاء الهيمنة الأمريكية العالمية، وإعادة تشكيل المنظمات والأعراف الدولية، لتلائم المصالح الصينية والروسية.

وبحسب «واشنطن بوست»، فإن العشاء في غرفة الأوجه يسلط الضوء على كيف أنه بعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة، يبدو أن حقبة جديدة «مشؤومة» تبدو في متناول اليد، ففي الغرفة نفسها عام 1988، تبادل رونالد ريغان الخبز المحمص مع ميخائيل غورباتشوف أثناء زيارة دولة، أعلن فيها الرئيس الأمريكي انتهاء الحرب الباردة.

وبينما يبدو أن واشنطن وموسكو قد أكملتا دورة، إلا أنه على عكس الحرب الباردة الأخيرة، فحينما كان هناك انقسام بين الصين والاتحاد السوفييتي بشأن الخلافات الأيديولوجية، تبدو الصين مستعدة لمواجهة الولايات المتحدة وأوروبا مع وجود روسيا إلى جانبها، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقال غابوييف إن الصين متشائمة -بشكل متزايد- من العلاقات مع واشنطن، ومع نفوذ متزايد على روسيا «الضعيفة»، قررت تعزيز العلاقة بين البلدين.

 

دفعة رمزية

بينما يواجه بوتين مذكرة توقيف بشأن تهم جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية، فإن زيارة شي تعد دفعة رمزية مهمة، ما يدل على أنه يحتفظ بصديق قوي، رغم نبذه من الغرب.

وتقول «واشنطن بوست»، إنه بينما يضفي دعم شي مزيدًا من الشرعية على موقف بوتين في روسيا، حيث لا يزال السكان يدعمون حربه، فإن قادة في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية يرون بوتين رجلًا يستحق الاستمرار في التعامل معه.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن «يد روسيا الضعيفة ستزداد سوءًا في السنوات المقبلة، مع ركود اقتصادها تحت وطأة العقوبات، وانقطاعه عن التكنولوجيا العالمية وسلاسل التوريد».

ويناسب هذا التراجع المصالح الصينية، لكن بكين تريد أيضًا منع انهيار روسي في الحرب، التي يمكن أن تؤدي إلى سقوط نظام بوتين، وتقوية الولايات المتحدة وربما الدخول في فترة من الفوضى وعدم اليقين على طول 2600 ميل (الحدود بين الصين وروسيا).

وقال أليكسي ماسلوف، مدير معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية بجامعة موسكو الحكومية، إن عصر المواجهة الجديد «سيكون حربًا باردة طويلة الأمد بين المعسكرات المختلفة»، مشيرًا إلى أن التشرذم والاضطراب لن يعيق فقط الصين وروسيا وإيران، لكن أيضًا الولايات المتحدة وأوروبا.