وصفة غربية لمواجهة الملف النووي الإيراني.. هل تتضمن آلية الزناد؟

قال المجلس الأطلسي، إنه يجب وضع الخيار العسكري على الطاولة، كما نصح المسؤولون الأمريكيون السابقون، وصرح سلف بايدن الديمقراطي، باراك أوباما. 

وصفة غربية لمواجهة الملف النووي الإيراني.. هل تتضمن آلية الزناد؟

ترجمات -السياق 

ظهور تقرير غير رسمي للوكالة الدولية الطاقة الذرية، يفيد بالعثور على آثار يورانيوم مخصب بنسبة 84% قبل أيام، كان تطورًا أثار حفيظة المجتمع الدولي، وأطلق العنان لهواجس القوى الإقليمية، وقدم إشارة على اقتراب إيران من الحدود التقنية الكافية لصنع القنبلة النووية. 

إلا أن ذلك التقرير أعقبته زيارات ولقاءات أمنية وعسكرية على أعلى مستوى، وتصريحات إيرانية، في محاولة لتهدئة الأوضاع، وانتزاع فتيل غضب المجتمع الدولي، خاصة الثلاثي الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) الذي أصدر بيانًا تحذيريًا، لوَّح فيه بإحالة الملف النووي إلى مجلس الأمن. 

تلك الإحالة التي أرجئت إلى حين، كان من شأنها أن تمهد لاستخدام أطراف الاتفاق النووي «آلية الزناد»، التي أقرتها أطراف الاتفاق النووي لعام 2015، وتتيح لها إعادة الملف النووي الإيراني إلى نقطة الصفر، وإعادة فرض العقوبات الدولية التي كان قد ألغاها اتفاق 2015، من دون الحاجة إلى تصويت مجلس الأمن.

ورغم أن حملة الضغوط الدولية، التي كانت مزيجًا من الضغوط السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، خلال الأشهر الماضية أثبتت نجاعتها، في تليين الموقف الإيراني، إلا أن تراجع طهران أثار مخاوف من أن يكون محاولة لمنح مشروع إيران النووي فسحة من الوقت، يمكن للنظام خلالها الاستمرار في تطوير برامجه النووية والصاروخية، وصولاً إلى تجاوز العتبة النووية.

ذلك التراجع الإيراني كان على صعيدين، الأول التوافق المبدئي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما جنبه قرار إدانة جديد من مجلس حكام الوكالة، بينما الآخر: إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ما شكل صدمة لللاعبين الإقليميين والدوليين ووضعهم أمام احتمالات جديدة. 

ويقول المجلس الأطلسي، في تقرير ترجمته «السياق»، إن القوى العالمية حاولت عبثًا عزل الملف النووي الإيراني عن تلك الرياح المعاكسة لكنها لم تنجح، مشيرًا إلى أنه منذ سبتمبر 2022، ظلت المفاوضات مع طهران على الجليد. 

وأشار إلى أن على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الاعتراف باللحظة الفاصلة في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي، إلا أنه قال إنه يجب ألا يكون هذا أمرًا سلبيًا، لأنه فرصة لإعادة ضبط سياسة إيران عبر المحيط الأطلسي بشكل أكثر استدامة.

تحطيم الصورة النمطية

وعلى مدى عامين، سعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تشكيل واقع جيوسياسي وسياسي وتقني لبرنامج إيران النووي لم يعد موجودًا، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إن العملية العسكرية الروسية، أدت إلى تغيير جذري في هذا السياق الدولي، كما أنها أفسدت الوهم بأن مجموعة 5 + 1 الأصلية -بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة- يمكنها إجبار طهران على تقديم «نعم» للدبلوماسية. 

حسب المجلس الأطلسي، فإن لطهران نفوذاً أكبر على موسكو كي تصبح مورداً عسكرياً لها في أوكرانيا، وهو ما لم يكن كذلك عام 2015، ما جعل روسيا أقل استعداداً للضغط على إيران بشأن الملف النووي، إلا أن الأخيرة لم تكن مهتمة بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بشروط معقولة أكثر من عام. 

يأتي ذلك، بينما تحدث المرشد الأعلى علي خامنئي -مرارًا وتكرارًا-عن كيف أن العالم على حافة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث تكون الولايات المتحدة معزولة، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك «انتقال للقوة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى العلمية من الغرب إلى آسيا». 

هذا الموقف هو الذي حفّز التفكير الاستراتيجي الإيراني، ودعم قرارها المصيري عام 2022 بتوفير العتاد لروسيا، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إن خامنئي تأقلم مع هدفه المتمثل في اقتصاد مقاوم لتحييد العقوبات بهذه العقلية، بل كانت هناك مقاومة لاتفاق نووي مؤقت، حيث رفضت طهران مرة واحدة من مرات عدة منذ عام 2021، ويبدو أنها مهتمة أكثر باستخدام العملية الدبلوماسية كغطاء لبناء برنامجها النووي بدلاً من الاتفاق.

ويقول المجلس الأطلسي إن هناك أيضًا حركة تاريخية من أجل الحرية تتبلور في إيران، مشيرًا إلى أنه غالبًا ما تنفر الولايات المتحدة من دعم المتظاهرين في إيران، للنوع المثير للجدل لتغيير النظام الذي أعقب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. 

مع ذلك، فإن هذا هو ضبط النفس ذاته -مع تخفيف العقوبات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة- الذي يعد -من المفارقات- أحد أشكال التدخل، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إن طهران تخاطر بإضعاف النضال الإيراني من أجل الديمقراطية، من خلال تمكين النخبة الدينية، بينما ينظر الإيرانيون إلى محاولات تزويد النظام من خلال الإغاثة الاقتصادية، على أنها تدخل خارجي في منافسة سياسية محلية.

دبلوماسية وتصعيد

وبحسب المجلس الأطلسي، فإن طهران شجعت على الاستمرار في اختبار الخطوط الحمراء الدولية بغياب الردع النووي، مشيرًا إلى أنه بينما ظل الباب الدبلوماسي مفتوحًا عامين، حقق النظام أعظم تقدمه. 

وبين مايو 2018 ويناير 2021، عندما كانت إدارة دونالد ترامب تنتهج سياسة الضغط الأقصى، قدمت إيران برنامجها النووي بحذر وبشكل تدريجي، وعكس ما يتجاوز حدود خطة العمل الشاملة المشتركة. 

واعترف المسؤولون الإيرانيون، بأن طهران انتظرت عامًا قبل أن تنتهك الاتفاقية، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إن هذا كان الحال بشكل خاص، منذ أن أظهرت الولايات المتحدة، في يناير 2020، استعدادها لاستخدام القوة، عندما شنت غارة قتلت قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ما عزز الردع على جبهات عدة.

تغير ذلك بعد ظهور نتائج انتخابات نوفمبر 2020، حيث يحسب النظام أنه يمكن أن يستغل الرغبة المعلنة لرئاسة بايدن للعودة إلى الامتثال المتبادل لخطة العمل الشاملة المشتركة، جنبًا إلى جنب مع اغتيال محسن فخري زاده (والد برنامج الأسلحة النووية الإيراني السابق) لتمهيد الطاولة للتصعيد الكبير الذي يفرضه القانون الإيراني: إعادة بدء تخصيب اليورانيوم إلى 20%، ثم 60% مع بدء المفاوضات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.

خطوات عدوانية

ويقول المجلس الأطلسي، إنه ما كان ذات يوم خطوات إيرانية محصورة وقابلة للانعكاس، خلال حملة الضغط الأقصى، تحول إلى خطوات أكثر عدوانية، حيث منحت واشنطن الأولوية للسعي للعودة إلى الامتثال المتبادل لاتفاق 2015 قبل كل شيء، إلى جانب أولويات الولايات المتحدة، المتمثلة في التركيز على آسيا، والانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من أفغانستان، وعدم الاهتمام بمواجهة إيران بشكل هادف في المنطقة (بصرف النظر عن بعض الضربات المستهدفة على وكلائها الإرهابيين، التي كانت قابلة للامتصاص بالنسبة للنظام، ولم يستهدفوا الأراضي الإيرانية).

وأشار إلى أن درجة تخفيف العقوبات المطلوبة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة -في هذه المرحلة- لا تستحق انتهاء وقت الغروب والجدول الزمني المنخفض للانفصال، بالنظر إلى التقدم النووي الذي لا رجعة فيه.

إعادة تعيين

بالنظر إلى هذه الحقائق وخطوط الاتجاه، فإن الولايات المتحدة وأوروبا تحتاج -بشكل عاجل- إلى سياسة جديدة مع إيران، تكون طريقة البدء، إما أن تستدعي بريطانيا أو فرنسا، بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، آلية العقوبات المفاجئة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، في خطوة من شأنها أن تحقق بعض الأهداف في وقت واحد، ما يؤدي إلى تحطيم حسابات صنع القرار الإيراني، التي أدت إلى التصعيد، على افتراض أن الولايات المتحدة وأوروبا ستبقى على طاولة المفاوضات، بصرف النظر عن الخطوات التي تتخذها طهران.

تلك الآلية ستعيد الديمومة إلى هيكل قيود الأسلحة الدولية المتقلصة بسرعة على إيران، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إنه في أكتوبر 2020، انتهى حظر الأسلحة التقليدية، ما وفر غطاءً قانونيًا لطهران وموسكو لانتشار الطائرات من دون طيار في أوكرانيا. 

وأشار إلى أنه على واشنطن وحلفائها رسم الخطوط العريضة لسياسة ذات ركائز عدة، يجب أن تشمل قيادة حملة عقوبات متعددة الأطراف ضد إيران، إلى جانب التنفيذ الصارم لحرمانها من الموارد. 

وأكد المجلس الأطلسي، أن من الضروري أيضًا شن حملة على رجال الأعمال المرتبطين بالنظام وعائلاتهم، باستخدام السلطات القضائية الغربية، لجني الأرباح من الفساد النظامي في طهران، لصقل خيارات النخبة الإيرانية وربما تشجيع الانشقاقات.

عزلة دبلوماسية وتهديدات عسكرية

وأكد ضرورة فرض عزلة دبلوماسية على إيران، مشيرًا إلى أنه بينما اتخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها خطوات لذلك، على مجموعة السبع تخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ما يوصل لصانعي القرار الإيرانيين أنها لن تعمل كالمعتاد.

وأشار إلى أنه يجب وضع الخيار العسكري على الطاولة، كما نصح المسؤولون الأمريكيون السابقون، وصرح سلف بايدن الديمقراطي، باراك أوباما. 

مع ذلك، كان الرئيس بايدن أكثر غموضًا وخجلًا من إشارات محددة، ولم يرد إلا أنه «إذا كان هذا هو الملاذ الأخير»، رافضًا نطق «عسكري أو قوة».

وطالب المجلس الأطلسي، المسؤولين الأمريكيين بإيقاف ممارسة إبعاد المسؤولين الأمريكيين فورًا عن عمليات التخريب في إيران -مع الحفاظ على الغموض الاستراتيجي كما اقترحت الأصوات الإسرائيلية- والتوقف عن تزويد المنافذ الإخبارية بالانطباع بأنها غير مستعدة للعمل عسكريًا ضد إيران. 

وأكد ضرورة ممارسة سياسة ضرب الأهداف المحصنة، لأن طهران تستوعب هذه الإشارات العسكرية بعناية وتؤثر عروض القوة في سياساتها، حيث قررت تعليق برنامج أسلحتها النووية في خريف 2003، بعد أشهر فقط من غزو الولايات المتحدة للعراق، خوفًا من أن تكون واشنطن تتطلع إلى إيران.

كما نصح آخرون، بأن على حكومة الولايات المتحدة أيضًا نقل GBU-57 Massive Ordnance Penetrator إلى إسرائيل، التي يمكن أن تخترق منشآت تحت الأرض مثل Fordow، وكذلك استئجار قاذفة B-2 كوسيلة توصيل، ما من شأنه أن يعزز الردع، حيث تخشى طهران هجومًا من إسرائيل أكثر مما تخشى الولايات المتحدة، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إنه يمكن رؤية ذلك في استهداف إيران لقواعد أمريكية، انتقامًا من الضربات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية في سوريا.

وغالبًا ما أثار الجدل الأمريكي بشأن إيران انقسامًا خاطئًا بين الحرب والدبلوماسية، لكن هناك اختلافات بينهما، فالضربة على منشأة عسكرية أو نووية إيرانية، لا تضمن بالضرورة حربًا إقليمية، بحسب المجلس الأطلسي، الذي استدل على رؤيته باستهداف قاسم سليماني.

وأكد أن على واشنطن وحلفائها التفكير في شن عمليات تستهدف القواعد العسكرية في إيران، انتقامًا من تزويدها روسيا بالأسلحة لاستخدامها ضد أوكرانيا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين بحاجة إلى سياسة جديدة تجاه إيران. 

وختم تقريره بتأكيد ضرورة تحول التركيز إلى حرمان طهران بشكل شامل من مواردها، وردع سلوكها الخبيث، ودعم الشعب الإيراني، مشيرًا إلى أن أولئك الذين يجادلون بأن الدبلوماسية الشبيهة بخطة العمل الشاملة المشتركة، السياسة الأكثر ديمومة يتجاهلون التاريخ، عندما أمضت القوى العالمية وقتًا أطول، في محاولة إنقاذ تلك الاتفاقية أكثر من أي وقت مضى.