إخوان المغرب... تكتيك قديم لترميم شعبية منهارة
أوضح الدكتور إياد المجالي لـ-السياق- أن الإخوان في المغرب -شأن باقي أطراف التنظيم- تيار براغماتي عاشق للسلطة ومستعد لتغيير قيمه ومبادئه بسهولة، والتكيف مع المتغيرات حسب مصالحه وأهدافه

السياق
متخذًا من القضية الفلسطينية مدخلًا لترميم شعبيته والنيل من حكومة كان المسؤول عنها، حاول تنظيم الإخوان في المغرب، العزف على وتر العاطفة لدى المغاربة، بإثارة نعرة العداء مع إسرائيل.
إلا أن الهدف الذي حاول إحرازه تنظيم الإخوان في المغرب سكن شباكه، وأصاب لاعبيه بإصابات قد تخرجهم من اللعبة السياسية، بعد البيان النادر والمدوي الذي أصدره الديوان الملكي، حاملًا في طياته التهديد والوعيد.
وخوفًا من مصير مشابه لرفقاء دربه في مصر وتونس وغيرهما من البلدان التي لفظته شعبيًا ورسميًا، تراجع تنظيم الإخوان خطوات، محاولًا استدرار عطف الملك محمد السادس، تارة بتأكيد الولاء له، وأخرى بالعزف على وتر الطرف الثالث الذي يحمله مسؤولية إخفاقاته وهزائمه وأفعاله التي يحاول التنصل منها.
فماذا حدث؟
قبل أيام، أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي قاد الحكومة المغربية في دورتين سابقتين، بيانًا انتقدت فيه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، واتهمته بالدفاع عن إسرائيل في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية.
بعد أيام، أصدر الديوان الملكي المغربي، بيانًا نادرًا، وجَّه فيه رسالة صارمة لحزب العدالة والتنمية الإخواني، ردًا على بيان الأخير، الذي تضمن «بعض التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة في ما يتعلق بالعلاقات بين المغرب وإسرائيل، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية».
وقال الديوان الملكي، إن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، ومن أولويات السياسة الخارجية للملك محمد السادس، مؤكدًا أن هذا الموقف مبدئي للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسية ولا للحملات الانتخابية الضيقة، في إشارة إلى محاولات تنظيم الإخوان استغلال تلك الانتقادات من باب العودة السياسية.
وخوفًا من مصير إخوان مصر وتونس، حاول الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخواني عبدالإله بن كيران، التراجع عن تلك التصريحات، متهمًا أطرافًا لم يحددها بمحاولة «التشويش بين الحزب وملك البلاد محمد السادس».
وقال بن كيران في لقاء نظمته نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب المقربة من الحزب الإخواني، السبت في العاصمة الرباط، إن الملك لن يفرط في الدين، ونحن أيضاً لن نفرّط في الملك، في إشارة إلى أنهم يمثلون الدين، ومحاولة للتأثير واستباق أي قرار للملك محمد السادس.
وبحسب مراقبين، فإن حزب العدالة والتنمية يحاول استغلال القضية الفلسطينية التي تحتل مرتبة مهمة لدى المغاربة، للدخول في معركة يسعى من خلالها لكسب أرضية، يرمم من خلالها شعبيته التي انهارت، على وقع أفعال التنظيم.
هل تنجح مناورة الإخوان؟
يقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الأصولية أحمد سلطان، في تصريحات لـ«السياق»، إن إثارة حزب العدالة والتنمية بالمغرب لمسألة التطبيع مع إسرائيل، مناورة سياسية لها أكثر من هدف، أولها: محاولة غسل يديه من اتفاق التطبيع الذي وقَّعه سعد العثماني، حينما كان على رأس السلطة.
وأوضح أن الهدف الثاني اختبار حدود شعبيته بعد الخسارة المدوية في الانتخابات الأخيرة، التي جعلت التنظيم يدفع بعبدالإله بن كيران مرة أخرى إلى مركز القيادة، لاستعادة الزخم والعودة إلى المشهد السياسي بقوة.
ثعلب الإخوان
وأشار إلى أن تنظيم الإخوان يحاول الدخول في العمل والأنشطة السياسية من باب المعارضة، عبر انتقاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي له مؤيدون كثيرون.
وبحسب الباحث في شؤون الجماعات الأصولية، فإن بيان الديوان الملكي المغربي، أطاح فرصة حزب العدالة والتنمية لترميم شعبيته، مؤكدًا أن عبدالإله بن كيران، الذي وصفه بـ«الثعلب» أدرك -نهاية المطاف- أن التصعيد لن يكون في صالحه، لذا فقد اختار أن يتراجع خطوة أو خطوات، حتى لا يكون هناك صدام مع القصر الملكي.
وفي ما يتعلق بأنشطة حزب العدالة والتنمية، كشف سلطان أنها ترتكز على عقد اجتماعات تلتقي فيها الأجيال الأحدث سنًا والأجيال القديمة، لنقل الأفكار وأجندة العمل السياسي، فضلًا عن نشاط شعبي، في محاولة لاستعادة شعبيته حتى يفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
حملة انتخابية مبكرة
بدوره، قال المحلل السياسي المتخصص في الشأن المغربي محمد حميدة، في تصريحات لـ«السياق»، إن التطورات الأخيرة بالمملكة، وتحديدًا من جانب حزب العدالة والتنمية الإخواني، يمكن قراءتها عبر محاور عدة، مشيرًا إلى أن توقيع عودة العلاقات والتطبيع كان في عهد العثماني، أي أن حزب العدالة والتنمية كان الحاكم حينها في المغرب، حين وقَّع على عودة العلاقات أو تطبيع العلاقات كما يسمى.
وبينما لم يصدر إخوان المغرب حين التوقيع أي بيان مشابه لذلك الذي أصدره مؤخرًا، يحاول حزب العدالة والتنمية، ترميم شعبيته، بحسب المحلل السياسي.
دغدغة العواطف
وأكد أن العلاقات بين المغرب وإسرائيل لم تدفع الرباط إلى الابتعاد عن القضية الفلسطينية، بل إنه كان دائمًا يشدد على حقوق الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية.
وعن بيان الديوان الملكي، قال حميدة إنه رسالة إلى الأحزاب السياسية كافة، خاصة أن الحديث في الشارع المغربي كان قد أخذ منحى مختلفًا، ضد الحكومة الحالية، مشيرًا إلى أن البيان قطع الطريق على الأحزاب الأخرى لانتهاز الفرصة للترويج لنفسها.
كما حمل البيان الملكي رسالة قاطعة لحزب العدالة والتنمية والخارج، بأن هذا الملف وهذه العلاقات لم تؤثر في القضية الفلسطينية، خاصة أن السياسة الخارجية من صميم اختصاص الديوان الملكي، بحسب المحلل السياسي، الذي قال إن الأحزاب غير مخولة برسم السياسة الخارجية في المملكة.
وأكد أنه بينما يعين الديوان الملكي وزارة الخارجية في المغرب، كان البيان رسالة مباشرة بعدم السماح بتغيير القواعد المعمول بها في المغرب، بمعنى أنه إذا سمح بمثل هذا الخروج والانتقاد فقد يفتح الباب لأحزاب أخرى بانتقاده في قضايا مشابهة أو في القضية ذاتها.
تجربة مغايرة
وشدد المحلل السياسي على أن تجربة العدالة والتنمية في المغرب مغايرة لتجارب الإخوان في الدول الأخرى، ودائمًا يؤكدون أنهم ليسوا على علاقة وطيدة بالتنظيم الدولي للإخوان، مؤكدًا أن النظام السياسي المعمول به في الرباط مختلف عن الدول الأخرى، ما يعني أن أقصى طموح الأحزاب هو الوصول لقيادة الحكومة.
وأوضح أن حزب العدالة والتنمية حكم فترتين متتاليتين، لكن في النهاية خسر موقعه في العملية السياسية، بسبب الانتخابات.
تيار براغماتي
على صعيد آخر، يرى الدكتور إياد المجالي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، في تصريحات لـ«السياق»، أن مسألة التطبيع في حد ذاتها، أغلقت الباب أمام مزايدات التيار الديني في المغرب، ما يعني أن محاولة "العدالة والتنمية" استغلال هذا الأمر دليل على قصور الرؤية السياسية.
وأوضح المجالي أن الإخوان في المغرب -شأن باقي أطراف التنظيم- تيار براغماتي عاشق للسلطة ومستعد لتغيير قيمه ومبادئه بسهولة، والتكيف مع المتغيرات حسب مصالحه وأهدافه، كما في مصر وبقية دول المنطقة، إذ إن المرجعية واحدة والرؤية متقلبة وتسير وفق غاياتها.
وفي ما يتعلق بخطواتهم المقبلة، خصوصًا في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، أكد أن إخفاقهم الأخير في إدارة ملف التطبيع واستغلاله شعبيا، سيؤثر في وجودهم بالشارع المغربي، ما يشكل تحديًا أمام إمكانية حصول الإسلاميين في حزب العدالة والتنمية على أصوات كافية، وتشكيل قوة أو تكتل سياسي مؤثر في الانتخابات المغربية المقبلة.
ولفت إلى قوة التيارات اليسارية والليبرالية في المغرب، التي تنفست الصعداء، بعد تراجع الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة، فضلًا عن أن البيان الملكي كان طعنة في «جنبات» محاولة الإسلاميين للعودة إلى الشارع السياسي.