هل تُعيد حرب أوكرانيا سباق التسلح النووي الروسي الأمريكي؟

الخارجية الأمريكية أبلغت الكونغرس، بأن روسيا أوقفت التفتيش المتبادل للمواقع النووية، ما يُمثل انتهاكًا لمعاهدة ستارت3 للأسلحة الهجومية الاستراتيجية النووية

هل تُعيد حرب أوكرانيا سباق التسلح النووي الروسي الأمريكي؟

ترجمات - السياق

مع مرور عام على الحرب الدائرة في أوكرانيا، تزداد المخاوف من أن تتحول إلى صدام مباشر بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة وروسيا)، لكنها هذه المرة لن تكون حربًا تقليدية، وإنما نووية، بعد تزايد المخاوف بشأن إلغاء اتفاقية ستارت الجديدة.

وكشفت صحيفة وول ستريت الأمريكية، أن الخارجية الأمريكية أبلغت الكونغرس، بأن روسيا أوقفت التفتيش المتبادل للمواقع النووية، ما يُمثل انتهاكًا لمعاهدة ستارت3 للأسلحة الهجومية الاستراتيجية النووية.

كانت روسيا والولايات المتحدة أعلنتا، في فبراير 2021، بدء سريان قرار تمديد معاهدة ستارت3 المبرمة بينهما، بشأن الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، خمس سنوات.

وأكدت الخارجية الروسية، في بيان حينها، أنها تبادلت مذكرات مع سفارة الولايات المتحدة في موسكو لاستكمال الإجراءات الداخلية اللازمة لدخول الاتفاق المبرم بين الطرفين بشأن تمديد المعاهدة حيز التنفيذ.

وأشار البيان إلى أن قرار تمديد المعاهدة دخل حيز التنفيذ رسميًا فبراير 2021، ليستمر سريان "ستارت 3" حتى الخامس من فبراير 2026 بصيغتها الأصلية من دون تغيير.

وقالت الخارجية الأمريكية، في تقريرها للكونغرس: روسيا انتهكت معاهدة ستارت الجديدة، الخاصة بقطع الأسلحة النووية طويلة المدى، برفضها السماح بعمليات تفتيش ميدانية، ورفض طلبات واشنطن بالاجتماع لمناقشة مخاوفها بشأن الامتثال.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن اكتشاف وزارة الخارجية أن موسكو "في حالة عدم امتثال" للاتفاق، يُمثل المرة الأولى التي تتهم فيها الولايات المتحدة روسيا بانتهاك المعاهدة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2011.

وأضافت الخارجية الأمريكية، أن الافتقار إلى عمليات التفتيش زاد صعوبة التحقق من عدد الرؤوس الحربية التي نشرتها روسيا بموجب الاتفاق.

 

زيادة التوترات

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن هذا الاكتشاف يأتي وسط مخاوف من أن التوترات الحادة بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، قد تعرض للخطر آفاق التعاون في الحد من التسلح، والتفاوض على اتفاقية متابعة، تدخل حيز التنفيذ بعد انتهاء معاهدة ستارت الجديدة عام 2026.

ونقلت عن مسؤول أمريكي كبير في وزارة الخارجية، تأكيده أن إدارة بايدن حريصة على الحفاظ على معاهدة ستارت الجديدة، خصوصًا أنها آخر اتفاقية تنظم المنافسة النووية بين الجانبين، وتضغط على روسيا لتصحيح الانتهاكات.

وقال المسؤول: "هناك مسار واضح لإعادة الامتثال، عبر رضوخ موسكو لإجراءات التفتيش الاعتيادية، ومن جانبنا فإننا ما زلنا نثمن المعاهدة بشدة".

وحسب الصحيفة، فإن المسؤولين الروس كانوا على عِلم بأن وزارة الخارجية الأمريكية على وشك تقديم تقرير للكونغرس بشأن امتثال موسكو لمعاهدة ستارت الجديدة، إلا أنهم بادروا بإلقاء اللوم على الولايات المتحدة، لتراجع التعاون في تنفيذ الاتفاقية.

في الوقت نفسه، تؤكد قراءات خبراء روس أن مواصلة واشنطن تزويد كييف بالأسلحة، تمثل عقبة تمنع موسكو من استئناف المباحثات مع واشنطن، بشأن مستقبل تلك المعاهدة.

وكانت روسيا حذرت -قبل أيام- من أن الاتفاق الوحيد الباقي للحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، قد لا يُجدد عام 2026، بسبب ما تراه من محاولات أمريكية لإلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا في أوكرانيا.

وصرح سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، لصحيفة كوميرسانت الروسية، الأسبوع الماضي، بأنه من الصعب معالجة مخاوف واشنطن "طالما أن الولايات المتحدة لا تعيد النظر في خطها العدائي للغاية تجاه روسيا".

ورغم أن ريابكوف، لم يتطرق -في رسالة بريد إلكتروني أُرسلت إلى "وول ستريت جورنال"- لمسألة التفتيش، فإنه أشار إلى أن "روسيا كانت في حالة امتثال تام وصارم للحدود المركزية للمعاهدة".

 

اتفاق أولي

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه بداية إدارة بايدن، بدا الجانبان حريصين على حماية المعاهدة، إذ دعا الرئيس بايدن إلى تمديد معاهدة ستارت الجديدة خمس سنوات، خلال الشهر الأول له في منصبه، وهو ما وافقت عليه موسكو.

ويحدد الاتفاق عدد الرؤوس الحربية والقنابل النووية المنشورة بـ 1550 ويتضمن بنودًا لعمليات التفتيش في الموقع للتحقق من حدود المعاهدة.

وتمتلك روسيا والولايات المتحدة قرابة 90% من الرؤوس الحربية النووية في العالم، وقُيدت هذه الأسلحة جزئيًا بموجب معاهدات تبقى منها معاهدة ستارت الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2011 وجرى تمديدها عام 2021 حتى فبراير 2026.

وأعادت معاهدة ستارت الجديدة التعاون والقيادة المشتركة بين موسكو وواشنطن، في مجال ضبط الأسلحة النووية وتخفيض عددها، وبالفعل تحقق تقدم هذا المجال.

وتتعامل المعاهدة مع الصواريخ النووية طويلة الأمد وعابرة القارات، وقد حددت المعاهدة ترسانة الدولتين النووية من الصواريخ عابرة القارات بما لا يزيد على 700 رأس نووي في قواعد أرضية، و1550 صاروخًا نوويًا في الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، مع امتلاك 800 منصة ثابتة وغير ثابتة لإطلاق صواريخ نووية.

وتُعد هذه الاتفاقية الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين البلدين، بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987.

وتتطلب الاتفاقية من الطرفين إجراء 18 عملية تفتيش سنويًا في قواعد الأسلحة النووية، إضافة إلى تبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة.

وأفادت الصحيفة الأمريكية، بتعليق عمليات التفتيش في مارس 2020 باتفاق متبادل، بعد تفشي جائحة كورونا، لكن التوترات بشأن أوكرانيا ألقت بظلالها على الاتفاق، إذ إنه عندما سعت الولايات المتحدة لاستئناف عمليات التفتيش في أغسطس 2022، رفضت روسيا.

ورغم أن روسيا أشارت إلى تعقيدات إجراء عمليات التفتيش في خِضم الوباء، فإن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية يقول، إن رفض موسكو نابع من عدم رضاها عن رد الولايات المتحدة على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا.

ومن ثمّ فقد تفاقمت التوترات، عندما سعت الولايات المتحدة لمناقشة مخاوفها من استعادة عمليات التفتيش، في جلسة للجنة الاستشارية الثنائية لمعاهدة ستارت الجديدة، التي أنشئت لمناقشة تنفيذ الاتفاقية.

كان من المقرر عقد الاجتماع في مصر أواخر نوفمبر الماضي، لكن المسؤولين الروس انسحبوا في اللحظة الأخيرة، ولم يوافقوا على موعد جديد، ما تستشهد به الخارجية الأمريكية كمثال ثانٍ على "عدم الامتثال".

 

قلق خطير

وبينت "وول ستريت جورنال" أن رفض روسيا السماح بعمليات التفتيش جعل من الصعب تحديد ما إذا كانت أرقام الرؤوس الحربية التي قدمتها دقيقة، وهي مشكلة تصفها الخارجية الأمريكية بأنها "مصدر قلق خطير".

كانت روسيا أخطرت الولايات المتحدة في سبتمبر بأن لديها 1549 رأسًا حربيًا وقنبلة، لكن من دون القدرة على استخدام عمليات التفتيش لإجراء عمليات تفتيش مفاجئة -كما يشير تقرير الخارجية الأمريكية- لا يمكن للولايات المتحدة أن تحدد -على وجه الدقة- ما إذا كانت روسيا قد بقيت ضمن حدود المعاهدة العام الماضي أم انتهكتها.

ومع ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، أنه إذا انحرفت موسكو عن سقف الرؤوس الحربية، فلن تكون الأرقام ذات أهمية عسكرية، إلا أنه من المحتمل أن تكون روسيا ظلت تحت سقف 1550 رأسًا بنهاية عام 2022.

كما أن لغياب عمليات التفتيش بعض العواقب بالنسبة لخبراء الحد من التسلح الروس.

فقد ناقش المسؤولون الأمريكيون والروس إجراءً لطمأنة موسكو بأن الغواصات الأمريكية "ترايدنت2" لا يمكن تحويلها بسرعة لتحمل المزيد من الصواريخ، حسبما قال مسؤولون أمريكيون.

كان من المقرر تقييم هذه الإجراءات من المسؤولين الروس في عملية تفتيش لم يتم إجراؤها.

في المقابل، واصلت روسيا تقديم إخطار بإطلاق صواريخها التجريبية بموجب المعاهدة وتبادل البيانات بشأن عدد الرؤوس الحربية والصواريخ والقاذفات المنشورة.

وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: الروس استمروا في إخبار الولايات المتحدة بأن موسكو لا تزال تدعم المعاهدة.

لكن المشرِّعين الجمهوريين حذروا من أن الانتهاكات الروسية قد تعقبها انتهاكات جوهرية للمعاهدة، من شأنها أن تمكن موسكو من توسيع قواتها، وقالوا إن البنتاغون يجب أن يكون مستعدًا لتعديل حجم القوات الأمريكية ردًا على ذلك.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مايك روغرز، الجمهوري من ولاية ألاباما، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، قوله: "لا توجد معاهدة واحدة لم تنتهكها روسيا، ومن ثمّ يتعين على هيئة الأركان المشتركة أن تفترض أن روسيا انتهكت أو ستنتهك حدود ستارت الجديدة، وإثر ذلك نريد أن نرى في الكونغرس الخطط الخاصة بكيفية رد الولايات المتحدة على هذه الانتهاكات".

وحسب الصحيفة، كانت الولايات المتحدة وروسيا متباعدتين بشأن الأسلحة التي سيتم تغطيتها، من خلال متابعة محتملة لمعاهدة ستارت الجديدة، قبل غزو بوتين لأوكرانيا.

وقال مؤيدو الحد من التسلح، إن رفض روسيا السماح بعمليات التفتيش ألقى بظلاله على آفاق التعاون المستقبلي بشأن الحد من التسلح.

ونقلت الصحيفة عن داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة، وهي مجموعة غير حزبية مقرها واشنطن، قوله: الصعوبات في عمليات التفتيش قد تطرح مشكلات للتفاوض على معاهدة متابعة محتملة.

وأضاف: "ستنتهي صلاحية ستارت الجديدة في 1100 يوم، ومن ثمّ فإنه كلما أوقف بوتين الدخول الفعّال في دبلوماسية الحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، زاد احتمال ترك الترسانات النووية الروسية والأمريكية بلا قيود لأول مرة منذ عام 1972".