العراق... هل تؤدي الخلافات إلى تأجيل الانتخابات المحلية؟
رغم تأكيدات الحكومة العراقية أن الاستعدادات جارية للاستحقاق، فإن تباين وجهات النظر بين القوى السياسية، زاد غموض شكل وآلية التحالفات خلال هذه الانتخابات.

السياق
مع صعوبة الاتفاق على تفاهمات سياسية، بين أغلبية الأطراف السياسية في العراق، من المتوقع تأجيل انتخابات مجالس المحافظات، من ديسمبر 2023 إلى أبريل 2024.
ورغم تأكيدات الحكومة أن الاستعدادات جارية للاستحقاق، فإن تباين وجهات النظر بين القوى السياسية، زاد غموض شكل وآلية التحالفات خلال هذه الانتخابات، إذ تجمع تلك التحالفات توجهات وأفكارًا لقادة الكتل والزعماء السياسيين، ما قد يؤدي في النهاية إلى تأجيلها.
وصوّت مجلس النواب العراقي على موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات (ما عدا محافظات إقليم كردستان العراق)، في العشرين من ديسمبر 2023، إلا أن عددًا من القوى السياسية -على رأسها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي- يدفع باتجاه تأجيلها للعام المقبل.
وتُشكل انتخابات مجالس المحافظات أهمية كبيرة تناهز أهمية الانتخابات التشريعية، بالنسبة للقوى السياسية، ذلك أن هذه المجالس هي التي تتولى اختيار المحافظ ونائبيه وإعداد موازنة المحافظة، في ضوء ما تخصصه الحكومة المركزية لها من اعتمادات مالية، ولتلك المجالس الحق في إقالة المحافظين ورؤساء الدوائر، ويجرى اختيار تلك المجالس بناءً على التركيبة السكانية لكل محافظة.
وستكون هذه أول انتخابات مجالس محافظات محلية تُجرى في العراق منذ أبريل 2013 التي تصدرت خلالها القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، النتائج، وقبل ذلك أجريت انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 فقط.
وكان مقررًا إجراؤها عام 2018، تزامنًا مع الانتخابات البرلمانية حينها، لكنها أرجئت أكثر من مرة.
وعلى وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة وصلت ذروتها في خريف 2019، صوّت مجلس النواب العراقي حينها على حل تلك المجالس والتصويت على إنهاء عملها، كأحد مطالب المتظاهرين.
وبحسب الدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة فهي "لا تخضع لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولها مالية مستقلة" ولها "صلاحيات إدارية ومالية واسعة".
ذرائع التأجيل
تتعدد الذرائع بين الأحزاب بشأن التأجيل، إذ يتمسك نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، بضرورة تغيير التركيبة الحالية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، رغم أن الوقت غير كافٍ لتحقيق ذلك.
لكن متابعين يرون أن من الدوافع التي تقود زعيم ائتلاف دولة القانون لتأجيل الانتخابات، استشعاره بعدم جاهزيته لهذا الاستحقاق المهم، وأن هناك مخاوف من تعرضه لانتكاسة انتخابية، لاسيما مع تحفظات في الأوساط الشعبية بشأن مسلك المالكي، وما يثار عن محاولاته عرقلة الحكومة الحالية التي يقودها محمد شياع السوداني.
ورجح النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الزيادي، تأجيل انتخابات مجالس المحافظات إلى ما بعد نهاية العام الجاري، مبينًا أن هناك أسبابًا تستدعي تأجيلها.
وقال الزيادي لوسائل إعلام محلية: من الصعب جدًا إجراء الانتخابات المحلية نهاية العام الجاري، بسبب عدم حسم اختيار مفوضية جديدة للانتخابات، ما يستدعي التمهل فترة أطول.
ورأى أن مفوضية الانتخابات الحالية مازالت نافذة المفعول، لكن لا يمكن تكليفها بإجراء الانتخابات بسبب قرار المحكمة الاتحادية الذي دعا إلى تغيير مفوضية الانتخابات.
وأوضح الزيادي أن المدة المتبقية على موعد إجراء الانتخابات غير كافية لاختيار مفوضية جديدة، لذلك من المؤكد تأجيل الانتخابات للعام المقبل.
وتأييدًا لذلك، قال القيادي في ائتلاف دولة القانون جاسم البياتي، في تصريحات صحفية: رغم اقتراب موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات، فإنه -حتى الآن- لم يُفتح باب الترشيح أو تصفية المرشحين النهائيين.
ورأى أن عملية اختيار أعضاء المفوضية الجدد بحاجة إلى ستة أشهر في أحسن الأحوال، ما يتعارض مع موعد إجراء الانتخابات، لذلك ليس أمام الحكومة والقوى السياسية إلا أحد هذين الخيارين.
الخيار الأول: العودة الى إبقاء القضاة مع تغيير بعض المسميات والخروج بإشراف قضائي مرة أخرى، كون الوقت لا يتحمل إلا أنه سيتعارض مع قرار المحكمة الاتحادية.
أما الخيار الآخر المطروح حاليًا فهو تأجيل الانتخابات إلى أبريل من العام المقبل، وفق البياتي.
رد المفوضية
في المقابل، ردت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي على مقترحات التأجيل، بالقول: إن المفوضية تستعد لإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل حسب ما ثبت في القانون الانتخابي المعدل، لافتة إلى أنها "بدأت عملها واستعداداتها لمرحلة تحديث سجل الناخبين".
وأشارت إلى أنه تأكيدًا لإجراء الانتخابات في موعدها، فقد وجه رئيس الدائرة الانتخابية عباس الفتلاوي بضرورة تشكيل اللجان استعدادًا للانتخابات، ووضع المواصفات الفنية اللازمة التي يحتاجها الاستحقاق، مع تحديد موظفي الاقتراع، إضافة إلى لجنة المحاكاة.
وأوضحت أن "اللجان تدرس المطلوب لكل المراحل، وتعمل إلى نهاية يوم الاقتراع، لذلك بدأت الاستعدادات، والعمل مستمر مرحلة تلو أخرى".
وأضافت الغلاي: "بحسب قانون التعديل الثالث لانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، فإن البطاقة البايرومترية أصبحت الأساس في الانتخابات المحلية المقبلة"، مشيرة إلى أنه "خلال انتخابات مجالس المحافظات فإن التصويت هو نفسه السابق بأجهزة التحقق والعد والفرز، لكن تمت إضافة العد والفرز اليدوي".
وذكرت أن المفوضية "لا تستغني عن شركاء العملية الانتخابية سواء من المراقبين المحليين أم الدوليين والمنظمات المحلية والدولية والإعلام ووكلاء الأحزاب السياسية، حتى الناخبون لهم دور أساسي مهم في الانتخابات"، مشيرة إلى "تشكيل لجنة المراقبين الدوليين برئاسة رئيس الدائرة الانتخابية عباس الفتلاوي لتنسيق العمل في هذا الجانب".
وشددت على "ضرورة المشاركة لكل شركاء العملية الانتخابية، بما فيها المنظمات الدولية والمحلية".
ويضغط ائتلاف دولة القانون وغيره من القوى الشيعية الممثلة داخل الإطار التنسيقي منذ أشهر لتغيير مجلس المفوضين في الهيئة، وهو ما تحقق فعلًا باستقالة رئيس المجلس القاضي جليل عدنان خلف، واختيار القاضي عمر أحمد محمد خلفًا له.
وحسب مراقبين، فإنه كثيرًا ما اتهمت القوى الشيعية الموالية لإيران المفوضية الحالية بالانحياز، محذرين من أن الضغط لتغيير تركيبتها، يزيد المخاوف حيال شفافية العملية الانتخابية المقبلة.
وأشاروا إلى أن تحرك المالكي باتجاه تأجيل الاستحقاق إلى حين الاتفاق على تغيير تركيبة الهيئة، قد يلقى تفاعلًا من باقي الطيف السياسي الذي لا يبدو هو الآخر جاهزًا لإجراء الاستحقاق في موعده.
ويرى المراقبون أن الخلاف يكمن في موقف رئيس الوزراء العراقي، الذي أكد -في الفترة الأخيرة- ضرورة إجراء الانتخابات المحلية، مشددًا على دعمه للمفوضية الحالية، وهذا ما قد يقود إلى صدام جديد له مع المالكي.
كان السوداني، أكد خلال اجتماع مع مجلس المفوضين والمديرين العامّين في المفوضية العليا للانتخابات، أن الحكومة تعمل على توفير كل ما تستلزمه الانتخابات، ومتطلبات استكمال عمل المفوضية، مشددًا على دعمه لهذه المؤسسة الدستورية المهمة والأساسية في النظام الديمقراطي.
وأضاف رئيس الوزراء العراقي أن "النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية ركن أساس للمحافظة على مهنية المفوضية وحيادية أدائها، ومن الضروري الانفتاح على القوى السياسية والمجتمعية والمدنية، وتبديد المخاوف، وتلقّي الملاحظات التي تدعم عمل المفوضية".
الصدر في الصورة
بعض المراقبين لم يستبعدوا ربط المطالبات بتأجيل الانتخابات بعودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي والمشاركة في الانتخابات، خصوصًا أن مدة تجميد التيار لعام كامل تنتهي في أبريل المقبل.
ورغم التكهنات بقرب عودة الصدريين إلى العملية السياسية أو على الأقل "الحراك الاحتجاجي"، فلا تزال توجهات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر السياسية يكتنفها الغموض.
بينما يرجح محللون سياسيون أن يكون صمت الصدر سببه مراقبته لـ"أداء حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومنحها الفرصة الكافية لتنفيذ برنامجها الوزاري".
ولم يشترك التيار الصدري في الحكومة الحالية، التي شكلها الإطار التنسيقي وحلفاؤه في ائتلاف إدارة الدولة، لكنه لم يظهر معارضة ولا تأييدًا لها، حتى الآن.
وسبق للتيار أن أرسل رسائل غير مباشرة إلى خصوم الصدر السياسيين وحذرهم مما سماه "استغفال التيار".
وخلال خطبة الجمعة في الكوفة 5 مايو المنصرم، حذر أحد أنصار الصدر مما وصفه بـ"غضب الحليم"، في إشارة إلى الصدر.
ورغم أنه -حتى الآن- لم يُصرح أي قيادي أو عضو في التيار الصدري بتأجيل الانتخابات المحلية، لكن مراقبين يؤكدون أن التيار يؤيد قرار التأجيل، أو المقاطعة حال إجرائها.
وأشاروا إلى أنه حال التأجيل، يتمكن التيار من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة بعد انتهاء فترة التجميد.
وحسب المراقبين، فإن "قيادة التيار الصدري مركزية بيد الصدر نفسه، والأخير لم يعدل عن قرار عدم المشاركة بالانتخابات وملتزم الصمت، وعدم المشاركة في العملية السياسية، بعد أن انسحب منها بسبب خيبة أمله في بعض الشركاء السياسيين، الذين وقفوا ضد مشروعه للإصلاح".