تأشيرات السودانيين إلى مصر.. هل ألغت القاهرة اتفاقية الحريات الأربع؟
بعدما تحولت مساحات كبيرة من العاصمة وغربي السودان إلى مناطق حرب، بات آلاف السودانيين الذين كانوا ينتظرون دورهم في العبور إلى مصر، في وضع إنساني صعب، وسط خيارات شبه معدومة، إذ كانت القاهرة الوجهة الأفضل للراغبين في الفرار من النزاع.

السياق
«الوافدون بسبب أوضاع بلادهم ضيوف وليسوا لاجئين»، شعار رفعته مصر في تعاملها مع الأزمات التي ضربت جيرانها، إلا أن أوضاعًا جديدة استدعت فرض ضوابط على تلك السياسة، التي كثيرًا ما انتهجتها القاهرة.
فمصر التي فتحت ذراعيها لمواطني الدول المأزومة، بسياسة الترحيب والمساواة بمواطنيها، وبنية قالت عنها وزارة الخارجية المصرية إنها طيبة، فوجئت باستغلال تلك النية، من بعض الأفراد والمجموعات في الجانب السوداني من الحدود، بتزوير تأشيرات دخول أراضيها للتربّح، ما استدعاها لاتخاذ إجراءات جدية.
فماذا حدث؟
في خطوة قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنها لا تهدف إلى منع أو الحد من أعداد السودانيين الوافدين، أعلنت استحداث إجراءات جديدة تلزم بموجبها السودانيين الراغبين في دخول أراضيها، بالحصول على تأشيرة دخول.
قرار السلطات المصرية، أغلق الباب أمام اتفاق سابق بين البلدين، كان يضمن حرية دخول الأطفال والنساء وكبار السن، من دون الحصول على تأشيرة.
فما الأسباب؟
الإجابة كانت في توضيح نشره المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبوزيد بحساب وزارة الخارجية المصرية في «فيسبوك»، قائلًا إن القرار الذي اتخذته مصر 10 يونيو الجاري بفرض تأشيرة دخول للسودانيين القادمين إلى مصر، يستهدف وضع إطار تنظيمي لعملية دخول السودانيين لمصر عقب مرور أكثر من 50 يومًا على الأزمة، مشيرًا إلى أنه ليس الغرض منه منع أو الحد من أعداد السودانيين الوافدين.
وأوضح متحدث «الخارجية المصرية» أن مصر استقبلت أكثر من 200 ألف سوداني منذ اندلاع الأزمة، مشيرًا إلى أنها من أكثر دول الجوار استقبالاً للسودانيين.
وأشار الدبلوماسي المصري، إلى أن تلك الأعداد تضاف إلى ما يقرب من 5 ملايين سوداني في مصر قبل بداية الأزمة، مؤكدًا أن مسؤولية توفير البنية الأساسية الصحية والتعليمية والسكنية لكل هؤلاء تقع على عاتق الحكومة المصرية المسؤولة عن توفير الخدمات الأساسية للسودانيين الموجودين على أراضيها.
ورغم ذلك، لوحظ -خلال الفترة الماضية- انتشار لأنشطة غير قانونية، يضطلع بها أفراد ومجموعات في الجانب السوداني من الحدود، يزورون تأشيرات دخول مصر للتربح، «مستغلين حاجة السودانيين للقدوم لمصر والنية الطيبة للجانب المصري في التجاوب واستيعاب التدفقات الكبيرة للوافدين»، بحسب الدبلوماسي المصري.
أسباب سردها أبوزيد، استدعت بلاده لاستحداث إجراءات تنظيمية تعتمد على التأشيرات المميكنة لمواجهة تلك الجرائم، مشيرًا إلى موافاة القنصليات المصرية في السودان بالأجهزة الإلكترونية اللازمة لتنفيذ تلك الإجراءات بشكل دقيق وسريع ومؤمّن، يضمن وصول السودانيين لمصر بشكل منظم.
وختم متحدث الخارجية المصرية تصريحاته بتأكيد أن عملية دخول السودانيين مصر تخضع لقواعد وإجراءات يجرى استحداثها وتنظيمها، من خلال اللجان القنصلية المشتركة مع الجانب السوداني، التي تجتمع لمراجعة وتحديث الإجراءات ذات الصلة.
ماذا يعني القرار؟
بعد ما يقرب من شهرين على اندلاع الحرب، تندفع ثالث أكبر دولة في إفريقيا، يبلغ عدد سكانها 49 مليون نسمة، فر منهم قرابة مليونين من ديارهم، نحو أزمة إنسانية أسوأ، فاقمتها الإجراءات المصرية، التي قد تؤدي إلى بطء وتيرة عبور السودانيين المتضررين من النزاع إلى الجارة الشمالية.
فبعدما تحولت مساحات كبيرة من العاصمة وغربي السودان إلى مناطق حرب، بات آلاف السودانيين الذين كانوا ينتظرون دورهم في العبور إلى مصر، في وضع إنساني صعب، وسط خيارات شبه معدومة، إذ كانت القاهرة الوجهة الأفضل للراغبين في الفرار من النزاع.
وخلال اليومين الماضيين، تداول عديد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع والصحف السودانية، بيانات إدارتي معبري قسطل وأرقين الحدوديين مع مصر، تشير إلى أن القاهرة أخطرتهما بأنه «لا يسمح بدخول مصر إلا بعد الحصول على تأشيرة لكل الفئات العمرية وللجنسين».
ومنذ العاشر من يونيو الجاري، أصبح على السودانيين من جميع الفئات الحصول على تأشيرة دخول لمصر، حيث تعمل قنصليتان فقط على إصدارها في كل من مدينة وادي حلفا، أقصى شمال السودان، وبورتسودان بولاية البحر الأحمر شرقًا.
إلا أن الوصول إلى بورتسودان يتطلب رحلة برية شاقة، وسط درجات حرارة مرتفعة للغاية، فاقمت معاناة الفئات الضعيفة التي كانت عادة ما تقصد مصر للعلاج.
فما دوافع قرار السلطات المصرية؟
يقول عضو مجلس النواب المصري، فريدي البياضي، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إنه ضد فتح الحدود بين البلدين، من دون إجراءات تنظيمية، مشيرًا إلى خطورة ذلك.
إلا أنه قال إنه على القانون المصري فتح مجال للسودانيين لدخول مصر، مشيرًا إلى أنه يقف مع قرار فتح الحدود للسودانيين وفق ضوابط.
من جانبه، قال الأكاديمي والباحث السياسي حامد فارس، في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، إن العلاقات المصرية السودانية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي شخص أن يزايد على تلك العلاقات.
وأوضح الباحث السياسي المصري، أن القاهرة تمد يديها دائمًا وأبدًا للسودانيين، بينما الإجراءات المصرية تنظيمية في المقام الأول، مشيرًا إلى أن الباب المصري لا يمكن إغلاقه على الإطلاق.
وأشار إلى أن مصر من أوليات الدول التي تدعو لحل سياسي في السودان، إلا أنه لا يمكن لدولة في العالم أن تستضيف على أراضيها مواطني بلد كامل، مؤكدًا أن هناك مناطق كاملة في القاهرة يقطنها السودانيون، ويعاملون كالمصريين في الحصول على الخدمات والمعاملة.
وأكد الأكاديمي المصري، أن القاهرة لا تنوي تحجيم الأعداد النازحة من السودان إلى أراضيها، مشيرًا إلى أن مصر تتخوف من اندساس إرهابيين في راغبي الدخول إلى الأراضي المصرية، ما استدعى من القاهرة وضع إطار تنظيمي لها.
محمد الأسباط المحلل السياسي السوداني، وصف في تصريحات تلفزيونية تابعتها «السياق»، القرار بـ«الطعنة» في قلب كل سوداني وكل مصري يعرف عمق العلاقة بين البلدين، مشيرًا إلى أن هذه اللحظة التاريخية التي كان يتوقع السودانيون أن تفتح القاهرة أحضانها لهم.
وأوضح المحلل السياسي السوداني، أنه لا يرى منطقًا للقرار المصري، نظرًا لعلاقات التصاهر والقرابة والاستثمار بين البلدين والشعبين، مشيرًا إلى أن السودانيين بحاجة ماسة إلى أن تكون الحدود المصرية مفتوحة لهم.
وأشار إلى أن القرار ألغى اتفاقية الحريات الأربع بين دولتين من جانب واحد، مؤكدًا أن مواطني بلاده يطالبون القاهرة بإعادة النظر في هذا القرار.