فايننشال تايمز: كيف أحكمت أسماء الأسد سيطرتها على الاقتصاد السوري؟

تتحكم السيدة الأولى، في عديد من مستويات الاقتصاد السوري المنهك، حيث تصنع السياسات وتجني الأرباح، وتساعد في توطيد قبضة النظام على بلد في حالة دمار دموي، وتظهر بصماتها بشكل واضح في قطاعات عدة، بحسب فايننشال تايمز.

فايننشال تايمز: كيف أحكمت أسماء الأسد سيطرتها على الاقتصاد السوري؟

ترجمات – السياق

من خلال شركات وهمية، ومجلس سري، تدير السيدة الأولى في سوريا أسماء الأسد، امبراطورية اقتصادية عملاقة، تخدم الأسرة الحاكمة، وتزيد نفوذها على بلد مزقته الحرب، خلال أكثر من عقد من الزمان.

هذا ما  كشفته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن دور متنامٍ للسيدة أسماء الأخرس زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، خلال السنوات الأخيرة، وتزايد نفوذها بشكل لافت في عملية صناعة القرار بسوريا، والهيمنة على مختلف قطاعات الدولة الاقتصادية، رغم بدايتها المتواضعة في الحياة العامة السورية.

 

أم الوطن

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه في الأماكن العامة، تقدم أسماء (48 عامًا)، التي تصنف نفسها بأنها أم الوطن، الرعاية للأمهات وأسر العسكريين والأطفال المصابين بالسرطان والناجين من زلزال فبراير الماضي، لكن في السر، حوّلت نفسها إلى موقع قوة، وفقًا لمقابلات مع 18 شخصًا على دراية بأنشطة النظام، بينهم رؤساء شركات وعمال إغاثة ومسؤولون حكوميون سابقون.

وقالت: إنها تفعل ذلك وهي ترتدي في العادة "شرائط رقيقة في شعرها، وفساتين خيطت بأيدي أرامل الرجال الذين استشهدوا في الحرب التي قادها زوجها".

وتتحكم السيدة الأولى، وفق الصحيفة البريطانية، في عديد من مستويات الاقتصاد السوري المنهك، حيث تصنع السياسات وتجني الأرباح، وتساعد في توطيد قبضة النظام على بلد في حالة دمار دموي، وتظهر بصماتها بشكل واضح في قطاعات عدة، مثل العقارات والبنوك والاتصالات، وإن كان ذلك من خلال الشركات الوهمية والحسابات الخارجية المملوكة لشركاء مقربين.

ووفق الصحيفة، ترأس أسماء الأسد -التي كانت تعمل في بنك جي بي مورغان- المجلس الاقتصادي السري التابع للرئاسة، وهو مجلس غير رسمي، إلا أنه يلعب دورًا بارزًا في سوريا، بينما تبني المنظمات غير الحكومية التابعة لها شبكة محسوبية واسعة لعائلة الأسد، وتتحكم في أماكن وصول أموال المساعدات الدولية.

ونقلت عن جويل رايبورن، الذي كان المبعوث الخاص لسوريا بوزارة الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قوله: "أصبح من الواضح أن أسماء تمثل مركزًا للقوة الاقتصادية في سوريا".

ورأت الصحيفة أن الاقتصاد السوري على "شفا الانهيار، نتيجة سنوات من الصراع والديون غير المسددة للدول المؤيدة للنظام (روسيا وإيران)، بخلاف العقوبات الغربية المتلاحقة".

لكن كثيرًا مما تبقى من هذا الاقتصاد، منقسم بين الشقيق الأصغر لبشار (ماهر)، وزوجته أسماء، ويقول رجال أعمال ومحللون سوريون، إنهما فككا معًا طبقة التجار التقليديين في سوريا، وفتحوا طرقًا جديدة للاستفادة من الحرب.

ومن ثمّ أصبح اسم "أسماء الأسد"، على وجه الخصوص، اختصارًا لعصر التوحيد المالي من قِبل الزوجين الرئاسيين ودائرتهما المقربة، أو كما يقول أحد رجال الأعمال السوريين: "كل سوريا الآن أسماء أسماء".

 

أسماء والسلطة

وبينت "فايننشال تايمز" أن أسماء الأخرس، التي وُلدت ونشأت في لندن، أثارت خطبتها من بشار عام 2000 الدهشة، إذ كان والدها منتقدًا للنظام، لكن من الواضح أن أسماء كانت متعطشة للسلطة، والآن، من الواضح أنها تعيش عليها، وفق وصف رجل أعمال سوري عرفها خلال وجودها في لندن.

وبعد بداية صعبة في دمشق -أعاقتها حماتها التي سعت إلى قِصر دورها على الأمومة -كرست أسماء نفسها لمبادرات غير مثيرة للجدل سياسيًا، في السياحة والثقافة والتعليم.

وعام 2007، أنشأت الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة غير حكومية من شأنها رفع مكانتها، قبل أن تصبح أداة أساسية للنظام أثناء الحرب.

وأوائل عام 2011، نشرت مجلة فوغ ملفًا سيئ السمعة، يصفها بأنها "وردة الصحراء"، تتويجًا لحملة ساحرة استمرت عقدًا من الزمان، لإثارة إعجاب الزوجين في الصحافة الغربية.

وقبل الحرب الأهلية، كانت النخبة والدبلوماسيون الغربيون ينظرون إليها كمن يمكن أن يتحدث لبشار "بعقلانية"، وفق أندرو تابلر المسؤول السابق في الحكومة الأمريكية، واعتقد كثيرون أن ذلك يمكن أن يهدئ رد فعل زوجها على الاحتجاجات ضده، لكن يبدو أن هذا الافتراض كان في غير محله.

وخلال السنوات الأولى من الحرب، تراجعت أسماء الأسد عن المشهد العام، لكن عام 2016، مع سيطرة الأسد على جزء كبير من سوريا، "خرجت بكل قوتها"، خصوصًا بعد وفاة حماتها، وأصبحت محل تقدير كبير من العلويين، من خلال عملها الخيري.

وساعدت معركة علنية مع سرطان الثدي عام 2018 في التقريب بين آل الأسد، وبعد فترة وجيزة، عهد بشار إلى زوجته بتولي أجزاء من محفظة الدولة الاقتصادية.

وبينما كانت أسماء تبدأ تقدمها نحو دور قيادي غير مسبوق، كانت البلاد تواجه ضائقة شديدة بشكل متزايد، فقد كان الاقتصاد يتعرض لانهيار كبير، وأصبح النقص الواسع في السلع الأساسية القاعدة، حيث نزفت الحكومة السيولة لتمويل الإنفاق العسكري، وكشوف رواتب القطاع العام، والسلع المدعومة، بخلاف الديون المتلاحقة لروسيا وإيران على وجه الخصوص.

ثم جاء الانهيار المالي في لبنان، الذي قضى على مدخرات كثير من السوريين، وبحلول ديسمبر 2019، فقدت العملة أكثر من 95 في المئة من قيمتها قبل الحرب مقابل الدولار، ما أدى إلى إفقار شرائح واسعة من السكان.

ومع التردي الاقتصادي في البلاد، اتخذ النظام إجراءات جذرية عززت قبضة بشار وأسماء شبه الكاملة على الاقتصاد، وفقًا لخبراء سوريين ورجال أعمال ومطلعين على أنشطة النظام.

وشرع القصر الرئاسي بترقية مقربين للعمل كواجهات للأسد وزوجته، لمساعدتهما في تجميع مزيد من الثروة الشخصية.

ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي السوري جهاد يازجي قوله: عدم ارتباط هؤلاء المقربين بالدوائر التأسيسية، لأي من هذه الشركات التي يمتلكونها الآن، يعني أنهم كانوا يعتمدون على علاقاتهم بالنظام.

ويقول خبراء: هذه العلاقة أوجدت مصادر دخل جديدة غير مشروعة للنظام، تعتمد على: (تجارة الأسلحة، وتهريب النفط، والكحول، ومبيعات الكابتاغون الأمفيتامين غير القانوني).

لكنها لم تكن كافية، لذلك، فعام 2019، نفذ نظام الأسد ما أطلق عليه رجال الأعمال والخبراء السوريون حملة "شبيهة بالمافيا" لزعزعة نخبة رجال الأعمال -بمن فيهم أولئك الذين دعموا الأسد طوال الحرب- التي مازالت حتى يومنا هذا.

الحملة بدأت في سبتمبر 2019 باستدعاء عشرات من رجال الأعمال إلى فندق شيراتون في دمشق، وطُلب منهم إيداع دولارات أمريكية في البنك المركزي، للمساعدة في استقرار الليرة السورية وإلا لن يفرج عنهم. وبحسب بعض الروايات، كانت القيمة الإجمالية للودائع "بمئات الملايين".

وقدرت وزارة الخارجية الأمريكية -في تقرير- أن صافي ثروة عائلة الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار، بينما تبلغ ثروات المقربين منه مليارات الدولارات.

وأشارت الخارجية، بتقريرها الذي صدر في مايو من العام الماضي، إلى أن هذه التقديرات قد تكون غير دقيقة ولا تعكس صافي الثروة، إذ إن أصول العائلة منتشرة ومخبأة في عديد من الحسابات والمحافظ العقارية وملاذات ضريبية خارجية، وقد تكون مسجلة بأسماء مستعارة أو بأسماء آخرين، لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات.

 

دائرة أسماء

وتشير "فايننشال تايمز" إلى حملة مصادرة أموال رجال الأعمال التي شنها الأسد عام 2019 وكانت هذه الفكرة قد طرحت خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي الذي ترأسه أسماء، وفق خبراء سوريين ومصادر مطلعة.

وعلى عكس اللجنة الاقتصادية الرسمية التابعة للحكومة، فإن هذه اللجنة غير معروفة خارج بوابات القصر وتنفذ عمليات مصادرة الأصول الأكثر سرية للنظام.

كان الضحية الأكثر شهرة لعمليات المصادرة رجل الأعمال، رامي مخلوف -ابن عم بشار- إذ سيطرت أسماء على مؤسسة مخلوف الخيرية، وشبكتها العلوية الواسعة، ما وسع سيطرتها على قطاع المساعدات.

وقال خبراء ورجال أعمال سوريون إن إطاحته كانت توجيها واضحًا من أسماء.

منذ ذلك الحين، يعيش مخلوف رهن الإقامة الجبرية، حسبما أفادت مصادر مطلعة لصحيفة فايننشال تايمز.

ويكشف تقرير الخارجية الأمريكية، أن أسماء استولت على جمعية البستان الخيرية من رامي مخلوف، وعينت مسؤولين مقربين منها في مجلس إدارة شركة "سيرياتيل" للاتصالات، كما أسست شركة اتصالات "إيماتيل" مع رجل أعمال سوري.

وتولى مهند الدباغ، ابن خالة أسماء، وشقيقها فراس الأخرس، إدارة شركة "تكامل" التي تدير برنامج البطاقة الذكية، التي تستخدم لتوزيع الغذاء المدعوم في سوريا.

وقال قريب لها: "لإنجاز أي عمل جديد، يجب أن تأخذ أسماء (وطاقمها) حصة".

ومع ذلك، فإن اسمي الزوجين، بشار وأسماء، غير موجودين في أي وثائق، ويقول إياد حامد، الباحث في برنامج التطوير القانوني السوري: "أنت لا تتحدث عن نظام رأسمالي عادي لديه تقارير ربع سنوية وشفافية".

ومع ذلك، بدأ المسؤولون الأمريكيون تتبع أنماط واضحة، وأدركوا أن بإمكانهم معاقبة المقربين من النظام.

وفي ذلك، يقول جويل رايبورن: "ممثلوهم في الواجهة بارزون جدًا، وكان من السهل استهدافهم".

من هؤلاء في الدائرة المقربة لأسماء، ياسر إبراهيم، الذي خضع لعقوبات أمريكية عام 2020 ويعمل مستشارًا اقتصاديًا للرئيس، لكنه أيضًا عضو في المجلس الاقتصادي السري الذي ترأسه أسماء.

وبشكل غير رسمي، يتولى إبراهيم عديد الشركات، التي أُجبر أصحاب الأعمال على بيعها، وفقًا لأربعة رجال أعمال في المنطقة، ومصدرين مطلعين.

ويظهر اسمه على عشرات من وثائق الشركات، بعضها مسجل في سوريا ولبنان والبعض الآخر في جزر كايمان.

ومن هذه الشركات، شركات الاتصالات والسياحة والبناء والعقارات والأمن الخاص وشركات النفط وغيرها، وفقًا لما ذكره كرم شعار، الزميل الأول في معهد نيو لاينز، الذي يتابع أنشطة إبراهيم.

ومن الشخصيات في الدائرة المقربة لينا الكناية، التي قالت ثلاثة مصادر مطلعة إنها إحدى مسؤولي العلاقات مع القطاع الخاص في القصر، وكانت وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات عليها عام 2020، قائلة إنها "أجرت مجموعة من الأنشطة التجارية والشخصية نيابةً عن أسماء".

وتعد منظمة "الأمانة السورية للتنمية"، التي أنشأتها قبل الحرب وتتحكم فيها الآن بالمشاريع الإنسانية، مصدر القوة الرئيس لقرينة بشار الأسد.

ومن رجال الأعمال المقربين لأسماء أيضًا، خضر علي طاهر، صاحب أكبر شركة لبيع الهواتف بالتجزئة وتكنولوجيا المعلومات في سوريا "إيماتيل"، وعضو المجلس الاقتصادي السري بالقصر.

ويعتقد كثيرون أنه يدير الشركة التي أنشئت عام 2019 نيابةً عنها أيضًا، إذ أن "إيما" كان لقب الطفولة لأسماء في لندن.

ويقول محللون، وخبراء إغاثة، إن تجربتها في إدارة المنظمة غير الحكومية قبل الحرب، سمحت لها بصياغة نظام مساعدة إنسانية "فاسد بشكل منهجي في البلاد".

وقال رجل أعمال: "لم تكن المنظمات غير الحكومية قادرة على العمل من دون الاتصال بها".

وقالت مصادر سورية وعمال إغاثة، إن العلاقة كانت "سافرة" لدرجة أن أسماء تستضيف اجتماعات في مكتبها بالقصر الرئاسي، للتفاوض بشأن عقود المنظمات غير الحكومية الدولية.

وتوفر منظمتها المساعدة القانونية والدعم النفسي الاجتماعي، وتدير مراكز للنازحين مرتبطة بالأمم المتحدة، ويقول محللون إن ذلك يترك الذين استهدفهم النظام وشردهم، تحت رحمة منظمة تابعة للنظام، قد تسعى إلى الانتقام.

وتقول إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط: "من غير المنطقي أن توفر جمعية أسماء الخيرية الحماية والدعم القانوني للذين وقعوا ضحية لزوجها".

وتشير الصحيفة إلى أن موقع المنظمة ذكر أنها حققت "دخلًا غير متوقع" من خلال شركة الإنشاءات التابعة لها "دياري"، بعد أن فازت بعديد من مناقصات الأمم المتحدة، خلال السنوات الماضية.

بينما انتقد تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عام 2018، شريكًا لم يذكر اسمه في الأمم المتحدة، تعاقد مع شركة "مملوكة" لمنظمة أسماء لإعادة تأهيل الملاجئ مقابل 400 ألف دولار تقريبًا.

وبحسب مصدرين، فإن الشريك هو "الأمانة السورية" والشركة هي "دياري".

وردًا على أسئلة من "فايننشال تايمز" قالت الأمم المتحدة إن شراكاتها مع الأمانة السورية "محدودة للغاية"، وغالبًا ما تكون ضرورية بسبب "دورها المؤسسي"، كما أن "الشراكة لا تعني منح تفويض مطلق"، وفق تعبير فرانشيسكو غاليتيري المسؤول الأممي السابق في دمشق.

ورغم تراكم العقوبات ضد عائلتها وشركائها، بدت أسماء غير منزعجة، إذ ظهرت في أكتوبر الماضي، ترتدي فستانًا بنحو 4500 دولار، وهو رقم يُعادل 200 مرة على الأقل متوسط الراتب السوري.

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن أسماء مازالت تحتفظ بجواز سفرها البريطاني، رغم من التقارير التي تحدثت عن أن المملكة المتحدة تتطلع إلى تجريدها من جنسيتها، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يحدث.

وفي حين فرضت بريطانيا عقوبات عليها، وعلى والديها، وشقيقيها، وابنها الأكبر، بتهمة تراكم "ثروات سيئة على حساب الشعب السوري"، لايزال والداها يعيشان في لندن، بينما يعيش الشقيقان الآن في دمشق.