كواليس الأيام الأخيرة قبل الحرب... حميدتي والبرهان رفضا تحية بعضهما

العداء ترسخ في الأسابيع الأخيرة، بعد أن رفض البرهان وحميدتي الترحيب ببعضهما أو تبادل أي كلمات، بما في ذلك أثناء المحادثات التي شاركا فيها تمهيدًا للانتقال إلى الحكم المدني.

كواليس الأيام الأخيرة قبل الحرب... حميدتي والبرهان رفضا تحية بعضهما

السياق

ما إن تحركت عقارب الساعات باتجاه الخامس عشر من أبريل الجاري، حتى اندلعت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي خلفت -حتى الآن- أكثر من 264 قتيلًا، وآلاف الفارين من مناطق النزاع.

إلا أن تلك «الحرب» بين الطرفين، لم تكن وليدة اللحظة، بل إن حممها البركانية ظلت تغلي فترة، حتى انفجرت، لتطول شظاياها ثالث أكبر بلد في إفريقيا، وسط تخوفات وتحذيرات من أن تمتد نيرانها إلى دول أخرى.

كواليس ما قبل الحرب

أعلن الجانبان –الجمعة- أنهما سيلتزمان بهدنة ثلاثة أيام، لكن القتال استمر حتى الآن، بينما الصراع بين القائد العسكري الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» عميق للغاية، لدرجة أن احتمال موافقة أي من الجانبين، على وقف دائم لإطلاق النار بلا مزيد من إراقة الدماء، يبدو ضئيلًا.

ووفقًا لأربعة مصادر مطلعة على المفاوضات، فإن التوترات تصاعدت بسرعة، مع بدء المحادثات لإعادة البلاد إلى طريق الديمقراطية.

بينما قال مصدر سوداني شارك في المفاوضات، في تصريحات لموقع أكسيوس الأمريكي، إن العداء ترسخ في الأسابيع الأخيرة، بعد أن رفض البرهان وحميدتي الترحيب ببعضهما أو تبادل أي كلمات، بما في ذلك أثناء المحادثات التي شاركا فيها تمهيدًا للانتقال إلى الحكم المدني.

ماذا حدث في الكواليس؟

يقول موقع أكسيوس، إن التوترات انفجرت الأسبوع الماضي، عندما لم يتمكن القائدان من إيجاد أرضية مشتركة بشأن النقطة العالقة الأخيرة في التوصل إلى اتفاق لإعادة تنصيب حكومة مدنية.

ونقل الموقع الأمريكي، عن مسؤول أمريكي كبير ومصدر سوداني قولهما، إن هذا الخلاف تركز على الشكل الذي سيبدو عليه التسلسل القيادي العسكري في السودان الذي يقوده مدنيون.

وقال المسؤول الأمريكي البارز ومسؤول أمريكي آخر، إنه بينما أراد البرهان أن يكون الشخصية العسكرية العليا والوحيدة التي تقدم تقاريرها مباشرة إلى الحكومة المدنية، طالب حميدتي بأن تكون له قناته المباشرة الخاصة مع القادة المدنيين، من دون الاضطرار إلى المرور عبر قائد الجيش.

وقال المصدر السوداني إن إحدى الأفكار التي نوقشت خلال المفاوضات، كانت آلية تقاسم السلطة بين الجنرالين، التي من شأنها أن تمنح كلًا منهما حق النقض على القرارات، مشيرًا إلى أن الاتفاق كان جاهزًا للتوقيع الأسبوع الماضي. 

وقدمت «الرباعية الدولية»، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، «اقتراحًا للطرفين... كنا هناك تقريبًا»، يقول المصدر السوداني.

وقال مصدر منفصل مطلع على الوضع لـ«أكسيوس»، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن اتصل بالبرهان وحثه على حل النقطة الشائكة الأخيرة، مذكرًا إياه بالتزامه بالعودة إلى الانتقال المدني، إلا أنه بحلول ذلك الوقت، انهارت المحادثات بين القائدين، وبدأ الجانبان الاستعداد لمواجهة مسلحة.

كيف حدث ذلك؟

يقول المصدر إن البرهان الذي كان يخشى هجوم حميدتي، بدأ إصدار أوامر تتضمن إرسال تعزيزات إلى الخرطوم مطلع الأسبوع الماضي، بينما بدأ حميدتي في الوقت نفسه إرسال قواته إلى قاعدة مروي الجوية شمال العاصمة، التي كانت تضم طائرات مقاتلة وطيارين مصريين.

تحركات حميدتي عدها البرهان استفزازًا، فأصدر في 13 أبريل الجاري، تحذيرًا عامًا قويًا ضد قوات الدعم السريع، ليندلع القتال بعده بيومين، في الخرطوم وما حولها، إضافة إلى مدن وبلدات أخرى، ما أدى إلى الابتعاد فراسخ عن الانتقال إلى الديمقراطية.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين «إنه بالفعل انهيار بين رجلين يحتجزان الآن بلدهما كرهائن وألحقا أضرارًا ودمارًا كبيرًا ببلدهما، لأنهما لم يتمكنا من الاتفاق على تسلسل قيادي».

كيف تصرفت الدول المشتركة في الأزمة؟

منذ بدء القتال، دعت الولايات المتحدة وعديد من حلفائها وشركائها، بما في ذلك المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ومصر والنرويج والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة -مرارًا وتكرارًا- إلى وقف إطلاق النار.

وفشلت محاولتان لهدنة إنسانية 24 ساعة، في غضون ساعة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، حيث ألقى كل من البرهان وحميدتي باللوم على بعضهما.

وقال المسؤول الأمريكي الكبير: «نحن لا نركز على الاتهامات المختلفة من أي من الجانبين لأنها تشتت الانتباه»، مضيفًا أن «القضية المطروحة هي الدور الذي لعبه هذان الرجلان في عرقلة الانتقال عن مساره (...) هناك كثير من اللوم يجب أن نتجاوزه، لكن في هذه المرحلة، ينصب تركيزنا بنسبة 100% على وقف القتال».

ماذا بعد؟

بعد ضغوط دبلوماسية، أعلنت قوات الدعم السريع والجيش بشكل منفصل –الجمعة- أنهما سيلتزمان بوقف إطلاق النار 72 ساعة بمناسبة عطلة عيد الفطر، التي بدأت الجمعة. 

ورحب بلينكن -في بيان- بإعلان وقف إطلاق النار، لكنه قال إنه من الواضح أن «القتال مستمر وهناك عدم ثقة خطير بين القوتين».

حال تنفيذ الهدنة، ستسمح للمنظمات الدولية بتقديم المساعدة الإنسانية، التي تشتد الحاجة إليها للسودانيين الذين حوصروا في منازلهم، وكذلك للمستشفيات المكتظة التي تواجه نقصًا حادًا.

ووصفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في السودان بأنه «كارثي». وأوقفت مجموعات الإغاثة، بما في ذلك بعض وكالات الأمم المتحدة، عملياتها الإنسانية بسبب العنف.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى، تعتقد أيضًا أن وقف إطلاق النار المؤقت يمكن أن "يمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار".

وقال المصدر السوداني: «الهدف الآن هو جلب أكبر عدد ممكن من الأصوات إلى المحادثة، وأكبر عدد من نقاط النفوذ، سواء من الخليج، أم من الأفارقة، أم من المنظمات الدولية، أم من الولايات المتحدة، لمناشدة كليهما لوقف القتال، على الأقل مؤقتًا، حتى نتمكن من العودة إلى المفاوضات التي ستؤدي إلى قيادة مدنيين للسودان».

وشكك المصدر السوداني، الذي يعرف البرهان وحميدتي، في القدرة على إقناع الجنرالات بوقف القتال قبل إعلان أحدهم النصر، قائلًا: «لقد تجاوزا نقطة اللاعودة في علاقتهما».

إجلاء الرعايا الأجانب

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن -فجر الأحد- أن القوات الأمريكية نفذت عملية لإخراج موظفين حكوميين أمريكيين من السودان، بينما قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية جون باس، إن أكثر من مئة شخص، بينهم عدد من الدبلوماسيين الأجانب، أخرجوا في عملية بالمروحيات.

لكن لم يتم إجلاء الأمريكيين الآخرين، الذين يعدّون بالمئات في السودان، بينما لا توجد عملية إجلاء مقررة لذلك في الوقت الحاضر.

وشارك أكثر من مئة من فرق العمليات الأمريكية الخاصة في عملية الإجلاء، التي أسهمت فيها ثلاث مروحيات من طراز إتش-47 شينوك توجهت من جيبوتي إلى إثيوبيا ثمّ إلى الخرطوم، حيث بقيت أقل من ساعة في المطار.

ومن أمريكا إلى باريس، حيث أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية الأحد، بدء عملية إجلاء سريع لفرنسيين وبعثتها الدبلوماسية، شملت أيضًا أوروبيين وآخرين من دول شريكة وحليفة.

كانت السعودية أجلت -السبت- أكثر من 150 شخصًا من السعوديين ورعايا دول أخرى بحرًا، في أول عملية إجلاء معلنة لمدنيين من السودان منذ اندلاع المعارك. 

ونقلت القوات البحرية السعودية المدنيين عبر البحر الأحمر من بور سودان إلى جدة، بحسب وزارة الخارجية السعودية التي قالت إن الأجانب من 12 دولة.

وأعلنت دول أجنبية أخرى أنها تستعد لإجلاء محتمل لآلاف من رعاياها. وتعد أطراف عدة بينها الاتحاد الأوروبي، خططًا لذلك، بينما نشرت كوريا الجنوبية واليابان قوات في دول مجاورة استعدادا لعمليات إجلاء.

الوضع الميداني

قال شهود عيان، إن المعارك وإطلاق النار مستمران في العاصمة وضواحيها، مشيرين إلى أن طائرات حربية حلقت فوق الخرطوم. 

وتقول نقابة الأطباء في السودان، إن الغارات الجوية والقصف المدفعي تسببا -حتى الآن- في إغلاق 72% من المستشفيات في مناطق النزاع.

من أعمدة كهربائية على الأرض، مرورًا بمحال تجارية محترقة، إلى دخان يتصاعد هنا وهناك، يمكن رؤية آثار الاقتتال في الشوارع، رغم الهدنة التي أعلنها الطرفان الجمعة. 

وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، يعيش المدنيون حالة من الرعب، داخل منازلهم، في ظل انقطاع شبه تام للكهرباء والمياه منذ بدء المعارك. 

ويتخوف الجميع من استئناف المعارك بشكل أقوى بعد خروج الأجانب، بينما يجازف عدد منهم بالخروج للحصول على مواد غذائية على نحو عاجل أو للفرار من المدينة.

تبادل الاتهامات

وزعم بيان مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، أن قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات بحق بعثات دبلوماسية ليلة أمس.

واتهم البيان، قوات الدعم السريع بـ«سرقة العربة الدبلوماسية الخاصة بالسفير الماليزي أثناء تسوقه بعد إنزاله من العربة وهروبهم بها»، مشيرًا إلى أن «قوات الدعم السريع اعتدت على موكب إجلاء أفراد السفارة القطرية المتجه إلى بورتسودان ونهبت أموالهم وجميع حقائبهم وهواتفهم النقالة»، إضافة إلى «الاعتداء على موكب السفارة الفرنسية بإطلاق النار، ما أدى إلى عودتهم وتعطيل عملية الإجلاء».

وجددت قوات الدعم السريع تأكيدها بالالتزام بالهدنة المعلنة وفتح الممرات الإنسانية، لتمكين المواطنين من الحصول على الخدمات الضرورية، ولتسهيل حركة الرعايا الأجانب إلى مناطق الإجلاء التي حددتها حكوماتهم.

وزعمت أن قوات الجيش «انتهكت الهدنة المعلنة وضربت قوات الدعم السريع بمنطقة كافوري بالطيران، في اعتداء شمل منازل المواطنين، ما أدى إلى قتل وإصابة عشرات».